بساطة العيش
قيد الدراسة2
سيرة المعصومين كما تقدمت الإشارة، كان المعصومون عليهم السلام يعيشون بمنتهى البساطة في المجال المادي، والتاريخ حافل بالشواهد على ذلك، وإليك بعض النماذج: 1- جاء في حديث طويل حول الزهراء عليها السلام:...
عدد الزوار: 97
سيرة المعصومين
كما تقدمت الإشارة، كان المعصومون عليهم السلام يعيشون بمنتهى البساطة في المجال المادي، والتاريخ حافل بالشواهد على ذلك، وإليك بعض النماذج:
1- جاء في حديث طويل حول الزهراء عليها السلام:... فنهضت والتفت بشملة لها خلقة (بالية) قد خيطت في إثني عشر مكاناً بسعف النخيل، فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة وبكى وقال: واحزناه!. إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في إثني عشر مكاناً.. فلما دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: يا رسول الله!.. إن سلمان تعجبمن لباسي: فوالذي بعثك بالحق ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا سلمان!.. إن ابنتي لفي الخيل السوابق1. ويروي ابن سعد في طبقاته بسنده عن علي عليه السلام أنه قال: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها2.. ورغم هذه القناعة وهذا الزهد، فقد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها البيت (... وفي عنقها قلادة من ذهب كان علي بن أبي طالب عليه السلام اشتراها لها من فيء له، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يغرنك الناس أن يقولوا بنت محمد وعليك لباس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك3.
2- وروى الصدوق في أماليه: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل عليها فأطال عندها المكث، فخرج مرة في سفر فصنعت فاطمة عليها السلام مسكتين من ورق (سوارين أو خلخالين من فضة) وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها عليهما السلام. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل عليها، فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو نصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرف الغضب في وجهه، حتى جلس عند المنبر، فظنت فاطمة عليها السلام أنه إنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت للرسول: قل له: تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله. فلما أتاه قال: فعلت، فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، وكانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى فيها كافراً شربة ماء ثم قام فدخل عليها4.
3- كان علي عليه السلام، يشير أحياناً في خطبه ورسائله إلى بساطة عيشه، ويقول:
أ-والله لقد رقعت مدرعتي هذه، حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟.. فقلت: اعزب عني، فعند الصباح يحمد القوم السرى5.
ب- ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصية، فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى وأهون من عفصة مقرة، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة6.
بساطة عيش الإمام
يقول بعض خواصه رضوان الله عليه:
أ- كان الحر في النجف شديداً جداً، وكانت تصل درجة الحرارة أحياناً إلى 50درجة، وذات يوم ذهبت مع عدد من الاخوة للإمام، وقلن: سيدنا!.. الحر شديد وأنت مُسن، وبما أن جو الكوفة معتدل فلماذا لا تذهب إليها كما يذهب الآخرون.. قال في الجواب: وكيف أذهب إلى الكوفة من أجل برودة هوائها وإخوانيفي إيران في السجن7.
ب- عندما كان الإمام في ضاحية باريس، وظهرت أزمة نفط في إيران فلم يعد باستطاعة الناس تدفئة بيوتهم إلا بمشقة وعسر، قال الإمام: أتركوا غرفتي بدون تدفئة مواساة للناس8.
ج- أتذكر أن شخصاً جاء إلى الإمام وأراه عباءته الممزقة قائل: إن عباءتي ممزقة، فساعدني، فتناول الإمام عباءته وقال له: أنظر عباءتي أيضاً ممزقة9.
د- ذات مرة ذهب الإمام إلى كربلاء للزيارة، ودخلت أنا إلى القسم الداخلي من البيت لعمل ما، ولم تكن الخادمة موجودة، فدفعني حب الاستطلاع إلى معرفة ما في براد الإمام، دخلت إلى المطبخ وفتحت البراد فإذا فيه "كاسة" فيها جبن وشريحة بطيخ10.
هـ- في البداية عندما جاء الإمام إلى النجف، لم يكن يرضى بشراء المبردة للبيت، وبعد إصرار أحد الأخوة وقوله: سيدنا!.. الحياة في هذا الجو الحار غير ممكنة بدون مكيف، إن من في البيت لا يتحمل، عندها وافق الإمام على شراء جهاز تبريد، كذلك بعد ألف محاولة وافق الإمام على شراء عدة بطانيات. أتذكر أن القسم الخارجي من بيت الإمام (البراني) قد أصبح خربة، فقال المرحوم إشراقي للإمام: اعطوا لهذا البيت رونقاً، أصلحوه.. قال الإمام: أنا لا أستطيع أن أصرف في ذلك من بيت المال. قال المرحوم إشراقي صهر الإمام: أنا أدفع من مالي. وعندما ذهب الإمام إلى كربلاء، اغتنمنا الفرصة فأصلحنا غرفة البراني، ووضعنا في أطرافها عدة فرش. عندما رجع الإمام ورأى ذلك قطب حاجبيه وقال: وافقت معكم على إعطاء البيت رونقاً ما، ولكن ليس إلى هذا الحد.هذا مع أننا لم نكن قد فعلنا شيئاً يذكر، البساط بقي نفسه، كل ما في الأمر أنا أضفنا الفرش التي اخترنا قماشها من النوع الرخيص جدا11. وقال الأجانب: (... نحن الآن بين يدي آية الله في غرفة بمساحة 2×2، ونحن في بيت يقع في أبعد أحياء النجف، المدينة التي هي من حيث الوضع الجغرافي إحدى أسوأ المناطق العراقية في منعطف إحدى أزقة النجف الضيقة، حيث يشتد تلاصق البيوت ببعضها لتشكل درعاً في مقابل حرارة الشمس المحرقة، يقع المنزل المتواضع لآية الله الخميني، هذا المنزل يشبه مسكن أشد الناس في النجف فقراً الثلاث لهذا البيت يقيم حوالي اثني عشر شخصاً من أقرباء آية الله12.
وقبل انتصار الثورة بقليل، قال أحد العلماء: واليوم، ثوبا آية الله الخميني، ونعلاه، وطعامه البسيط الذي لا يتجاوز في اليوم والليلة كفاً من خبز وقليلاً من لبن، وبطاطا، وعدة تمرات، تحطم أساس ديكتاتورية عمرها 25 سنة (كذا)، عندما كان التلفزيون الفرنسي يعرض حياته للناس كانت المسيحية، تهتز وخصوصاً الكاثوليكية التي تعرف التشريفات المفخمة لبلاط البابا، وكانت الدعوة إلى الإسلام تشق طريقها13. وأما بعد انتصار الثورة فيقول أحد خواص الإمام: عندما كان الإمام في مستشفى القلب بطهران، قال ذات يوم: يجب أن أخرج من جو المستشفى، هذا الجو يزيد في مرضي، وإذا لم تهيؤا المكان البديل فسأتدبر الأمر بنفسي. كانت هناك عدة أمور لا بد من رعايتها في خروج الإمام من المستشفى، فذهابه إلى قم غير وارد، أما في طهران فإن الأطباء وافقوا على مغادرة الإمام بشرط أن لا يكون مقر إقامته بعيداً عن المستشفى.
وبعد جهد كبير تم استئجار منزل في شارع "دربند" مكون من ثلاث طبقات الطبقة الأرضية للحرس، والثانية لعائلة الإمام، والثالثة للقاءات الإمام، وبعد مدة من إقامة الإمام في هذا البيت قال: يجبأن أترك هذا المكان، هذا المنزل ليس مناسباً، في حين أن ذلك البيت كان يصلح لشخص طهراني متوسط، الإشكال الوحيد في ذلك البيت أن واجهته ملبسة بالحجر. قال الإمام للسيد الرسولي: إبحث لي عن بيت مثل بيت أبيك. وبهذا بدأت المشكلة، فالعثور على بيت قرب المستشفى، ومثل منزل والد السيد الرسولي، أي من الطين، لم يكن أمراً سهلاً. إلى أن تم العثور على المنزل الذي استقر فيه الإمام في جماران مساحته 160 متراً والمنزل الخاص بالإمام مكون من غرفتين، إحدهما للقاءات والثانية للإستراحة والنوم، وأحياناً يكون عدد زوار الإمام كبيراً فنضطر إلى استعمال الغرقة الثانية. وكان هناك بيت لمكتب الإمام مثل بيت الإمام، ووضعت فيه عدة كراس، وبجانب منزل الإمام تقع حسينية جماران التي تبرع بعض المؤمنين ببنائها، ذات يوم جاء الإمام إلى الحسينية فوجد العمال يزينونها بأشكال هندسية من الجص، فخرج مغضباً وقال: انتظروا لأموت وافعلوا ما شئتم. ورغم أن إيجار المنزل كان يدفع، فقد أمر الإمام أن يأتي كل من لهم علاقة بهذه البيوت ويسمع منهم، لأنه ليس مطمئناً لرضاهم، وفعلاً جاء الجميع رجالاً ونساءً وصرحوا برضاهم14. "نعم إن الإمام في جميع مراحل عمره لم يشأ أبداً استبدال زاوية السجن في طهران أيام الطاغية أو غرفته من الطين في النجف، والحرارة المهلكة لتلك الديار وخبزه ولبنه وسفرته الخالية، بجاه قصر نياوران وجلاله وحشمه وخدمه15. وعندما أصبح أكبر وأقوى قائد عالمي، يستطيع أن يتنعم بجميع الإمكانات المادية، بقيت روحيته وأخلاقه، وبساطة عيشه بنفس النسق الذي كانت عليه يوم 53) كان طالباً، غريباً في زاوية الحجرة الخربة". بمدرسة دار الشفاء في قم.
شمس الدين البهبهاني: كان رحمه الله من كبار تلامذة الوحيد البهبهاني وقد جاء في ترجمته: كان زهده بحيث أنه إذا "بيعت جميع ثيابه التي كان يرتديها، لا تصل قيمتها إلى خمسة قرانات (نصف تومان) ومع ذلك كان منكباً ليلاً ونهاراً على مطالعة الكتب الفقهية والأصولية والفلسفية، وكتب الحديث والتفسير وغير ذلك، كان يقضي أكثر أوقاته منشغلاً بالمطالعة. أحياناً عندما كان يكظه الجوع ويضغط عليه، كان يرفع رأسه عن الكتاب ويلقي نظرة إلى قبة الإمام الرضا عليه السلام ويقرأ هذه الآية الشريفة: {أمَّن يجيب المضطر..} وكثيراً ما كان يأتيه مال في تلك اللحظة. يقول تلميذه: عندما كان المال يصل، كان رحمه الله يقول: إشتر لي منه طعاماً مختصراً يسد الجوع، وأعط الباقي للفقراء.
في مواجهة الظالمين
اللهم اقبض إليك ابني: عندما كان الشاه فتحعلي في زيارة الميرزا (صاحب القوانين) طلب الشاه أن يزوج ابن الميرزا ابنته، وانتهت الجلسة دون موافقة الشيخ، إلا أنه بقي مضطرباً من هذا الإقتراح خشية أن يضطر إلى الموافقة عليه، فما كان منه إلا أن لجأ إلى الدعاء قائل: إلهي!.. إذا كان هذا الأمر سيتم، فاقبض ابني الشاب إليك!.. وسرعان ما سقط ابنه غريقاً في حوض المنزل، ثم فارق الحياة16.
1- البحار/43/88.
2- طبقات ابن سعد/30
3- البحار:43/2.
4- البحار: 43/20 وهذه الرواية والتي قبلها لا يمكن القبول بهما على ظاهرهما، بل لا بد من حمله على فرض صحتها مع عظمة الزهراء عليها السلام التي يرضى الله لرضاها، أن كثيراً من غير المعصومين في زمن الرسول والأزمنة الأخرى لا يقبلونعلى حطام الدنيا، فكيف بصاحبة القصة الواجبة صلوات الله عليها (المترجم).
5- نهج البلاغة: 160.
6- نفس المصدر/1/45 ولاحظ ح 113 وح 103.
7- فرازهائي أز أبعاد روحي../69.
8- تفسير آفتاب/406 الهامش.
9- فرازهائي/70.
10- نفس المصدر/7374.
11- نفس المصدر/75.
12- تفسير آفتاب/409/410 ملخصاً عن "لوموند".
13- نفس المصدر/406.
14- فرازهائي... /47/4.
15- تفسير آفتاب/169.
16- قصص العلماء/10.