التوكل واباء النفس
قيد الدراسة2
توكل آية الله البروجردي وإخلاصه: يقول الشهيد الأستاذ مطهري رحمه الله: في السنوات الأولى لمجيء المرحوم آية الله البروجردي أعلى الله مقامه، وبنتيجة المرض من بروجرد إلى طهران، ومنها إلى قم واستقر فيها على أثر طلب الحوزة العلمية.. بعد عدة أشهر من إقامته في قم جاء الصيف وعطلت الحوزة
عدد الزوار: 61
التوكل
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَِ﴾(عمران:160)
توكل آية الله البروجردي وإخلاصه: يقول الشهيد الأستاذ مطهري رحمه الله: في السنوات الأولى لمجيء المرحوم آية الله البروجردي أعلى الله مقامه، وبنتيجة المرض من بروجرد إلى طهران، ومنها إلى قم واستقر فيها على أثر طلب الحوزة العلمية.. بعد عدة أشهر من إقامته في قم جاء الصيف وعطلت الحوزة، فقرر عليه الرحمة السفر إلى مشهد للزيارة، لأنه أيام اشتداد مرضه كان قد نذر أن يزور الإمام الرضا عليه السلام إذا منّ الله عليه بالشفاء، وقد عبر عن رغبته هذه في مجلس خاص، وسأل أصحابه: من منكم يذهب معي، قال الحاضرون: نرى ونخبركم، وتقرر أن تعقد جلسة في غيابه للتشاور وأخيراً قرروا أن المصلحة في عدم السفر من قم إلى مشهد، وكان السبب الأساسي هو أن آية الله البروجردي حديث عهد بقم، وما يزال الناس في سائر المدن الواقعة في الطريق لا يعرفون هذا الرجل العظيم حق المعرفة، ولذا فلن يهتموا باستقباله واحترامه كما ينبغي.قرروا بناءً على ذلك أن يحولوا بين السيد والسفر، إلا أنهم كانوا يعلمون أنه لا يمكنهم طرح السبب الحقيقي على السيد، فاتفقوا على ذكر أعذار أخرى من قبيل أنه أجريت له عملية جراحية قريباً، والسفر بالسيارة هذه المسافة الطويلة قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ( ولم يكن آنذاك بين مشهد وطهران طائرة أو قطار).
وفي جلسة أخرى ذكر المرحوم أمر السفر مجدداً، فحاول الأصحاب أن يثنوه، وفي النهاية كشف أحد الحاضرين عن السبب الحقيقي من وجهة نظر الطلاب والأصحاب. وعندما أدرك السيد هدفهم الأساس، فما كان منه وهو مثال التوكل والإخلاص رحمه الله إلا أن بدا عليه الغضب وقال بلهجة حادة وروحانية: لقد أخذت من الله سبعين سنة من العمر، وقد منّ الله عليَّ بتفضلات ليس فيها شيء بسبب تدبيري، كنت أسعى دائماً أن أعرف واجبي لأؤديه، الآن وبعد سبعين سنة ليس من المناسب أن أهتم أنا بأمري وأفكر بشؤوني الشخصية.. كلا سأذهب1.
الإباء وعزة النفس
الملك والحكيم: وينقل الشهيد مطري رضوان الله عليه تفاصيل وافية عن لقاء الشاه ناصر الدين بهذا الحكيم الإلهي، فيقول: في سفره إلى خراسان، كان الشاه ناصر الدين يستقبل من مختلف قطاعات الناس في كل مدينة يصلها، ثم يشيعونه عندما يخرج، إلى أن وصل إلى سبزوار، فاستقبله مختلف قطاعات أهلها، وكان الشخص الوحيد الذي لم يستقبله ولم يزره بحجة أنه معتزل، هو الحكيم والفيلسوف والعارف المعروف الملا هادي السبزواري. ومن عجيب القضاء أن الشخص الوحيد الذي كان الشاه يفكر برؤيته عن قرب في هذا السفر، هو هذا الرجل الذي كان صيته قد انتشر تدريجياً في جميع أنحاء إيران، وكان الطلاب ينثالون عليه من مختلف الجهات، حتى شكل حوزة علمية عظيمة في سبزوار. الشاه الذي تعب مما سمع ورأى من التزلف والتملق، قرر أن يذهب بنفسه لزيارة الحكيم، قيل للشاه: الحكيم لا يعرف شاهاً ولا وزيراً. قال الشاه: ولكن الشاه يعرف الحكيم. أخبروا الحكيم بالأمر وتم تحديد موعد..
وذات يوم قريب الظهر توجه الشاه مع أحد خدمه إلى منزل الحكيم. كان البيت عادياً، والمحتويات مثله، وأثناء الحديث قال الشاه: لكل نعمة شكر، شكر نعمة العلم التدريس والإرشاد، شكر نعمة المال الإعانة والإغاثة، شكر نعمة السلطنة طبعاً قضاء الحوائج، لهذا فإني أرغب أن تطلب مني شيئاً لأوفق للقيام به. ليست لي حاجة، ولا أريد شيئاً. سمعت أن لك أرضاً زراعية، اسمح لي أن آمر بإعفائها من الطريبة. في سجلات مالية الدولة، يحدد المبلغ الذي تدفعه كل مدينة، والتغيير الجزئي لا يغير شيئاً من ذلك إن لم يأخذوا هذا المبلغ مني أخذوه من غيري حتى لا ينقص المبلغ المحدد عن سبزوار، والشاه لا يرضى أن يكون التخفيف عني أو إعفائي سبباً في فرض مبلغ على الأيتام والعجائز. بالإ ضافة إلى أن الدولة التي واجبها حفظ أرواح الناس وأموالهم وتترتب عليها نفقات، يجب تأمينها ونحن ندفع ما يترتب علينا من رضى ورغبة. قال الشاه: أرغب في تناول طعام الغداء في خدمتكم، ومن طعامك الذي تأكله عادة، فلو تأمر أن يأتوا بطعامك. ودون أن يتحرك الحكيم من مكانه صاح: أحضروا طعامي. وبسرعة جاؤوا به، طبقاً من الفخار عليه عدة أقراص من الخبز وعدة ملاعق مع إناء مخيض وكمية من الملح، وضعوه أمام الحكيم والشاه. قال الحكيم: كل فإنه خبز حلال زراعته وحراثته بتعبي، أكل الشاه لقمة.. إلا أنه رأى أنه لم يعتد أكل مثل هذا الطعام، بل هو عنده لا يؤكل، فطلب من الحكيم أن يأذن له ليحمل معه قليلاً من ذلك الخبز تيمناً وتبركاً، وبعد لحظات غادر الشاه منزل الحكيم تتملكه الحيرة والدهشة2.
أكل الخبز من العمل الخسيس أفضل من منّة الرئيس: أمضى الشيخ الرئيس ابن سينا مدة طويلة من عمره في المجال السياسي والوزارة، وهذا من جملة ما عابه عليه العلماء من بعده.. قالوا: لقد صرف أكثر وقته في هذه الأمور، مع أنه كان باستطاعته بحكم الطاقات والمواهب التي يمتلكها أن يكون أكثر نفعاً وفائدة. ذات يوم كان الرئيس ابن سينا ماراً في موكبه بأبهته وضجيجه وخدمه وعلمائه، فصادف في الطريق شخصاً كناساً يكنس الأرض، وابن سينا معروف بقوة السمع حتى حكيت عنه في ذلك الأساطير.. كان ذلك الكناس يردد لنفسه بيتاً من الشعر مضمونه: لقد أعززتك أيتها النفس كي تمر عليك هذه الدنيا بيسر وسهولة. ضحك ابن سينا لأن هذا الرجل يكنس ويمن على نفسه بأنه احترمها وأكرمها، حتى لا تعاني صعوبات الدنيا وشدائدها.. لوى ابن سينا عنان فرسه وتقدم قائلاً: للإنصاف.. لقد احترمت نفسك كثيراً، فلم تجد أفضل من أن تختار هذا العمل الشريف !..
وأدرك الكناس من قرائن الحال أن هذا الشخص وزير، فقال له جملة.. تصبب منها ابن سينا عرقاً من الخجل ثم مضى ولم يعقب.. قال الكناس: أكل الخبز من العمل الخسيس أفضل من منّة الرئيس3.
1- إمداد هاي غيبي درزندكَي بشر 8991 بتصرف.
2- داستان راستان/2/6871.
3- تعليم وتربيت در إسلام/271272.