أهمية الوحدة الاسلامية
قيد الدراسة2
حكي عن بعض ملوك السلسلة الصفوية انه كان ذكياً وحريصاً على نشر الإسلام وترويج التشيع مذهب أهل البيت عليهم السلام وكان قد عرف مدى نفوذ المرجعية الشيعية ومحبوبية الفقهاء المراجع في قلوب الشعب الشيعي المسلم، فرأى ان يتوسّل بالمراجع ليكونوا هم الآمرين والناهين.
عدد الزوار: 75
حكي عن بعض ملوك السلسلة الصفوية انه كان ذكياً وحريصاً على نشر الإسلام وترويج التشيع مذهب أهل البيت عليهم السلام وكان قد عرف مدى نفوذ المرجعية الشيعية ومحبوبية الفقهاء المراجع في قلوب الشعب الشيعي المسلم، فرأى ان يتوسّل بالمراجع ليكونوا هم الآمرين والناهين. وذات مرة خرج بصحبة السيد الداماد والشيخ البهائي قدس سرّهما وكان هذان المرجعان يعرفان بوزيريه ومشاوريه فأراد ان يقوم بعملية إختبار حتى يزداد إيمانه بهما ويقوى اطمئنانه إليهما، وكان أحدهما قد تقدم به فرسه وهو الشيخ، والآخر وهو السيد قد تأخر به مركبه، فأقبل إلى الشيخ وقال له: إنّك رجل متواضع خالٍ عن الكبر ولذا تسرع في المشي، أما السيد ففيه شيء من الكبر حيث انّه قد تأخر لأنّه لا يمشي إلا بخيلاء وتكبّر. قال الشيخ وهو يردّ عليه: كلا بل بالعكس انّه يلازم السكينة والوقار، واني لأتعجب من فرسه كيف لا ترسخ أقدامها في الأرض من جهة ما تحمله على ظهرها من تمثال العلم والإيمان.
شكر الشاه الشيخ وإعتذر منه، ثمّ تثاقل في مشيه حتى وصل إلى السيد فأقبل عليه وقال له: إنك تمشي كما ينبغي للعالم الوقور والمتّزن ان يمشي في طريقه، لكن الشيخ خفيف النفس غير وقور ولذا تراه كيف يسرع في مشيه ولا يراعي الآخرين. قال السيد في الردّ عليه: كلا ان الأمر بالعكس انّ الشيخ متواضع وليس بمتكبر ولذا لا يمشي مشي المتكبرين واني لأتعجب من فرسه كيف لا تطير فرحاً مما تحمله على ظهرها من مجسمة الإيمان والعلم. شكر الشاه السيد وإعتذر منه، ثمّ نزل عن فرسه وسجد للّه شكراً على ما رآه في هذين العَلَمين من الإتحاد والإتفاق والصفاء، والتقوى والإيمان.
وهنا لا بأس بذكر بعض قصص الإتحاد وآثاره البنّاءة، وعرض بعض قصص التفرقة وويلاته المدمّرة، للإشارة إلى أهمية الأوّل وخطر الثاني، فإنّ من أولى الضروريات الحفاظ على وحدة الكلمة والإجتناب على اختلافها، مهما كلف الأمر، ولا يكون ذلك إلا بالاستشارة بين الكبار في السطوح العالية وخاصة بين الفقهاء والمراجع. يقال: انّ ملكاً إقترب موته فجمع أولاده وكانوا اثني عشر شخصاً، فأمر بحزمة قصب وشدت بعضها الى البعض فأعطاها لكل واحد منهم وأمره بكسرها فلم يقدر أحد منهم على ذلك، ثمّ فلّها وأعطاها قصبة قصبة لواحد منهم فكسرها جميعاً، عندها إلتفت الملك إليهم وقال لهم: ان مثلكم في الحياة كمثل هذا القصب ان إتحدتم لم يقوَ على كسركم أحد، وان تفرقتم تمكن من كسركم واحد من الناس.
وحكي عن أحد الخطباء المفوّهين: بأن خطيبا آخر حسده ولم يتق اللّه فيه، وكان الخطيب المحسود يرقى المنبر في المسجد الجامع للبلد، فقام الحاسد بتهيئة المنبر في المسجد الجامع بظن انّه سوف ينال هذا الحظ إذا منع زميله وسيكون هو الخطيب هناك، لكن هيهات، فقد منع هو أيضاً حيث دعى صاحب المجلس خطيباً ثالثاً. ويقال في المثل عن لسان الحيوانات: ان ثلاثة من الأبقار بألوان ثلاثة: أحمر وأصفر وأسود كانت تعيش معاً في مزرعة، فجاء أسد ليفترسها فرأى انه لا يقوي عليها جميعاً، فإحتال في أن يفرّق بينها ليسهل له إفتراسها، فأقبل نحوها وقال: لنمش معاً بأمان، فاني أحرسكم من كل عدو، ولكن هذا الثور الاصفر قد يفضحنا بلونه ويكشفنا للعدو، فلو تخلصنا منه؟ قال هذا وهو ينظر إلى الثور الأسود والأحمر كأنّه يستشيرهما، فأجاباه بدورهما: انّه كما تقول، ولكن كيف نتخلص منه؟ فقال: انّه سهل لو أحرزت موافقتكما، فقالا: نحن موافقون، فقال: أفترسه ونتخلّص منه، ثمّ أفترسه بكل راحة وسهولة وجعله لقمة سائغة، ثمّ أمضى معهما مدة حتى إذا جاع وأضرّ به الجوع إلتفت الى الثور الأسود وقال: انّي قلق وأخاف من العدو ان يكشفنا، فان هذا الثور الأحمر قد يفضحنا بلونه، فسكت الأسود، فواصل الأسد كلامه وقال: فلو تخلصنا منه كي نعيش معاً بأمان؟
فأبدى الثور الأسود رضاه ولم يقل شيئاً، فوثب الأسد على الثور الأحمر وإفترسه بكل سهولة لقمة سائغة، ثمّ بعد مدّة لما جاع الأسد وثب على الثور الأسود وأراد إفتراسه وأكلِهْ، فقال الثور: دعني حتى أتكلم كلمتي الأخيرة، ثمّ صرخ بصوت عال وقال: لقد اُكلتُ حين أكُلِ الثور الأصفر. ويحكى عن شخصين مسافرين مرّا في الطريق على مضيف، فأقاما هناك للاستراحة وبقيا فيه، فقام أحدهما لقضاء حاجته، فسأل الشيخ وهو صاحب المضيف من الآخر عن صديقه قائلاً: كيف صديقك؟ قال: إنّه ثور، فسكت الشيخ ولم يقل له شيئاً، حتى إذا رجع ذلك وخرج هذا لقضاء حاجته، سأله الشيخ عن صاحبه قائلاً: كيف صاحبك، قال: إنّه حمار، فسكت الشيخ أيضاً ولم يقل له شيئاً، لكنه أضمر في نفسه تأديبهما، ولذا لما حان وقت الغداء، أمر بأن يقدم لأحدهما تبناً والآخر شعيراً، فلما قدم لهما ذلك غضبا وقالا: ما هذا الذي قدّمت لنا؟ فقيل في جوابهما: انه بحسب إعتراف كل منكما في حق صاحبه، فان أحدكما قد قال في الجواب لما سألته عن صديقه: انه ثور، وهل طعام الثور إلا التبن؟
وقال الآخر في الجواب لما سألته عن صاحبه: بأنّه حمار، وهل طعام الحمار إلا الشعير؟ فسقط في أيديهما، وعلما أنهما قد عوملا بما في أنفسهما من سوء نية بالنسبة لكل واحد منهم. ويقال: انّ ثلاثة أشخاص ذهبوا معاً يتنزهون فدخلوا في طريقهم بستاناً وأخذوا يأكلون منه بلا إذن من صاحبه، فجاء صاحب البستان فلما رآهم يعثون بالفواكه ويسرفون في إقتطافها وأكلها فكّر في تأديبهم، لكن رأى انّه لا يقدر على مقاومة الجميع لانّه واحد وهؤلاء ثلاثة، الا ان يُلقي التفرقة بينهم، ولذلك جاء وأقبل على إثنين منهم وقال: كأني أراكما من معارفي فاهلاً بكما، وهنيئاً لكما، ولكن أخبراني عن هذا الثالث بأنّه بإذن من دخل البستان وبإذن من أكل ما أكل فإني لا أعرفه؟
فقالا في جوابه: ونحن أيضاً لا نعرفه. فقال: إذن هو متجاوز ويجب تأديبه، ثمّ إلتفت إليهما وقال: أعينوني عليه، فشدوه بنخلة من نخيل البستان ثمّ أوجعه ضرباً، وبعد برهة من الزمان إلتفت إلى واحد من هؤلاء الإثنين وقال: أخبرني من أنت لأعرف هل أنت كمن ظننت من معارفي أم لا؟ فقال: اني فلان ابن فلان الكذائي، فقال صاحب البستان: عجيب اني اذن مشتبه في ظني، فلست انت من تخيلت انّه من معارفي، ثمّ إلتفت إلى الآخر وكأنه يحرّضه عليه وقال: إذن صاحبك هذا متجاوز فأعنّي على تأديبه، ثمّ شدّه بنخلة ثانية من نخيل البستان وأوجعه ضرباً، وبعد فترة أخذ صاحب البستان أهبته وأقبل على الأخير وقال له: وأنت أيضاً كصاحبك أتصور انّي مشتبه فيك، ولما أراد أن يعرّف هذا الأخير نفسه، فاجئه صاحب البستان بالقبض عليه ثمّ شده بنخلة ثالثة في البستان وأوجعه ضرباً، وهكذا استطاع تأديبهم جميعاً لما فرّق بينهم. إلى غير ذلك من القصص الكثيرة الواردة بهذه المضامين في هذا المجال وربما لا يقدر الإنسان على حفظ الوحدة وإتحاد الكلمة لعنف طرفه وشدة خُرقه فاللازم عليه ان يسكت من ناحيته ويتحلى بالرفق والحلم تجاهه حتى يقلّل من حدة التوتر وشدة الخلاف.