يتم التحميل...

التقوى في صرف الاموال

قيد الدراسة2

الشيخ الأنصاري ووالدته: كانت عادة الشيخ الأنصاري أنه بعد رجوعه من مجلس درسه، يذهب مباشرة إلى والدته ليسلي هذه العجوز بالحديث، فيسألها عن أوضاع الناس المتقدمين ويمازحها حتى يضحكها، ثم يذهب إلى غرفة المطالعة والعبادة. ذات يوم قال الشيخ لأمه: أتذكرين أيام طفولتي، عندما كنت منشغلاً بدراسة المقدمات

عدد الزوار: 83

التقوى في صرف الأموال العامة

الشيخ الأنصاري ووالدته
: كانت عادة الشيخ الأنصاري أنه بعد رجوعه من مجلس درسه، يذهب مباشرة إلى والدته ليسلي هذه العجوز بالحديث، فيسألها عن أوضاع الناس المتقدمين ويمازحها حتى يضحكها، ثم يذهب إلى غرفة المطالعة والعبادة. ذات يوم قال الشيخ لأمه: أتذكرين أيام طفولتي، عندما كنت منشغلاً بدراسة المقدمات، وكنت ترسلينني لقضاء حوائج البيت، فكنت أؤجلها إلى ما بعد الإنتهاء من الدرس والمباحثة، فكنت تغضبين وتقولين: أنا بلا خَلَف، فهل ما تزالين الآن بلا خَلَف؟.. وأجابت أم الشيخ مازحة:نعم، ما زلت كذلك، لأنك آنذاك لم تكن تقوم باحتياجات البيت، واليوم لشدة احتياطك في صرف الأموال الشرعية ضيقت علينا الخناق1.. رأي الشيخ الأنصاري في الأموال الشرعية: في فترة زعامة الشيخ الأنصاري وقيادته، وعندما كان سيل الحقوق الشرعية يصب عنده من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كانت عائلة الشيخ تعيش في ظروفاقتصادية قاسية، لأن الشيخ كان قد خصص للمنزل مبلغاً لا يكاد يذكر.

وذات يوم حدثت عائلة الشيخ أحد العلماء  الذي كان يحظى باحترام خاص لدى الشيخ الأنصاري  شاكية له، وطلبت منه أن يفاتح الشيخ بذلك ليزيد المبلغ المقرر للمنزل. استمع الشيخ لكلام محدثه إلى آخره، ولم يعلق بشيء لا نفياً ولا إثباتاً. وفي اليوم التالي عندما جاء الشيخ للمنزل قال لزوجته: إغسلي ثيابي واحتفظي بماء الغسالة القذر، وفعلاً قامت الزوجة بذلك وأخبرت الشيخ، فطلب منها إحضار ذلك الماء القذر فأحضرته، فما كان منه إلا أن قال لها: إشربي هذا الماء. أشربه؟.. ما هذا الذي تأمرني به، وهل يشرب عاقل هذه القذارة؟.. إذن اسمعي جيداً وتأملي بدقة، هذه الأموال التي بين يدي هي عندي مثل هذا الماء القذر، فكما أنك لا تستطيعين ولا تريدين أن تشربي من هذا الماء، كذلك أنا لا أستطيع أن أصرف من هذا المال، لأنه لا حق لي، ولا يجوز أن أعطيكم أكثر مما أعطي الآن، إن هذه الأموال أموال الفقراء، وأنتم وسائر الفقراء عندي بمنزلة واحدة2.

ونقل أيضاً أن زوجة الشيخ الأنصاري طلبت منه ذات يوم شراء قطعة قماش، لتغطي بها الفرش واللحف التي توضع في جانب الغرفة نهاراً، إلا أن الشيخ لم يستجب لذلك لشدة احتياطه. وعندما آذاها منظر الفرش واللحف أمام الناس، قررت أن تقتصد في مصرف البيت لتشتري قطعة القماش هذه، وفعلاً بدأت تشتري بدل 225 غراماً من اللحم (3سير) 187,5 غراماً (2 سير) واستطاعت بسبب ذلك طيلة فترة معينة أن توفر ثمن الغطاء الذي احتاجته، فاشترته. وعندما علم الشيخ بذلك، قال باستياء شديد: يا ويلي، لقد صرفت الآن مقداراً من الأموال الشرعية بدون مبرر، كنت أتصور أن (3 سير) 225 غراماً من اللحم هي الحد الأدنى الذي نحتاجه والآن اتضح لي خطأ ذلك، ثم أمر الشيخ بإرجاع قطعة القماش، وأن لا يشتروا من اللحم إلا مقدار 2 سير (187 غراماً ونصف).

حبائل الشيطان

يقول أحد تلامذة الشيخ الأنصاري رحمه الله: عندما كنت في النجف الأشرف أدرس عند الشيخ الأنصاري، رأيت الشيطان ذات ليلة في ما يرى النائم يحمل حبالاً عديدة.. سألته: ماذا تفعل بهذه الحبال؟.. قال: ألقيها في أعناق الناس، وأجرهم إليَّ فأصطادهم، وأمس ألقيت أحد هذه الحبال في عنق الشيخ مرتضى الأنصاري وسحبته من غرفته إلى أواسط الزقاق الذي يقع منزله فيه، ولكن للأسف أفلت مني رغم الجهد الكبير الذي بذلته. وعندما استيقظت من النوم بدأت أفكر في تعبير رؤياي، فقلت الأفضل أن أسأل الشيخ نفسه، لذلك تشرفت بزيارته وحدثته بما رأيت، فقال: صدق الشيطان، إن الملعون أراد أمس أن يخدعني، ففررت من شراكه بلطف الله تعالى. أمس لم يكن لدي شيء من المال، واحتجنا في البيت إلى بعض اللوازم، فقلت في نفسي: لديَّ ريال من سهم الإمام عليه السلام ولم يأت وقت صرفه بعد، فيمكنني أن أقترضه ثم أسدد القرض فيما بعد. أخذت الريال وخرجت من المنزل، وبمجرد أن أردت شراء ما احتجناه قلت في نفسي: من يضمن أني أستطيع أداء هذا الدَّين فيما بعد؟.. وبقيت أفكر في ذلك حتى قررت نهائياً أن أرجع إلى المنزل، فلم أشتر شيئاً، وأرجعت المال إلى مكانه3.

يبيع سجادة المنزل

أورد صاحب كتاب "لؤلؤ الصدف" أنه عندما جيء إلى الشيخ الأنصاري بمبلغ عشرين ألف توماناً من الحقوق الشرعية، وكان الشيخ يوزعها "عند ذلك" جاءه شخص كان الشيخ اشترى منه قمحاً، ولم يكن قد دفع إليه الثمن، فقال للشيخ: مضت مدة على تسليم القمح، ولم أتسلم ثمنه بعد، فإذا كان بالإمكان أن تتكرم بثمنه الآن.. قال له الشيخ: أمهلني عدة أيام أخرى، فوافق الرجل وانصرف. وكان أحد العلماء حاضراً يسمع ما جرى، فقال للشيخ:كل هذه الأموال بين يديك، فلِمَ استمهلت الرجل ولم تعطه حقه؟.. فقال  الشيخ:هذه أموال الفقراء والمحتاجين ولا علاقة لي بها، وليس لدي الآن من مالي الشخصي شيء، وسأبيع هذه السجادة لتسديد دينه، لذلك طلبت منه مهلة لأيام4.

آية الله السيد محمد باقر الدرجه اي
: قال أحد تلامذته: كان هذا العالم الجليل آية عظمى في العلم والورع والتقوى، كان بحق وارث النبي الأكرم والأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.. في البساطة وصفاء الروح وعدم الإكتراث بالأمور الدنيوية، كأنه ملاك هبط من العرش إلى الفرش، وخالط الخلائق لتربيتهم. رأيته مراراً وقد جاؤوه بمبالغ طائلة، ومن سهم الإمام، فلم يقبل ديناراً5.. مع أني كنت أعلم أنه لم يكن يملك أكثر من أربعة أو خمسة شاهيات سود6. وعندما سألته عن السبب، قال: أنا الآن بحمد الله لست مديناً، ولدي مصرف غدي، ولا أدري ماذا بعد غد، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً..لذلك فإذا قبلت سهم الإمام فقد تضيع حقوق الفقراء.. رأيت ذات مرة أنهم جاؤوه بأربعمائة أو خمسمائة توماناً، كانت تعادل أربعمائة ألف أو خمسمائة ألف توماناً في زماننا هذا، فلم يأخذ منها إلا عدة ريالات واستوائها.

كان إذا أكل لقمة مشتبهة، وضع أصبعه فوراً في حنجرته حتى يقيئها، رأيت هذا بالخصوص منه ذات مرة، كما يلي: دعاه أحد التجار الأثرياء مع عدد من العلماء والطلاب، ومدّ سفرة وسيعة أنيقة مكلفة، عليها أنواع الأطعمة، وكعادته رحمه الله اكتفى بتناول مقدار قليل من الطعام، وبعد الإنتهاء من تناول الطعام وغسل الأيدي، قدم صاحب الدعوى للسيد سنداً يتضمن أمراً حراماً بحسب فتواه، وطلب منه أن يوقع عليه. أدرك رضوان الله عليه أن هذه الوليمة كانت مقدمة لإمضاء هذا السند. إن فيها إذن شبهة الرشوة، فتغير لونه وارتعدت فرائصه وقال: أية إساءة أسأتها إليك حتى وضعت في حلقي هذا الزقوم؟.. لماذا لم تأت بهذا السند قبل الغداء حتى لا ألوث يدي بهذا الطعام؟.. ثم نهض مضطرباً ومضى مسرعاً إلى المدرسة وجلس بجوار الحديقة المقابلة لحجرته، ووضع اصبعه في فمه حتى استفرغ، ثم تنفس الصعداء7.

ويقول نفس صاحب النص المتقدم عن استاذه الآخر الشيخ عبد الكريم الكَزي: كان رحمه الله بحق كالشيخ البهائي في عصره، كانت له المرجعية التامة في الفتوى والقضاء، ورغم أنه تولى القضاء في أصفهان وتوابعها لمدة ثلاثين إلى أربعين سنة، فإن عائلته لم تكن تملك ليلة وفاته النفط للسراج، ولا لقمة الطعام، وقد كتب المرحوم الغشاركي حوالة لتأمين طعام العشاء ولوازم المعيشة لأسرته، وكنت شخصياً شاهداً في ذلك ومباشراً لتلك الخدمة8.

التقوى في صرف الأموال العامة الشيخ الأنصاري ووالدته: كانت عادة الشيخ الأنصاري أنه بعد رجوعه من مجلس درسه، يذهب مباشرة إلى والدته ليسلي هذه العجوز بالحديث، فيسألها عن أوضاع الناس المتقدمين ويمازحها حتى يضحكها، ثم يذهب إلى غرفة المطالعة والعبادة. ذات يوم قال الشيخ لأمه: أتذكرين أيام طفولتي، عندما كنت منشغلاً بدراسة المقدمات، وكنت ترسلينني لقضاء حوائج البيت، فكنت أؤجلها إلى ما بعد الإنتهاء من الدرس والمباحثة، فكنت تغضبين وتقولين: أنا بلا خَلَف، فهل ما تزالين الآن بلا خَلَف؟.. وأجابت أم الشيخ مازحة:نعم، ما زلت كذلك، لأنك آنذاك لم تكن تقوم باحتياجات البيت، واليوم لشدة احتياطك في صرف الأموال الشرعية ضيقت علينا الخناق9..

رأي الشيخ الأنصاري في الأموال الشرعية: في فترة زعامة الشيخ الأنصاري وقيادته، وعندما كان سيل الحقوق الشرعية يصب عنده من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كانت عائلة الشيخ تعيش في ظروف اقتصادية قاسية، لأن الشيخ كان قد خصص للمنزل مبلغاً لا يكاد يذكر. وذات يوم حدثت عائلة الشيخ أحد العلماء الذي كان يحظى باحترام خاص لدى الشيخ الأنصاري شاكية له، وطلبت منه أن يفاتح الشيخ بذلك ليزيد المبلغ المقرر للمنزل. استمع الشيخ لكلام محدثه إلى آخره، ولم يعلق بشيء لا نفياً ولا إثباتاً. وفي اليوم التالي عندما جاء الشيخ للمنزل قال لزوجته: إغسلي ثيابي واحتفظي بماء الغسالة القذر، وفعلاً قامت الزوجة بذلك وأخبرت الشيخ، فطلب منها إحضار ذلك الماء القذر فأحضرته، فما كان منه إلا أن قال لها: إشربي هذا الماء. أشربه؟.. ما هذا الذي تأمرني به، وهل يشرب عاقل هذه القذارة؟..

إذن اسمعي جيداً وتأملي بدقة، هذه الأموال التي بين يدي هي عندي مثل هذا الماء القذر، فكما أنك لا تستطيعين ولا تريدين أن تشربي من هذا الماء، كذلك أنا لا أستطيع أن أصرف من هذا المال، لأنه لا حق لي، ولا يجوز أن أعطيكم أكثر مما أعطي الآن، إن هذه الأموال أموال الفقراء، وأنتم وسائر الفقراء عندي بمنزلة واحدة10. ونقل أيضاً أن زوجة الشيخ الأنصاري طلبت منه ذات يوم شراء قطعة قماش، لتغطي بها الفرش واللحف التي توضع في جانب الغرفة نهاراً، إلا أن الشيخ لم يستجب لذلك لشدة احتياطه. وعندما آذاها منظر الفرش واللحف أمام الناس، قررت أن تقتصد في مصرف البيت لتشتري قطعة القماش هذه، وفعلاً بدأت تشتري بدل 225 غراماً من اللحم (3سير) 187,5 غراماً (2 سير) واستطاعت بسبب ذلك طيلة فترة معينة أن توفر ثمن الغطاء الذي احتاجته، فاشترته. وعندما علم الشيخ بذلك، قال باستياء شديد: يا ويلي، لقد صرفت الآن مقداراً من الأموال الشرعية بدون مبرر، كنت أتصور أن (3 سير) 225 غراماً من اللحم هي الحد الأدنى الذي نحتاجه والآن اتضح لي خطأ ذلك، ثم أمر الشيخ بإرجاع قطعة القماش، وأن لا يشتروا من اللحم إلا مقدار 2 سير (187 غراماً ونصف).


1- زندكَاني وشخصيت شيخ أنصاري/59.
2- المكاسب: ج1/128129 المقدمة تصحيح وتعليق كلانتر، بتصرف.
3- زندكَاني وشخصيت شيخ/8889.
4- نفس المصدر السابق. 5- الدينار من الريال وكان قديماً – من الريال
6- الشاهي واحد النقد الإيراني قديماً هو يعادل – من الريال (فرهنكَك عميد).
7- همائي نامه/1718.
8- نفس المصدر.
9- زندكَاني وشخصيت شيخ أنصاري/59.
10- المكاسب: ج1/128129 المقدمة تصحيح وتعليق كلانتر، بتصرف.

2009-07-28