يتم التحميل...

من آثار الرفق

قيد الدراسة2

كان للميرزا الشيرازي الكبير قدس سره صاحب قصّة التنباك تلاميذ كثيرون، ومن جملة أولئك كان هو الشيخ حسن الأصفهاني قدس سره المستوطن مدينة مشهد المقدّسة، وكان رجلاً عظيماً، له ختومات، وأدعية وأوراد يومية، وممّا ينقل عنه هو: انه كان ذات مرة وهو في طريقه من الكوفة إلى النجف الأشرف

عدد الزوار: 91


كان للميرزا الشيرازي الكبير قدس سره صاحب قصّة التنباك تلاميذ كثيرون، ومن جملة أولئك كان هو الشيخ حسن الأصفهاني قدس سره المستوطن مدينة مشهد المقدّسة، وكان رجلاً عظيماً، له ختومات، وأدعية وأوراد يومية، وممّا ينقل عنه هو: انه كان ذات مرة وهو في طريقه من الكوفة إلى النجف الأشرف، وإذا باللصوص يجتمعون عليه ويأمرونه بأن يتجرّد من ثيابه ويسلمها مع ما فيها إليهم، وفعل الشيخ ذلك حيث تجرّد من ملابسه بإستثناء الإزار، ثم سلمها إليهم قائلاً: قد وهبتها لكم حتّى لاتقعوا في معصية اللّه من أجل غصب ملابسي. وإذا بهذا الكلام يفعل كالمعجزة في اللصوص، حيث يحصل فيهم ردّ فعل داخلي يقودهم إلى الإنتباه والإرتداع، وإذا بهم لا يأخذون الثياب، ويتوبون على يديه قائلين: انه ليس من الحقّ عصيان اللّه تعالى بالسرقة، بعد أن نرى منك مثل هذه الشفقة علينا، وبالفعل فقد تابوا وصار أمرهم إلى خير، وهكذا يفعل الرفق بالنفوس.

العطف على الحيوان

قال أحد العلماء: كنت أعيش أنا وعائلتي الثقيلة في غاية الفقر والمسكنة، وإتّفق أن وقع قحط في بعض السنين والأعوام، فأخذ أهلي وأطفالي يتضوّرون جوعاً، وصعب تحمّل الأمر عليّ غاية الصعوبة، فخرجت في طلب شيء أسدّ به رمق الأهل والأطفال، وبعد صعوبات كثيرة حصلت على ريّة شاة، فأخذتها فرحاً وفكرت في الرجوع بها إلى الدار، وفي الطريق وجدت كلبة قد أنهكها الضعف من شدّة الجوع، حتّى وقعت على الأرض وصارت بلاحراك، وحولها جِراء لها هزال يمتصّون أثدائها الخالية، مما يزيد في ضعفه. قال: فوقفت عليها ورق قلبي لها حتى نسيت ما كان من أمر أهلي وأطفالي، وأخذت ألقمها ما معي من ريّة الشاة حتّى أتيت على آخرها، ثم وقفت أنظر إليها، فأحسست بأنّها تقوّت بذلك، ثم هبّت قائمة متوجّهة إلى السماء، فعلمت بأنها تدعو لي وتشكرني على عملي، قال: ومن ذلك الحين أخذ الرزق يدرّ عليّ من كلّ مكان بلا حساب

المرجع أب حنون

ذكر لي الخطيب الكبير والواعظ الشهير الحاج الشيخ مهدي المازندراني قدس سره صاحب التصانيف القيّمة كمعالي السبطين وغيره من الكتب الثمينة، نقلاً عن والده الشيخ عبد الهادي قدس سره وكان من تلاميذ الميرزا الكبير المجدّد الشيرازي قدس سره قائلاً: إنه لما ولد له الشيخ مهدي تمرض الطفل بعد أيام من ولادته، وكانت زوجة الميرزا لها إلمام بالطب وتعرف طريق العلاج، فأخذ الشيخ وزوجته الطفل إلى دار الميرزا لتعالجه زوجة الميرزا. فاتّفق أن كانت زوجة الميرزا مشغولة بأمر، فطلبت منهما بأن يأتوا بالطفل بعد ساعة، فإنزعج الشيخ، وعاد إلى داره مغضباً وعزم على عدم مراجعتها. وبعد ساعة أرسلت زوجة الميرزا إليهم ليأتوا إليها بالطفل فتعالجه، لكن الشيخ أبى عليها ذلك، وتكرّر الطلب من ناحيتها مرّات، والشيخ مصرّ على عدم تلبية الطلب.

 قال الشيخ: قال والدي: وبينا أنا كذلك وإذا بي أسمع طرقاً على الباب، ولما تقدمت إلى الباب وفتحته، رأيت الميرزا، وخلفه زوجته قد جاءا بنفسيهما. قال: فخجلت كثيراً وأخذت أعتذر من الميرزا. فأجابني الميرزا قائلاً: لا بأس عليك، ولكن ألم يكن من المقرّر بيننا أن نكون في سامرّاء كعائلة واحدة؟ ثم دخلت زوجة الميرزا إلى الدار وجلس الميرزا إليّ في الدهليز يحدّثني، حتّى إذا وصفت الدواء للطفل وعالجته، خرجت من الدار، فودّعني الميرزا وعاد بصحبتها إلى داره. قال الشيخ مهدي قدس سره: وطبت ببركتها بعد أن كنت مشرفاً على الهلاك والموت.

من لطائف قصة التنباك

قيل: أنّ الميرزا الشيرازي الكبير قدس سره لما كان في سامراء كان يواظب على تربية نخبة من رجال الدين النزيهين ويشجعهم على البقاء هناك وكان إذا رأى الإعوجاج من أحد الطلاب نصحه وحثّه على الإعتدال، فإذا لم يعتدل هيأ وسائل خروجه من سامراء من غير مباشرة وذات مرّة إتفق ان جاء أحد أبناء الأشراف من طهران إلى سامراء وتتلمذ على الميرزا، لكنّه كان ينتقص الميرزا في مجالسه، وكلّما قيل للميرزا بقطع مرتبه الشهري أو إخراجه من سامراء، لم يجبهم إلى ذلك. وبعد مدّة جاء وفد من طهران إلى سامراء وطلبوا من الميرزا أن يرسل لهم وكيلاً. فقال لهم الميرزا: وهل ترغبون أن يكون فلان وكيلي فيكم وهو يقصد ذلك الذي كان ينتقصه ؟ قالوا: نعم. فهيأ الميرزا أسباب سفره بأحسن وجه وكتب له الوكالة عنه وأرسله معهم إلى طهران بكل احترام ممّا أثار اعتراض المطّلعين عن حاله على الميرزا لكن الميرزا لم يلتفت إلى إعتراضهم وسكت عنهم حتى ثارت قصة التنباك.

وكان هذا الوكيل، قد إرتفع شأنه وصار من علماء طهران المبرّزين ومن المقرّبين لناصر الدين شاه ففكّر الشاه في نقض حكم الميرزا على أيدي رجال الدين أنفسهم ولذا أمر هذا العالم أن يدعو العلماء إلى داره ويخبرهم بأنّ الشاه يريد الاجتماع بهم في داره، فلمّا اجتمعوا جاء الشاه ولما استقر به المجلس أقبل عليهم وقال: (أليس حلال محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم القيامة)1؟ قالوا: بلى. قال فمن هو الميرزا محمّد حسن الشيرازي الذي حرّم التنباك؟ فأحجم العلماء عن الجواب وعمّ المجلس السكوت لحظات، وإذا بهذا العالم نفسه يخترق السكوت ليقول للشاه: أيها الشاه لا تقل (محمّد حسن) انّه زعيم الشيعة ورئيس الحوزة، ومقتدى الناس ونائب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنّه آية اللّه العظمى الحاج ميرزا محمّد حسن الشيرازي أدام اللّه ظلّه على رؤوس الأنام. فغضب الشاه وقال: ثمّ ماذا، وما أنتم صانعون؟

فأجابه هذا العالم: إنّنا بإنتظار تنفيذ أمره وإلاّ نفذناه نحن بالسيف. وهنا غضب الشاه غضباً شديداً وقام وخرج من المجلس وهو يقول: أردناه لنا عوناً فإنقلب علينا فرعوناً. وهكذا فشل الشاه في تآمره على رجال الدين وتخطيطه لحفظ مصالحه الشخصيّة. فكتب بعض الحاضرين تفصيلاً عن القصّة إلى الميرزا وأرسله إليه. فلمّا وصل الميرزا ذلك طلب المنتقدين له والمعترضين عليه في قصة توكيله ذلك الذي كان ينتقصه في مجالسه وعدم موافقتهم له في إرساله إلى طهران وكيلاً عنه، وأراهم الرسالة. فلمّا عرفوا مضمونها، إعتذروا من الميرزا وأكبروه على حسن سلوكه وبُعد نظره، وعلموا أنّ الرفق بالناس والمداراة لهم من أهمّ الأمور في الحياة.


1- راجع مستدرك الوسائل: 12 / 217 ب 14 ح 139424.

2009-07-28