الموضوع: حل المشاكل بالتفاهم والطرق السلمية
خطاب
الحضور: أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى)، أعضاء مجلس الشورى الإسلامي
عدد الزوار: 138
الزمان: الساعة السادسة والنصف بعد الظهر المصادف ل - 21 مرداد 1359- شوال 1400
المكان: طهران، حسينية جماران
المناسبة: عيد الفطر السعيد
الحضور: أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى)، أعضاء مجلس الشورى الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقارنة بين مجلس الشورى الإسلامي والمجالس السابقة
جعل الله هذا العيد السعيد مباركاً على كافة المسلمين وخاصة على الشعب الإيراني.
لو ألقينا نظرة إلى المجالس التي مرت على هذا البلد منذ حركة الدستور وحتى المجلس السابق لوجدنا ببساطة أنها تشتمل على أفراد ارستقراطيين أثرياء مرفهين يعيشون في قصور شاهقة ولا يقبل أحد منهم أن يجلس كما تجلسون الآن أو يشارك في جلسة كما تشاركون إلّا القليل وما ندر. ولم يكن من الممكن لشخص مثلي أن يقابل هؤلاء النواب أو يتحدث إليهم إنه من بركات الثورة الإسلامية وبركات الإسلام أن تكون جميع مؤسساتنا شعبية وإسلامية ومجلسكم هذا هو خير مثال للمجلس الشعبي الجماهيري.
كان المجلس يسمى سابقاً بالمجلس الوطني. ولكن هل تمكن أحد من أفراد الشعب دخول المجلس؟ كلا وخصوصاً في السنوات الأخيرة حيث وصلت الحكومة إلى ذروة طاغوتيتها وعنجهيتها وهذا ما دفع الكثير للإمتناع عن دخول المجلس.
أما اليوم فنحن أمام دولة إسلامية ومجلس إسلامي مفعم بروح ثورية وفكر إسلامي يعمل لتحقيق مصالح شعبه. إن المجلس الحالي يضم كافة شرائح الشعب من المسلمين والأقليات الدينية الأخرى وهو مجلس شعبي بكل معنى الكلمة ولم نشهد مثيلًا له في السنوات السابقة مطلقاً.
إن وجود المجلس الحالي هو نعمة وبركة من الله سبحانه وتعالى.
ومن جهة أخرى فليس المجلس وحده هو الذي تحول من الطاغوتية إلى الإسلام بل ينطبق الأمر على كافة المراكز الحكومية كالقوات المسلحة والوزارات وغيرها.
إن شعبنا اليوم يراقب كافة أجهزة الدولة عن كثب ويتابع سير العمل فيها بدقة.
لقد شهدت الكثير من المجالس وحضرت بعضها ولكني لم أجد مثيلًا لكم إلّا في الدورات الأولى في عهد المرحوم الشيخ المدرس حيث كان المجلس يضم أفراداً جيدين.
وأود أن أقول هنا أني أتمنى أن لا تعتري المجلس أحداث تسيء إلى مكانته وإلى أعضائه الشرفاء.
أوصي النواب بالتفاهم وحل المشاكل بطريقة سلمية
أطلب المعذرة منكم أيها السادة فأنتم بغنى عن الموعظة التي أقدمها لكم ولكن التذكير فيه نفع كبير.
(خصام أهل النار) 1 وهو عذاب يواجه أهل جهنم.
(وإخواناً على سرر متقابلين) 2 وهي نعمة ينعم بها أهل الجنة.
أي أن الأخوّة والمحبة هي نعم أنعم الله بها على أهل الجنة والخصام بين أهل جهنم هو عذاب عظيم أعده الله لهم.
يقول أهل المعرفة: إن كل ما في الجنة والنار هو من صنع الإنسان نفسه ويعكس عمل الإنسان، وتقول رواية أن أرض الجنة والنار قاع مسطحة لا شيء فيها.
وفي رواية أخرى جاء أن الملائكة تشرع أحياناً بالبناء ومن ثم تقف وقد لاحظ الرسول (صلى الله عليه وآله) ذلك في ليلة المعراج فسأل جبرائيل عن ذلك فقال جبرائيل: إنها أعمال الناس فما داموا يفعلون الخير فإن البناء مستمر والعكس صحيح أيضاً.
إذا فأهل المعرفة يعتقدون بأن كل ما في الجنة وما في جهنم هو من صنع الإنسان فالله لم يشعل ناراً ليحرقنا بل نحن الذين أشعلنا هذه النار وهي إنعكاس لأعمالنا التي سترد إلينا.
يمكننا من خلال الآيتين السابقتين أن نقيم أنفسنا. هل نحن من أهل النار أم من أهل الجنة؟ فإن كان الخصام هو أساس أفعالنا نحن من أهل النار. طبعاً نحن لا نقصد بذلك حدة النقاش والبحث الذي يجري بين العلماء فهو أمر آخر وينتهي بعد البحث مباشرة دون أي ترسبات بل يجري في جو أخوي حميم دون أن يسبب أية عداوة. أو كأن يقوم صديقان بالتباحث في قضية ما فيدافع كل منهما عن وجهة نظر معينة كما هو الحال عند الطلاب الذين يمارسون ذلك كالرياضة في الحوزات العلمية وهي رياضة علمية تقوي الطرفين وتغني معارفهم نقل المرحوم السيد أحمد الزنجاني رحمة الله عليه أنه طبع ذات مرة في صحيفة الملا نصر الدين 3 في القفقاز كاريكاتيراً عن إثنين من طلاب الحوزة العلمية يجلسان مقابل بعضهم البعض وقد وقع سن أحدهما من فكه وحذاء أحدهما على رأس الأخر. وكان هذا الكاريكاتير عبارة عن إنتقاد لهذه الفئة. وأظن أن الملا نصر الدين لم يكن يدري بأن هذه المجادلات والمباحثات تنتهي سريعاً ويعود الأطراف فيها أحباباً وأخوة.
إننا أمام خضم هائل من القضايا والمجلس سيواجه الكثير من الأمور التي تحتاج إلى بحث وجدل تتعلق بمصالح الأمة وهموم الشعب. ومن الطبيعي أن يطرح كل منا وجهة نظره الخاصة تجاه كل قضية وربما شهدنا تناقضاً شديداً في وجهات النظر تلك. ولكن لا ينبغي أن يصل بنا الأمر إلى العداء والخصام. ولو وقع ذلك لا سمح الله فسنصبح من أهل النار لأن خصامنا الدنيوي هذا سيجلب لنا الخصام في النار أيضاً.
علينا مناقشة قضايانا والبحث فيها في جو من الإيمان والصداقة والأخوة وحسن النية والأخلاق، لكل منا الحق في بيان رأيه ومن الواجب أن يبين كل منا للأخرين النقاط التي يجهلونها، فأنتم نواب الشعب وأمناؤه وعليكم طرح كافة الأمور ودراسة جميع القضايا من زوايا مختلفة دون نزاع أو خصام لنتباحث بهدوء وبعيداً عن الصراخ ولا مشكلة في الصراخ إن لم يؤدي إلى خصام ونزاع كالجدال بين الطلبة الذي ينتهي فور إنتهاء الجلسة ويعود الطرفان إخوة وأحباباً كما كانوا سابقاً. إن المشكلة ليست في إختلاف وجهات النظر وتعارض الآراء بل المشكلة هي تحول ذلك إلى عداء وخصومة شخصية.
علينا معالجة كل القضايا من منطلق إسلامي مع أخذ مصالح الشعب بعين الإعتبار وعلى كل منا أن يطرح رأيه الخاص ولكن دون نزاع وخصام بحيث ينتهي كل شيء بإنتهاء الجلسة كما يفعل الطلبة في مباحثاتهم.
رعاية مصالح الإسلام والدولة
يجب أن لا نحول تعدد الآراء وإختلافها إلى عداء وخصام. فكلنا مسلمون نعمل لرفع راية الإسلام وبناء الدولة الإسلامية وتحقيق مصالح الأقليات الدينية التي تعيش في كنف هذه الدولة. الإسلام أمر بالمساواة ومراعاة حقوق ومصالح الجميع، وأنتم أيها النواب تمثلون الشعب أمام الحكومة وتعملون لتحقيق مطالبه ورعاية مصالحه والسير بالوطن قدماً نحو الإزدهار.
إذاً فلتناقش الأمور بود وبطريقة أخوية بعيداً عن الإختلاف والعداء.
طبعاً إن أكثرية نواب المجلس هم من الملتزمين وأهل الورع والتقوى وأتمنى أن يكون الجميع كذلك. إني لا أعرفكم جميعاً ولكني أعرف أنكم تمثلون الشعب وقد منحكم الشعب ثقته وأنكم دخلتم هذا المجلس لرفع راية الإسلام والوطن. أسأل الله تعالى أن يوفق هذا المجلس لخدمة الأمة وتسيير أمورها يداً بيد مع الحكومة والرئيس وسائر الدوائر الحكومية.
إننا نسعى جمعياً نحو هدف مشترك ولا أظن أن أحد فينا يحلو له أن يرى وطنه مضطرباً تعمه الفتن والمشاكل، فالدولة هي دولتكم وعلى الجميع أن يسعوا لخدمة الوطن وإعلاء راية الإسلام وترسيخ جذوره وتطبيق أحكامه لما فيه خير لهذه الأمة.
إذاً فلندع الخصومة جانباً ولنمضي في خدمة هذا الوطن والقضاء على آفات الفساد فيه كل حسب إعتقاده وإجتهاده للوصول إلى الهدف المشترك المنشود إن شاء الله.
ومن الممكن أن يتسلل إلى المجلس أفراد أوفئة ما ترنو إلى أهداف شريرة لخدمة الدول الإستكبارية، عندها سيكون هنالك صراع ومواجهة ولابد من ذلك فمواجهة هؤلاء واجبة وخصوصاً عندما يتبين سعيهم لنشر الفتن والإضطرابات في الدولة والمجلس واستحالة هدايتهم وإرجاعهم إلى الطريق القويم، ولا أظن أن مجلسنا الموقر هذا يضم أفراداً من هذا القبيل. إني على ثقة تامة بأن لا أحد فيكم يسعى لتحقيق أهداف تتعارض مع مصالح البلاد، بل تهدفون إلى تحقيق الرفاهية والأمان لهذا الشعب من خلال إبعاد الأيادي الغربية المشبوهة عن جسد هذا الوطن. كما أنكم قد خرجتم من بين طبقات الشعب الكادحة ولستم من الأرستقراطيين وسكان القصور الذين لا علم لهم بما يجري في الشارع، فأنتم على إطلاع وإلمام كامل بالقضايا الراهنة وبالأوضاع المعيشية للشعب فلقد خرجتم من بين الجماهير وتعرفون آلامها وآمالها.
ومن هذا المنطلق يتوجب علينا وعليكم وعلى أفراد الشعب أن نضع التفاهم نصب أعيننا وأن نناقش كل أمروقضية مبهمة بشكل ودي وأخوي ليكون أساساً للوصول إلى النصر النهائي إن شاء الله.
الاتحاد بين الحكومة والشعب هو مفتاح هزيمة الأعداء
لا نخاف ولا نخشى الدول الإستكبارية المتغطرسة أبداً مع أننا لا نملك شيئاً من أسلحتهم الفتاكة، فسلاحنا الوحيد هو الإيمان والعقيدة والوحدة ومن غير الممكن أن يقهر شعب متحد تحت راية واحدة ومتفق على كلمة واحدة وهدف واحد.
إن الطريق للسيطرة على شعب ما هو بث الفرقة والإختلاف فيه، وتهيئة الجو المناسب لذلك، وعندها ستتمكن الفئة الطاغية من فرض سياساتها على بقية أفراد الشعب.
ولكن إن كان الشعب متحداً متضامناً فعندها لن نرى أي استبداد لامن قبل فئة ما ولا من قبل الدولة الإستكبارية فإرادة الشعب أقوى من كافة الأسلحة ولا يمكن قهر شعب متحد ومتضامن، أود أن أذكر هنا حادثة سبق لي ذكرها لكم ولكني سأكررها لإرتباطها بالنقطة التي أشرنا إليها. فقد جاء إليّ السفير السوفيتي وقال لي: لقد طلبت منا الحكومة الأفغانية أن نتوجه إلى أفغانستان فماذا نفعل؟ ولكنهم كانوا قد دخلوا أفغانستان فعلًا ولم تكن هناك حكومة بل هم الذين شكلوا الحكومة فيما بعد وقد قلت له: لقد ارتكبتم خطأ فادحاً فمن السهل على دولة كدولتكم الدخول إلى أفغانستان لكثرة عتادكم وأسلحتكم ولكنكم لن تتمكنوا من قهر شعب كامل بل ستواجهون مقاومة عنيفة وستهزمون هزيمة نكراء.
تصوروا أنهم فلعوا فعلتهم الشنيعة هذه وجاؤوا لإستئذاني في إحتلال دولة إسلامية، ما أريد قوله هنا، هو أنه مهما عظمت قوة العدو و ازدادت قدراته ستبقى قوة الشعب أكبر وأشد صلابة وفعالية فإتحاد الشعب وتضامنه أشد تأثيراً من أسلحة العدو الفتاكة. إننا لا نخشى مؤامراتهم أبداً. ولا تخشوا من الإشاعات التي تتحدث عن وجود مؤامرة كبيرة بإنتظارنا ولكن في نفس الوقت علينا أن نتيقظ جميعاً جيشاً، وشرطة، وحرساً، وشعباً، فكلنا جنود الإسلام وعلينا الإحتراس وتوخي الحذر وإعلام الجهات المختصة عن أية حركة مشبوهة أو تجمع مشبوه.
إن محاولتهم الشريرة هذه ستبوء بالفشل ولن يتمكنوا من إلحاق أي ضرر بهذه الدولة مهما حاولوا، ولو فرضنا جدلًا إن العدو تمكن من إقتحام البلد وقتل جميع المؤمنين ورجال الدين. فما الداعي للخوف؟ ففي هذه الحالة سنودع هذه الدنيا الفانية وسننتقل إلى الآخرة الباقية. لماذا الخوف؟
نحن لا ندعي أننا قادرون على دحرهم عسكرياً، كلا، ولكننا سنتغلب عليهم بالإيمان والعقيدة هذه هي فلسفة صدر الإسلام بعينها، فإن قُتِلنا أو قتلناهم فسندخل الجنة. إنه منطق أهل الإيمان وكل من يؤمن بالله والقرآن وسنكون من الرابحين في كلتا الحالتين فإن قُتلنا سننتقل إلى رحمة الله وإن تمكنا من قتلهم فسنكون قد خلصنا البشرية جمعاء من هذه العصابة المجرمة.
إذاً فنحن لا نخشى شيئاً وثقوا تماماً أيها الإخوة أن ليس بإستطاعتهم أن يقهرونا فسلاحنا الإيمان وشعبنا يرفع راية الإسلام ويعمل على جعل كلمة الله هي العليا. وقد قدم شعبنا الكثير من الشهداء والتضحيات من أجل ذلك إذ ليس من المعقول أن يكون قد قام بذلك لأهداف دنيوية بخسة. فجميعنا جاهدنا في سبيل الله ونعرف أن الله هو الذي سيؤتينا أجورنا. إذاً لنتابع جهادنا ولنسأل الله الأجر الذي سيغدق به علينا في الدنيا والآخرة. وفقكم الله جميعاً. إني خادم لكم وسأقضي ما تبقى من عمري في خدمتكم.
أسأل الله تعالى أن يتفضل عليكم بأعلى درجات المعرفة وأسماها وأسأله كذلك أن يهدي أعداء هذا البلد وأعداء الإسلام ويجازيهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج13، ص:86,81
1- سورة ص( إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) الآية 64.
2- إشاره للآية 47 من سورة الحجر( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين).
3- أسبوعية فكاهية كانت تصدر باللغة التركية في تبريز ونخجوان وتتمتع بطابع نقدي، تميزت بكاريكاتوراتها والتي كانت تطبع على الصفحة الأولى فقد كانت هذه الصحيفة تعالج القضايا والمشاكل الإجتماعية بأسلوب فكاهي ناقد معتمدة في ذلك على الكاريكاتير.