الموضوع: توضيح المقام المعنوي لجند الاسلام، وتكريم مكانة الشهداء والمضحين
نداء
المخاطب: المقاتلون في الجبهات واسر الشهداء والشعب الايراني.
عدد الزوار: 149
التاريخ: 21 بهمن 1361 هـ. ش/ 26 ربيع الثاني 1403 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: ذكرى انتصار الثورة الاسلامية (عشرة الفجر)
المخاطب: المقاتلون في الجبهات واسر الشهداء والشعب الايراني.1
بسم الله الرحمن الرحيم
مع إطلالة يوم الله يوم الثاني والعشرين من بهمن، الذكرى السنوية لهزيمة الباطل وجنود إبليس على أيدي جند الله دعاة الحق، إذا ما أردنا وكافة الكتّاب والخطباء والفصحاء أن نقيّم عمل هؤلاء الشهداء والمعاقين في سبيل الله، وعدّ تضحياتهم ومعطيات هذه الشهادة والتضحية بالنفس، ربما نضطر إلى الإعتراف بعجزنا. فكيف الحال إذن مع درجاتهم المعنوية وقضاياهم الانسانية والإلهية؟ لا شك أننا سنكون أكثر عجزاً وقصوراً ..
إن أيادي أولئك الغافلين عن هذا النوع من العشق للقاء الله والشهادة والبوارق (الومضات) الباطنية والتجليات الروحية التي من ثمارها هذا النوع من العشق، والذين يبقون إلى آخر العمر كقلمي المحطم أسير عقد الطبيعة والشراك الشيطانية، قاصرين عن الارتقاء إلى الصرح السامي لهذه التحولات الإلهية المعجزة. إذن فمن الأولى أن نكتفي ببعض المعطيات الظاهرية المشهودة التي هي الأخرى ليس من السهل تقييمها بمختلف أبعادها.
إنكم إذا ما حاولتم دراسة ثورة شعب ما والأوضاع المترتبة عليها، ونظرتم إليها بعمق وحيادية ونزاهة، فسوف ترون أية فوضى وفلتان يعمان أنحاء ذلك البلد. وإن سعيه لتحقيق الحد الأدنى من النظم والهدوء يستغرق سنوات طويلة. فيتعرض ذلك البلد إلى مختلف أنواع المجاعة والأمراض المسرية والصراعات الفئوية والنهب والسلب والقتل والفساد الأخلاقي ومشكلات كثيرة أخرى. وكل ذلك في ذات الوقت الذي تعتمد الثورة على إحدى القوى الكبرى أو أكثر. ولكن ايران ولأن ثورتها ثورة إسلامية حيث كان الإسلام ملهمها، وكانت ثورة شعبية ومستقلة، استطاعت أن تحقق نصرها النهائي في فترة قياسية وتشكل مجلس قيادة الثورة ومن ثم الحكومة الانتقالية المؤقتة، وإجراء استفتاء عام وعدد من الانتخابات في فترة قصيرة، وتقيم النظام الجمهوري، وأنجزت كل ذلك دون أن يكون هناك أي أثر للمجاعة. وقد تم التخلص على وجه السرعة من مراكز الفساد والفسق والفجور والحانات ولعب القمار والأعمال غير المشروعة.
إضافة إلى ذلك فقد تم إلحاق الهزيمة بالجماعات المناهضة للثورة لا سيما المنافقون الذين حاولوا اختراق الثورة بمظهر المؤيدين لها، وقاموا بالاستيلاء على الأسلحة وجمعها وسرقة الأموال بمختلف أساليب الرياء والنفاق، وأخذوا يواجهون أبناء الشعب بهذا السلاح. غير أنه تم هزيمتهم خلال فترة قصيرة، وإن ما تبقى من ممارساتهم موجود نظيره في مختلف البلدان المستقرة في العالم، حيث تواجه هذا النوع من الانفجارات والمواجهات، ولم يمر يوم لم تشهد فيه الدول التي يصطلح عليها بالمتقدمة كالدول الاوروبية وأميركا وغيرها، انفجارات وأحداث عنف. وان ايران لا تختلف عن غيرها من الدول في هذا المجال، وبطبيعة الحال على نطاق محدود للغاية.
إن هذا النصر المعنوي والمادي رهن إسلامية الثورة وشعبيتها والتفاف الجماهير حول الاسلام، والتحول العظيم والمعجز الذي أوجده الله تعالى لدى هذا الشعب، بما في ذلك هؤلاء الشباب الأعزاء في مختلف أنحاء البلاد، الذين تركوا وراءهم- في تحرك معنوي وروحي سريع وخاطف بفضل اليد الإلهية الحقة- المستنقع الذي أوجدوه لهم بأيدي الاستكبار العالمي الخبيث الذي برز من أكمامه أمثال رضا خان ومحمد رضا وغيرهم من عبيد الغرب والشرق، وتم انقاذهم وتمكينهم من طي طريق يستغرق مائة عام في ليلة واحدة، واستطاعوا ان يحققوا دفعة واحدة ما كان يحلم به العرفاء والشعراء العارفون خلال سنوات طويلة، وترجموا عشق لقاء الله من مرحلة الشعار إلى العمل وحققوا أمنيتهم في الشهادة من خلال سلوكهم في جبهات الدفاع عن الاسلام العزيز. ان مثل هذا التحول الروحي العظيم بهذه السرعة غير المسبوقة، لا يمكن تحققه من دون عناية الخالق الرؤوف المربي للعشاق.
إنني عندما أرى هؤلاء الشباب الأعزاء الذين هم في عنفوان الشباب وهم يطلبون مني- أنا البائس- بعيون باكية أن أدعو لهم بالشهادة، ينتابني اليأس من نفسي وأشعر بالخجل منهم. وعندما أشاهد صور هؤلاء الشهداء اليافعين النورانيين وأتمعن في قيمهم الانسانية ومقاماتهم الربانية، أغبطهم أنا الذي تفصلني عنهم مراحل. وعندما ألتقي امهات وآباء هؤلاء الشباب والفتيان الشهداء وأتعرف على بطولاتهم وتضحياتهم التي تفوق التصور، أشعر بالحقارة. وإني اهنئ نبي الاسلام العظيم- صلى الله عليه وآله- وسيدنا بقية الله- روحي لمقدمه الفداء- وأبارك لهما مثل هذه الأمة وهؤلاء الأتباع الملتزمين والمجاهدين، شاكراً الله تعالى ولي النعمة وحافظ الأمة.
ان الاسلام العظيم يجني اليوم ثمرة هذه التضحيات حيث انحنى العالم تعظيماً لهم رغم كل الاعلام المضلل والمغرض الذي يحول دون ذلك. وما ذلك إلّا نسيماً من معنويات الاسلام هبّ على هذا البلد المظلوم طوال التاريخ، ونأمل- بلطف الله المنان- أن يشتد هذا النسيم الإلهي وأن يمن به سبحانه على جميع الدول التي تعاني من الظلم وترزح تحت الأسر. لعل الدول الاسلامية الغاطة في نومها تفوق وتعي واجبها الإلهي والوجداني والإنساني ولا تصر على اللجاجة أكثر من هذا وتتوب إلى الله، لئلا تتأخر عودتها عن خيانة الاسلام والدول الاسلامية ومحاربة بلد ضحى ويضحي بكل ما لديه على طريق الأهداف الإلهية والإسلامية، وأن تحاول التعويض عن أخطائها اليوم لأن غداً سيكون متأخراً.
لقد رأى هؤلاء بعيون وآذان مفتوحة هزائم صدام المذلة منذ بداية هجومه على البلد الاسلامي وحتى هذه اللحظة، وكيف أنه يتخبط الآن ومع ذلك فإنهم مايزالون في العمى .. إنني أعجب من حلم الله. فالجميع يعلم بأن الاعلام العالمي المرتبط بالدول الناهبة للعالم، مكرس لتحريف ما يجري داخل ايران، وينسبون إلى هذا البلد الثوري- الذي يتطلع لأن يكون حراً ومستقلًا- كل ما يسيء إليه ويشوه صورته في أنظار العالم.
إن العالم اليوم يعاني من الناهبين الدوليين والسرّاق الذين يحرقون البلدان وينهبون ثرواتها. مثلما يعاني من عبيدهم وعملائهم الذين يضحون بمصالح شعوبهم وبلدانهم من أجل مصالح الدول العظمى. كما أنه يعاني من المنظمات الدولية العميلة للقوى الكبرى لا سيما أميركا، حيث تعمل تحت مسميات فارغة كمجلس الأمن ومنظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الانسان إلى غير ذلك من العناوين الرنانة، على خدمة القوى الكبرى وهي في الحقيقة تمارس دور المنفذ لمواقف هؤلاء وأهدافهم، ومكلفة بإدانة المستضعفين والمظلومين في العالم لصالح القوى الكبرى ناهبة العالم.
يعلم الجميع أن صداماً يوغل منذ ثلاث سنوات تقريباً وعبر هجومه الوحشي، في قتل ونهب وتدمير ايران، وقد قام باحتلال أراضينا منذ بداية الحرب وحتى الآن وهو منهمك في خياناته بحق الشعب الأعزل، غير أن هذه المنظمات لم تنطق بكلمة واحدة في إدانته.
إن صداماً يقترح السلام كذباً وزوراً في وقت تئن فيه ايران من سياط الصداميين مصاصي الدماء، وهو يهدف من وراء مقترحه الشيطاني هذا إلى احتلال خوزستان بأسرع وقت وإشعال المنطقة وإراقة دماء أبنائنا من خلال الاستيلاء على حقول النفط والاستحواذ على دعم القوى الكبرى الناهبة للعالم. لأن شيطان نفسه الحيوانية الهائج لا يعرف الحدود، وما لم يتم تطهير المنطقة من دنس وجوده لن ترى الأمن والاستقرار. يعلم الجميع أن أيدي صدام تتلطخ كل يوم بدماء المئات من أبناء شعبنا المظلوم، غير أن وسائل الاعلام العالمية والمنظمات التابعة للقوى الكبرى لا سيما أميركا، لا تكف عن الحديث عن سلام صدام والثناء عليه. علماً أن السلام الذي يدعو إليه صدام، والتحرك الأميركي لاستقرار الأمن في العالم وكذلك مساعي السلطويين الآخرين نهبة العالم وما يصطلح عليهم بأنصار حقوق الانسان، كلها من نسيج واحد، وطالما كان العالم يعاني من أمثال هؤلاء ادعياء الأمن الذين يدعون أنهم أنصار السلام ودعاة حقوق الانسان، فانه لن يرى الأمن والسلام والاستقرار ولن تتحقق تطلعات البشرية وآمالها. بل ان الانسان لا يستطيع تحقيق الحرية والسعادة إلّا ببركة الأديان التوحيدية واتباعها المؤمنين الحقيقيين، وان الدول المسيحية واليهودية والحكومات التي يصطلح عليها بالاسلامية عاجزة عن ذلك.
ان الأضرار التي يلحقها أولئك المرتزقة والمرتبطون بالقوى الشيطانية بأوطانهم لا تقل عن الأضرار التي تلحقها القوى العظمى بالشعوب الرازحة تحت الأسر، بل أكثر. ولابد لأنصار الحق والحقيقة والمخلصين للانسانية، من التفكير بحل لهذه المصيبة المدمرة.
أسأل الله تعالى انقاذ الشعوب من شرّ هؤلاء الظالمين، وأن يرينا المزيد من الأمن والاستقرار والاخلاص، وأن يحقق لبلادنا آمالها في ظهور الامام المهدي- أرواحنا فداه- وإقامة القسط والعدل وإرساء السلام والاستقرار في العالم. ويمنّ على شهدائنا برحمته الخاصة بأوليائه، وعلى جرحانا ومصابينا بالشفاء العاجل، وأن يخلص أسرانا وينجي مفقودينا قريباً من شرّ الصداميين ويعيدهم إلى وطنهم الاسلامي، ويمنّ بالصبر والأجر على أسر الشهداء لا سيما آباؤهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناؤهم جميعاً، ويحقق النصر لجنودنا الأبطال. والسلام على عباد الله الصالحين.
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج17، ص: 242-245
1- قرأ نداء الامام سماحة السيد أحمد الخميني في حشد كبير ضم اسر الشهداء وجمعاً من أفراد القوات المسلحة والمسؤولين، إحياء لذكرى انتصار الثورة الاسلامية في( مهدية طهران) يوم الخميس الحادي والعشرين من بهمن.
2011-06-11