الزمان: ظهيرة 29 تير 1359- 7 رمضان 1400
المكان: طهران، حسينية جماران
المناسبة: افتتاح مجلس الشورى الإسلامي وتعيين الحكومة الجديدة
الحاضرون: أعضاء الشورى القضائية
بسم الله الرحمن الرحيم
الإقرار والإعتراف بأخطاء الماضي
مع مرور كل يوم من عمر هذه الثورة المباركة التي تصرّف الشعب فيها بشكل ثوري ولكننا لم نفعل ذلك نحن للأسف، أشعر بأننا كنا مقصرين أو قاصرين. وفي كلتا الحالتين علينا تحمل مسؤولية ذلك أمام الشعب. فالشعب ثار وانتفض وخرج إلى الشوارع واجتث هذه الغدة السرطانية 1 وحقق نصراً ونجاحاً كبيراً. ولكن عندما وصل الأمر إلينا لم يتصرف أحد منا بشكل ثوري ولو كانت لدينا التجربة الثورية الكافية لتصرفنا بطريقة غير هذه الطريقة. لقد صنعنا هذه الثورة دون أن نملك التجربة الكافية والأحرى أن نقول أن الشعب هو الذي صنع هذه الثورة. إن عدم توفر الخبرة الكافية جعلنا نتصرف بتهاون ومسامحة وخصوصاً في الأيام الأولى من عمر الثورة مما سبب لنا الكثير من المشاكل والتي ما زالت ترافقنا وتلاحقنا حتى يومنا هذا ولمعالجة هذه المشاكل علينا التعامل معها بشكل ثوري. لاحظوا أننا نقضي معظم أوقاتنا في إعلان العزاء أو المشاركة في تشييع الأفراد أو المشاركة في تظاهرات ناقمة وغاضبة على جرائم القتل والإغتيال بحق شبابنا، ونشاهد كل يوم حوادث متعددة يذهب فيها شبابنا ضحية ويقتلون ويمثّل بهم، وسبب كل ذلك هو أننا لم نحسن توجيه الثورة وقيادتها. فلو أحسنا في ذلك لما حدثت هذه الجرائم النكراء.
أذكر ذات يوم أننا قررنا إرسال وفد للتفاوض في كردستان مع بعض الأشرار والخارجين عن القانون وقد طلبت من الوفد أن يصطحب معه فرقة من الجيش والحرس ليتم التفاوض بقوة ولكن للأسف الشديد تهاون الوفد في ذلك وتمت المسامحة والعفو عن هؤلاء الأشرار ومنذ ذلك اليوم أصبح هذا العفو سبباً لكل مصائبنا التي كبدتنا خسائر جسيمة، وها أنتم ترون اليوم كيف تحل المصائب علينا الواحدة بعد الأخرى وكيف استشهد الكثيرون من الحرس مؤخراً.
إن سبب كل ذلك هو إنقسامنا إلى مجموعتين إحدانا قدمت من المدرسة الحوزوية والأخرى جاءت من الخارج. لا نحن كانت لدينا التجربة الثورية ولا هم كانت لديهم الروح الثورية. وإن أول خطأ ارتكبناه هو تشكيل الحكومة المؤقتة في ذلك الوقت وكنت أتصور أن ذلك ضرورياً ولكننا إكتشفنا بعد ذلك أنه كان علينا أن نشكل حكومة قوية منذ البداية حكومة فتية وفعالة يمكنها إدارة البلاد بأفضل شكل ممكن، ولكن للأسف الشديد لم يتوفر لدينا في ذلك الوقت شخص مناسب لقيادة الحكومة وربما كان السبب هو جهلنا بالأفراد المحيطين بنا حتى نختار أحدهم لهذا المنصب وهكذا أخطأنا في إختيارنا فكان ما كان. واليوم وقد عزم مجلس الشورى الإسلامي على تشكيل الحكومة، عليّ أن أخاطب هذا المجلس قائلا: عليكم إختيار حكومة قوية مؤمنة وليست على شاكلة الوزراء الحاليين. عليكم بدراسة الأفراد جيداً وأن تتحققوا من تاريخهم النضالي والثوري وقدرتهم القيادية ويجب أن تتوفر فيهم صفات الحزم والقوة. وفي غير هذه الحالة علينا أن نقرأ فاتحة هذه الثورة منذ الأن لأن لا مجال للنصر في ظل حكومة كالحكومة الحالية، إذاً لنتلافى الأخطاء السابقة. ألح علينا الكثيرون بأن نعفو عن بعض المنظمات المشبوهة بحجة أنها لم ترتكب جرماً كبيراً ولقد عفونا عنهم 2 فعلا ولكننا أخطأنا في ذلك. فهؤلاء راحوا فيما بعد يزرعون الفتن ويثيروا القلاقل ويرتكبوا أبشع الجرائم. ولكن للأسف الشديد أطلقنا سراح من كان منهم في قبضتنا وكفيّنا عن ملاحقة من كان من الواجب إلقاء القبض عليه.
كان من الواجب أن نتصرف كالثورات الأخرى في العالم والتي ما إن تنتصر حتى تغلق كافة النوافذ وتمنع وتحظر التجول وتقضي على كل المجموعات المعادية وتعزلها جانباً أو تقوم بتفكيكها ولو فعلنا ذلك لما قضينا معظم أوقاتنا في العزاء والبكاء ولكن لا فائدة في الندامة الأن ونطلب المغفرة والعفو من الله سبحانه وتعالى.
واجبات مجلس الشورى ومنح الثقة للحكومة
لا نريد تكرار الأخطاء السابقة بل يجب أن تتمتع الحكومة والمجلس بقوة كافية لتسيير الأمور ولا يجب أن نعير الاهتمام لمن يطرح الأفكار السابقة وخصوصاً من أعضاء
المجلس وينبغي أن يتصرف المجلس بحزم وقاطعية وكذلك الحكومة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان.
علينا ومنذ البداية أن نختار أعضاء الحكومة القادمة ممن يشهد لهم بالإلتزام والوعي والانفتاح على المجتمع والإلمام بالأوضاع الراهنة وكذلك يجب أن تكون لديهم طريقة مثلى لتطبيق الإسلام في إيران.
للأسف الشديد فإن الكثير من أعضاء الحكومة الحالية لا يعيرون هذه الأمور اهتماماً. ومن بين الوزارات الحالية قد لا نكاد نجد وزارة صالحة تتصرف بشكل إسلامي وترتكز على أركان إسلامية.
تصلنا بين الفينة والأخرى أخبار غير سارة عن سفاراتنا في الخارج حيث تقوم هذه السفارات بالتبذير وهدر الأموال دون أن يحاسبهم أحد فنحن لا نملك هيئة خاصة لمحاسبة السفارات.
الجميع يتحدثون عن المنجزات التي حققوها ولكن كل ذلك مجرد كلام لا واقع له. على المجلس أن يشكل هيئة تطوف البلدان التي لنا فيها تمثيل دبلوماسي لتفقد السفارات وإصلاحها وعزل الأفراد المرتبطين بالنظام السابق وبالساواك لتصبح هذه السفارات مراكز إنسانية وإسلامية، وفي الحقيقة إن أغلبية سفاراتنا اليوم هي مراكز فاسدة تنحصر نشاطاتها على إقامة الولائم والبذخ والفحشاء علينا الإسراع في إصلاح ذلك فليس من المقبول أن ندعي أننا بنينا جمهورية إسلامية ولا يوجد شيء إسلامي فيها بل كل إداراتها فاسدة حتى وزاراتها فاسدة أيضاً لا يمكن القبول باستمرار هذا الوضع الأليم ولا يمكننا أن نصغي لما يطرحه الأفراد الذين نشأوا في أوربا وتتلمذوا على أيدي الفكر الأوروبي. فهدفنا الأصلي هو تطبيق الإسلام، جاء إليّ أحدهم قبل مدة باكياً يسأل عن السبب والداعي لقتل بعض الأفراد مؤخراً! وهو يقصد أولئك الذين قتلهم السيد خلخالي 3.
طبعاً أن هدف الإسلام الأصلي هو التربية والإصلاح ولكن عندما يتعذر ذلك كما حدث في التاريخ الإسلامي حيث قام المسلمون بقتل 700 يهودي من يهود بني قريظة وبأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). إن هؤلاء يطالبوننا بالإصلاح أولا قبل تنفيذ الحدود الشرعية ولكن هذا أمر محال إذ لا يمكن هداية جميع الناس. أيمكن أن نهدي شارب الخمر ونصلحه؟ لا إنه لخطأ كبير علينا تنفيذ الحد فيه.
ها هو المجلس قد اكتسب اليوم شرعيته وعليه إذاً تولي إصلاح كافة الأمور وتعيين حكومة مقتدرة إسلامية المنهج كما ينبغي عليه مراقبة ومحاسبة كافة الأجهزة والمؤسسات كالوزارات ومراكز المحافظات.
لو تصرف جيشنا بالشكل الصحيح لما تعرضنا لكل هذه المشاكل التي وقعت في بلوشستان وكردستان. نعم لقد قام الجيش بجهد يشكر عليه ولكنه جهد ناقص أكثروا فيه من العفو والتسامح. كان من الواجب أن يتم التحقيق في سبب مقتل أربعة عشر شخصاً هناك والكشف عن ملابسات هذه الجريمة البشعة.
لماذا نسمح بوقوع ذلك؟
لماذا تركوا أولئك الأوغاد يتخذون من الجبال مقراً لهم أو يشكلون عصابة خطيرة؟
لماذا لا يتوجهون للقضاء عليهم؟
إن سبب كل هذه الأمور هو أن قادة جيشنا ووزرائنا ليسوا بأفراد ثوريين وملتزمين ولا حتى حكومتنا هي حكومة ثورية، لا أحد فينا ثوري وهذا ما سبب لنا الأذى وألحق بنا الضرر كما حدث اليوم. إلى متى سنظل نقيم مجالس العزاء؟
إلى متى سيبقى شبابنا هم كبش الفداء حيث لا نعرف قدرهم ونقسوا عليهم بطريقة غير مباشرة؟
إلى متى عمليات القتل والإعتقال هذه؟
إلى متى سنتحمل هؤلاء الأوغاد؟
لنصلح الأمور فوراً.
ضرورة إصلاح السلك القضائي
إن إصلاح القضاء هو من جملة الإصلاحات التي ينبغي علينا القيام بها. فمن غير المقبول أن نبقي القضاء بأيدي الأشخاص الحاليين إذ لا أحد فيهم يتصف بصفة القاضي الإسلامي، أتظنون أنهم يعتمدون على الإسلام في قضائهم؟
طبعاً لا نشترط أن يكون جميعهم من المجتهدين وجامعي الشرائط ولكن يجب أن يتمتعوا على الأقل برؤية ونظرة إسلامية في القضاء حتى ولو عن طريق التقليد. فلو عفونا وتسامحنا مع الكثير من المجرمين نكون قد جنينا على أنفسنا ومهدنا الأرضية للكثير من الفتن والمشاكل.
إن كافة أجهزتنا ومؤسساتنا القضائية تعاني من خلل كبير والجيش يعاني من مشاكله الخاصة أيضاً. فلذا ينبغي إعادة النظر في كل الأمور وتغيير طريقة التعامل معها كي لا نرتكب الأخطاء السابقة.
علينا تلافي هذه الأخطاء وإدارة الأمور بإقتدار كامل. فتطبيق الإسلام وأحكامه هو الأصل في كل شيء والناس أمامه سواسية.
سنغلق كل مؤسسة ووزارة لا تطبق أحكام الإسلام فيها فالوزارة التي تسيء إلى الإسلام وتضربه نحن بغنى عنها.
فكيف يمكن لوزير أن يمتنع عن صرف الميزانية المخصصة من قبل المجلس. ألن يسيء بتصرفه هذا إلى الأمور.
في الواقع إن سبب كل هذه المشاكل هو أن هؤلاء السادة لا يتمتعون بفكر ثوري ومع كل هذا فإن البعض يطالبنا بالتساهل والتسامح معهم!
نصرة الإسلام ونبذ التوجه القومي
يجب إبعاد كل الأفراد الذين لا يتمتعون بروح ثورية عن المراكز الحساسة في الوزارات ولذلك ينبغي على السيد بني صدر 4 أن يمتنع عن ترشيحهم وتزكيتهم للمجلس وعلى المجلس أيضاً أن يرفض منح الثقة لهم. على الوزير أن يتمتع بفكر إسلامي وروح ثورية وأن يكون جدياً حازماً وليس فرداً متساهلًا. إن بقيت الأمور على ما هي عليه من سوء فعندها ينبغي علينا إعلان الحداد العام على روح الجمهورية وعلى كل ما حققناه.
يطلب منا البعض مصراً في هذه الأيام أن نعطي ونمنح القوميين المزيد من الوقت لنرى ما هي توجهاتهم وما هي القومية التي يتحدثون عنها وما هي أهدافهم كم من الضرر والأذى سبب القوميون لنا؟
كم كانت حجم المعاناة التي سببها لنا ذلك الرجل 3 والذي يمجدونه كثيراً ويعتبرونه ملهم القوميين؟
تصورا أنهم فتحو النار على طلاب المدرسة الفيضية كما فعل ذلك النظام البهلوي سابقاً بعد هذه الحادثة مباشرة ذهبت مع السيد الحائري إلى ذلك المكان تصوروا أن الأطباء كانوا يخشون أن يقولوا بأن فلاناً قد جرح أو أصيب على سبيل المثال. فليذهب هؤلاء إلى الجحيم. علينا القضاء على هذه الجبهة وتصفيتها فوراً.
هذا ديمقراطي وذاك قومي والآخر قومي إسلامي، لقد ألحق بنا كل من ينطوي تحت هذه العناوين مصائب وأضرار كبيرة.
الإسلام هو الهدف وكل هذه التوجهات مرفوضة وباطلة. والمجلس يجب أن يكون اسلامي الرؤية وإسلامي التوجه وإسلامي الأهداف ليكون قادراً على اتخاذ القرارات الإسلامية.
لا يمكنني أن أتحمل هذا الأمر فلقد تكبدنا الكثير من الخسائر من أرواح الشباب المؤمن وكل ذلك بسبب عفونا وتسامحنا مع جماعات معينة.
ومنذ الآن وبعد أن أسسنا مجلس الشورى الإسلامي واكتسب الشرعية اللازمة لعمله ينبغي على المجلس أن يضع التساهل والمسامحة جانباً وأن يعالج الأمور بجدية وحزم وقاطعية، إذاً ليتم التحقيق مع كل من يخالف القانون، وفي حال التأكد من التهم الموجهة على المحاكم أن تتدخل وتصدر الأحكام والقرارات المناسبة.
أؤكد هنا على أهمية أن تبقى كافة اللجان التي شكلت في البلاد على قوتها و إقتدارها. كما أنه من الضروري أن نحافظ على قوة المحاكم الشرعية الثورية والحرس الثوري.
أيها السادة إن واجبكم هو عزل كل من يقصر في عمله أو ينحرف فيه.
لا يمكن القبول بأن يقوم أفراد وزارة العدل السابقة أنفسهم بتعيين كل من يحلو لهم من أفراد في السلطات القضائية دون أية محاسبة أو إشراف.
إنها ثورة أيها السادة والثورة تتطلب أن نتصرف بشكل ثوري ولقد أخطأنا الكثير ولا مجال لتكرار الأخطاء السابقة. لنتلافى هذه الأخطاء إذاً ولنعمل باقتدار وحزم.
هذا ما أردت أن أقوله اليوم. وأنا على علم بأن الجميع موافق على ما قلته ويشاطرني الرأي ضمنياً ولقد كنتم كذلك منذ البداية لنبدأ عملنا منذ اليوم.
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج13، ص:47,42
1- محمد رضا بهلوي، ملك إيران المخلوع.
2- منتسبو السافاك وأعوانهم.
3- صادق خلخالي، الحاكم الشرعي لمحكمة الثورة الإسلامية.
4- السيد محمد مصدق، قائد الجبهة القومية ورئيس الوزراء خلال سنوات 1330 إلى 1332 ه-. ش في عهد محمد رضا بهلوي.