يتم التحميل...

التقدير هو الراسم للحياة عند المشركين

العدل

تنص الآيات القرآنية على أنَّ المشركين كانوا معتقدين بالتقدير أولاً، وفي الوقت نفسه يرونه مساوقاً للجبر وراسماً للحياة ومعيناً للمصير. ولعل ما لهج به بعض الصحابة من تفسير التقدير بالجبر وسلب الإِختيار كان من آثار العهد الجاهلي الّتي بقيت في أذهانهم...

عدد الزوار: 104
تنص الآيات القرآنية على أنَّ المشركين كانوا معتقدين بالتقدير أولاً، وفي الوقت نفسه يرونه مساوقاً للجبر وراسماً للحياة ومعيناً للمصير. ولعل ما لهج به بعض الصحابة من تفسير التقدير بالجبر وسلب الإِختيار كان من آثار العهد الجاهلي الّتي بقيت في أذهانهم. وإليك فيما يلي نقل ما ذكره القرآن في عقيدة المشركين:

1- قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَ لاَ آبَاؤُنَا وَ لاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء(الأنعام:148).

ترى أنَّ المشركين يسندون شركهم إلى إرادة الله ومشيئته وأنَّ المشيئة الإلهية هي الّتي دفعتهم إلى الدخول في حبائل الشرك ولولاها لما أشركوا ولما سووا أصنامهم بخالقهم كما يحكي عنهم سبحانه قولهم: ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(الشعراء:98).

ولكن الذكر الحكيم يرد عليهم تلك المزعمة بقوله: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ(الأنعام:148).

2- ويقول تعالى في آية أُخرى حاكياً كلام المشركين في تعليل ارتكابهم الفحشاء بأمر الله وإرادته: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَ اللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (الأعراف:28).

3- ويقول تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ(الزخرف:20).

فهذه الآيات وما يضاهيها من الآيات الأُخر تبين لنا موقف المشركين من التقدير وتحليلهم لهذا الأصل، ولأجل ذلك يجب أن يكون تفسير التقدير على وجه لا يتفق مع زعم المشركين فيه. والعجب أنَّ هذا الاستنتاج الباطل قد بقي بحاله في بعض الأذهان حتى بعد بزوغ فجر الإسلام وقد سجل التاريخ بعض المحادثات في هذا المجال نشير إليها:

1- روى عبد الله بن عمر أنَّه جاء رجل إلى أبي بكر فقال: "أرأيت الزنا بقدر؟ قال: نعم، قال: فإنَّ الله قَدّرَني عليه ثم يعذبني؟ قال: نعم يا ابن اللّخناء. أما لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك"1.

فإنَّ السائل أدرك في ضميره أنَّ التقدير والمجازاة على العمل لا يجتمعان مع عدله سبحانه وقسطه، فلابد من قبول أحد الأصلين ورفض الآخر ولما لم يجد الخليفة جواباً صالحاً لسؤاله قام بتهديده كما سمعت في الخبر، وهذا يوضح أنَّ التقدير في بعض الأذهان كان مساوقاً للجبر وسلب الاختيار ولولا تلك المساوقة لما كان للسؤال موقع ولا لتهديده وجه.

2- نقل الواقدي في مغازيه عندما تعرض لغزوة حنين وهزيمة المسلمين أنّ أم الحارث الأنصارية رأت عمر بن الخطاب في حال الهزيمة والفرار من أرض المعركة فقالت له ما هذا؟ فقال عمر: أمر الله!2.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2،ص164-166

1- تاريخ الخلفاء للسيوطي، 95.
2- المغازي للواقدي، ج 3، ص 904.

2009-08-01