يتم التحميل...

مثال الزهد والتقوى

قيد الدراسة2

نقل لي ابن العم: السيد ميرزا أبوالقاسم الشيرازي قدس سره: أنهم أيام تواجدهم للدراسة في سامراء، كانوا يذهبون في أيام الربيع خارج المدينة للاصطياف والنزهة، حيث إن أمطار الربيع كانت تملأ الصحراء بالأوراد والزهور وكان لها أبهج المناظر، وأحسن الروائح والعطور. قال: وكنّا نصرّ على والدك: سماحة السيّد ميرزا مهدي قدس سره في أن يصحبنا إلى خارج المدينة للإرتياح

عدد الزوار: 78


نقل لي ابن العم: السيد ميرزا أبوالقاسم الشيرازي قدس سره: أنهم أيام تواجدهم للدراسة في سامراء، كانوا يذهبون في أيام الربيع خارج المدينة للاصطياف والنزهة، حيث إن أمطار الربيع كانت تملأ الصحراء بالأوراد والزهور وكان لها أبهج المناظر، وأحسن الروائح والعطور. قال: وكنّا نصرّ على والدك: سماحة السيّد ميرزا مهدي قدس سره في أن يصحبنا إلى خارج المدينة للإرتياح، لكنه كان يأبى ويتعلّل بالدرس والبحث. حتى إذا كان يوم جمعة، قلنا له: لابدّ أن تخرج معنا فإنه لا درس في هذا اليوم. قال: إن لم يكن عندي درس فعندي مطالعة وتحضير. قلنا: يمكن لك أن تطالع في الصحراء حيث المنتزه؟ قال: وعندي برنامج حفظ القرآن الحكيم. قلنا: ويمكن أيضاً أن تحفظ هناك. قال: لكني في عصر الجمعة أريد زيارة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في السرداب المقدّس. وهنا قال ابن العم: فثارت حفيظتي وقلت له: إذن قل من أوّل الأمر: اني لا أريد الخروج معكم.

العلم والعمل لقد كان الوالد قدس سره يحثّني كثيراً على المطالعة ومواصلة الدراسة، وكان يقول لي عن نفسه: انه كان إبان اشتغاله بالدرس لا ينام في الليل والنهار إلا ما يقارب الساعتين فقط، وكان إلى جانب الدرس يحفظ القرآن عن ظهر الغيب، وكان قد خصص وقتاً لذلك في الليل وعلى ضوء القمر، حيث لم يكن آنذاك برق وكانت أمورهم عسرة لا تسمح لهم بتوفير سراج للمطالعة في ضوئه، وكان في النهار مشتغلاً بالدرس والبحث ولذلك كان لا يتمكّن من حفظ القرآن إلا ليلاً، وكان قدس سره يقول: انه قد أخذ عهداً على نفسه منذ أوائل بلوغه أن يجتنب بتوفيق من اللّه تعالى كل التي يمكن أن يبتلى بها طالب العلم، من حب الصدارة في المجالس، وحبّ الغلبة على المباحث في أثناء البحث، وحب الجاه والمقام، وبيع الآخرة بالدنيا وما أشبه ذلك، وقد رأيته بنفسي انه قدس سره كان ملتزماً بعهده، موفياً لوعده، إلى آخر عمره.

وقد صادف ذات مرّة أن كنت بخدمته وذلك حين رجوعه من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة وبعد أن زرنا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى المناسبات الخاصة بزيارته عليه السلام، إذ توقّفت السيارة في الطريق قرب النخيلة لنفاد وقودها، فأخذ الوالد قدس سره يتمشى ويتلوالقرآن عن ظهر الغيب حفظاً حيث كان حافظاً له واستمر إلى الفجر على عمله ذلك، ولما سألته عن المقدار الذي قرأه من القرآن، قال: ثمانية أجزاء. وقد كان قدس سره ملتزماً بعدم النوم بين الطلوعين، وكان يتلوكل يوم بعد صلاة الصبح جزءاً من القرآن الكريم، بالإضافة إلى الأدعية اليوميّة المأثورة. وكانت من سيرته: أن ينقل صلاة جماعته في أيّام الزيارة حيث يتوافد الزوّار على كربلاء المقدّسة من الصحن الشريف إلى المسجد والحسينية، وكان يقول: لا أحب أن أزاحم الزائرين.

و
كان عليه السلام في أوائل إمامته للجماعة يصلّي صلاة الصبح في الحرم الحسيني وراء الضريح المقدّس، ثم نقل جماعته من ذلك المكان الطاهر حتى لا يسبّب مزاحمة الزائرين. وكان قدس سره قد فتح لنفسه حساباً خاصاً مع الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف حتى انه كان لا يغيب عن ذهنه، ولا يغفل عن ذكره، وكان يذهب عصر كلّ يوم جمعة، إلى مكان خلوة من سطح ونحوه، ويتوجّه إلى الإمام عليه السلام بقلبه، ويناجيه بسره، ويتوسّل إلى اللّه تعالى بتعجيل فرجه، وتسهيل ظهوره، ويقرأ الأدعية الواردة في ذلك. وكان قدس سره حليماً صبوراً على أذى الناس، ويعفوعنهم. ففي ذات مرّة كتب إليه شخص كتاباً ذكر فيه شتائم كثيرة، وكان قد صَدَّرهُ بكلمة قاسية جدّاً، فامتقع لونه من مطالعته، لكنه أجرى الحوقلة على لسانه وسرى عنه.

2009-07-28