يتم التحميل...

المكافأة بالإحسان

قيد الدراسة2

نقل لي أحد الفضلاء، قصّة طريفة عن أحد الخطباء المبرّزين في طهران وقال: إنه بلغ في الناس منزلة رفيعة وبزغ نجمه حتّى حسده واحد من السادة وأخذ ينتقصه كلّما قام وقعد، وذات يوم كان ذلك الخطيب في الدار، وإذا بزوجته تدخل عليه وهي باكية محمرّة العين، مبحوحة الصوت، ضيقة الصدر من كثرة البكاء

عدد الزوار: 73

 

نقل لي أحد الفضلاء، قصّة طريفة عن أحد الخطباء المبرّزين في طهران وقال: إنه بلغ في الناس منزلة رفيعة وبزغ نجمه حتّى حسده واحد من السادة وأخذ ينتقصه كلّما قام وقعد، وذات يوم كان ذلك الخطيب في الدار، وإذا بزوجته تدخل عليه وهي باكية محمرّة العين، مبحوحة الصوت، ضيقة الصدر من كثرة البكاء، فسألها عن السبب؟ فأجابت وهي تبكي: ذهبت إلى مجلس وإذا بأحد من السادة يقوموينتقصك على مسمع من الناس ومنظر، وقد قال في جملة ما قال: ان زوجته سافرة وهي ترقص في الملاهي ومعلوم ماذا يفعل مثل هذا الكلام في قلب امرأة عفيفة محجّبة شريفة. فلمّا سمع الخطيب ذلك قال: لا بأس عليك، إحتسبي ذلك على جدّه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ يسلّيها حتّى سكن ما بها...

ولم تمض إلا أيّام وإذا بذلك السيّد يقع في مشكلتين: مشكلة التجنيد، ومشكلة المرض، فقد كان له ابنان شمل أحدهما قانون التجنيد الذي أحدثه البهلوي الأول، وأصاب الثاني مرض السل، وكلما حاول الأب إعفاء ابنه الأول من الجندية وإدخال ولده الثاني في المستشفى لم يتمكّن، فقيل له: لاوسيلة لنجاحك في مهمّتك إلا بتوسيط ذلك العالم الخطيب الذي كان ينتقصه هو، وقالوا له: إنّ نفوذه كبير، ولايتمكّن أحد من ردّ وساطته، فلم ير السيّد بدّاً من طرق باب ذلك العالم الخطيب لخلاص ولديه، وأخيراً جاء وطرق الباب عليه، فأذن له بالدخول.قال السيّد: فلمّا دخلت عليه تلقّاني بوجه منبسط وصدر منشرح، ورحّب بي وأجلسني إلى جانبه وأخذ يتفقّدني ويسأل عن أحوالي وكأنّه صديق حميم، ثم سألني عمّا جاء بي إليه، وهل لي حاجة حتّى يقضيها لي؟ فقلت: نعم، وقصصت عليه قصّة ابني الأول وجنديته، وابني الثاني ومرضه. فقال: لا بأس عليك، سأتّصل بالمسؤولين وأكلّمهم في ذلك، ثم إتّصل عبر الهاتف بإدارة التجنيد وتوسّط في إعفاء ابني الأول فعفي عنه، ثم إتّصل بمدير المستشفى العام وأراد منه إدخال ابني الثاني في المستشفى. فقال المدير: لا مكان لنا اطلاقاً، وأراد أن يعتذر من قبوله لولا أن تداركه العالم الخطيب بقوله: إنصبوا له سريراً في صالة المستشفى حتى يفرغ سرير داخل الغرفة، ثم إنقلوه إليها. فلم ير المدير بُدّاً من إجابته، ونقل المريض إلى المستشفى لمعالجته، وهكذا قابل العالم الخطيب الإساءة بالإحسان.

الإحسان مقابل الإساءة

حكي عن الميرزا الشيرازي قدس سره أيّام تواجده في سامراء بأنّ جماعة من أهالي سامراء غير الشيعة كانوا قد أغروا صغارهم وشبانهم لأذيّة الميرزا والشيعة، وتحمل الشيعة منهم الأذى بأمر الميرزا، وفي ذات يوم أراد أحد أولئك الشبان أن يتزوّج، فقال في نفسه: سوف أذهب إلى الميرزا وأطلب منه مؤونة الزواج فإن أعطاني شيئاً فهو، وإلا أذيته. وبالفعل جاء إلى الميرزا وعرض عليه أمر زواجه ثم طالبه بمساعدة مالية. فقال له الميرزا: وكم مصرف زواجك؟ قال الشاب بمبلغ ذلك اليوم: خمسون ليرة. فأعطاه الميرزا المبلغ من دون مماكسة، فتعجبّ الشاب كثيراً وجاء إلى أبيه وحكى له القصّة، فتعجّب أبواه أيضاً وإنبهرا من مقابلة الميرزا إساءتهم بالإحسان، وأخذ يحكي القصّة لكلّ من يراه، حتّى انه حكى ذلك في ديوان أحد شيوخهم في سامرّاء، فتعجّب الجمع، وقالوا بكلمة واحدة: لا ينبغي إيذاء مثل هذا الرجل الكريم.

ثم قام جماعة من الشيوخ ومعهم القرآن الحكيم والسيف وأتوا إلى دار الميرزا وكان مثل هذا العمل عادة منهم لإظهار التوبة عند الكبراء، فلمّا إلتقوا بالميرزا قالوا له وهم نادمون معتذرون: انّ أولادنا آذوك ولم يحفظوا حرمتك، وقد جئناك معتذرين، فإن رأيت أن تغفر لنا وهذا القرآن نحلف به أن لا نعود إلى ما يسخطك عنّا أبداً، وإن رأيت أن تقتص منّا فهذا السيف خذه واقتص به منّا. فأجابهم الميرزا بكل عطف وحنان قائلاً: لا بأس عليكم، انّ هؤلاء الشباب أولادي، وهل يقتص الأب من أولاده؟ ثم اني مطمئنّ بحسن جواركم، وطيب تعاملكم، فلا حاجة لشيء من الأمرين، فشكروا الميرزا على قبوله عذرهم وقاموا وخرجوا من عنده وهم فرحون مستبشرون، وصار هذا الصنيع من الميرزا سبباً من أسباب الألفة بين السنّة والشيعة، والإجلال والإكبار من الأهالي للميرزا وأصحابه.

التأديب بالإحسان

نقل عن الآخوند قدس سره صاحب الكفاية، انه كان رحب الصدر كبير النفس، لايعبأ بمن يهجوه أو يجفوه ولا يلتفت إليه، هذا مع عظم مرجعيّته وكبير شوكته، وممّا يدلّ على ذلك القصّة التالية:

انّه كان أحد الطلاّب يهجو الآخوند قدس سره ويذكره بسوء، وذات يوم سمع الآخوند بأنّ للّذي يهجوه مريضاً، وإتّفق أن مرّ به في بعض الطريق ذلك الطالب حاملاً طفلاً له. فسلّم عليه الآخوند وقال له وهو يتفقّده: كيف حالك؟ فأجاب بكلّ برودة، ثم قال ذلك الطالب: فرأيت الآخوند يصافح ولدي ولم أفهم قصده من مصافحته، ولكن بعد أن ودّعني وذهب رأيت انّ في يد إبني سبع ليرات ذهبيّة، مما ظهر انه قدس سره قد أعطاه المال إشفاقاً عليه، وإن كان هو يهجوه ويظهر الجفاء له، وبهذا إنقلب الطالب الذي كان يهجو الآخوند قدس سره إلى رجل يثني على الآخوند ويمدحه.

2009-07-28