من مكارم الأخلاق
قيد الدراسة2
حُكي عن السيّد محمّد الحجّة الكوه كمري قدس سره انه قال: أول ما وردت مدينة قم المقدّسة ذهبت إلى حرم السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام للزيارة والصلاة. وفي أثناء الزيارة إذا برجل جاء إليّ وأخذ يهمس في أذني بشيء، فلمّا أصغيت، إذا هو يكيل لي التهم والأكاذيب، ويرشقني بوابل من الكلمات اللاذعة
عدد الزوار: 81
حُكي عن السيّد محمّد الحجّة الكوه كمري قدس سره انه قال: أول ما وردت مدينة قم المقدّسة ذهبت إلى حرم السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام للزيارة والصلاة. وفي أثناء الزيارة إذا برجل جاء إليّ وأخذ يهمس في أذني بشيء، فلمّا أصغيت، إذا هو يكيل لي التهم والأكاذيب، ويرشقني بوابل من الكلمات اللاذعة، والسباب والشتائم القبيحة. فلم أرد عليه بكلمة، فذهب لكنه لم يلبث أن عاد وكأنّه لم يبرد غليله حيث جاء وأخذ يهمس في اذني الثانية بما همس في الأولى أوّلاً. وفي هذه المرّة أيضاً لم أردّ عليه بكلمة، فذهب ثمّ جاء ثالثاً وقال مهدّداً: لا أدعك تبقى في قم فإرجع من حيث أتيت، ثم أخذ يسبّني بما يحلو له من سباب حتى أفرغ ما في قلبه، ثم ذهب، كل ذلك وأنا ساكت، لم أرد عليه حتى بشطر كلمة، لكن سكوتي هذا جعله يرجع إلى نفسه، ويتوب إلى ربّه، وينقلع عن التعرّض لي بسوء حيث لم يمسني منه مكروه طيلة توقّفي في قم المقدّسة ومدّة إقامتي فيها مشتغلاً بالدرس والتدريس.
العلماء ورثة الأنبياء
حكي عن أحد رجال الدين انّه كان إبان قضايا المشروطة والمستبدّة من أشدّ الناس تحاملاً على المستبدّين، وبالأخص السيد محمد كاظم اليزدي قدس سره وكان وكيلاً من قبل أحد العلماء في بعض بلاد العراق، فلمّا توفي ذلك العالم وصارت الزعامة الدينية والمرجعية الشيعية إلى السيّد سقط في يد الوكيل ولم يعرف ماذا يصنع؟ وأخيراً فكّر في أن يأتي إلى أحد المقرّبين من السيّد ويوسّطه في قضيّته، وهكذا فعل، فقد جاء إلى النجف الأشرف ولقى بعض المرتبطين بالسيّد وأخبره عن أمره. فقال له: لا بأس عليك كن في الصحن الشريف بعد صلاة العشاء حتّى نذهب إلى السيّد وأتوسّط لك عنده. فانتظر الوكيل الوسيط بعد الصلاة، ثمّ إلتقيا معاً بالسيّد.
عندها قال الوسيط للسيّد: سيّدنا كان هذا الرجل من المتحاملين عليكم وهو اليوم نادم على ما سبق منه إليكم، وقد جاءكم تائباً ويريد منكم الوكالة ليبقى في مكانه السابق ويكون وكيلاً عنكم.
فقال السيّد: بكلّ انبساط وبشاشة: لا بأس، فليأت إلى البيت لأكتب له الوكالة. وبهذه البساطة عفى السيّد اليزدي قدس سره عنه وقبل منه عذره، ولا عجب، فإنّه من حيث النسب ابن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ومن حيث الحسب وريث رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فإن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عفى عن أهل مكّة وبكلّ بساطة.
المرجعية حلم وحزم
نقل لي أحد رجال الدين الثقاة وقال: كنت جالساً في صحن الإمام الحسين عليه السلام قرب باب الزينبيّة وكان إلى جنبي رجل آخر كان قد جلس بانتظار أحد، وفي هذه الأثناء وإذا السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سره قد خرج من الروضة المباركة قاصداً باب الزينبيّة وخلفه بقليل جماعة من حاشيته. فقال الرجل الذي كان قد جلس إلى جنبي: سأذهب لأسمع السيد ما أريد، ثمّ قام ولحق السيد وأخذ يهمس في أذنه شيئاً حتى غاب عن نظري. وبعد قليل جاء الرجل والى مكانه الأوّل وجلس فيه وهو يبكي ويرتجف، فتعجبت من حاله وقلت له: ماذا دهاك؟ فأجاب بعد ان سكن إضطرابه وقال: ذهبت الى السيد وأخذت أسبّه في أذنه بكل سب لاذع، والسيد ساكت لا يتكلم، حتى وصلت معه الى باب داره. عندها إلتفت اليّ السيد وقال: إبقَ في مكانك ثمّ دخل الدار وخرج وناولني ظرفا فيه كميّة من المال وقال: إذا كان لك حاجة فراجعني شخصيّا، ولا تراجع غيري حتى يصدوك عني، ثمّ قال لي السيد: اني مستعد لأن أسمع كل شتم، لكن رجائي ان لا تسمعني بعد ذلك سب العرض والأهل. ثمّ أضاف الرجل قائلاً: فأحدث فيّ هذا الخُلق الكريم من السيد ردّ فعل عجيب جعلني أرتجف وأبكي كما ترى.
الحفاظ على وحدة الكلمة
كان ولا يزال من عادة المراجع الأخيار مساعدة الجهات الدينية ومساندتها والحفاظ على وحدة الكلمة بين الناس على اختلاف مشاربهم وآرائهم، وذلك بالحفاظ على وحدة رجال الدين لأنّهم قادة الناس وأسوتهم في كل خير، وفي مقدمة الخيرات: وحدة الكلمة. وكان السيد أو الحسن الأصفهاني قدس سره خير نموذج في هذا المجال، فقد كان يبذل الأموال الطائلة في سبيل تأليف القلوب وتوحيد الكلمة، حتى قيل: انّه كان إذا ثبت لديه هلال شهر رمضان مثلاً أو هلال شوال، أو ما أشبه ذلك، أرسل رسوله بالمال إلى من يحتمل خلافهم، ثمّ يقول له الرسول بعد ذلك: لقد ثبت الهلال عند السيد الأصفهاني فما رأيكم؟ وكان الجواب هو الموافقة مع السيد. وكان السيد الحاج آقا حسين القمّي قدس سره أيضاً خير مثال في هذا المجال، فقد قيل عنه: انّه كان يتعاهد أحد مخالفيه بإرسال أموال طائلة إليه استمالة له وتأليفاً لقلبه، وكان بذلك يحفظ وحدة كلمة رجال الدين من التصدع والتشتت، حتى لا يطمع من في قلبه مرض في النيل منهم. كما أن السيد البروجردي قدس سره كان هو الآخر أيضاً كذلك، فقد كان كما قيل عنه: يوصل المال إلى المخالفين له الذين يأمل فيهم فائدة دينية أو يخشى من مخالفتهم بما يوجب فتّ العضد في كلمة رجال الدين، يؤلف بذلك قلوبهم، ويستميلهم إليه، حتى انّه قال أحد رؤساء بعض الأحزاب الإسلامية وكان شديد العداء للسيد ذات مرة: ان السيد البروجردي كان يرسل إلينا المال بين حين وآخر، نعم هكذا كان المراجع الأخيار يؤلفون القلوب إتباعاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يتألف أصحابه ورؤوس قومه بالمال والمداراة.
الصفح الجميل
قيل انّه كان للمرحوم السيد أبي الحسن الأصفهاني ولد شاب فاضل يدير غالب أمور السيد وكان يدعى باسم السيد حسن، فإتفق ان طلب منه رجل يسمى: علي القمي، مقداراً من المال، وحيث لم يكن مع السيد حسن المقدار الكافي من المال أعطاه أقل منه، فأخرج القمي من فوره سكيناً حادّاً وذبحه في صحن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وفي صلاة الجماعة وذلك بمنظر من والده ومن الناس. ولكن حيث كانت العملية هذه قد تمّت بسرعة فائقة تامة، لم يستطع أحد من صدّها والحيلولة دون وقوعها، وإنّما فوجئوا بها كاملاً وسقط في أيديهم، ولذلك كانت هذه الحادثة فاجعة كبرى فجعت الناس يومذاك، وامتحاناً إلهياً كبيراً للسيد قدس سره، فقد صبر عليها كما صبر أجداده الطاهرون عليهم السلام وأبلى فيها بلاءً حسناً، و غضّ الطرف عنها وعن مرتكبها حتى كأن لم يكن شيئاً مذكوراً. ولذلك لما ألقت الحكومة القبض على القاتل وسجنته، أرسل السيد رسوله إلى الحكومة ليطالبها بالإفراج عنه، ويبلغها قوله: إني عفوت عنه، إنّه كأحد أولادي، وهل يرضى الأب بأن يجتمع عليه مصيبتان في ولده: قتل أحدهم، وسجن الآخر؟ كلا، أفرجوا عن القاتل، فأفرجوا عنه.
كتاب بكتاب
كتب رجل بعيد عن الآداب الإسلاميّة إلى العالم العظيم الخواجه نصير الدين الطوسي قدس سره كتاباً خشناً وكان في جملة ما كتب فيه: (يا كلب). فأجابه الخواجه الطوسي قدس سره في كتاب بجواب ليّن، وكان في جملة ما كتب فيه: وأمّا خطابك لي بالكلب، فإنّي لست بذلك، فإنّ الكلب منحني الظهر، وأنا مستقيم القامة أمشي على رجلين، وما أشبه هذه العبارات، وذلك بكل هدوء ورفق، وبدون أيّ خشونة وخُرق ممّا أدّى إلى خجل الكاتب والإعتذار منه.
المرجع السمح
كان أحد العلماء المعاصرين للآخوند الخراساني قدس سره مخالفاً لبعض آراء الآخوند الخراساني قدس سره ومُظهراً لخلافه له. قال: فجاءني ذات يوم رجل غريب وهو يحمل كيساً مملوءاً بليرات ذهبية وقال: من هو المرجع هنا؟ قلت: إنّ فلاناً هو من المراجع وأنا موافق له لكن لا يعطي، والآخوند هو من المراجع أيضاً وأنا مخالف له لكن يعطي. قال الرجل الغريب: ليس لي حاجة بمن لا يعطي، فاذهب بي إلى من يعطي. قال: فأخذته إلى دار الآخوند وأنا فقير محتاج إلى ليرة واحدة منها، فدخلنا على الآخوند فرأيناه يتوضأ، فقلت للرجل الغريب: إنّ هذا الذي يتوضأ هو الآخوند، فالتفت إليه الرجل الغريب وقال: إنّ هذا المال هو ثلث ميّت وقد جئت به إليك. فقال له الآخوند: تقبّل اللّه منه ومنك ورحمه وإيّاك، نعم ضعه على الحصير، ثمّ أتمّ وضوئه، وقد ذهب الرجل. عندها قال لي الآخوند: خذ هذا المال لك. فتعجبت من كلامه وقلت: لا إنّما آخذ بعضه. فقال الآخوند: كلا، بل كلّه لك وبالتالي وبإصرار كثير أعطاني المال كلّه ولم يرضَ لي بغيره، ممّا صار ذلك سبباً لأن أرفع اليد عن مخالفتي له، وأن أكون بعد إظهار الخلاف له ممّن يظهر الوفاق له ويعلن بالمحبّة والإجلال، والمدح والثناء عليه.
مع حَمَلة لواء الإسلام
قيل: انّه ولمبادرة إصلاحية حسنة، حرّم المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني منبر أحد الخطباء الشهيرين، حيث ان ذلك الخطيب كان يُعرّض في منبره بالعلماء الأعلام وذلك في قصص مشهورة. وكان التحريم هذا سبباً لتفرق الناس عنه، مما إضطره أخيراً إلى إعلان التوبة وإظهار الندم عند السيد، والسيد هو بدوره قام برفع التحريم عنه وأجاز منبره من جديد، ولكن قبل التوبة ورفع التحريم قال أحد أصدقاء ذلك الخطيب: ذهبت إلى النجف الأشرف عند أحد العلماء ممن كان في طراز السيد علماً واجتهاداً وقلت له: ألست من المجتهدين والمراجع الذين يرجع إليهم الناس في مسائلهم؟ قال: ثمّ ماذا؟ قلت: فكما ان السيد أفتى بتحريم منبر الخطيب الفلاني الشهير، فأفتوا أنتم في المقابل بتحليله فإنكم لستم بأقل من السيد علماً ومنزلة عند الناس. عندها أطرق العالم برأسه هنيئة ثمّ رفع رأسه وإلتفت إليّ وقال: يا فلان إتَقِ اللّه ولا تكن سبباً لشق عصا المسلمين، ان لواء الإسلام وراية التشيع اليوم بيد السيد ويلزم على الجميع إتباعه والتعاون معه والإحتراز عن معارضته ومجابهته، فان مجابهته معناه مجابهة الإسلام، وفت عضد المسلمين وذلك مما لا يجوز في الشريعة. وبهذا الرد الجميل سدّ الطريق على كل من يحاول الشغب وإلقاء الخلاف بين العلماء ولو عن حسن نية، وقطع أطماع الطامعين أصحاب النوايا السيئة الذين يتربصون بالعلماء ويحاولون ضرب بعضهم ببعض عن نيل ذلك.