يتم التحميل...

المخالف لهواه

قيد الدراسة2

قيل: انّ رجلاً رأى إبليس في المنام، وهو مغضب، وفي يديه مجموعة حبال غلاظ ورقاق، وسلاسل مختلفة، من بينها سلسلة غليظة قد تقطّعت في سبعة مواضع منها، فسأله عن الحبال والسلاسل التي يحملها في يديه، وعن السلسلة المتقطّعة ما هي، وما هو سبب تقطيعها؟ فقال إبليس: الحبال والسلاسل آلاتي ووسائلي أغلّ بها الناس وأسحبهم إليّ.

عدد الزوار: 78

 

قيل: انّ رجلاً رأى إبليس في المنام، وهو مغضب، وفي يديه مجموعة حبال غلاظ ورقاق، وسلاسل مختلفة، من بينها سلسلة غليظة قد تقطّعت في سبعة مواضع منها، فسأله عن الحبال والسلاسل التي يحملها في يديه، وعن السلسلة المتقطّعة ما هي، وما هو سبب تقطيعها؟ فقال إبليس: الحبال والسلاسل آلاتي ووسائلي أغلّ بها الناس وأسحبهم إليّ. فقال الرجل: اني أراك غضبان فما هو سبب غضبك؟ فقال ابليس: أردت في هذه الليلة أن أغلّ الشيخ الأنصاري بأعظم ما عندي من السلاسل وأسحبه إليّ، غير اني لم أقدر عليه، وكلّ مرّة حاولت ذلك قطع السلسلة وإنفلت من شباكي، فكرّرت العملية إلى سبع مرّات، حتّى يئست منه ورجعت خائباً خاسراً، وهذه السلسلة التي تراها مقطوعة هي التي كنت قد أعددتها لأسحب بها الشيخ إليّ، وانّ ما ترى عليّ من غضب فهو من ذلك. قال له الرجل حينئذ: وهل لك أن تريني السلسلة أو الحبل الذي تغلّني به لتسحبني بواسطته إليك؟ قال له إبليس: شامتاً: انّ أمثالك يأتون نحوي بمجرّد إشارة منّي إليهم، ولا يحتاجون إلى الحبل فكيف بالسلسلة؟ فانتبه الرجل من نومه مذعوراً وذهب إلى الشيخ الأنصاري ونقل له الرؤيا.

فلما سمع الشيخ ذلك استوى جالساً وأخذ يحمد اللّه تعالى على سلامته من مكائد إبليس ووساوسه، وقال: نعم لقد أصيبت زوجتي في الليلة البارحة بحالة الطلق والولادة واحتجتُ إلى مال أتمكّن من أن أشتري به ما تحتاج إليه المرأة في هذه الحالة، فلم يكن عندي شيء سوى وديعة استودعها عندي بعض المؤمنين كأمانة، ففكّرت في نفسي وقلت: انّ صاحبها يرضى بأن أتصرّف فيها وخاصّة في مثل هذا الوقت الذي أنا بأشدّ الحاجة إليها، ثمّ إذا وسّع اللّه تعالى عليّ أرجعتها مكانها، فذهبت إلى الرف الموجود فيه الأمانة لأخذها، لكنّي احتطت ورجعت، وهكذا إلى سبع مرات، حتى عزمت على عدم الأخذ، وبالفعل تركتها ولم آخذ منها شيئاً، وسهّل اللّه الأمر على زوجتي ووضعت بسلامة، ولعلّ هذا هو تفسير الرؤيا التي رأيتها. نعم هكذا يحاول إبليس أن ينفذ إلى القلوب ويوسوس فيها، غير انّ أولياء اللّه قد عرفوا ذلك، فقاموا بتأييد من اللّه تعالى بسدّ الطريق عليه، ليكونوا مصداقاً للحديث الشريف: (من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه)1.

بين أشياء ثلاثة:قيل: ان الشيخ الأنصاري قدس سره كان يقول: ثلاثة أشياء ينبغي للإنسان وخاصّة رجال الدين الاهتمام بها، وذلك بأن يأخذ أولها ولو كان في إبتداء الأمر غير جامع للشرائط، وأن  يترك ثانيها ولو كان في إبتداء الأمر جامعاً للشرائط، وأن يأخذ بثالثها إذا كان جامعاً للشرائط ويتركه إذا كان فاقداً للشرائط.

أمّا الأوّل: فهو العلم، فإنّه ينبغي للإنسان أن يطلب العلم ويتعلّمه ولو لم يكن في أول الأمر قصده اللّه تعالى والتقرّب إليه، وذلك لأنّ العلم بالآخرة يجرّه إلى اللّه تعالى2.
وأمّا الثاني: فهو القضاء بين الناس، فإنّ القاضي مشكل أمره وإن كان عدلاً فقيهاً، لأنّه كثيراً ما يجر الإنسان إلى الحكم بخلاف الحقّ.
وأمّا الثالث: فهو إمامة صلاة الجماعة، فإن كان عادلاً أقدم عليها، وإلاّ تركها. أقول: بهذا الكلام المتين قد أشار الشيخ قدس سره إلى خطورة منصب القضاء، ولزوم أن يحتاط القاضي في الحكم أشدّالاحتياط.

تعديل وتصحيح

يقال: انّ أحد زملاء الشيخ الأنصاري قدس سره في الدراسة  وكان ممّن لم يصل إلى ما وصل إليه الشيخ  قال يوماً في محضر الشيخ معرّضاً به: من السهل أن يصير الشخص عالماً، لكن من المحال أن يصير إنساناً  وكان يقصد بذلك انّ الشيخ عالم ولكن ليس له أخلاق. فقال الشيخ قدس سره في جوابه ببساطة وبشاشة: انّه من الصعب أن يصير الشخص عالماً ولكنّ الأصعب هو أن يصير إنساناً.

الأمانة وثمراتها

قيل: ان بنت أحد الملوك الصفويّين زارت بعض أقربائها في دارهم وبقيت عندهم حتّى جنّ عليها اللّيل فخرجت وهي لا تعرف كم مضى من الليل، ولكن لما توسّطت الطريق ورأته خالياً من المارة عرفت انه قد مضى من الليل شطر كبير، فإستوحشت وخافت ولم تملك القدرة على مواصلة طريقها إلى دار أبيها الملك، ولا على الرجوع إلى دار قريبها الذي تركته، وبقيت متحيّرة تفتش عن مأمن قريب تلجأ إليه. وإذا بإحدى المدارس العلمية الشبيهة بالقسم الداخلي المتعارف في المدارس اليوم مفتوح بابها، فدخلته وتوجّهت إلى غرفة من غرفها كانت مفتوحة الباب، وسيّد شاب فيها كان من جملة طلبة المدرسة مشغول بالمطالعة. فوقفت عليه وحيّته ثم قالت: هل لك أن تستضيفني في مكان أمن سواد هذه الليلة؟ قال السيّد: نعم أدخلي المخدع. فدخلت وبقيت هناك إلى الصباح، ولمّا أصبح الصباح خرجت من عنده مودّعة إلى دار أبيها وجاءت إلى مقرّ السلطنة، فرأتهم مضطربين أشدّ الإضطراب لفقدها تلك الليلة وقد طلبوها في كلّ مكان فلم يظفروا بها، ولذلك لما مثلت بين يدي أبيها الملك، قال لها أبوها الملك بتأثّر: أين كنت الليلة البارحة؟  فنقلت القصّة كاملة، فلم يشأ يصدقها الملك، وأمر بأن يبعثوا إلى القوابل ليفتشوها، فلمّا وجدوها سالمة كما كانت، بعث الملك إلى السيّد يطلب منه حضوره، فلما حضر رآه شاباً في أوّل عمره، فقال له وهو معجب بإيمانه وتقواه: ما قصّتك مع ضيفتك البارحة؟ قال السيّد الشاب: الأمر كما حدثتك.

ال الملك: أخبرني كيف استطعت أن لا تتعرّض لها ولو بنكاح حلال، وهي في قبضتك وتحت قدرتك ولم تكن تعرفها؟ قال السيّد الشاب: لأنها إستأمنتني ولاذت بي، فلم أحب الخيانة بها. وفي أثناء المكالمة كانت قد وقعت عين الملك على أصابع السيّد ورآها مضمّدة، فقال له متسائلاً: مابال أصابعك مضمّدة كلّها؟ قال السيّد الشابّ: انّ الشيطان كان يعترضني البارحة ويوسوس في صدري بأن أقوم إلى ضيفي فكنت أزجره، فإذا أحرجني وألحّت عليّ نفسي وخفت الخيانة أخذت رأس إصبع من أصابعي فوق المصباح لأحرقه بالنار مذكّراً نفسي بنار جهنّم في الآخرة، حتّى إذا إحترق، أخذت إصبعي الآخر، وهكذا حتّى أصبح الصباح وقد أحرقت أصابعي العشرة كلّها.وهنا صدّقت بنت الملك كلامه وقالت: لقد كنت أشمّ عنده رائحة اللّحم المحترق طول الليل ولم أعرف سرّه، والآن قد عرفته. فتعجّب الملك من أمره، ثم عرض على السيّد الشابّ الزواج من ابنته تلك، فوافق السيّد على ذلك وتزوّج منها وصار بذلك صهر الملك وسمي من بعدها بالسيّد (الميرداماد) يعني: صهر الملك. في مجالس الوعظ:

نقل عن الشيخ الأنصاري قدس سره انه كان إذا جاء من النجف الأشرف لزيارة كربلاء المقدّسة صحبته جماعة من طلاّبه، فكان إذا وصلها وتشرّف بزيارة السبط الشهيد عليه السلام إلتفت لمن جاء معه من المصاحبين له وقال لهم: تعالوا نذهب إلى مجلس وعظ الخطيب الشهير الشيخ جعفر التستري. ثمّ كان يعقّب كلامه ذلك بقوله: فما أحوجنا إلى إستماع الموعظة، فقد مالت قلوبنا إلى القسوة وران عليها. نعم من الضروري للإنسان وخاصّة المراجع ورجال الدين مطالعة كتب الوعظ كمواعظ البحار، ومجموعة ورّام، وغيرهما، أو حضور مجالس الوعظ وما أشبه. تصحيح عقائد الغلاة: كان من دأب الميرزا الكبير، المجدّد الشيرازي قدس سره إكبار رجال الدين وتوقيرهم، واحترامهم والإحتفاء بهم جميعاً، وذات مرّة دخل عليه واحد من رجال الدين، فاحترمه الميرزا غاية الاحترام، وأظهر له من العناية والإقبال ما لم يظهره لأحد، لقد استقبله بحفاوة وشيّعه بإجلال كبير، مما سبب تعجّب الحاضرين وإستغرابهم، فسألوا الميرزا بعد ذلك عن السبب؟

فقال: احترمته لإخلاصه في دينه، ولواقعيّته وصدقه مع ربّه، ولقدرته النفسيّة العجيبة، انه كان زميلي في الدراسة الحوزويّة حتّى إذا أكمل السطوح والدروس العالية وبلغ درجة الاجتهاد، عزم على الرجوع إلى بلاده ليكون هناك مرجعاً في الإفتاء ومتصدّياً لمسائل الناس وأحكام دينهم، وفي طريقه إلى بلاده مرّ على منطقة كان يسكنها الغلاة القائلين باُلوهيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من نواحي (كرمانشاه)، ولمّا عرف الأمر وإطّلع عليهم، رأى أنّ واجبه إرشاد هؤلاء وتصحيح عقائدهم، وانّه مقدّم شرعاً على الذهاب إلى بلاده لإفتاء الناس وتصحيح فروعهم، فترك العودة إلى بلاده وبقي هناك، وبدأ عمله من المسجد، فقد قام فيه معلناً لأهل القرية: بأنّه معلّم، ومستعدّ ليعلّمهم الكتابة والقراءة بثمن زهيد لا يتجاوز سدّ رمقه.

فتكاثر عليه التلاميذ وأخذ يعلّمهم إضافة إلى القراءة والكتابة، أصول الإعتقاد وسائر الأمور الإسلاميّة وبقي هناك حتى ربّى جيلاً مؤمناً تحوّلت القرية على أثرهم إلى قرية شيعيّة، وصار أهلها شيعة بعد أن كانوا من الغلاة، وذلك على أثر تضحية هذا الرجل وتفانيه في سبيل اللّه، والإغضاء عن مصالحه ومآربه الشخصيّة، ولذلك فهو جدير بهذا الاحترام، ولائق بالتجليل والتقدير. بين الأستاذ وتلميذيه:  قيل: انّ الشيخ المفيد قدس سره رأى ذات مرّة في عالم الرؤيا انّ فاطمة الزهراء صلوات اللّه وسلامه عليها أتته بولديها الإمامين: الحسن والحسين عليه السلام وقالت له: يا شيخ علّمهما الفقه. وفي صباح الغد أتت السيّدة فاطمة والدة السيّدين: الرضي والمرتضى بإبنيها إليه وقالت له: يا شيخ علّمهما الفقه

 فعرف الشيخ  على أثر الرؤيا التي رآها  إنّه سيكون لهذين الولدين السيّدين شأناً كبيراً، فاهتمّ بتعليمهما وتأديبهما. وبعد مدّة جيء إلى الشيخ المفيد قدس سره بهديّة مجموعة أمشاط، فوزّعها على الطلاّب ماعدا السيّدين: الرضي والمرتضى قدس سرهما. فقيل له في ذلك؟ فقال: انيّ لا أعلم أنّهما قد إلتحيا، إذ عند مجيئهما إليّ كانا شابّين أمردين وسيمين، فلم أنظر في وجههما منذ ذلك اليوم. نعمكلما إزداد تقوى الإنسان وورعه ازداد احتياطه واجتهاده فيما يبعده عن موارد الريب والشك، إضافة إلى انّه كان بعمله ذلك يريد تربية مجتمعه على الحياء والعفّة وغضّ الطرف. من هو الأعلم؟ نقل لي أحد الخطباء عن والده قائلاً: كان المرحوم الشيخ حبيب اللّه الرشتي يرى نفسه أعلم من الميرزا المجدّد قدس سره، لكن الزعامة الدينية كانت مع الميرزا، وذات يوم كنت عند الشيخ الرشتي والمجلس غاص بأهله، إذ سأله أحد الحاضرين قائلاً: انّا كنّا نقلّد الشيخ الأنصاري قدس سره ونرجع إليه في مسائلنا، فمن نقلّد الآن بعد وفاة الشيخ قدس سره وإلى من نرجع؟ فأجابه الشيخ الرشتي وقال: إسألوا أهل الخبرة عن ذلك. قال السائل: وأيّ شخص هو أكثر منكم تخصّصاً في الخبرويّة؟ فأجابه قائلاً: قلّدوا مرجعاً يجوز تقليده. فقال السائل: ومن هو الأعلم بنظركم القابل للتقليد؟ فقال الشيخ الرشتي قدس سره: وماذا تريد من الأعلم؟ انّ الميرزا المجدّد الشيرازي اليوم بيده لواء التشيّع، وفي حوزته الزعامة الدينية، والمرجعيّة الشيعيّة، فإلتفوا حوله، لئلاّ يسقط اللواء. قال الراوي: فتعجّبت من كلام الشيخ وزاد إخلاصي له وحبّي إيّاه، لأنه لم يقل ما لا يكون في نظره صحيحاً، ولم يوجه الرجل إلى نفسه، بل عظّم من بيده لواء التشيّع، ورفع من شأنه، وهذا لا يكون إلاّ لمن ربّى نفسه على الأخلاق والمكارم.

بين الآيتين الشيرازي والمازندراني

كان الميرزا الكبير الشيرازي قدس سره والشيخ زين العابدين المازندراني قدس سره معاصرين في فترة من الزمان وكانا في تلك الفترة مرجعين كبيرين من مراجع المسلمين في العالم، فقد كان كثير من مسلمي الهند يقلدون الشيخ المازندراني كما كان كثير من المسلمين يقلدون الميرزا الشيرازي قدس سره وكان الصفاء بين هذين المرجعين نتيجة تقواهما الى درجة بحيث ان زوجة الميرزا لما سألت الميرزا عن احتياطاته الى من ترجع فيها، أرشدها بالرجوع الى الشيخ، وكان هذا من صفاء الميرزا.

وأما صفاء الشيخ فقد قيل: انّه جاء بعض مسلمي الهند ممن يقلد الميرزا إلى الشيخ وقالوا له ما معناه: هل إنكم أيضاً ممن يقلد الميرزا القبلة الكعبة؟ والقبلة الكعبة: من الألقاب المهمة التي كان ينحلها مسلمو الهند علمائهم ومراجع دينهم. فقال الشيخ: نعم انا أيضاً أتوجه إلى القبلة والكعبة، وهو يقصد من ذلك التوجه إلى القبلة في الصلاة ولم يصرح بانّه لا يقلد الميرزا حفاظاً على عظمة الميرزا وتثبيتا ًلمرجعيته، وإعظامه في أوساط المسلمين عامة، ولدى مقلديه خاصة، وهذا لا يكون إلا من صفاء القلب وشدة التقوى والورع.


1- وسائل الشيعة: 18:94 ب 10 ح 2-20
2- هذا بنحو المقتضي لا العلة التامة.

2009-07-28