يتم التحميل...

اجتناب الذنب وخلاص النية

قيد الدراسة2

المحدث القمي رحمه الله: جاء في سيرة الشيخ عباس القمي عليه الرحمة، أنه لم يكن أحدٌ يجرؤ أن يغتاب أحداً في مجلسه، مهما كان الشخص وكائناً من كان، وهو أيضاً كان يحترز من الغيبة والكذب بما يفوق التصور..

عدد الزوار: 84
اجتناب الذنب الشرط المهم للتوفيق في الدراسة

﴿
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ..﴾(البقرة:282)

المحدث القمي رحمه الله: جاء في سيرة الشيخ عباس القمي عليه الرحمة، أنه لم يكن أحدٌ يجرؤ أن يغتاب أحداً في مجلسه، مهما كان الشخص وكائناً من كان، وهو أيضاً كان يحترز من الغيبة والكذب بما يفوق التصور.. أيام مرضه الذي كانت وفاته فيه جاء أحد علماء طهران لعيادته، كان الشيخ عباس ذلك اليوم متألماً جداً، ويفكر في أمر شغل باله.. سأله ذلك العالم عن سبب تألمه، فأجابه: في سفري إلى الحج أردت طبق سيرة المحدثين في الإجازة  أن أتميز من أحد محدثي العامة، وعندما فاتحته بالأمر قال لي شيئاً، ولمصلحة ما أنكرت ذلك كذباً، والآن أفكر كيف سأبرر هذا الكذب غداً يوم القيامة في محضر العدل الإلهي.

إخلاص وطهارة النية

﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ..(البيّنة:5)

جاء في بعض الصحف عن أحد المقربين إلى الإمام: بعد وفاة المرحوم آية الله البروجردي، ورغم أن الدرس الأول في حوزة قم كان درس الإمام، إلا أنه لم يكن يفكر بالمرجعية، حتى أنه لم يكن يشترك في المجالس والمحافل، التي كانت تعقد في قم. ذات يوم اقترح عليَّ أحد محبي الإمام وتلامذته أن أذهب إلى سماحته، لعلّي أحصل على موافقته على طبع رسالته.. كان الوقت صباحاً. دخلت منزل الإمام، كان الإمام جالساً على بساط، وكان زميلي تحدث في أن المجتمع اليوم بحاجة لكم، ومن شدة حبه للإمام قال كلمة لعلها كانت لغواً، أتذكر جيداً أن وجه الإمام احمر فجأة وقال: (كلا ليس كذلك، إن الإسلام ليس متوقفاً عليَّ). وحتى حاشية العروة الوثقى قام عدد من الطلاب بطبعها على نفقتهم، إلا أنهم احتاجوا مبلغاً من المال، فقلت للمرحوم إشراقي (صهر الإمام): إذا أمكنك أن تأخذ بقية المبلغ من الإمام..

وبعد أيام أجاب بأن الإمام قال: (أنا لم أقل اطبعوها). وبعد وفاة المرحوم آية الله الحكيم ليلاً، أعلن نبأ وفاته من المكبرات.. تلك الليلة كان الإمام (في النجف) على سطح، يقول أحد الأخوة: سمعت صوت بكاء الإمام، ورأيته جالساً يبكي، وفيما بعد قال الإمام: أحضروا الجميع وقولوا لهم: ليس لكم الحق أن تدافعوا عني، وأن تذكروا اسمي في أي مجلس. حتى إذا تلقى مصطفى (ابن الإمام) صفعة على أذنه.. وإذا سبوني فلا تقولوا شيئاً.. وعلى الرغم من وجود أشخاص كانوا يرسلون من يقومون بحملات دعائية لهم إلى هذه الجهة وتلك، فإن الإمام كان موقفه كما ذكر، بحيث أنه لم يكن يرضى أن يدعى إلى مرجعيته، وفي تلك الأيام كان أشخاص من الموصل وكركوك يزور الإمام ويسألونه: من نقلد ؟.. فيقول: من كنتم تقلدون؟.. ويجيبون: السيد الحكيم.. فيقول الإمام: ابقوا على تقليد السيد الحكيم. نعم، من كان مع الله كان الله معه.

ومن هنا نرى اليوم أن الله العلي وهبه قدرة وشوكة لا نظير لها بين علماء الشيعة من الغيبة الكبرى وحتى عصرنا الحاضر. جاء في سيرة السيد ابن طاووس عليه الرحمة: على الرغم من أنه كان أهلاً للإفتاء والمرجعية، فلشدة تقواه لم يفْت أبداً ولم يتصدّ للمرجعية. وحول الميرزا الشيرازي الكبير جاء أن طلاب الشيخ الأنصاري بعد وفاة الشيخ اختاروه للمرجعية، وأصروا عليه إصراراً كبيراً حتى أقنعوه بقبول هذه المسؤولية، فجرت دموعه على خديه ولحيته المباركة، ثم أقسم أنه (لم يخطر في ذهني أبداً أني أحمل عبء هذه المسؤولية العظيمة). وهذه الجملة القصيرة من الميرزا الكبير جديرة بالتأمل جداً، وينبغي على طلاب العلم أن يقتدوا به ويفكروا كما كان يفكر.

الشيخ الأنصاري وسعيد العلماء رحمه الله: أمر المرحوم صاحب الجواهر في أيامه الأخيرة بعقد اجتماع يضم جميع علماء النجف من الطراز الأول.. وعقد المجلس المذكور بحضور صاحب الجواهر، إلا أن الشيخ الأنصاري لم يكن موجوداً. قال صاحب الجواهر: أحضروا الشيخ مرتضى أيضاً (الأنصاري)، وبعد البحث عنه كثيراً وجدوا الشيخ في زاوية من حرم أمير المؤمنين عليه السلام متوجهاً نحو القبلة يدعو لصاحب الجواهر بالشفاء.. وبعد الدعاء أخبروه بالأمر فمضى للإشتراك في ذلك المجلس. اجلس صاحب الجواهر الشيخ بجوار فراشه، وأخذ يده ووضعها على قلبه قال: (الآن طاب لي الموت) ثم قال للحاضرين: (هذا مرجعكم من بعدي) ثم توجه إلى الشيخ الأنصاري وقال له: (قلل من احتياطك فإن الشريعة سمحة سهلة)، وانتهى المجلس ولم يلبث صاحب الجواهر أن التحق بالرفيق الأعلى، وجاء دور الشيخ مرتضى في  تولي قيادة الأمة، ولكنه بالرغم من أن أربعمائة مجتهد مسلم باجتهادهم اعترفوا بأعلميته1.

امتنع عن الإفتاء وقبول المرجعية، وكتب رسالة إلى (سعيد العلماء) المتوفى حوالي 1270هـ  الذي كان آنذاك في إيران، وكان الشيخ زميله في الدراسة في كربلاء، وكان يرى أنه أعلم منه. كتب إليه رسالة بهذا المضمون: عندما كنت في كربلاء، وكنا ندرس معاً على (شريف العلماء) كنتَ أكثر مني فهماً واستيعاباً، والآن ينبغي أن تأتي إلى النجف وتقوم بأعباء هذا الأمر، فكتب إليه (سعيد العلماء) في الجواب بما حاصله: لقد بقيت أنت خلال المدة الماضية في الحوزة مشتغلاً بالتدريس والمباحثة، وبينما انشغلت أنا بأمور الناس، ولذا فأنت أحق مني بهذا الأمر.. وبعد وصول الجواب، تشرف الأنصاري بزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام، وطلب من ذلك الإمام العظيم أن يعينه بإذن الله تعالى في هذا الأمر الخطير ويسدده2.

بكاء الشيخ الأنصاري رحمه ال
له: يقول أحد خدم حرم أمير المؤمنين عليه السلام: (كالعادة ذهبت إلى الحرم الشريف قبل طلوع الفجر ساعة.. فجأة سمعت من شرقي الضريح المقدس صوت بكاء عالياً متفجعاً ونشيجاً متحرقاً.. تعجبت كثيراً.. صوت من هذا؟.. هذا البكاء المشجي من أين؟.. في هذا الوقت عادة لا يأتي الزوار إلى الحرم.. وفيما كنت أفكر في ذلك، كنت أتقدم قليلاً قليلاً لأرى ما الخبر.. فجأة رأيت الشيخ الأنصاري رحمه الله، وقد وضع وجهه على الضريح المقدس، وهو يبكي كالثكلى ويخاطب باللهجة الدزفولية بحرقة وأنين أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: سيدي !.. مولاي !.. يا أبا الحسن !.. يا أمير المؤمنين !.. هذه المسؤولية التي أصبحت على عاتقي خطيرة جداً ومهمة جداً، أريد منك أن تحفظني من الزلل والخطأ وعدم القيام بواجبي، وأن ترشدني دائماً في طوفان الحوادث المؤلمة،  وإلا فسأهرب من تحمل مسؤولية القيادة والمرجعية ولن أقبلها3.


المرحوم آية الله السيد حسين الكوه كمري: يقال أن المرحوم آية الله السيد حسين الكوه كمرى، الذي هو من تلامذة صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري، وكان مجتهداً مشهوراً، وكان درسه من الدروس الأساسية، ومن الواضح أن درس الخارج في الفقه والأصول تمهيد للرئاسة والمرجعية، والمرجعية لأي طالب هي بمعنى أنه ينتقل دفعة واحدة من الصفر إلى ما لا نهاية.. وعليه فالطالب الذي له حظ في المرجعية يجتاز مرحلة حساسة هي مرحلة تدريس الخارج وكان السيد الكوه كمري في مثل هذه المرحلة. ذات يوم كان عليه الرحمة عائداً من مكان مثلاً من زيارة شخص لم يكن قد بقي إلى حين درسه أكثر من نصف ساعة، فرأى أن الوقت لا يتسع للذهاب إلى البيت، ولذا فضّل أن يجلس في المسجد بانتظار موعد الدرس، دخل المسجد ولم يكن قد حضر أحد من طلابه، رأى في زاوية المسجد شيخاً عادياً جداً جالساً مع عدة طلاب يدرسهم، استمع المرحوم السيد حسين إلى درسه.

وبمنتهى الغرابة رأى أن هذا الشيخ العادي قمة في التحقيق،حمله ذلك على أن يأتي في اليوم التالي مبكراً عمداً ويستمع إلى درسه، جاء واستمع فازداد اقتناعاً بانطباعه الذي كونه في اليوم الماضي، وتكرر ذلك لعدة أيام، فحصل للمرحوم السيد حسين اليقين بأن هذا الشيخ أعلم منه، وأنه يستفيد من درسه، وأنه إذا حضر تلامذته درس هذا الشيخ فسيستفيدون أكثر..هنا رأى نفسه مخيراً بين التسليم والعناد، بين الإيمان والكفر، بين الآخرة والدنيا، وفي اليوم التالي عندما جاء طلابه اجتمعوا قال: أيها الأحبة !.. أريد اليوم أن أقول لكم شيئاً جديداً: هذا الشيخ الجالس في ذلك الجانب مع عدة طلاب أحق مني بالتدريس، وأنا أستفيد منه، والآن نذهب كلنا  إلى درسه، والتحق بحلقة درس الشيخ العادي المستضعف الذي كانت آثار الفقر بادية عليه، هذا الشيخ الرث اللباس هو الذي عرف فيما بعد باسم الشيخ مرتضى الأنصاري الدزفولي (استاذ المتأخرين). وكان الشيخ آنذاك قد عاد لتوه من سفر استمر عدة سنوات إلى مشهد وأصفهان وكاشان، وكان قد حصل من هذا السفر على زاد وافر خصوصاً من محضر المرحوم الشيخ أحمد النراقي.. مثل هذه الحالة في أي شخص وجدت فهو مصداق (أسلم وجهه لله)4. ومن الجدير بالذكر أن الشيعة الأتراك قلدوا المرحوم الكوه كمري بعد وفاة الشيخ الأنصاري5.

فرح المرجعية

كان المرحوم السيد محمد فشاركي أحد أكبر تلامذة الميرزا الشيرازي الأول، وكان بعده يعتبر من كبار الفقهاء، وهو أستاذ المرحوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية في قم، وأستاذ عدد آخر من الأعاظم. يقول المرحوم الحائري: سمعت من أستاذي آية الله فشاركي: عندما توفي الميرزا الشيرازي الأول، ذهبت إلى البيت فرأيت أن في قلبي سروراً، وكلما فكرت فلم أجد مبرراً لذلك فالميرزا توفي، وقد كان أستاذي ومربي، والعظمة التي كان يتمتع بها من حيث العلم والتقوى والنباهة والذكاء عجيبة وقليلة النظير.. يضيف المرحوم الفشاركي: وفكرت مدة لأرى أي مكان أصاب الخراب؟.. هذا السرور ما سببه؟.. وأخيراً وصلت إلى هذا النتيجة: لعل سبب السرور أنني سأصبح في هذه الأيام مرجع تقليد، فنهضت وذهبت إلى الحرم وطلبت منه عليه السلام أن يرفع هذا الخطر عني، يبدو أني أحس بميل إلى الرئاسة. بقي إلى الصبح في الحرم، وعندما جاء صباحاً إلى التشييع رأوا أن عينيه محمرتان بشدة، وكان واضحاً أنه كان طيلة ليلته يبكي.. وأخيراً حاول وحاول ولم يخضع لتحمل أعباء الرئاسة. نعم، هكذا يراقب رجال الله أنفسهم، بحيث أنهم يصلون إلى حد المرجعية، والجو مهيّأً تماماً، ولكنهم مع ذلك يظلون أكبر من الرئاسة6.

فارابي عصرنا العلامة الطباطبائي رحمه الله: يقول أحد تلامذة العلامة: منذ أيام الدراسة كنت أذهب إلى بيت العلامة كثيراً، ولم يدعني أبداً أوفق للصلاة خلفه جماعة، بقيت هذه الغصة في قلبي، إذ لم أحصل على فيض الإئتمام به، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن والأمر كذلك إلى أن تشرف في شهر شعبان 1401هـ بزيارة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد وصلّى في بيتنا، جعلنا غرفته المكتبة ليستطيعتناول أي كتاب أراد، وحان وقت المغرب، فأخذت سجادتين له ولأحد مرافقيه الذي كان ممرضاً له، يسهر على راحته، فرشت السجادتين وخرجت من الغرفة، ليبدأ هو بالصلاة فأدخل الغرفة وأقتدي به، لأني أعلم أني إذا كنت موجوداً في الغرفة فلن يرضى بالإمامة. ومضى حوالي ربع ساعة على وقت الغروب، سمعت صوتاً يناديني، كان المنادي هو المرافق، وعندما جئت قال: إنه جالس هكذا وينتظرك لتصلي. فقلت: أن أقتدي؟.. قال: نحن نقتدي، رجوته اطلب متوسلاً: تفضلوا أنتم وصلوا صلاتكم، قال: نحن نقدم نفس الطلب، قلت: منذ أربعين سنة وأنا أطلب منك أن أصلي معك صلاة واحدة، وحتى الآن لم أوفق فتفضل بالقبول، وبتبسم محبب قال: سنة أخرى أيضاً فوق تلك الأربعين، والواقع أني لم أجد في نفسي القدرة للتقدم عليه والصلاة واقتدائه بي، فخجلت خجلاً شديداً، وأخيراً رأيت أنه مصر على موقفه، ولا يتنازل عنه بأي وجه من الوجوه، وليس مناسباً بعد استدعائه لي أن أخالفه وأذهب إلى غرفة أخرى وأصلي فرادى، قلت: أنا عبد لك ومطيع إذا أمرتني أطيع، قال: آمر؟.. ماذا تقول؟.. لكن ذلك طلبي، فقمت وصليت المغرب واقتدى هو بي.. وهكذا وبعد أربعين سنة، بالإضافة إلى أنني لم أتمكن من الإقتداء به وفي صلاة واحدة، وقعت تلك الليلة في مثل هذا الفخ.. يشهد الله أن قسمات وجهه، وحالة الحياء التي كانت ظاهرة في وجهه أثناء طلبه كانت تخجل النسيم، أما صلابته فكانت تذيب الجماد7.

إخلاص العلامة الطباطبائي رحمه الله
: إحدى خصوصيات الاستاذ العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه إخلاصه الكامل والتام وشهرة مؤلفاته، وتربيته هذه النوعية من الطلاب شاهد صدق على هذا المدعى. يقول أحد تلامذته في هذا المجال: (... 3 الأمر الثالث الذي يلفت الانتباه من الناحية المعنوية والأخلاقية أكثر من الأمرين السابقين هو تحرر الاستاذ من أي نوع من أنواع التظاهر بالعلم والمعرفة، ودائماً كان محركه في العمل الأخلاص ورضا الله سبحانه، نحن الذين كنا على صلة به أكثر من غيرنا لا نتذكر أنه (ولو مرة واحدة) تحدث في موضوع بحيث يشعر منه التظاهر بالعلم أو أنه تحدث في أمر لم يُسأل عنه.. لو أن شخصاً بقي معه في السفر لمدة سنة، ولم تكن له معرفة مسبقة بمستواه العلمي، لم يكن يتصور أبداً أن هذا الشخص مؤسس طريقة جديدة في التفسير، وصاحب أطروحة في القواعد الفلسفية، ومبتكر لمسائل جديدة في الفلسفة، وأستاذ معترف له في السير والسلوك،كان سلوكه بحق طبق مضمون الحديث الذي روي عن جده رسول الله نبي الإسلام العظيم صلى الله عليه وآله وسلم8.(أخلص العمل فإن الناقد بصير).

إخلاص المحدث القمي

عندما كان المحدث القمي مقيماً في مشهد، كان في أحد المواسم يعظ في مسجد كَوهرشاد، فجاء المرحوم الشيخ عباس تربتي وهو من العلماء الأبرار والروحانيين العُبّاد من (تربت حيدرية) محل إقامته إلى مشهد، ليستفيد من مواعظ الشيخ عباس القمي. كان الشيخ التربتي صديقاً قديماً للشيخ القمي، وكانت تربطهما علاقة حميمة ومتينة.. وذات يوم ومن فوق المنبر وقعت عين الشيخ القمي على الشيخ عباس  التربتي في زاوية من المجلس المكتظ، يستمع إلى حديثه، عندها قال الشيخ القمي: أيها الناس!.. سماحة الشيخ موجود.. استفيدوا من علمه، وعلى الرغم من كثرة الناس الذين كانوا قد جاؤوا لأجله، نزل عن المنبر، وطلب من الشيخ أن يتولى الحديث إلى آخر شهر رمضان بدلاً منه، وهكذا كان (أنا عبد الهمة من تحررمن كل ما أظلته السماء مما فيه لون الجذب والإغراء)9.

قال المحدث القمي لابنه الكبير
: عندما ألفت كتاب منازل الآخرة وطبعته ووصل إلى قم.. وصلت إحدى نسخه إلى الشيخ عبد الزراق الذي كان يبيّن بعض المسائل دائماً في صحن حرم المعصومة عليها السلام قبل صلاة الجماعة، وكان والدي المرحوم (الزاير) محمد رضا من مريدي الشيخ عبد الرزاق، وكان يشترك يومياً في مجلسه.. كان الشيخ عبد الرزاق في النهار يفتح كتاب منازل الآخرة ويقرأ منه للمستمعين. وذات يوم جاء والدي إلى البيت وقال: يا شيخ عباس!.. ليتك كنت مثل هذا الواعظ، تستطيع أن ترقى المنبر وتقرأ في هذا الكتاب الذي قرأ لنا اليوم فيه. وعدة مرات أردت أن أقول له إن هذا الكتاب من مؤلفاتي، ولكني كنت في كل مرة أسيطر على نفسي وأسكت، واكتفيت بأن قلت: تفضل بالدعاء ليوفقني الله تعالى10. عن أمير المؤمنين عليه السلام: (الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصاً، والإخلاص على خطر، حتى ينظر العبد بما يختم له)11.

وبناءً عليه: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(الكهف:110).


1- علماي معاصرين 61 نقلاً عن زندكَاني شيخ أنصاري.
2- زندكَاني شيخ أنصاري/73/74 والكلام يجر الكلام ج1/127.
3- المكاسب: ج1/123 المقدمة ط كلانتر.
4- عدل الهي/ 347 بتصرف يسير، والمكاسب ج1/150 المقدمة ط كلانتر.
5- هدية الرازي/19/ والكرام البررة/ج1/421.
7- مهرتابان القسم الأول/5052.
8- يادنامه علامة طباطبائي/48.
9- مضمون بيت شعر فارسي والنص بكامله من كتابحاج شيخ عباس قمي مرد تقوا وفضيلت/28/29.
10- المصدر السابق: 48/49.
11- بحار الأنوار: 70/ت242.

2009-07-28