الموضوع: مهمة رضا خان في إيران- واجبات القوات المسلحة
خطاب
الحاضرون: جمع من منتسبي قوات الدرك في الجمهورية الإسلامية
عدد الزوار: 51
التاريخ: 11 شهريور 1359 هـ. ش/ 22 شوال 1400 هـ. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: جمع من منتسبي قوات الدرك في الجمهورية الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
مهمة رضاخان في قمع العشائر والقضاء على علماء الدين
لقد هاجم رضاخان طهران، واستولى على الحكومة بمساعدة الإنكليز وبعد فترة وجيزة قام بإبعاد أحمدشاه 1 عن دفة الحكم ونصّب نفسه ملكاً على البلاد بدلًا عنه، وراح ينفذ ما يملى عليه من قبل الأجانب. وقد كلف بالقضاء على الكثير من الكيانات التي تشكل خطراً على المصالح الغربية حسب وجهة نظر الغرب.
بدأ رضاخان مَهامه الخيانية بالنفاق والرياء حيث يقال أنه كان يشارك في مجالس العزاء في محرم في مدينة طهران وهو حافي القدمين وبيده شمعة وهذه كانت أول صورة يخرج بها بين الناس.
ومن ثم بدأ وتحت شعار إحلال الأمن في البلاد بمواجهة العشائر التي كانت رغم النقص الذي كان تعاني منه، أركاناً قوية لهذا البلد وقد شهدنا لها خدمات كثيرة، وهكذا قام بضرب العشائر بالتدريج وأجبر بعضها على ترك أراضيها والهجرة إلى مكان آخر وقضى على بعضها بشكل كامل.
الخطوة الثانية التي شرع بها رضا خان هي مضايقة علماء الدين وتصفيتهم وضرب هذه القلاع الإسلامية التي قدمت أعظم الخدمات لإيران وللإسلام دون أن يكلف الحكومة فلساً واحداً وذلك من خلال تربية الشعب. ولو ألقينا نظرة إلى الملفات الموجودة في المحاكم السابقة والحالية لما وجدنا أي سابقة لفرد كان يواظب على مجالس علماء الدين ويتلقى العلم منهم. إذاً فقد لعب علماء الدين دوراً كبيراً في إحلال الأمن في هذا البلد وهداية الشعب إلى النهج القويم وتعليمه الأخلاق والسلوك الحسن.
ربما لاحظتم أني أهتم بأمر علماء الدين كثيراً، ولكن هذا لا يعني أني أساند كل من يضع عمامة على رأسه، إذ ما أكثر العمائم التي لا تصلح إلا للنار. ولكني أردت أن أشير إلى تلك الحملة الشرسة التي قام بها رضاخان ومن ورائه الإنكليز ضد علماء الدين فقد سخروا كل شيء لتحقيق هذا الهدف وقامت الصحف ووسائل الإعلام كافة بمهاجمتهم وبذلك ظهرت الصورة الحقيقية لرضا خان. لقد عم الفساد جميع أنحاء البلاد في عهد هذا الخائن، وقامت الصحف بالإساءة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على مرأى ومسمع هذه الحكومة ومسؤوليها. شكلوا مجلساً انتقدوا فيه إنتصار الإسلام على الكفر ووصل بهم الأمر إلى البكاء وإقامة العزاء حزناً بسبب انتصار الإسلام على ملك إيران في ذلك الوقت، وتحدث خطباؤهم وشعراؤهم وكتابهم الكثير عن هذه الحادثة الأليمة حسب زعمهم. إن إصرار الإنكليز على القضاء على هذه الفئة يجعلنا ندرك مدى المعاناة التي يعانيها الإنكليز من وجود هذه الفئة، وكم يشعر الإنكليز بحاجة ملحة للقضاء عليهم.
معاناة الشعب من القوات المسلحة في العهد البهلوي
تعرض شعبنا، مع الأسف، في عهد النظام البهلوي لقسوة ومعاناة كبيرة من قبل الجيش والشرطة وما زالت تلك المظالم التي تعرض لها شعبنا ماثلة في أذهان أفراده مما سبب إستياء الشعب وسخطه وشعوره بالنقمة تجاه أجهزة النظام والأمن. وقد أثر هذا الأمر وللإسف الشديد على أداء أجهزتنا الحالية، إذ نحتاج إلى وقت كاف لإزالة تلك الصورة البشعة من أذهان الناس. فمن غير الممكن أن نغير نظرة الشعب إلى هذه الأجهزة بين ليلة وضحاها. عاملوا الشعب بلطف واجعلوا من أجهزة الأمن مراكز إسلامية تساند الضعفاء وتواجه المستكبرين. لا أظن أن أحدكم قد عايش تلك المعاناة في عهد رضاخان ليتمكن من تصور مدى الأثر الكبير الذي أحدثته في نفوس الشعب.
في أحد الأيام زار رضا خان إحدى الثكنات العسكرية وخطب بالجنود وهو يضع يديه في جيبه قائلًا: إنكم لصوص. مع أنه كان رئيس اللصوص، غاية الأمر أن هؤلاء اللصوص كانوا ينهبون الناس في الخفاء كأن يأخذوا سترة أو سروالًا أو آنية من النحاس، ولكن هذا (رضاخان) قام علنا بالاستيلاء على كافة أراضي محافظة مازندران وأصبحت ملكاً شخصياً له وسجّلها باسمه بينما كانت ملكاً لأهالي تلك المحافظة.
هكذا كان يقدّم هذه المجاميع أو أنه كان يريد تعليمهم بأن هذا هو الواجب.
السعي لتغيير نظرة أفراد الشعب تجاه القوات المسلحة
على أي حال، عليكم أنتم منتسبو قوات الدرك حيث جئتم هنا، أن تبذلوا جهوداً حثيثة، حتى تثبتوا أن قوات الدرك لم تكن هكذا.
كانت قوات درك الملك تراقب عن كثب مهارته في السرقة والإختلاس ومن الطبيعي أن يتحول أفراد الدرك إلى لصوص أيضاً فالناس على دين ملوكهم كما يقول المثل.
إن ما ذكرته ينطبق على كافة الأجهزة والدوائر الحكومية وخاصة تلك التي على اتصال مباشر بأفراد الشعب. علينا جميعاً أن نسعى لمحو تلك الصورة الشنيعة من أذهان الناس من خلال السلوك الحسن والخدمة الصادقة. فلقد عانى الشعب الكثير من الظلم والإضطهاد، ونحن نعلم أن أياً منكم لم تكونوا هناك في ذلك الوقت.
تسليط الأجانب على البلاد من قبل النظام البهلوي
لقد عاصرت جميع الأحداث بنفسي منذ قدوم رضاخان إلى إيران وطهران. كان رضاخان يعمل على خلق الأجواء المناسبة لتولي ابنه السلطة من بعده وزيادة نفوذ الغرب في البلاد وسيطرتهم على ثروات البلاد وخيراتها وتقوية الوجود الأمريكي والإنكليزي في البلاد. لم يكن أحد من أفراد الشعب قادراً على التفوه بكلمة أو معارضة سياسة الشاه هذه، ومن كان يفعل كان يتعرض لأشد أنواع العقوبة وأقساها.
وقد عارض علماء الدين ذلك مراراً ولكن في كل مرة كان الشاه يتبع سياسته المعروفة أي سياسة القبضة الحديدية. ولكي يؤدي الشاه دوره الخياني على أكمل وجه، انطلق إلى الجامعات والمدارس وبدأ من الصفوف الدراسية الدنيا وعمل على تربية الطلاب تربية غربية منحرفة ومعارضة للإسلام، وهكذا نشأ الشباب نشأة معادية للإسلام والوطن أيضاً. وتخرج من الجامعات أفراد كنصيري 2 وشريف إمامي 3 وأصبحوا عملاء لبريطانيا ومن بعدها لأمريكا. نعم هكذا كانت الدولة التي قادها رضاخان مع شركائه الإنكليز ومحمّد رضا مع الأمريكان.
واليوم وبعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة علينا بناء كل شيء من جديد وقد تمكنا حتى الآن من تغيير الكثير. فكل ما في هذا البلد يحتاج إلى إصلاح وخاصة الدوائر الحكومية المهترئة.
واجب القوات المسلحة، خدمة الشعب
على القوات المسلحة أن تسخر نفسها لخدمة الشعب كل حسب المسؤولية الملقاة على عاتقه من شرطة وحرس وقوات درك وجيش... الخ. فمهمة الجيش هي الدفاع عن البلاد في وجه الأطماع الخارجية وعلى كل فرد فيه أن يدرك خطورة هذه المهمة وأهميتها. إن ميزانية الجيش تؤخذ من جيوب الشعب فلا يحق لأفراد الجيش أن يتعالوا على أفراد الشعب ويتعاملوا معهم بفوقية وإضطهاد وقسوة كما كان يحدث في عهدي محمّد رضا ورضاخان. إن خدمة هذا الشعب هي الهدف الأساسي لجميع الدوائر والأجهزة الحكومية وهي نقطة مهمة جداً علينا أن نلتفت إليها بدقة وأن نمنع دخول غير المؤهلين ومن لا يمتلك نظرة إسلامية وإنسانية إلى هذه الدوائر كي لا تعود الأمور إلى سابق عهدها.
على رؤوساء هذه الدوائر تعيين مراقبين تابعين لهم شخصياً للإشراف على تنفيذ الأمور وسيرها. فلو قام عدة أفراد بالتصرف بنفس الطريقة اللاشرعية واللاأخلاقية كالتي كانت تحدث في عهد النظام السابق من تمييز واستهتار بحقوق الشعب، لأظهر الشعب غضبه وسخطه عليكم جميعاً لأن أذهان أفراد الشعب ما زالت مليئة بتلك الصور المؤلمة.
إذاً فأنتم مكلفون بالإبتعاد عن كل باطل وسلوك سيء ومنع الآخرين أيضاً من الوقوع فيه. لقد قطعنا شوطاً لا بأس به على طريق التغيير والإصلاح ويظهر ذلك جلياً من خلال رضى الشعب ودعمه لكم وإطلاق الهتافات والشعارات المؤيدة لكم. هل كان يحدث هذا الأمر في السابق؟ كلا بل كان الشعب غاضباً ومن كان يظهر التأييد والدعم كان في الحقيقة مجبراً على ذلك.
على أية حال، الآن نحن وأنتم وجميع أبناء الشعب من خدام الإسلام والبلاد، حتى يتقدم هذا البلد وبالقدرة الإلهية إلى الأمام، وأن تكونوا أنتم مرفوعي الرأس، وأن يبقى بلدنا شامخاً.
حماية البلاد في ظل نظام وانسجام القوات المسلحة
هنالك نقطة مهمة أريد أن أشير إليها وهي موجهة لأفراد الشعب، إياكم أن تتوهموا أنه بما أننا قد تحررنا من الحكم الطاغوتي وانتهى أمر المعارضة والمواجهات وتوقفت عمليات السجن والإعتقال، إذاً فلا داعي للإنضباط والنظم. إن قدرة الجيش ونشاطه يعتمدان بشكل مباشر على مدى مراعاة النظام والإنضباط في صفوفه. فلو أصدر قائد الجيش أمراً وامتنع الجنود عن الإنصياع له لانعدم النظام وتحول الجيش إلى نسيج متآكل ضعيف لاحول له ولا قوة أمام التهديدات والأخطار المحدقة. ومن جهة أخرى فإن إنعدام النظام والإنسجام في القوات المسلحة بكافة أنواعها واختلال سلسلة المراتب العسكرية فيها سيؤدي إلى الفرقة والإختلاف والنزاع والتصرف الفردي غير المسؤول. ولكن إذا سارت الأمور بناءً على منهج ونظام وقانون معين، فإن هذه القوات ستلعب دوراً كبيراً في خدمة الشعب.
إن التفرقة وعدم الإنسجام يؤديان ليس فقط إلى ضعف الجيش، بل ستكون مدعاة للإخلال بالنظام أيضاً. علينا جميعاً أن ندرك أهمية خدمة الإسلام وكسب مرضاة الله الذي أمرنا بحفظ النظم والإنسجام والوحدة ومراعاة سلسلة المراتب. وهذا الأمر ينطبق على كافة وحدات القوات المسلحة ولا يخصكم أنتم بالذات.
يتوجب على كل فرد في هذه البلاد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للقضاء على الفساد. ووظيفة الجندي في هذا المجال إعلام القادة عن كل خلل ونقص للنظام والقانون لمنع تكراره ثانية. النقطة الثانية التي أود أن أذكر الشعب بها هي وجوب أن يعتبر كل فرد نفسه جندياً يذود عن الوطن ويدافع عنه، فالدفاع عن الوطن اليوم تكليف ووظيفة. فبينما كان الجندي في السابق يجبر على ذلك مكرهاً، أما الآن فلا إكراه ولا إجبار فالدفاع عن الجمهورية الإسلامية وعن المسلمين من الواجبات الشرعية الإلهية.
على أفراد الشعب الإنخراط في المؤسسات العسكرية فقد أخبرني بعض القادة أن ثكناتنا العسكرية خالية بسبب عدم التزام الشعب بالتجنيد وخدمة الوطن. إنه ليس من المناسب أن يجبر الفرد على دخول الجيش لحماية بلده بل على الفرد أن يلتحق بالجيش تطوعاً وإلا فكيف يمكننا مواجهة كل هذه القوى والأخطار المحدقة بنا بجيش غير منظم من جهة وقليل العدد من جهة أخرى. آمل أن نتمكن يوماً ما من بناء جيش قوامه 20 مليون جندي لمواجهة المؤامرات التي تحاك حالياً ضد البلاد.
حفظكم الله تعالى وحماكم وحفظ هذا البلد، ونصركم الله وعليكم أن تنصروا الإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج13، ص:140,136
1- آخر ملوك السلسلة القاجارية.
2- نعمة الله نصيري، رئيس جهاز السافاك في عهد الشاه.
3- جعفر شريف إمامي، رئيس مجلس الشيوخ والذي وصل في ذروة الثورة إلى رئاسة الوزراء بعد جمشيد آموزكار.