الموضوع: تعليم وتربية الإنسان في مدرسة الأنبياء
خطاب
الحاضرون: جمع من الطلبة الباكستانيين والمعلمين الايرانيين
عدد الزوار: 72
التاريخ: صباح 9 شهريور 1359 هـ. ش/ 20 شوال 1400 هـ. ق 1
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: جمع من الطلبة الباكستانيين والمعلمين الايرانيين
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الأنبياء معلمون وجميع أفراد البشر طلاب
لم يكن من المقرر أن أجتمع بأحد اليوم وذلك بناءً على نصيحة الأطباء ولكن عز عليّ أن لا أستقبل الطلاب القادمين من الباكستان والمعلمين القادمين من كافة أنحاء البلاد، فمجسلنا هذا مجلس المعلم والطالب؛ الشريحتان اللتان إذا ما صلحتا، صلحت البلاد، وإلّا لا سمح الله في غير ذلك، فإن البلدان مآلها الفساد. فهؤلاء هم العقول المفكرة في هذا البلد ولهم منزلة رفيعة في المجتمع.
على هاتين الشريحتين وظائف وواجبات يمليها عليها الإسلام من خلال ما تتطلبه الإنسانية من الرقي والتقدم والتدرج في درجات العلم للوصول إلى الإنسانية الكاملة.
لقد تحمل الأنبياء وأولياء الله منذ بدء الخلقة حتى الآن، الكثير من المصاعب للإرتقاء بمكانة الإنسان والوصول به إلى مستوى الإنسان الكامل بالمعنى الحقيقي.
لو بحثنا في جميع الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء لوجدنا أنها أكدت مراراً على أهمية تربية الإنسان وهدايته وتهذيبه، ليأخذ مكانه الطبيعي كأفضل المخلوقات كما حذرت أيضاً من ترك هذا المخلوق دون هداية وتربية، لأنه سيتحول حينها إلى أخطر مخلوق، ومن هذا المنطلق قامت النهضات الإسلامية والتوحيدية لهداية البشر والإسلام كدين جاء ليرفع منزلة الإنسان ويصل به للكمال وللإنسانية الحقيقية. إن طبيعة الإنسان والصراع بين الحق والباطل في داخله ربما جعله مخلوقاً خطيراً وفاسداً في حال عدم هدايته وتربيته، ولذلك بعث الله الأنبياء لمنع ظهور الفساد ونشوب الحروب وبقية المشاكل التي نشهدها في عالمنا اليوم. وهكذا حمل الأنبياء لواء الهداية للوصول بالإنسان إلى الكمال وتنزيهه عن الآثام بدلًا من الغوص في الخطايا ونشر الفساد في العالم.
من هذا المنطلق، يمكننا أن نسمي الأنبياء معلمين والبشر طلاب. فالأنبياء ومن خلال الدعوة إلى الله يسعون لهداية الإنسان إلى الصراط المستقيم.
بناء على ما ذكرناه فإن كلمة (معلم) لا يمكن أن نحصرها بالمعلمين في الجامعات والمدارس وكذلك كلمة (طالب) لأن العالم بأجمعه جامعة كبيرة.
إذاً يمكننا أن نصنف الأفراد إلى فئتين؛ معلمين ومتعلمين، الأولى تهدي المجتمع وتعمل على تربيته وتعليمه. والثانية عليها الإنطلاق نحو مناهل العلم والتربية.
الإنسان الإلهي أو الطاغوتي
الإنسان مخير بين السير في طريق الله أو طريق الطاغوت فهما طريقان لا ثالث لهما.
إن السير في طريق الله يعني الإلتزام بأوامره وانعكاس ذلك على كافة جوانب المجتمع من اقتصاد وسياسة وثقافة، فهو يدعو إلى الفضائل بتمام أبعاد الإنسان، البعد العقلاني والمتوسط وهو الخيالي- والبعد المتنزّل أي العمل ولو سلك الإنسان هذا الطريق لتحول إلى إنسان إلهي بأفكاره وأعماله.
ولكن ترك الطريق القويم والإنحراف عن النهج الإلهي الصحيح يعني السير في طريق الطاغوت. (الله ولي الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) 2 الظلمات تعني عدم الإلتفات للّه عزّ وجلّ والنور هو نور الله المطلق والذي يضيء قلوب كل المؤمنين. (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) 3 أي ساروا في طريق الطاغوت المظلم.
فهناك طريقان: إما الإيمان والتوجه إلى الله الذي يهدي الإنسان ويهذبه ويجعل منه مخلوقاً بصفات إلهية. وإما الكفر وهو الطاغوت ومن يسلك هذا الطريق مأواه جهنم وبئس المصير.
إن الحروب التي تشنها القوى الإستكبارية ذات صفة شيطانية وطاغوتية، بينما كانت الحروب التي قادها الأنبياء والأولياء والمؤمنون، حروباً توحيدية تهدف إلى تأديب الإنسان وتحريره من جهالته وعناده، وهي حروب إلهية بكل معنى الكلمة.
إذاً فالأمر لا يخرج عن إحدى هاتين الحالتين.
فكل ما يصدر عن الإنسان قلباً وروحاً وجوارحاً لا يخرج عن هذا التصنيف, إما نحو الصراط المستقيم ونحو الله، وإما نحو الصراط الطاغوتي، الإنحراف إما إلى الشمال أو إلى اليمين. (إهدنا الصراط المستقيم) 4 الذي يبدأ من هذه الدنيا وينتهي في عالم الآخرة عند مبدأ النور المطلق. (صراط الذين أنعمت عليهم) 5 إن الله قد أنعم علينا وهدانا إلى سبيله وأرسل الأنبياء لتعليم البشر وتربيتهم والوصول بالبشرية إلى السعادة والطمأنينة. إذاً فإما الله وإما الطاغوت.
أنتم، أيها المعلمون الأعزاء وأيها الطلبة سيروا في الطريق الذي سلكه الأنبياء ورسموه لنا واطووا طريق الله عزّ وجل الذي بعث الأنبياء لهداية الناس إليه. إن كل من يدعو لطريق غير هذا الطريق هو طاغوت وكل من يمنع الناس عن سلوك هذا المسير الطبيعي والفطري ضال ومضل.
أتمنى من جميع المعلمين والطلبة أينما كانوا أن يتمسكوا بنهج الأنبياء لهداية البشرية نحو الحق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج13، ص:134,132
1- تم درج هذا الخطاب في صحيفة النور تحت تاريخ 8/ 6/ 1359 ه-. ش.
2- سورة البقرة، قسم من الآية 257.
2- تتمة الآية السابقة.
3- سورة الفاتحة، الآية 6.
4- سورة الفاتحة، الآية 7.