يتم التحميل...

الموضوع: بركات الحرب - صُمود الأمة وتضحياتها في الحرب‏

خطاب

الحاضرون: جمع من قاطني المناطق الحدودية

عدد الزوار: 36

التاريخ: مساء 8 مهر 1359 هـ. ش/ 20 ذي القعدة 1400 هـ. ق‏
المكان: طهران، جماران‏
المناسبة: وقوع الحرب المفروضة
الحاضرون: جمع من قاطني المناطق الحدودية

‏‏بسم الله الرحمن الرحيم‏

افتضاح أمر الفئات المدعية مساندتها للشعب في الحرب‏

هناك بعض القضايا التي يحسبها الإنسان شراً ولكنها في واقع أمرها خير. فهذه الحرب المفروضة التي نخوضها الآن مع العراق هي في كثير من أبعادها خير، فقد أثبتت لنا عدة أمور:
أولًا: إن هذه الحرب أثبتت لنا قوة جيشنا، وأن جميع ألويته ووحداته وقواه تحارب بانسجام وتفاهم كامل، وإن قادته وضباطه من ذوي الرتب العالية أوفياء للثورة ومخلصين لها، وهذا يضع حداً للشائعات التي كان يروج لها أعداء الثورة من أن الجيش الإيراني ضعيف يفتقر للتنظيم والإنسجام، وأنه سينهار بمجرد تلقيه الضربات الأولى من العدو. ومِن جهة أخرى، فإن هذه الحرب كشفت عن كذب ونفاق الكثير من أولئك الذين كانوا يتاجرون بإسم الشعب، ويدّعون الجهاد والنضال من أجله ومن أجل المظلومين والمحرومين، فما أن استعرت نار الحرب مع حزب البعث المنحطّ، وباتت المسألة تتطلب بذل النفس والدم حتى بِتّ تطلبهم فلا تجدهم، مع استمرارهم في تلويث الأجواء بين الفينة والأخرى بأفكارهم الفاسدة، ولكنهم أدركوا الآن أن الحكومة الإيرانية إذا ما أرادت يوماً ما التخلص من شرهم، فإنها قادرة على ذلك وبحملة واحدة.

ومن الشائعات التي راح أعداء الثورة يروجونها وبشكل دائم وأثبتت الحرب زيفها وبطلانها: أن شعبنا اليوم قد فقد هذا الاتحاد والتلاحم الذي كان يتمتع به في بدايات الثورة، ولكن الحرب أثبتت أن شعبنا في كافة أنحاء البلاد لايزال يحافظ على وحدته وثوريته، وخير دليل على ذلك كثرة الطلبات التي تصلنا من الشباب من كافة أنحاء البلاد، والتي يطلبون بها السماح لهم بالالتحاق إلى الجبهات والذي يمنعنا عن السماح لهم هوعدم الحاجة إليهم الآن، ولكن لا قدر الله إذا إحتجناهم يوماً ما فسنسمح لهم وعندها نرى ما سيحدث. هذه جملة أمور كانت خيراً علينا بسبب الحرب.

الحرب مصدر الحركة والفاعلية والنشاط

إن الحرب بطبيعتها عند وقوعها، حتى وإن كانت حرباً مفروضة، تدفع الإنسان إلى الحركة والفاعلية والنشاط، وتخرجه من حالة الخمول والكسل والتعب، كما تساهم في إبراز جوهره الذي عليه البقاء في حركة وفعالية دائمة. فالإنسان في أجواء الراحة والرفاهية يميل إلى الكسل والخمول، وتميل قواه إلى الضمور والذبول، وخصوصاً أولئك الذين إعتادوا على حياة الرفاهية والبطر، فإن وضعهم سيكون أسوأ من غيرهم. ولكن ما إن تقع الحرب وتتأجج روح الحماسة وتلتهب الأجواء وتغلي الدماء في العروق، وتُسمع أصوات المدافع وأزيز الرصاص، حتى يعود الإنسان إلى ما يجب أن يكون عليه من الحركة والفاعلية والنشاط.

ومن بركات هذه الحرب علينا، أنها جعلت الحكومة العراقية تغير نظرتها تجاه قدراتنا، تعي جيداً من تحارب، فإن هؤلاء كانوا يظنون بأنهم سيحسمون الوضع ميدانياً لصالحهم ومن الهجمات الأولى. لكنه تبين لهم أن الأمر ليس كما يظنون، مع أننا لم نعلن بعد التعبئة العامة، ولم نأذن للناس بالمشاركة في الحرب، فقد أدرك هؤلاء أنهم ليسوا على شي‏ء، وأن الحكومة الإيرانية قادرة على القضاء عليهم متى أرادت ذلك.

الفرق بين القوات المسلحة الإيرانية والعراقية

لُبّ الكلام أن ثمة فرقاً بيّناً وواضحاً بين القوات المسلحة الإيرانية والقوات المسلحة العراقية، وبين قيادات هذه القوات في إيران وقياداتها في العراق، وهو أن القوات المسلحة الإيرانية وقياداتها تفكر بمنطق إسلامي، وتعمل وفق القوانين والأسس الإسلامية، ولهذا نجدها في هجماتها وقصفها للمدن العراقية تتحاشى قدر الإمكان المناطق غير المحمية والمناطق الآهلة بالسكان والأسواق والأحياء الفقيرة ...! وتركز في قصفها على مواقع ومراكز القوة والسلطة لهذا النظام وجيشه.

في حين تجد أن القادة العراقيين يدهم مبسوطة في هذا الجانب لأنهم في الأصل لا يلتزمون بدين ولا يعتقدون بخالق ولا يستمعون لنداء الفطرة الإنسانية حتى يلتزموا بهكذا أسس وقوانين إنسانية يدركها كل إنسان بما هو إنسان، ولهذا تجدنا نحن أحرص على عدم المساس وإلحاق الأذى بالناس العاديين الأبرياء.

في حين يقوم هؤلاء بقصف المدن والأحياء السكنية وبتدمير المستشفيات والمساجد في مدن مثل خرمشهر وأهواز. فهم لا يعرفون سوى منطق دمّر، أحرق، تقدّم الى الأمام، ولكن مع هذا نحن على يقين بأن بلادنا قادرة على تدميرهم وهزيمتهم لكننا نفضل التقدم نحو هذا الهدف خطوة، خطوة، حرصاً على حياة الكثير من الأبرياء الذين لا ذنب لهم. فنحن نحارب وفق أسس وقوانين يمليها علينا ديننا وإنسانيتنا، أمّا هؤلاء الأشرار فلهم قواعدهم الخاصة بهم.

خداع صدام ومكره من خلال عمله بظواهر الإسلام‏

إذاً فقد كانت لهذه الحرب فوائد عديدة، وكشفت النقاب عن الكثير من الأمور، ولكن أطرف ما فيها أنها جعلت صدام- ولو زيفاً- يلتزم بمظاهر الإسلام. فقد سمعنا أنه يصلي هذه الأيام ويذهب إلى المساجد، تماماً كما كان يفعله محمّد رضا، فما إن تستتب له الأوضاع حتى يكشف عن وجهه الحقيقي، ويبدأ الطعن بالإسلام والكيل لعلمائه الأفاضل بأسوأ أنواع السباب والشتائم، وأما في لحظات الإحساس بالخطر وإهتزاز العرش من تحته، فكنت تجده عابداً زاهداً، ومن روّاد المساجد ومرقد الإمام الرضا عليه السلام ويصلي.

فعلى من يريد اللعب هذا العفلقي الملحد بصلاته وذهابه إلى المساجد؟! على شعبه الذي عرفه جيداً وعرف حقيقته وحقيقة حزبه الكافر أم علينا نحن الذين نعرف ما هو ومن ورائه وحزبه.

نعم ربما يخدع بعض أولئك الذين يقيمون في أمريكا وأوروبا، ويجهلون حقيقته لأنهم بعيدون عن المنطقة. وأمّا أولئك الذين يسكنون بغداد والعراق فأنّى له خداعهم، وقد تجرّعوا على يديه وحزبه الكثير من الآلام والغصص، إنّ هذا اللعين الذي يدّعي بأنه مسلم ويحارب الكفار، هو ذاته الذي أمر جنوده بفتح نيران رشاشاتها وقذائف مدفعياتها على زوّار سيد الشهداء في الأربعين، فمع كل هذه والجرائم التي رآها الشعب العراقي منه كيف يريد من هذا الشعب أن يصدق بأنه رجل متدين ومؤمن؟ على أي حال فالحرب جيدة جداً من حيث أنها تبرز الشجاعة الكامنة في أعماق الإنسان، وتبعث فيه الحركة والنشاط، وتخرجه من حالة الخمول والكسل. فعلى الشعب الإيراني أن يتنبه إلى أنه بجهاده إنما يقدم خدمة جليلة للإسلام، وإن منطلقه في هذه الحرب يختلف عن منطلق أولئك، ان منطلقه منطلق إسلامي، وإن جميع الأشخاص الذين خدموا الإسلام وجاهدوا وضحوا في سبيله منذ صدر الإسلام حتى الآن، يبقى تاريخهم مشهوداً إلى يوم القيامة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرض إلى أكثر مما تعرضنا له من البلايا والمحن، فقد تعرض للحصار والمقاطعة في شعب أبي طالب لشهورٍ وسنوات عدة، لكنه قاوم وصمد، ونحن بدورنا علينا المقاومة والصمود فعلى الجيش‏ والحرس والقوات المسلحة إظهار قدراتها في تحطيم صدام وجيشه المهزوز، فقد تكشفت حقيقة هذه الدمية التي يحركونها كيفما يشاؤون وساعة يشاؤون وعلى الطريقة التي يشاؤون، وتكشفت معها أيضاً الكثير من الأمور الأخرى.

التأكيد على صمود الأمة وتضحياتها في الذود عن الإسلام‏

وأمّا ما أريد توجيهه من كلمات إلى أمتنا الغالية هو أنه عليها الالتفات إلى أن القضية هي قضية الإسلام، وأننا نحارب إتباعاً للإسلام، وما دفاعنا إلا بالإسلام ولأجل الإسلام. لذا على هذه الأمة أن تكون على أهبة الإستعداد وعلى شبابها التدرب على القتال جيداً، لأنه ربما تواجهنا أيام طويلة من الحرب، وعلينا الدفاع فيها عن الإسلام والتضحية من أجله. فإننا على رغم جميع التضحيات التي قدمناها حتى الآن، إلّا أننا لم نصل إلى ذلك المستوى من التضحيات الذي قدمه المسلمون الأوائل في صدر الإسلام. لذا علينا التضحية والفداء للإسلام بأعزّ ما نملك خصوصاً أولئك القاطنين في المناطق الحدودية مثل خرمشهر وأهواز وآبادان عليهم أن يقاوموا ويصمدوا بكل شجاعة وبسالة ولا يسمحوا لهؤلاء أن يغادروا مدنهم وقراهم، فإن هذا يمثل ضعفاً والإسلام يدعو إلى المقاومة والثبات، وأن لا يسمحوا للشائعات التي يروجها أعداء الثورة أن تضعفهم وتخيفهم، فإننا المنتصرون بإذن الله، فقد مدّ صدام حسين يده ليصالحنا، لكننا نحن الذين رفضناها، فلا صلح بيننا وبينه، لأنه إنسان كافر، فاسد، مفسد، ولا نستطيع أن نصالح إنساناً مفسداً مثله، وسنظل نحاربه حتى النهاية وسيكون النصر حليفنا إن شاء الله. ولن نكترث بجميع الدول التي تسانده وتقدم الدعم له، لأن هدفنا القيام بواجبنا، وتكليفنا يملي علينا أن نصون الإسلام ونحفظه، سواء بقتلنا إياهم، أم بقتلهم لنا، فهذا هو منطقنا لم يتغير منذ صراعنا مع نظام بهلوي الفاسد حتى الساعة، فالمنطق هو ذاته، نريد التقدم نحو الأمام والإسلام يتعرض إلى هجمة تستهدف إستئصال أحكامه وجميع معالمه ومظاهره من الوجود، ونحن علينا بحسب تكليفنا، أن نحشد جميع طاقاتنا وقدراتنا للذود عنه وصونه سواء علينا أقُتلنا في سبيل ذلك أم قتلنا، لا يهم، المهم أن نعمل بتكليفنا، وإن شاء الله سنوفق في مهمتنا ويكون نصيبنا الجنة، لذا عليكم أن لا تسمحوا للخوف بالتسرب إلى أعماقكم ولو للحظة، لأنكم تحاربون دفاعاً عن الإسلام وصوناً له، في حين أن عدوكم يحارب للقضاء عليه، فالآن هجم الكفر كلُّه على الإسلام كلِّه، لذا عليكم النهوض للدفاع عنه وحمايته، فإنّ الدفاع عنه واجبٌ على كل مسلم ومسلمة كل حسب استطاعته وقدراته، وعدم قبول أي شكل من أشكال الصلح والتفاوض مع هؤلاء، لأنهم أناس كافرون فاسدون ومفسدون ولا صلح بيننا وبين المفسدين، إلّا إذا تنحّى هؤلاء جانباً وخرجوا من جميع الأماكن التي احتلوها، وأعلنوا إستسلامهم, عندها من الممكن التوقف عن القتال حقناً لدماء المسلمين وحفاظاً على وحدتهم، ولكن ما دام السلاح في أيديهم فلن نلقي سلاحنا وسنستمر في جهادنا وقتالنا حتى نقضي عليهم كما قضينا على القوى الكبرى وقطعنا أيديهم عن بلادنا، فهؤلاء يريدون بهكذا مسائل - الصلح - التطاول على بلادنا الإسلامية، ولكننا مكلفون بالوقوف في وجههم والدفاع عن بلادنا وإسلامنا ولن نسمح لهم بأي تطاول، لذا على الأمة الإستعداد لأي طارئ قد نضطر إليه. أتمنى من الله أن لا تتطور الأمور وتتعقد لتصل إلى هذا الحد، وأن يصحوا هؤلاء ويدركوا جيداً من يحاربون لعلهم يعودوا إلى رشدهم ويتخلّوا عن شيطنتهم وتطاولاتهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

روح الله الموسوي الخميني‏


* صحيفة الإمام، ج13، ص:196,192

2011-05-28