الموضوع: تحديد استراتيجية الجمهورية الإسلامية رسالة الحوزات العلمية
بيان
المخاطب: علماء الدين، المراجع، الأساتذة، أئمة الجمعة والجماعة
عدد الزوار: 204
التاريخ: 3 اسفند 1367 هـ. ش/ 15 رجب 1409 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المخاطب: علماء الدين، المراجع، الأساتذة، أئمة الجمعة والجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السماحة علماء الدين ومراجع الإسلام العظام والأساتذة الكرام والطلاب الأعزاء في الحوزات العلمية، وائمة الجمعة والجماعة المحترمون دامت بركاتهم.
صلوات الله وسلامه وسلام رسوله على أرواح الشهداء الطيبة لا سيما شهداء الحوزات العلمية وعلماء الدين الأعزاء.. تحية لحملة أمانة الوحي والرسالة، الحرس الشهداء، الذين حملوا على عاتق التزامهم الدامي أركان عظمة الثورة الإسلامية ومفاخرها.. سلامٌ على صانعي الملحمة الخالدة، أبداً من علماء الدين الذين كتبوا رسائلهم العلمية والعملية بدم الشهادة وجوهر الدين، وصنعوا من حياتهم سراجاً يضيء الليل من على منبر الهداية والوعظ ومخاطبة الناس.. الفخر والعزة لشهداء الحوزة وعلماء الدين الذين حطموا عند النزل كل ما يشدهم بالدرس والبحث والمدرسة، وسحبوا حبل التمنيات الدنيوية من تحت اقدام حقيقة العلم ورحلوا في ضيافة العرشين وانشدوا الشعر في مجمع الملكوتين.
سلامٌ على أولئك الذين سمو بالتفقه حتى كشف الحقيقة، واضحوا لقومهم وشعبهم منذرين صادقين، حيث برهنت على صدقهم وإخلاصهم قطرات دمهم وتناثر اشلاء أجسادهم.. حقاً لا يتوقع من علماء الإسلام الصادقين ورجال التشيع غير هذا، بأن يكونوا اول من يضحي تلبية لدعوة الحق وفي طريق النضال الدامي لأبناء شعبهم، وان تكون الشهادة مسك ختام سجلهم.
إن أولئك الذين ادركوا حلقة ذكر العارفين ودعاء سحر المناجين في أوساط الحوزات وعلماء الدين، لم يروا في خلسة حضورهم سوى امنية الشهادة، وانهم لم يطلبوا من عطايا الحق تعالى في ضيافة الخلوص والتقرب غير عطية الشهادة. وطبعاً لم ينل جميع المشتاقين والطالبين مراد الشهادة. إن واحداً مثلي امضى عمراً في ظلمات الحصار والحجب، لا يجد منية في ساحة العمل والحياة غير الورق والكتاب. وآخر يدحر في أول ليلة طويلة من حياته هوس الشهوات ويعقد عهد الوصال والشهادة مع إطلالة سحر العشق. في حين انني، الغافل الذي لم آتِ بعد من كمّ العدم إلى الوجود، كيف لي أن اصف قافلة سادة الوجود؟ أنا وأمثالي، لم نسمع من هذه القافلة غير صوت الاجراس فحسب، ونتغاضى عن ذلك ونمضي.
لا شك في أن الحوزات العلمية والعلماء الملتزمين كانوا على مرّ تاريخ الإسلام والتشيع أهم قاعدة إسلامية محكمة في وجه الحملات والانحرافات والسلوك المتطرف. فقد سعى علماء الإسلام الكبار طوال عمرهم، إلى نشر مسائل الحلال والحرام الإلهي دون تدخل أو تصرف. ولو لم يكن الفقهاء الأعزاء لما كان معلوماً أية علوم كانت تقدم اليوم إلى الناس بوصفها علوم القرآن والإسلام وأهل البيت عليهم السلام. إن جمع وحفظ علوم القرآن والإسلام وسنة الرسول الأكرم وسيرته وسيرة المعصومين عليهم السلام وتدوينها وتبويبها وتنقيحها لم يكن عملًا سهلًا في ظروف كانت الإمكانيات قليلة جداً وقد سخر السلاطين والظالمون كل إمكانياتهم لمحو آثار الرسالة. حيث نرى اليوم ولله الحمد ثمرة تلك الجهود في آثار ومؤلفات مباركة نظير (الكتب الأربعة) 1 والمصنفات الأخرى للمتقدمين والمتأخرين في الفقه والفلسفة والرياضيات والنجوم والأصول والكلام والحديث وعلم الرجال، والتفسير والأدب والعرفان واللغة وجميع فروع المعرفة. فإذا لم نسمي كل هذه الجهود والمعاناة جهاداً في سبيل الله، فماذا ينبغي أن نسميه إذن؟ ان ثمة حديث طويل عن الخدمات العلمية الفذة للحوزات الدينية لا يتسع المجال هنا لذكره. فالحوزات العلمية من حيث المصادر وأساليب البحث والاجتهاد، غنية للغاية وحافلة بالإبداع. ولا اتصور وجود طريقة أنسب من نهج علماء السلف في دراسة العلوم الإسلامية باسلوب معمق. إن تاريخ أكثر من ألف عام من البحث والتحقيق والتتبع لعلماء الإسلام الصادقين، على طريق رعاية ونمو غرسة الإسلام المقدسة، خير شاهد على ادعائنا. فعلى مدى مئات الأعوام كان علماء الإسلام ملاذ المحرومين، حيث ارتوى المستضعفون من كوثر زلال معرفة الفقهاء العظام على الدوام. وإذا ما تجاوزنا جهادهم العلمي و الثقافي الذي يعتبر التي تعتبر بحق أفضل من دماء الشهداء 2 في بعض الإبعاد، فانهم ومن أجل الدفاع عن مقدساتهم الدينية والوطنية عانوا الكثير على مرّ العصور. وضمن تحملهم الأسر والنفي والسجون والتعذيب والإساءة، قدموا شهداء عظاما على طريق الحق تعالى.. إن شهداء علماء الدين لم ينحصروا في شهداء النضال والحرب في إيران، إذ أن الكثير من الشهداء المجهولين للحوزات العلمية فقدوا حياتهم غرباء في طريق نشر المعارف والأحكام الإلهية على يد العملاء والخبثاء. وفي كل نهضة وثورة إلهية وشعبية كان علماء الإسلام يقفون في طليعة المواجهة حيث خط على جباههم الدم والشهادة. فاية ثورة شعبية إسلامية لم يقف فيها رجال الحوزة وعلماء الدين في طليعة الشهداء، ولم يصعدوا المشانق ولم تتوسد أجسادهم الطاهرة مذبح الشهادة في خضم الأحداث الدامية؟ مَنْ هم شهداء انتفاضة الخامس عشر من خرداد وما سبقها من أحداث وما تلاها، ومن أية فئة كانوا؟ نحمد الله تعالى بأن الدماء الطاهرة لشهداء الحوزة العلمية وعلماء الدين طرزت أفق الفقاهة، ابتداءً من جدران المدرسة الفيضية وانتهاء بالزنازين الانفرادية المرعبة لنظام الشاه، وبدءً من الزقاق والشارع وانتهاء بالمسجد ومحراب امامة الجمعة والجماعة، وبدءً من موقع العمل والخدمة وانتهاء بالخطوط الأمامية لجبهات القتال وحقول الألغام. ومع انتهاء الحرب المفروضة التي تبعث على الفخر، كان عدد شهداء ومعاقي ومفقودي الحوزات العلمية يزيد على عدد الفئات الأخرى. إذ استشهد أكثر من ألفين وخمسمائة من طلاب العلوم الدينية في الحرب المفروضة من مختلف انحاء إيران. ومثل هذا العدد يشير إلى مدى استعداد علماء الدين للدفاع عن الإسلام والبلد الإسلامي في إيران.
واليوم أيضاً وكما في السابق انطلق صيادو الاستعمار في مختلف أنحاء العالم، سواء في مصر وباكستان وأفغانستان ولبنان والعراق والحجاز وإيران والأراضي المحتلة، يتربصون بأبطال الروحانية المعارضين للشرق والغرب، المؤمنين بمبادئ الإسلام المحمدي الأصيل صلى الله عليه وآله وسلم -. وها نحن نشهد بين الفينة والأخرى في العالم الإسلامي انفجار غضب الناهبين الدوليين ضد أحد علماء الدين المخلصين. لأن علماء الإسلام الأصيلين لن يخضعوا مطلقاً للرأسماليين والخوانين وعبدة المال، وحافظوا على هذا الشرف على الدوام. ومن الظلم الفاحش أن يرى البعض بأن علماء الدين الأصيلين، أنصار الإسلام المحمدي الأصيل، والرأسماليين وضعوا أيديهم في إناء واحد. ولن يغفر الله تعالى لكل من يروج لذلك أو يفكر بهذا النحو. بل أن علماء الدين الملتزمين متعطشون لدماء الرأسماليين الطفيليين ولم ولن يتصالحوا معهم. إذ أن هؤلاء العلماء تعلموا الزهد والتقوى والرياضة جنباً إلى جنب مع كسبهم المقامات العلمية والمعنوية، وعايشوا الفقر والحرمان وترك بهارج الدنيا، ولم يعرفوا المنّة والذلة مطلقاً. فالمتأمل في حياة علماء السلف يرى كيف اعتادت روحهم السامية على كسب المعارف التعايش مع الفقر، وكيف كانوا يدرسون العلوم على نور الشمعة وشعاع القمر، وعاشوا بقناعة وكبرياء؟
إن نشر الفقاهة والروحانية لم يكن بقوة الحراب، ولا بفعل ثروة عبدة المال والأثرياء، وبل ان جدهم ومثابرتهم وإخلاصهم والتزامهم، كان وراء اتباع الناس لهم. كما أن معارضة علماء الدين لبعض مظاهر المدنية في الماضي، كان بوحي خوفهم من نفوذ الأجانب. إذ أن الشعور بالخطر من انتشار الثقافة الأجنبية، لا سيما الثقافة الغربية المبتذلة، أدى إلى أن يتعامل هؤلاء مع الاختراعات والظواهر الجديدة بحيطة وحذر. فالعلماء الصادقون ولكثرة ما شهدوا من كذب وخداع الناهبين الدوليين، لم يكونوا يطمئنون لكل جديد، وان وسائل من قبيل الراديو والتلفاز كانت بالنسبة لهم بمثابة مقدمة لنفوذ الاستعمار، لذا كانوا يفتون أحياناً بتحريم الاستفادة منها. ألم يكن الراديو والتلفزيون في بلدان مثل إيران، وسيلة لجلب الثقافة الغربية؟ ألم يستفد النظام البائد من الراديو والتلفزيون لتجريد المعتقدات الدينية من صدقيتها، والإساءة إلى العادات والتقاليد الوطنية والقومية؟
على أية حال، ان خصائص كثيرة نظير القناعة والشجاعة والصبر والزهد وطلب العلم وعدم التبعية للقوى الكبرى، والأهم من كل ذلك الشعور بالمسؤولية أمام الشعوب، صنع من الروحانية كياناً حياً ثابتاً ومحبوباً. وأية عزة أسمى من ثورة علماء الدين مع قلة الإمكانيات، بغرس بذور الفكر الإسلامي الأصيل في التربة الخصبة لأفكار المسلمين واهتماماتهم، حيث اينعت غرسة الفقاهة المقدسة في رياض حياة ومعنويات آلاف الباحثين.
ومع كل هذا المجد والعظمة والنفوذ، أليس من السذاجة أن يتصور البعض عدم ملاحقة الاستعمار لعلماء الدين؟
إن كتاب (الآيات الشيطانية) 3 عمل مدروس لاستئصال جذور الدين والتدين وفي طليعته الإسلام وعلمائه. فمما لا شك فيه لو كان بوسع الناهبين الدوليين لعملوا على اجتثاث جذور علماء الدين واسمهم، ولكن الله تعالى كان دائماً حافظاً وحارساً لهذا المشعل المقدس، وسيستمر ذلك من الآن فصاعداً أيضاً بعونه تعالى، شرط أن نعي حيل ومكر وخداع الناهبين الدوليين.
وبطبيعة الحال لا يعني هذا إننا ندافع عن جميع علماء الدين، ذلك أن رجال الدين المرتبطين والمتظاهرين بالقداسة والمتحجرين لم ولن يكونوا قلة. ففي الحوزات العلمية ثمة أفراد ينشطون ضد الثورة والإسلام المحمدي الأصيل. فاليوم نرى عدة من هؤلاء، ومن خلال التظاهر بالقداسة، توجه سهامها إلى قواعد الدين والثورة والنظام وكأنه ليس لديها همّاً غير ذلك. إن خطر المتحجرين والمتظاهرين بالقداسة الحمقى غير قليل في الحوزات العلمية. وعلى الطلبة الأعزاء أن لا يغفلوا لحظة واحدة عن هذه الأفاعي الرقطاء، إذ أنها تروج للإسلام الأميركي وأعداء رسول الله، ولا بد للطلبة الأعزاء المحافظة على وحدتهم أمام مثل هذه الأفاعي.
إن الاستكبار العالمي وبعدما يأس من القضاء على علماء الدين وتدمير كيان الحوزات العلمية، لجأ في عصرنا الحاضر إلى أسلوبين لتنفيذ مخططه، الأول أسلوب القوة والإرعاب، والثاني أسلوب الخداع والتضليل. ولما فشلت حربته في الإرعاب والتهديد بتحقيق اهدافه، سعى الاستبكار إلى أسلوب الخداع والتضليل وتقوية نفوذه في الأوساط الدينية. ولعلّ من أولى تحركاته وأهمها الترويج لشعار الفصل بين الدين والسياسة. ومع الأسف استطاعت هذه الحربة أن تترك تأثيرها إلى حد ما في الحوزات العلمية وفي أوساط الروحانية إلى درجة أصبح التدخل في السياسة دون شأن الفقيه. وكان الخوض في معترك السياسة مقروناً بتهمة التبعية للأجانب.
لا شك أن علماء الدين المجاهدين تضرروا كثيراً من هذا النفوذ. فلا تتصورا أن تهمة التبعية وافتراءات عديمي الدين الاغيار وحدهم الذين كانوا يلصقونها بالروحانية، أبداً، بل أن الضربات التي ألحقها رجال الدين الجهلة والواعين المرتبطين، كانت ولا زالت أكثر تأثيراً من ضربات الاغيار.
إبان انطلاقة النضال الإسلامي، إذا كنت تريد أن تقول: إن الشاه خائن، كنت تسمع على الفور: ولكن الشاه شيعي!!. ان عدة من المتظاهرين بالقداسة والرجعيين كانت تعتبر كل شيء حراماً، ولم يكن يجرؤ أحد على مواجهة أمثال هؤلاء.. إن الآلام التي تجرع مرارتها والدكم العجوز، بسبب هذه الفئة المتحجرة لم يواجه مثلها مطلقاً من ضغوط ومضايقات الآخرين. وعندما شاع شعار الفصل بين الدين والسياسة واضحت الفقاهة في منطق غير الواعين، الانغماس في الأحكام الفردية والعبادية، وبالضرورة لم يكن يحق للفقيه الخروج من هذا االسياق وهذه الدائرة والخوض في السياسة والحكومة؛ اصبحت حماقة عالم الدين في معاشرته للناس، فضيلة. وعلى حد زعم بعضهم أن الروحانية تكون جديرة بالاحترام والتكريم عندما تقطر الحماقة من كل نقطة في وجودها!. وإلا فان عالم الدين السياسي والروحاني الواعي والفطن، مغرض ومدسوس.
كان كل هذا من الأمور الرائجة في الحوزات. وكل مَنْ كان ينهج نهجاً منحرفاً كان يعتبر أكثر تديناً. فتعلم اللغة الاجنبية يعتبر كفراً، والفلسفة والعرفان كانتا تعدان ذنباً وشركاً. ففي أحد الأيام شرب الابن العاقل السليم المرحوم مصطفى من جرّة ماء في المدرسة الفيضية، فأخذوا الجرّة وطهروها، لأن أباه يدرس الفلسفة. انني على ثقة لو أن مثل هذا النهج كان قد استمر لأصبح وضع الحوزات وعلماء الدين وضع كنائس القرون الوسطى، غير أن الله تعالى منّ على المسلمين وعلماء الدين وصان كيان الحوزات ومجدها الحقيقي.
إن العلماء المؤمنين بالدين تربوا في أمثال هذه الحوزات وعزلوا صفوفهم عن الآخرين. وان نهضتنا الإسلامية العظيمة استمدت وجودها من هذه البارقة. طبعاً لا زالت الحوزات تعاني من هذا النمط من التفكير، ويجب أن نكون حذرين لئلا تنتقل فكرة الفصل بين الدين والسياسة من المتحجرين إلى الطلبة الشباب. وما ينبغي للطلبة الشباب التعرف عليه هو كيف أن البعض شمرت عن ساعد الجد في الفترة التي كان يهيمن المتظاهرون بالقداسة الجهلة والأميون السذج على كل شيء، وخاطرت بأرواحها وسمعتها من أجل إنقاذ الإسلام والحوزة وعلماء الدين. إذ لم تكن الأوضاع بما هي عليه اليوم، فكل من لم يكن يؤمن تماماً بالنضال كان ينسحب من الساحة تحت ضغط وتهديد المتظاهرين بالقداسة. وان اشاعة أفكار من قبيل أن الشاه (ظل الله)، وانه من غير الممكن مواجهة المدفع والدبابة بأيد خالية، أو أننا غيرمكلفين بالجهاد والنضال أو مَنْ المسؤول عن دماء القتلى، والأسوأ من كل ذلك الشعار المضلل من أن الحكومة قبل ظهور المهدي المنتظر عليه السلام حكومة باطلة، إلى غير ذلك من الاشكالات الواهية؛ كل ذلك كان يخلق مشكلات كبرى وظروف صعبة لم يكن بالإمكان مواجهتها بالنصيحة والإعلام والنضال السلبي. وانما كان طريق الحل الوحيد النضال والتضحية بالدماء، و الذي هيأ الله تعالى وسيلته.
إذ أعد علماء الدين والروحانية الملتزمة صدورهم لاستقبال كل رصاصة مسمومة كانت تستهدف الإسلام وتقدموا بخطوات ثابتة إلى مذبح العشق. وقد تجلى أول وأهم فصول النضال الدامي في عاشوراء 15 خرداد. ففي 15 خرداد من عام 1342 (1963 م)، لم تكن المواجهة مقتصرة على رصاص بنادق ورشاشات الشاه، إذ لو اقتصر الأمر على ذلك لكانت المواجهة سهلة، وانما كان رصاص الخداع والتحجر والتظاهر ينطلق من أوساط الجبهة الداخلية. حيث كان رصاص الكناية والنفاق والازدواجية يؤلم القلب ويحطم الروح ألف مرة أكثر من البارود والرصاص. وحنذاك لم يمر يوماً دون حادثة، حيث لجأت الأيادي الخفية والواضحة لأميركا والشاه، إلى بث الشائعات والتهم حتى أنهم اخذوا يلصقون تهمة تارك الصلاة وماركسي وعميل للإنجليز، بالذين كانوا يقودون النضال. في الحقيقة ان علماء الدين الأصيلين كانوا يبكون دماً في العزلة والأسر وهم يرون كيف أن أميركا وعميلها الشاه يعملون على اجتثاث جذور الديانة والإسلام، وان عدة من رجال الدين المتظاهرين بالقداسة يعملون عن قصد أو دون قصد، على تعبيد الطريق أمام هذه الخيانة العظمى.
إن الإساءة التي ألحقها بالإسلام أمثال هؤلاء المتظاهرين بالقداسة والمتلبسين بزي رجال الدين، لم يتلقها من أية فئة أخرى. ولعل مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام وغربته الصارخة في التاريخ نموذج بارز لذلك. لأكتفي بهذا ولا أهيج المضاجع أكثر من هذا.
ولكن يجب أن يعلم الطلبة الشباب بأن المسيرة الفكري لهذه الجماعة لا زالت قائمة غير أن أسلوب التظاهر بالقداسة وبيع الدين قد تغير. فالمهزومون بالأمس اصبحوا اليوم لاعبي سياسة. أولئك الذين لم يكونوا يسمحوا لأنفسهم الخوض في شؤون السياسة باتوا اليوم يدعمون ويساندون ممن تقدموا إلى مستوى اسقاط النظام وتدبير انقلاب. وما أحداث قم وتبريز 4، وبالتنسيق مع اليساريين وانصار الملكية والانفصاليين في كردستان، إلا نموذج لذلك. وعلى الرغم من هزيمتهم النكراء إلا أنهم لم يكفوا عن ممارساتهم حيث تورطوا في تدبير انقلاب (نوجه) 5، وقد فضحهم الله تعالى في هذا أيضاً.
كما أن فئة أخرى من المتلبسة بزي رجال الدين ممن كانوا يؤمنون قبل الثورة بالفصل بين الدين والسياسة، وكانوا يحنون رؤوسهم على عتبة البلاط، اصبحت فجأة من دعاة التدين، وراحت تنسب تهمة الوهابية وما هو أسوا من الوهابية، إلى علماء الدين الأعزاء الشرفاء الذين عانوا الكثير من الاضطهاد والتشريد والسجن والنفي من أجل الإسلام. فبالأمس كان المتظاهرون بالقداسة عديمو الشعور يدعون إلى الفصل بين الدين والسياسة ويعتبرون النضال ضد الشاه حراماً. واليوم يرون بأن مسؤولي النظام الإسلامي اصبحوا ماركسيين. فحتى الأمس القريب كانوا يعتبرون بيع الخمور ونشر الفساد والفسق والفجور وتسلط الظالمين، مفيداً ونافعاً من أجل ظهور صاحب الزمان أرواحنا فداه -. واليوم إذا ما حدث في مكان نائي في هذه البلاد ممارسة منافية للشرع عن غير قصد، يرفعون عقيرتهم و ينادون (وا اسلاماه).. بالأمس كانت (الحجتية) 6 تحرم النضال، وقد بذلت كل مساعيها في افشال الدعوة إلى مقاطعة الاحتفال في النصف من شعبان في ذروة النضال، دعماً للشاه. غير أنهم اليوم باتوا ثوريين أكثر من أصحاب الثورة. كما أن دعاة الولاية كانوا قد ساعدوا بالأمس، من خلال تحجرهم والتزامهم الصمت، في المساس بعزة الإسلام والمسلمين، وقصموا ظهر الرسول وأهل بيت العصمة والطهارة عملياً، ولم يكن عنوان الولاية بالنسبة لهم سوى وسيلة للتكسب والمتاجرة؛ واليوم يحاولون أن يصوروا أنفسهم بأنهم المؤسسين للولاية وورثتها، ويتأسفون على الولاية في عهد الشاه!!.
حقاً أن اتهامات من قبيل: أميركي وسوفيتي والتقاطي، وتحليل الحرام وتحريم الحلال، وقتل النساء الحوامل، وتحليل القمار والموسيقى؛ مَنْ الذي يروج لها؟ هل يروج لها الأشخاص عديمو الدين أم المتظاهرون بالقداسة المتحجرون عديمو الشعور؟ مَنْ الذي يقف وراء تحريم محاربة أعداء الله، وإساءة استغلال ثقافة الشهادة والشهداء، واللجوء إلى الطعن والكناية تجاه مشروعية النظام؟ هل هم العامة ام الخاصة؟ والى مَنْ ينتسبون هؤلاء االخاصة؟ وهل هم من المعممين أو غيرهم؟. لنترك هذا فالحديث يطول.
كل هذا نتيجة لنفوذ الأجانب إلى الحوزات وثقافتها. ولا شك أن التعامل الواقعي مع كل ذلك أمر صعب ومعقد للغاية. فليس من السهل تبيين الحقائق والواقعيات وإشاعة الحق والعدالة ولو قدر المستطاع. كذلك ليس من السهل التصرف بنحو لا يعطي ذريعة بأيدي الاعداء.
وعلى الرغم من أن في بلدنا لا يوجد فرق في تطبيق العدالة بين رجل الدين وغيره، ولكن عندما يتم التصدي بحزم إلى المذنبين من رجال الدين بصورة شرعية وقانونية، ترفع بعض الفئات المشبوهة عقيرتها على الفور: لماذا أنتم ساكتون، الجمهورية الإسلامية تعمل على مصادرة كرامة الروحانية. وإذا ما كان هناك شخص يستحق العفو ويطلق سراحه أحياناً، يشيعون بأن النظام يمنح رجال الدين امتيازاً غير مبرر.
على الشعب الإيراني العزيز أن يحذر لئلا يسيء الأعداء استغلال تعامل النظام الحازم مع المذنبين ممن يدعون انهم من رجال الدين، وان لا يتأثر بأمواج الإعلام المغرض الذي يستهدف تشويه صورة علماء الدين الملتزمين، بل عليه أن ينظر إلى ذلك بمثابة دليلًا على عدالة النظام لأنه لا يفرق بين فئة وأخرى. ويعلم الله بأني شخصياً لا أرى لنفسي أية ذرة من الحصانة والحق والامتياز. وإذا ما صدر عني خلافاً فاني على استعداد للمساءلة.
وما يجب التفكير به الآن هو كيف ينبغي لنا الحيلولة دون تكرار تلك الحوادث المرة، والتأكد من انتهاء نفوذ الأجانب في الحوزات العملية؟ وعلى الرغم من أنها مهمة صعبة إلا أنه لا بد من التفكير بها. ولعلّ من أولى الواجبات الإلهية والشرعية، المحافظة على وحدة واتحاد الطلاب وعلماء الدين الثوريين، وإلا فان ليلًا دامساً ينتظرنا ودوامة من الأعاصير لا نهاية لها. فلا يوجد اليوم أي مبرر شرعي وعقلي في اعتبار اختلاف الأذواق وتعدد وجهات النظر وحتى ضعف الإدارات، دليلًا على تداعي ألفة ووحدة الطلاب وعلماء الدين الملتزمين.. من الممكن أن يكون لدى كل واحد في مناخه الذهني والفكري انتقاد إزاء بعض التصرفات وأسلوب الإدارة وتوجهات بعض المسؤولين، ولكن يجب أن لا يكون التعبير عن ذلك بلهجة واسلوب يحرف أفكار المجتمع على مدى جيل كامل، عن التعرف على الأعداء الحقيقيين والقوى العظمى الذين هم مصدر كل المتاعب والمعاناة، وإلقاء مسؤولية ما نعانيه من ضعف ومعضلات على عاتق المسؤولين واعتبار تصرفاتهم احتكارا وشمولية. إذ أن مثل هذا التصور بعيد عن الانصاف تماماً، ويصادر اعتبار مسؤولي النظام ويمهد الطريق لنفوذ اللا إباليين وعديمي الهموم إلى ساحة الثورة.
إنني على ثقة بأنه ليس واضحاً من أن الآخرين سيحققون نجاحاً أكثر من المسؤولين الحاليين، في مواجهتهم لكل هذه المؤامرات والخصومات واشعال الحروب ضد الثورة الإسلامية. وفي نظرة تحليلية منصفة لأحداث الثورة لا سيما أحداث السنوات العشرة التي اعقبت الانتصار، لا بد من القول بأن الثورة الإسلامية الإيرانية استطاعت أن تحقق الكثير من أهدافها. واننا لم نهزم أو نغلب في أي مجال بعون الله العظيم. حتى في الحرب كان النصر حليف شعبنا، ولم يتمكن العدو أن يحقق شيئاً فضلًا عن الخسائر الكبيرة التي تكبدها. طبعاً لو كانت الظروف مساعدة، لكنا حققنا أهدافاً أبعد مما تحقق، إذ اننا كنا في الحرب نخطط لما هو أسمى مما تحقق، ولكن لا يعني ذلك بأننا لم نحقق أهدافنا الرئيسة والمتمثلة في رد العدوان والبرهنة على صلابة الإسلام. ففي كل يوم كنا نشهد بركة هذه الحرب، وقد تمت الاستفادة منها في كافة المجالات. فخلال الحرب صدرنا ثورتنا إلى العالم. وفي الحرب برهنا على مظلوميتنا وظلم المعتدين. ومن خلال الحرب ازلنا القناع عن الوجه المزيف للناهبين الدوليين. ومن خلال الحرب تعرفنا على اصدقائنا وأعدائنا الحقيقيين. وفي الحرب عملنا على تحقيق استقلالنا. وفي الحرب حطمنا هيبة القوتين العظميين الشرقية والغربية. وفي الحرب رسخنا جذور ثورتنا الإسلامية المثمرة. وخلال فترة الحرب عملنا على تنمية مشاعر الأخوة وحب الوطن في كيان كل واحد من أبناء شعبنا. واثناء الحرب اوضحنا لشعوب العالم، لا سيما شعوب المنطقة، إمكانية النضال ضد كافة القوى والقوى العظمى لسنوات طويلة. كما ساعدت حربنا أفغانستان، وسيكون لها تأثيرها في فتح فلسطين. إن حربنا جعلت زعماء الأنظمة الفاسدة يشعرون بالذلة أمام الإسلام. حربنا كان لها تأثير على الصحوة في باكستان والهند. وفي الحرب تطورت صناعاتنا العسكرية كل هذا التطور. والأهم من كل هذا انتشار الروح الثورية للإسلام في ظل قبس الحرب.
كل هذا من بركات الدماء الطاهرة للشهداء الأعزاء خلال ثماني سنوات من الحرب.. كل هذا مستلهم من جهود الأمهات والآباء والشعب الإيراني العزيز في نضالهم ضد أميركا والغرب والاتحاد السوفيتي والشرق خلال السنوات العشر الماضية. لقد كانت حربنا حرب الحق ضد الباطل، ولن تنتهي.. حربنا حرب الفقر والغنى، حرب الإيمان والرذيلة. وهذه الحرب موجودة منذ آدم والى آخر يوم في عمر الأرض. فكم هم قصيرو النظر أولئك الذين يتصورون بأن كل هذه التضحيات والشهادة والاستقامة والإيثار والمقاومة ذهبت هدراً لأننا لم نحقق هدفنا النهائي!. في حين ان صوت الإسلام بات يسمع اليوم نتيجة لحرب الثماني سنوات التي خضناها. كما أن إقبال الشعوب للتعرف على الإسلام في كل من أميركا وأوروبا وآسيا وأفريقيا، وفي كل نقطة من نقاط العالم، انما هو بوحي من السنوات الثماني لحربنا.
إنني هنا اعتذر رسمياً من أمهات الشهداء والمعاقين وآبائهم واخواتهم وازواجهم وأبنائهم بسبب التحاليل الخاطئة التي تثار هذه الأيام، واسأل الله تعالى أن يحشرنا إلى جوار شهداء الحرب المفروضة. اننا لم نندم أو نأسف ولو للحظة واحدة من عملنا في الحرب. فهل نسينا أننا حاربنا أداءً للتكليف ولم تكن النتيجة سوى فرع من ذلك. وهنيئاً لأولئك الذين لم يترددوا حتى آخر لحظة. وحينما اقتضت مصلحة الثورة والنظام قبول قرار وقف اطلاق النار، عملنا بواجبنا أيضاً. فهل العمل بالواجب يبعث على القلق؟ هل ينبغي لنا أن نصرح بآراء ووجهات نظر خاطئة كي يرضى عنا عدد من الليبراليين البائعين لأنفسهم، مما يدعو حزب الله العزيز للتصور بأن الجمهورية الإسلامية بصدد العدول عن مواقفها.. إن إشاعة تصور من قبيل أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تحقق شيئاً أو أنها لم تكون موفقة في مسيرتها، هل يحقق شيئاً سوى أضعاف النظام وسلب ثقة الناس به؟!. إن تأخر تحقق كل الأهداف لا يمثل دليلًا على أننا عدلنا عن أهدافنا. اننا جميعاً مكلفون باداء الواجب وليس النظر إلى النتيجة. فلو أن الأنبياء والمعصومين عليهم السلام كانوا مكلفين بالنتائج في زمانهم ومكانهم، لما كان ينبغي لهم العمل خارج طاقاتهم وقدراتهم والتحدث عن الأهداف العامة طويلة الأمد التي لم تتحقق عملياً في حياتهم الظاهرة مطلقاً.
في حين أن شعبنا وبلطف من الله تعالى، استطاع أن يحقق نجاحات باهرة في معظم المجالات التي رفع شعاراتها. فقد رأينا عن كثب تحقيق شعار اسقاط نظام الشاه عملياً، وقد ترجمنا بعملنا على صعيد الواقع شعار الحرية والاستقلال. كما رأينا شعار (الموت لأميركا) يتجسد في تصرف الشباب المتحمس المسلم البطل في الاستيلاء على وكر الفساد والتجسس الأميركي. لقد تمكنا من ترجمة جميع شعاراتنا على صعيد الواقع. طبعاً نحن نعترف بأننا واجهنا موانع وعقبات كثيرة مما اضطرنا إلى تغيير أساليبنا واستراتيجيتنا.. لماذا نستهين بأنفسنا وقدرات شعبنا ومسؤولينا، ونرى كل العقل والحكمة لدى الآخرين فحسب؟
إنني احذر الطلاب الأعزاء بأنه فضلًا عن ضرورة مراقبة ايحاءات المتلبسين بلباس علماء الدين والمتظاهرين بالقداسة، يجب الاتعاض من التجربة المرة لتولي السلطة أدعياء الثورية وحسب الظاهر عقلاء القوم الذين لم يتصالحوا يوماً مع مبادئ علماء الدين وأهدافهم مطلقاً. حذار من أن يُنسى الماضي الفكري لهؤلاء وخياناتهم، وان تقود البساطة والسذاجة إلى عودة هؤلاء إلى المناصب المهمة والمصيرية في النظام.
إنني اعترف اليوم بعد عشر سنوات من انتصار الثورة الإسلامية، بأن بعض القرارات التي تم اتخاذها في بداية الثورة بتسليم المناصب والمواقع الحساسة إلى فئة لم تكن تؤمن بالإسلام المحمدي الأصيل بصدق وإخلاص، كانت قرارات خاطئة لم نتخلص من مرارتها بسهولة، رغم أني شخصياً حينذاك لم أكن أرغب في مجيء هؤلاء ولكن وافقت على ذلك نزولًا عند رغبة الأصدقاء وتأييدهم. والآن أيضاً اؤمن بشدة بأن أمثال هؤلاء لن يرضوا بأقل من انحراف الثورة عن جميع مبادئها وتتحرك صوب أميركا ناهبة العالم. علماً أنهم لم يكن لديهم أي مهارة في المجالات الأخرى غير الإدعاء والكلام.
إننا لم نأسف اليوم مطلقاً من أن هؤلاء لم يكونوا إلى جوارنا، لأنهم لم يكونوا معنا منذ البداية. فالثورة غير مدينة إلى أية فئة أو جماعة مطلقاً، ولا زلنا نتلقى تبعات ثقتنا المفرطة بالليبراليين والفصائل الأخرى.. إن أحضان البلد والثورة مفتوحة دائماً لاستقبال كل الذين يتطلعون لخدمة الشعب، ولكن ليس بقيمة اعتراضهم على جميع مبادئنا وأصولنا بأن: لماذا ترفعون شعار الموت لأميركا؟ لماذا خضتم الحرب؟ لماذا تنفذون أحكام الله بحق المنافقين وأعداء الثورة؟ لماذا ترفعون شعار اللاشرقية واللاغربية؟ لماذا استوليتم على وكر التجسس؟ ومئات الاعتراضات الأخرى.
وما هو مهم في هذا الصدد هو يجب ان لا نقع تحت تأثير الترحم غير المبرر وفي غير محله، إزاء أعداء الله والمعارضين للنظام والمتخلفين عنه، وان نتحدث بنحو يثير الشكوك حول أحكام الله والحدود الإلهية.. انني أرى بعض هذه الموضوعات ليست فقط لا تصب لصالح البلد وانما تعطي الذريعة للأعداء في مهاجمتنا. واني أقول لأولئك الذين على اتصال بالإذاعة والتلفزيون والصحافة، والذين ربما يرددون أحاديث الآخرين، أقول لهم بكل صراحة: طالما أنا موجود، لن اسمح لليبراليين بالاستيلاء على السلطة. طالما أنا موجود، لن أسمح للمنافقين بمصادرة إسلام هذا الشعب الأعزل. طالما أنا موجود، لن نعدل عن مبدأ اللا شرقية واللا غربية. طالما أنا على قيد الحياة سأقطع دابر أميركا والاتحاد السوفيتي ولن أسمح لهم بالتواجد في إيران. واني على ثقة تامة من أن الشعب بأسره يدعم النظام والثورة الإسلامية كما في السابق. وفضلًا عن مئات المواقف التي جسد فيها تواجده واستعداده للتضحية، ففي هذا العام أيضاً برهن للعالم أجمع في مسيرة الثاني والعشرين من بهمن مدى استعداده للتضحية بنحو ادهش أعداء الثورة حقاً. انني هنا اشعر بالخجل وارى نفسي عاجز عن النطق بما يفيهم حقهم ويليق بتقديرهم. ولكن الله تعالى سيجزيهم العطاء العظيم مقابل كل هذا الإخلاص والصدق والعبودية. ولكني أقول لأولئك الذين يتهمون عن جهل شعبنا العزيز والنبيل بالعدول عن مبادئ ثورته والتخلي عن علماء الدين والروحانية، وانصحهم بأن يتأملوا ويتمعنوا في أقوالهم وأحاديثهم وكتاباتهم، وأن لا ينسبوا تصوراتهم واستنتاجاتهم الخاطئة إلى الثورة والشعب.
القضية الأخرى هي لصالح مَنْ هذه المواجهة وتجزئة علماء الدين الثوريين، التي يحاول البعض إثارتها؟ إن الأعداء ومنذ فترة طويلة كانوا قد استعدوا لبث الاختلاف والفرقة بين علماء الدين. وإذا ما غفلنا عن ذلك فسوف يضيع كل شيء. وبغض النظر عن نوعية الاختلاف واشكاله، سواء تشويه صورة كبار المسؤولين أو إثارة الاجواء حول الحدود بين الفقه التقليدي والحركي، إلى غير ذلك. فإذا لم يحرص الطلبة والأساتذة في الحوزة العلمية على انسجامهم، لا يمكن توقع من سيكون موفق منهم. وإذا كانت السيادة الفكرية على فرض المحال للمتلبسين بزي رجال الدين والمتحجرين، فبماذا سيجيب علماء الدين الثوريين الله والشعب؟ إن شاء الله لا يوجد أي اختلاف بين رابطة اساتذة الحوزة والطلاب الثوريين. وإن وجد فمن أجل ماذا؟ وهل هو بشأن الأصول أو بوحي من المزاجية؟ وهل أدار الأساتذة المحترمون، الذين كانوا يمثلون سند الثورة المحكم في الحوزات العلمية، ظهورهم والعياذ بالله إلى الإسلام والثورة والشعب؟ ألم يصدر هؤلاء أنفسهم في ذروة النضال فتاواهم بعدم مشروعية السلطنة؟ ألم يعمل هؤلاء أنفسهم على فضح كل من يحاول استغلال منصب المرجعية والانحراف عن الإسلام والثورة، ولفت انظار الشعب إلى ذلك؟ ألم يدعم اساتذة الحوزة الأعزاء جبهات القتال والمقاتلين؟ فاذا ما هزم لا سمح الله هؤلاء، فما هي القوة التي ستحل محلهم؟ وإذا ما عملت أيادي الاستكبار على دعم رجال الدين المزيفين إلى حد المرجعية، ألم يسلطوا شخصاً آخر على الحوزات؟ وهل بوسع أولئك الذين نأوا بأنفسهم عن الاحداث طوال 15 عاماً من النضال قبل الثورة، وعشر سنوات من الأحداث العصيبة بعد الثورة، ولم يعانوا من متاعب النضال ولا مأساة الحرب ولا تأثروا بشهادة أعزة لهم، وواصلوا دروسهم وبحوثهم بكل اطمئنان وراحة بال؛ هل بوسعهم أن يشكلوا دعامة للثورة الإسلامية في المستقبل؟
حقاً، لصالح مَنْ هزيمة أي من علماء الدين والطلبة الثوريين والروحانية المناضلة ورابطة أساتذة الحوزة؟ لا شك أن الذي سيجني ثمار ذلك هم خصوم علماء الدين، وإذا ما حاولوا الاقتراب للضرورة من الروحانية، فالى أية فئة سيتجهون؟ باختصار أن الاختلاف مهما كان فهو مدمر. وإذا ما وصلت القوى المؤمنة بالثورة، حتى تحت عناوين الفقه التقليدي والفقه الحركي، إلى مستوى الفئوية والجبهوية، فان ذلك سيشكل بداية الطريق لاستغلال الأعداء. ذلك أن التكتل الجبهودي يقود في النهاية إلى المعارضة. فكل جناح وبدافع اقصاء وتحجيم الطرف الآخر، يلجأ إلى اختيار المصطلحات والشعارات بحيث يتهم أحدهم بمناصرة الرأسمالية ويتهم الآخر بالالتقاطية. وقد حاولت دائماً وحرصاً مني على الموازنة بين الأجنحة، أن اعطي توجيهات حلوة ومرة، لأني اعتبر الجميع أبنائي وأعزائي. طبعاً لم أقلق أبداً من البحوث الحوزوية العاصفة في فروع الفقه وأصوله، غير أني قلق من تقابل وتعارض الأجنحة المؤمنة بالثورة، لئلا ينتهي بتقوية الجناح المرفّه الذي لا يعرف معنى الألم ولا يكف عن الثرثرة.
استنتج من ذلك أنه إذا تباطا علماء الدين انصار الإسلام المحمدي الأصيل وانصار الثورة في تحركهم، فان القوى العظمى واذنابها سينهون كل شيء لصالحهم. فعلى رابطة أساتذة الحوزة أن تعتبر الطلاب الثوريين الأعزاء، الذين عانوا الكثير وتحملوا العذاب والضرب وتوجهوا إلى جبهات القتال، أبنائها. وان تقيم جلسات معهم وترحب بطروحاتهم وأفكارهم. كما أن على الطلبة الثوريين أن يحترموا الاساتذة الأعزاء المؤيدين للثورة ويقدروا منزلتهم. وان يكونوا يداً واحدة في مقابل التيار الانتهازي التافه والذي لا يكف عن الثرثرة. وان يتحلوا بالمزيد من الاستعداد والتأهب للتضحية والشهادة في سبيل هداية الشعب، سواء كان المجتمع والشعب ينشدان الحقيقة مثلما هو الحال في عصرنا حيث أن أبناء الشعب اوفياء حقاً لعلماء الدين أكثر مما نتصور، أو كما كان عليه الحال في زمن المعصومين عليهم السلام-.
ولكن على الشعب الإيراني النبيل أن يلتفت إلى أن الدعاية التي تشن ضد علماء الدين تستهدف القضاء على روحانية الثورة. ذلك أن الأيادي الشيطانية تتجه إلى الشعب في همومه ومعاناته محاولة اقناعه بأن علماء الدين هم السبب في كل هذه المشكلات والمعاناة. وياليتهم يقصدون رجل الدين الذي لا يعرف معنى الألم والعديم المسؤولية، وانما يستهدفون علماء الدين الذين كانوا دائماً في الطليعة في جميع الأحداث والقضايا المصيرية. ليس هناك من يزعم بأن الشعب والحفاة لا يعانون من شيء وان كل شيء في متناول أبناء الشعب.. من الطبيعي أن تبرز آثار وتبعات عشر سنوات من الحصار الاقتصادي والحرب والثورة، في كل ناحية من نواحي المجتمع وتتجلى النواقص والاحتياجات للعيان. ولكن أقول بكل ثقة واطمئنان بأنه لو كان هناك غير علماء الدين في طليعة مسيرة الثورة ومراكز صنع القرار، لما كان بقي لنا اليوم شيئاً غير العار والذلة أمام أميركا والناهبين الدوليين، ولتم العدول عن المعتقدات الإسلامية والثورية.
ولا بد من التذكير بأن الإشارة إلى جانب من وقائع الثورة والروحانية لا يعني بأن يتخذ الطلاب وعلماء الدين الأعزاء بعد هذا البيان، مواقف ثورية متشددة، وانما الهدف من ذلك هو العلم والوعي بالسبل التي تساعد في انتخاب مسيرة التحرك ببصيرة ودرك أفضل للمخاطر والكمائن والمطبات. اما بالنسبة للدروس والبحوث داخل الحوزات فاني اؤمن بالفقه التقليدي والاجتهاد الجواهري، وارى عدم جواز التخلف عنه. الاجتهاد بهذا النهج صحيح، ولكن لا يعني هذا أن الفقه الإسلامي يفتقر إلى المرونة، بل أن الزمان والمكان عنصران رئيسيان في الاجتهاد، فمن الممكن أن تجد مسألة كان لها في السابق حكماً، وان نفس المسألة تجد لها حكماً جديداً في ظل العلاقات المتغيرة والحاكمة على السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظام ما. أي أنه ومن خلال المعرفة الدقيقة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالموضوع الأول الذي يبدو أنه لا يختلف عن السابق، ولكنه في الحقيقة أصبح موضوعاً آخر يتطلب حكماً جديداً بالضرورة. ولهذا ينبغي للمجتهد أن يكن محيطاً بقضايا عصره. فالناس والشباب وحتى العامة، لن يقبلوا من المرجع والمجتهد الاعتذار عن إعطاء رأيه في المسائل السياسية.. إن الإحاطة بسبل مواجهة التزوير والتضليل للثقافة السائدة في العالم، وامتلاك البصيرة والرؤية الاقتصادية، والاطلاع على كيفية التعامل مع الاقتصاد العالمي، ومعرفة السياسات والموازنات وما يروج له الساسة، واادراك موقع القطبين الرأسمالي والماركسي ونقاط قوتهما وضعفهما، إذ انهما يحددان في الحقيقة استراتيجية النظام العالمي؛ ان كل هذا يعتبر من خصائص وسمات المجتهد الجامع.. فلا بد للمجتهد من التحلي بالحنكة والذكاء وفراسة هداية المجتمع الإسلامي الكبير وحتى غير الإسلامي. ويجب أن يكن مديراً ومدبراً حقاً فضلًا عن اتسامه بالخلوص والتقوى والزهد الذي هو من شأن المجتهد. فالحكومة من وجهة نظر المجتهد الحقيقي تمثل الفلسفة العملية للأحكام الفقهية في الحياة الإنسانية.. و الحكومة هي تجسيد الجانب العملي للفقه في تعامله مع المعضلات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية.. الفقه هو النظرية الواقعية المتكاملة لإدارة الإنسان من المهد إلى اللحد. فالهدف الأساسي يكمن في كيف يتسنى لنا تطبيق أصول الفقه المحكمة في عمل الفرد والمجتمع، وان تكون لدينا إجابات للمعضلات. وان أقصى ما يخشاه الاستكبار هو أن يجد الفقه والاجتهاد الترجمة العملية والواقع الموضوعي ويخلق لدى المسلمين القدرة على المواجهة.
حقاً، ما الذي اغضب الناهبين الدوليين إلى هذا الحد إثر الإعلان عن الحكم الشرعي والإسلامي الذي يتفق عليه جميع العلماء، بحق أحد العملاء الأجانب «1»، وراحوا يتشبثون بنحو مستميت مستنفرين كل قواهم؟ أليس هو وعي المسلمين لرسالتهم الدينية والعلمية وتصديهم لمؤامرات قادة الاستكبار المشؤومة، الذين باتوا يدركون جيداً بأن إسلام المسلمين بات اليوم ديناً راقياً متحركاً مفعماً بالحماس، ونظراً إلى أن الأجواء لم تعد مهيأة لهم كما في السابق ولم يعد بإمكان عملائهم واذنابهم التلاعب بمقدسات المسلمين كما في السابق، لذلك انتهابهم الاضطراب.
لقد سبق لي أن قلت، أن جميع مؤامرات الناهبين الدوليين التي استهدفتنا، بدءً من الحرب المفروضة إلى الحصار الاقتصادي وغير ذلك، كانت تستهدف إظهار عجز الإسلام عن تلبية احتياجات المجتمع، وبالتالي اللجوء إليهم في كل صغيرة وكبيرة. ولكن يجب علينا أن ندرك جميعاً بأنه لا بد لنا في الحقيقة من التحرك ان شاء الله تعالى على طريق قطع جميع شرايين تبعية بلادنا لهذه الدنيا المتوحشة.
ربما تصور الاستكبار الغربي بأنه إذا ما هددنا بالسوق المشتركة والمحاصرة الاقتصادي، سوف نبقى نراوح في مكاننا ونتراجع عن تنفيذ حكم الله العظيم.. أنه لأمر ملفت ومثير، ان هؤلاء الذين يتظاهرون بالتحضر والثقافة، ليس مهماً بالنسبة لهم أن يقوم أحد الكتّاب العملاء بالإساءة إلى أحاسيس ومشاعر أكثر من مليار إنسان مسلم، من خلال قلمه الذي يقطر سمّاً، ويسقط عدد من الشهداء بسبب ذلك، بل ويعتبرون هذه الفاجعة عين الديمقراطية والتحضر. ولكن عندما يثار بحث تنفيذ الحكم والعدالة، يأخذون بترديد نواحة الرأفة والإنسانية.
إننا ندرك حقد العالم الغربي على العالم الإسلامي والفقاهة ونتعرف عليه من خلال هذه المواقف. فالقضية ليست قضية الدفاع عن شخص وانما قضية الدفاع عن نهج يعادي الإسلام والقيم الأخلاقية، تروج له المحافل الصهيونية والبريطانية والأميركية، ووضعته في مواجهة العالم الإسلامي بأسره بكل حماقة.
وبطبيعة الحال يجب أن نرى كيف تتصرف بعض الدول والحكومات الإسلامية إزاء هذه الفاجعة الكبرى. فلم تعد القضية قضية عرب وعجم وفرس وإيران، وانما هي إساءة لمقدسات المسلمين منذ صدر الإسلام وحتى يومنا هذا، ومن الآن والى نهاية التاريخ نتيجة لهيمنة الأجانب على ثقافة الدين الإسلامي. فإذا غفلنا عن ذلك فهذا أول الغيث. إذ أن الاستعمار يختزن في أكمامه الكثير من هذه الأفاعي الخطرة وهؤلاء المرتزقة من أصحاب الأقلام المأجورة. فلا توجد أية ضرورة لأن نسعى في مثل هذه الأوضاع إلى توسيع نطاق علاقاتنا، لأنه من الممكن أن يتصور الأعداء بأننا بحاجة إليهم وتابعين لهم لدرجة نلتزم الصمت وعدم تحريك ساكناً تجاه الإساءة إلى معتقداتنا ومقدساتنا الدينية.
إن هؤلاء لا زالوا يؤمنون بأنه لا بد لنا من إعادة النظر في سياساتنا ومبادئنا ودبلوماسيتنا، واننا قد تصرفنا بسذاجة ويجب عدم تكرار أخطاء الماضي، ويعتقدون بأن الشعارات المتطرفة والحرب كانت وراء نظرة الغرب والشرق المتشائمة إلينا، وبالتالي قادت إلى عزلتنا وانزوائنا. وإذا ما تصرفنا بواقعية، فان هؤلاء سيتصرفون معنا بالمقابل بصورة إنسانية ويتعاملون باحترام مع شعبنا والإسلام والمسلمين!!
إن هذا مجرد نموذج واحد أراد الله تعالى أن يحدث في هذا العصر بعد صدور كتاب الآيات الشيطانية الإلحادي، وان يتضح الوجه الحقيقي لعالم الاستكبار والتفرعن والبربرية ومدى عدائهم العتيد للإسلام، عسى أن نتخلص من التفكير الساذج وان لا نتصور كل شيء من منطلق الخطأ وسوء الإدارة وقلة التجربة، وان ندرك بكل وجودنا بأن القضية ليست خطأنا وانما هي محاولات الناهبين الدوليين القضاء على الإسلام والمسلمين، وإلا فان قضية سلمان رشدي شخصياً بالنسبة لهم بدرجة من الأهمية تستدعي أن يقف ورائها الصهاينة والاستكبار العالمي بأسره.
وعليه يجب على علماء الدين وجماهير حزب الله العزيزة وأسر الشهداء المحترمة، ان يتحلوا بالحيطة والحذر وان يتنبهوا لئلا تتم إضاعة دماء اعزتم من خلال هذه التحليلات والتصورات غير السليمة. وان أشد ما اخشاه هو أن يجلس محللو اليوم بعد عشر سنوات قادمة في موضع القضاء قائلين: يجب أن نرى هل كانت الفتوى الإسلامية وحكم إعدام سلمان رشدي مطابقة لأصول ومبادئ الدبلوماسية ام لا؟ ومن ثم يستنتجون بأنه نظراً إلى أن حكم الله تترتب عليه تبعات، وان السوق المشتركة والدول الغربية اتخذت مواقف معادية لنا، لذا يجب أن نتحلى بالحكمة وان نتسامح بحق المسيئين لمقام الرسول المقدس وللإسلام والدين.
باختصار علينا أن نحرص على تجسيد فقه الإسلام العملي بعيداً عن الدبلوماسية السائدة في العالم ودون أن نعبأ بالغرب المحتال والشرق المعتدي، وإلا طالما كان الفقه مستوراً في الكتب وصدور العلماء فانه لن يلحق بالناهبين الدوليين أي ضرر. وما لم يكن لعلماء الدين حضوراً فاعلًا في كافة القضايا والمعضلات، ليس بوسعهم أن يدركوا بان الاجتهاد المصطلح غير كافٍ لإدارة المجتمع. وان الحوزات العلمية وعلماء الدين مطالبون دائماً باستيعاب حركة المجتمع والتنبؤ بمتطلباته واحتياجاته المستقبلية، وان يكونوا مهيأين لاتخاذ ردود الفعل المناسبة إزاء الاحداث قبل حدوثها. فمن الممكن أن تتغير الأساليب الرائجة لإدارة أمور المجتمع في السنوات القادمة، وتجد المجتمعات البشرية نفسها بحاجة إلى أفكار إسلامية جديدة لإيجاد حلول لمشكلاتها. ولهذا ينبغي لعلماء الإسلام الكبار ان يفكروا بذلك من الآن.
الملاحظة الأخيرة هي ضرورة التفات علماء الدين والطلاب والروحانيين إلى أهمية الشؤون القضائية والتنفيذية واعتبارها أمراً مقدساً بالنسبة لهم وذات قيمة إلهية وان يروا لأنفسهم منزلة ومكانة، اذا ما قرروا الابتعاد اجواء الدرس المباحثة من أجل تطبيق أحكام الله والانشغال بشؤون الحكومة الإسلامية. فإذا ما رأى أحد الطلاب منصب امام الجمعة وإرشاد الناس، أو القضاء في أمور المسلمين، شاغراً وتوفرت لديه القدرة والكفاءة اللازمة، ولم يقبل المسؤولية بذريعة البحث والدرس فقط، أو أنه لا يأنس بغير الاجتهاد والمباحث المقررة في الفقه و الاصول؛ فانه لا شك سيسأل في محضر الله تعالى ولن تقبل اعذاره مطلقاً. اننا إذا لم نخدم النظام الإسلامي اليوم وو اذا ما تجاهلنا الإقبال غير المسبوق لأبناء الشعب على علماء الدين والروحانية، فلن تكون هناك فرصة وظروف أفضل مما هي عليه الآن مطلقاً.
ارجو أن لا تكون نصائح وتوصيات الأب العجوز والخادم الحقير قد ازعجتكم، وآمل أن تد
2011-07-01