جهاد العلماء3
قيد الدراسة2
كان ناصر الدين شاه على ما قيل يتّخذ القرارات السياسية المرتبطة بشأن البلاد والعباد وحده بلا مشورة من مراجع الأمّة الفقهاء، ولا طلب رأي من العلماء الأعلام، ولذلك كانت الإعتراضات تتوالى من العلماء والمراجع على قراراته غير الصائبة، عملاً بوظيفتي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
عدد الزوار: 78
شورى المراجع
كان ناصر الدين شاه على ما قيل يتّخذ القرارات السياسية المرتبطة بشأن البلاد والعباد وحده بلا مشورة من مراجع الأمّة الفقهاء، ولا طلب رأي من العلماء الأعلام، ولذلك كانت الإعتراضات تتوالى من العلماء والمراجع على قراراته غير الصائبة، عملاً بوظيفتي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكانت هذه الإعتراضات تقلّل من شخصيّة الشاه وتعرضه للسقوط في أنظار الشعب. وتلافياً للأمر كان الشاه يضغط ولكن بكل خفاء على العلماء والمراجع حتى لا يتجرؤوا على معارضته بتصوّره. وكان من جملة أولئك المعترضين المرحوم الفشاركي في أصفهان، ففكّر الشاه في طلبه وتهديده بالكفّ عن معارضته، واستقدمه لذلك. فوصل خبر هذا الأمر إلى أحد علماء طهران وعلم بأنّ الشاه يقصد من إستقدام الفشاركي قدس سره تنقيصه وتهديده، ورأى انّ هذا الأمر لو توفّق له الشاه، تعرّضت كرامة كلّ العلماء والمراجع إلى الخطر، ففكّر في العلاج، فرأى انه لم يكن هناك شيء يعالج الأمر بسلام، ويصدّ الشاه عن نواياه أفضل من إتّحاد العلماء والمراجع فيما بينهم.
وإنجازاً لهذه المهمّة، إتّصل ذلك العالم الفقيه ببقيّة علماء طهران وقام بزيارتهم بنفسه ليلاً، وأعلمهم بإستقدام الشاه للعالم الفاضل: الفشاركي إلى طهران وما ينويه تجاهه، وحذرهم من مغبة الأمر، وانه إذا تم للشاه ما ينويه تجاه الفشاركي فسوف يسهل عليه التعرّض لهم أيضاً، إضافة إلى انه منكر شرعاً ويجب عليهم ردعه. ولإتّخاذ موقف موحد عقدوا اجتماعاً طارئاً بحثوا فيه كيفيّة مواجهة الشاه، وخرجوا بإتّخاذ القرار التالي: وهو أن يعلنوا في الصباح المبكر من يوم غد عن خروجهم إلى استقبال الفشاركي، وفور ما سمع الناس هذا أغلقوا محلاتهم وتركوا أعمالهم وخرجوا بصحبة علمائهم للاستقبال خارج المدينة. فورد الفشاركي قدس سره على المستقبلين بكلّ عزّ واحترام، ونزل ضيفاً على علماء طهران الذين كانوا في مقدّمة المستقبلين، ولما رأى الشاه ذلك، قال لوزيره: أرأيت كيف اتّحدت العمائم ضدّي؟ قال الوزير: والآن لا علاج إلاّ أن تزوره وتكرمه وتعتذر منه. وقبل الشاه ما أشار عليه الوزير وفعل ذلك وانتهى الأمر بانتصار الدين ورجاله، وعظمة الإسلام وأهله ببركة ذلك الاتّحاد المنبعث عن العقل والرؤية الصابئة. نعم انّ (شورى الفقهاء المراجع) ضرورة دينيّة ملحّة، وواجب شرعي وعقلي، وخصوصاً في هذا العصر الذي لم ينفرد شخص واحد أو جهة واحدة بالعداء ضد الإسلام، وإنما أحاط الأعداء بالمسلمين من كلّ جانب.
مع فتوى الميرزا المشهورة
يقال: انّه لما حرم الميرزا الشيرازي الكبير قدس سره التنباك، فكر الاستعمار البريطاني ان يقوم عبر سفارته في بغداد بنقض حكم الميرزا بسبب أحد العلماء، فحركت السفارة عبر الوسائط بحسب عادتها جماعة من الوجهاء فجاءوا إلى المرحوم الشيخ زين العابدين المازندراني المعاصر للميرزا الكبير وذلك في يوم كان مجلس الشيخ غاصاً بأهله ولما استقروا سأله أحدهم قائلاً: ما تقولون في هذا الحديث: (حلال محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرام محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حرام إلى يوم القيامة). قال الشيخ: حديث لا إشكال فيه. فقال السائل: أخبرني هل التنباك كان حلالاً قبل تحريم الميرزا أم كان حراماً؟ وهنا عرف الشيخ بالمكيدة، فأجاب قائلاً: كان حلالاً. قال السائل: فبمقتضى هذا الحديث هو حلال إلى هذا اليوم وإلى يوم القيامة، ولا أثر لتحريم الميرزا؟
قال الشيخ: لا ليس الأمر كما زعمت، بل انّه حرام الآن بسبب فتوى التحريم ولا منافاة بين هذا الحديث الشريف وبين فتوى الميرزا بالتحريم، وذلك لأنّ العناوين الأوليّة، تبقى على حالها ما لم تتعارض مع عنوان ثانوي فإذا تعارضت تغيّرت، كالصوم الذي هو واجب إلى الأبد ما لم يطرء عليه عنوان الضرر، فإذا طرء عليه عنوان الضرر صار حراماً، والتنباك حلال في ذاته لكن طروّ عنوان الضرر عليه صيّره حراماً، فأفتى الفقيه الجامع للشرائط والمرجع البصير بالأمور بحرمته، فأصبح حراماً بفتواه، فهو من اليوم حرام حتى يرجع الميرزا عن حكمه وذلك فيما إذا ذهب العنوان الثانوي... وبهذا الكلام أكد الشيخ، فتوى الميرزا بالتحريم فسدّ طريق الإعتراض على المعترض بحيث لم يجد ثغرة يتسلل منها الى مآربه.
الحزم مع الملوك
قيل: انه كان السيد أبو القاسم الكاشاني قدس سره يختلف في بعض آرائه السياسيّة مع السيد البروجردي قدس سره ولكن السيد البروجردي لم يكن يعبأ بخلافه، ولذلك لما سمع نبأ إعتقال السيد الكاشاني من قبل حكومة الشاه، وعلم بصدور حكم الإعدام عليه، أرسل من فوره إلى الشاه من يخبره بلزوم إلغاء حكم الإعدام عن السيد وإطلاق سراحه. جاء الرسول إلى الشاه وأبلغه رسالة السيد البروجردي، لكن الشاه تعلل عن قبولها متظاهراً بان الأمر ليس في يده وان المحكمة العليا هي التي تحكم بالسجن والإفراج وكان الشاه يريد إعدام السيد الكاشاني لأنه كان متأثراً منه في قضايا (المصدق) المعروفة. ولما رجع الرسول وأبلغ السيد البروجردي بالخبر، غضب السيد وقال للرسول: إذهب إلى الشاه، وقل له: ان لم تأمر بالإفراج عنه لحكمت أنا بالإفراج عنه وكان ذلك تهديداً من السيد البروجردي للشاه بأمر لا يحمد عقباه. ولما علم الشاه عزم البروجردي قدس سره على ذلك أمر بالإفراج عن السيد الكاشاني فوراً، فأفرج عنه وذلك ببركة حزم السيد البروجردي وتدبيره، وحفاظه على كرامة رجال الدين.
من غدر الإنجليز
كان المرحوم الشيخ عبد الكريم الزنجاني صديقاً مع أحد شيوخ العشائر العربية الكبار وكان من عادة الشيوخ حسن الضيافة، فكان يستضيف الشيخ الزنجاني في كل عام مرة ويكرمه غاية الاكرام ويزوده بالمال الكثير الذي كان يكفيه وطلابه مدّة من السنة. تكررت السنين والأعوام على هذه الحالة حتى احتل الإنجليز العراق، وإذا بذلك الشيخ يتفق مع المحتلين الإنجليز للبقاء على مصالحه. وفور ما علم الزنجاني بذلك أرسل إلى صديقه الشيخ من يحذّره عاقبة توافقه مع المحتلين الإنجليز، ويطلب منه بنصيحة وصداقة فسخ إتفاقه ونقض معاهدته معهم، لانّهم لا وفاء لهم ولا أمان، مذكّراً له بقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النار). لكن الشيخ لم يعبأ بالرسالة ولم ينزل إلى ما عرضه عليه الزنجاني. فكرّر الزنجاني رسالته الى الشيخ وحذّره بقطع علاقاته معه وهدم صداقته له، فلم يؤثّر كل ذلك على سلوك الشيخ واتفاقياته، فقاطعه الزنجاني ولم يذهب لضيافة الشيخ كما كان من عادته في كل عام، فكتب إليه الشيخ يستضيفه ويطلب منه الإغماض عما وقع منه، لكن الأمر حيث لم يكن شخصياً وإنما يرتبط بالإسلام والمسلمين أجابه بالجواب التالي: فرّق بيني وبينك كلمة الإسلام والكفر. وهكذا غض الزنجاني قدس سره طرفه عن صداقة الشيخ لأجل الدين، وقطع نظره من تلك المنافع الطائلة لمصالح المسلمين، ولكن الشيخ حيث لم ينزل لنصح الزنجاني وقع بالتالي فيما حذّره منه من غدر الإنجليز، فقد قتلوه شر قتلة في سجون عميلهم: البهلوي الأوّل في إيران.