الموضوع: النيل من الإسلام،الهدف الرئيس للأعداء تحذير الصحافة-الحفاظ على الوحدة والتلاحم
خطاب
الحاضرون: الدورة الثانية من خريجي الكلية العسكرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
عدد الزوار: 43
التاريخ: قبل ظهر 25 آبان 1359 هـ. ش/ 7 محرم 1401 هـ. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: الدورة الثانية من خريجي الكلية العسكرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام هو العدو الرئيس للقوى الكبرى
أتوجه بالشكر إلى جميع الإخوة الأعزاء على مجيئهم إلى هنا، لنلتقي عن قرب، ولنطرح بعض القضايا والمسائل فيما بيننا. كما أشكر جزيل الشكر جميع أفراد قواتنا العاملة في الجبهات على إختلاف فئاتهم وتخصصاتهم من جيش، وقوات أمن، وقوات حرس ثوري، وقوات التعبئة وجميع قواتنا المسلحة الأخرى، العاملة والمضحية من أجل الإسلام - كما تعلمون فإن هذا الجيش هو جيش إسلامي، وهذه القوات المسلحة هي قوات إسلامية، فإنهما يحظيان بتأييد ودعم منقطع النظير من قبل الشعب الإيراني بأسره، رجاله ونسائه، صغاره وكباره. فكلّهم مشغولون بالجهاد، كلٌّ على قدر استطاعته, بتقديم المساعدات، بإعلان التضامن والتعاطف وغيرها من الأمور. فإن الإسلام والقرآن وجميع مسلمي العالم يساندونكم ويتضامنون معكم. فكما تلاحظون فإن الكثير من الشعوب أعلنت عن تأييدها ودعمها لنا ولشعبنا الإيراني المظلوم، وعبرت عن استعدادها للمجيء إلى هنا والقتال إلى جانبنا ضد حكومة العراق البعثية الكافرة. ولكن ولله الحمد، لا توجد هناك أي حاجة لأن يأتوا، ولكننا نشكرهم جزيل الشكر على هذا الإحساس الطيب. فإن قواتنا المسلحة - وبحمد الله - تكفي للوقوف في وجه هؤلاء الأشرار، وإن شاء الله، عما قريب سنشهد انتصاراً باهراً للإسلام على الكفر وسنحرر الشعب العراقي المظلوم من جور هؤلاء الظلمة الكفرة. إنني لا أخاف الحرب، ولا أنتم تخافونها، ولا شعبنا البطل يخافها، ولكن الخوف الموجود والذي أريد أن أنبهكم إليه، وأنتم الآن على أبواب أن تكونوا ضباطاً، وتريدون الإلتحاق بالجبهات لمحاربة الكفار، هو أن هناك خططاً مدروسة تحاك للقضاء على الإسلام والقضاء عليه. فحقيقة الأمر، هي أن هؤلاء وعلى إثر الضربة الموجعة التي تلقوها من الإسلام على يد الثورة الإسلامية، التي استطاعت طردهم من إيران بقوة" الله أكبر" وقطع أيدي الغزاة الطامعين عنها، على إثر هذه الضربة، جعلوا الإسلام عدوهم الرئيسي. فإن عدوهم الأساسي إذاً ليس الجيش، أو رجال الدين، أو الجمهورية الإسلامية، أو الحكومة الإسلامية، وليس حتى أولئك الذين يجاهدون الآن في سبيل الله، كل هؤلاء لا يمثلون عدوهم الأساسي، إنما عدوهم الأساسي هو الإسلام، الذي يسعون للقضاء عليه، ولكنهم يتقدمون لتحقيق ذلك بخطوات مدروسة ومحسوبة ومخططة لها مسبقاً.
التآمر لإثارة الخلافات بين القوات المسلحة وضرب النظام الإسلامي
لا أعرف إن كنتم قد سمعتم بهذه القصة أم ل - فهناك الكثير من القصص الرائجة بين الناس والتي تشتمل على حِكَم جمة - فإن هذه القصة التي سمعتها ولابد أن أكثركم قد سمع بها أيضاً تقول: إن شيخاً وسيداً وشخصاً آخر من الناس العاديين، ذهبوا إلى بستان ليسرقوا منه. صاحب البستان عندما جاء، وشاهدهم يسرقون، قال بينه وبين نفسه، إن هؤلاء ثلاثة ولا قِبل لي في مواجهتهم، ففكر مع نفسه قليلًا ثم التفت نحو السيد والشيخ وقال: أمّا أنت أيها السيد فمن أولاد رسول الله واحترامك وتقديرك واجبٌ علينا، فكل ما أخذته هو حلال عليك. ثم التفت إلى الشيخ وقال: أمّا أنت فإنك من علماء الدين، والإسلام وصّانا باحترامكم وإجلالكم، فكل ما أخذته حلال عليك أيضاً. بهذه الكلمات وأمثالها استمال هذين الإثنين وجعلهما يقفان إلى جانبه ثم بعد ذلك إلتفت إلى الشخص العامي وقال له: أمّا أنت فماذا تفعل هنا، أأتيت لتسرق أموال الناس، ثم إنهال عليه ثلاثتهم حتى أوجعوه ضرباً ثم قيدوه وألقوه جانباً، وبعد مدة قصيرة إلتفت إلى السيد وقال له: أنت من أولاد النبي ومعزتك من معزته ولكن هذا الشيخ الذي يتزين بزي الإسلام، ويدرس العلوم الدينية كيف يأتي إلى هنا ويسرق، فعالم الدين لا يسرق, ومن هذا الكلام وأمثاله كسب تأييد السيد له ثم هجم الإثنان على هذا الشيخ وأوجعوه ضرباً ثم قيدوه وألقوه جانباً، وبعد أن خلت الساحة إلا من السيد، إلتفت إليه وقال: يا سيد يا ابن الرسول, أجدك قال لك اسرق؟ لأجل ماذا تدخل بساتين الناس؟ ثم أمسك به وأوجعه ضرباً ثم ألقاه إلى جانب رفيقيه. هذه القصة ربما لا تكون واقعية، ولكنها جيدة، وتنطوي على حكم مفيدة. وضع إيران الآن شبيه بهذه القصة، تارةً يقولون إن هذا الجيش، جيش طاغوتي، وليس لائقاً لأن يكون جيشاً للإسلام، ولهذا يجب تفكيك هذا الجيش وحلَّه، وفي مقابل ذلك ظهر كلام، بأنه كل, لا يجب حلَّه، في حقيقة الأمر إن هؤلاء لا يريدون أساساً، حلَّ الجيش ولكنهم يريدون فصله عن تلك القوة العظيمة القادرة على فعل كل شيء، والمتشكلة من الجيش ورجال الدين والشعب. فبعد أن ينجحوا بفصله وعزله عن هذه القوة، يأتون وراء رجال الدين، بأن رجال الدين يجب ألّا يتدخلوا أصلًا بالأمور السياسية، بل وظيفتهم أن يلتزموا مساجدهم وينشغلوا بأدعيتهم وأذكارهم وصلواتهم وما شاكل ذلك، وبعد أن يُنحوهم جانباً يتوجهون نحو الشعب والحكومة ليصفّوا حساباتهم معهم، وقد سلبوهم قوتين عظميين، هما الجيش ورجال الدين، من خلال فصل الجيش عن الشعب وفصل الشعب عن رجال الدين، فيتحركون للقضاء على الحكومة ورئيس الجمهورية ثم القوى الثورية الأخرى، الواحدة تلو الأخرى، إلى أن يطبقوا سيطرتهم على الأوضاع بشكل كامل، فقد رأوا إنه إذا بقي هؤلاء متحدين هكذا، فسيشكلون قوة عظيمة ليس من الممكن هزيمتها. فعندما رأوا كيف ثار الشعب وإلتحقق به الجيش وكبار تجار السوق، ثم انضمت إليهم الجامعات، أدركوا أن هؤلاء سيشكلون باتحادهم هذا، قوة عظيمة لا يمكن لأي حكومة مهما كانت قوية أن تقف بوجهها وتهزمها، ورأوا بأم أعينهم كيف حطمت هذه القوة، عرش الشاه وطردته من إيران مخذولًا مدحوراً، وكيف قام نفس هذا الشعب ونفس هذه القوات المسلحة العسكرية منها والأمنية، بملاحقة وتصفية أعوان هذا النظام وجلاوزته الخونة، المجرمين، من أصحاب المناصب العليا، ولهذا وجدوا أن أفضل طريقة لهزيمة هذه القوة, تفتيتها من الداخل وعزل قواها الفاعلة بعضها عن بعض. فإن هذه التظاهرات التي تقوم بها بعض المجموعات في طهران، وفي قم ومناطق أخرى من البلاد، لا تستهدف في حقيقتها أشخاصاً معينين، وإنما الهدف الأساسي لمدبري هذه التظاهرات الحقيقيين هو ضرب الإسلام والقضاء عليه، وذلك إنتقاماً للضربات الموجعة التي وجهها لهم، ولهذا راحوا يصطنعون الكثير من الشعارات والدعايات الجذابة في ظاهرها، المدمرة في جوهرها لحرف أذهان الناس وسوقهم إلى الجهة التي يريدونها. ولهذا فإنكم ترون كيف أن نفس أولئك الذين كانوا يطالبون بحلّ الجيش وتنحيته جانباً، جاؤوا الآن ليطالبوا بتنحية رجال الدين بدعوى أن هؤلاء مهمتهم فقط إرشاد الناس ووعظهم والصلاة بهم، ولهذا تجمع عدد من المخدوعين في قم، معقل رجال الدين ومركز الإسلام, وبتدبير وتوجيه من أولئك الكبار، وأصدروا قرارهم الذي ينص على أن يكون هناك حرية مطلقة، وعدم السماح لرجال الدين بالتدخل في أمور البلاد.
فالحرية المطلقة التي يطالب بها هؤلاء، تعني إطلاق العنان لتلك العصابات والمجموعات من أمثال، عصابة الفدائيين، ومجموعة المنافقين، وغيرها من العصابات الكافرة والمعادية للإسلام، كي تفعل وتقول ما يحلو لها، حتى وإن كان ضد الإسلام أو ضد القرآن أو ضد الجمهورية الإسلامية. فهم أحرار، ولديهم وعلى ضوء هذا القرار الحرية المطلقة ليتهجموا على من يشاؤون ويقولوا ما يشاؤون. والعجيب أن هناك بعض الحمقى من المخدوعين بهذه الحرية راحوا يدافعون عن هذا القرار وضرورة تطبيقه. على ما يبدو أن هؤلاء لم يفهموا ماذا يقصد أولئك من هذه الحرية، فهذه الحرية التي يريدونها لنا هي جزءٌ من خطتهم المرسومة لإضعافنا من الداخل. فأن نكون أحراراً يعني أننا أحرار في التهجم على كل ما هو إسلامي، وأحرارٌ في أن تصدر جامعاتنا ما تشاء من شعارات ومؤلفات ضد الإسلام والقرآن، وأحرارٌ في أن نقول ما يحلو لنا ضد الجيش وضد رجال الدين وضد المؤمنين والمتدينين. هذه هي الحرية التي يريدها لنا هؤلاء، ليزرعوا الفوضى في كل مكان، ويجزأوا الأمة إلى فئات وطوائف متناحرة.
مشروع تنحية علماء الدين عن السياسية
إن مشروع هؤلاء هذه الأيام، ترسيخ هذه الفكرة وهي أن وظيفة علماء الدين إنما تقتصر على الصلاة والدعاء والوعظ والإرشاد وليس من شأنهم التدخل في السياسة وأمورها، وهذا المشروع هو نفس المشروع الذي يتبناه الأمريكان وكان قد تبناه الإنجليز في السابق، والآن تسعى الدول الكبرى الطامعة بإيران والطامعة بالشرق والتي تخاف الإسلام إلى تبنيه والعمل على تنفيذه. ومن المؤسف أن هذا المشروع بدأ ينفَّذ الآن عملياً في قم، فإن كان تجار السوق في قم، وتجار السوق في طهران غير راضين عما يريد هؤلاء فعله وقد شرعوا بتطبيقه على الأرض، فلماذا لم يحددوا موقفهم حيال ما يجري حتى الآن؟! إنها لمصيبة كبرى إن كانوا راضين بذلك.
إن هذا المشروع الاستعماري هو نفسه الذي تبناه الإنكليز قبل مئتي سنة من الآن أو أكثر، حيث سعوا جاهدين من خلاله إلى عزل علماء الدين عن السياسة، وفصلهم عن الشعب المتحمس للإسلام والعامل من أجله ليخلو لهم الجو بارتكاب ما يشاؤون من أعمال السيطرة والسلب والنهب. فخلال هذه الخمسين سنة التي أقصوا فيها علماء الدين عن الساحة - وعجز هؤلاء عن القيام بأي شيء - لأنهم كانوا قد أبعدوا الناس عنهم بدعاياتهم المغرضة، قاموا بأفعال أسقطت منزلتكم وتعرضوا للإسلام ونالوا منه لدرجة أنهم كانوا يقيمون مجالس العزاء والبكاء على مجد إيران، الذي دمره وقضى عليه الإسلام، وألفوا في ذلك الأشعار، ولم يتركوا شيئاً من الأفعال الدنيئة إلا وارتكبوه، حتى أموالكم وثرواتكم نهبوها وسلبوها دون أن يجرؤ أحدٌ منكم على قول "لماذ".
وأمّا أولئك المخدوعون بالفكر الغربي من المثقفين - وللأسف بينهم من المتدينين أيض - فهم الذين يدعون لتنحي علماء الدين جانباً وترك أمور السياسة والبلاد لهم، لقد بقيت البلاد خمسين سنة بين أيديكم، فما الذي قدمتموه وفعلتموه لهذه الأمة؟ فما إن كان أحدكم سواء من الوطنيين أم من المتدينين ينطق بكلمة حتى يسكتوه. فمن كان وراء انتصار الأمة على الجميع؟
وأي جماعة كان لهم الدور الأكبر من بين الجميع في إيجاد هذه الحركة؟ لقد كنتم في ذلك الوقت من المخالفين لتلك الحركات. إني أعرفكم جيداً ولا أريد أن أذكر أسماء، فالزموا حدودكم وكونوا بشراً.
عجز القوى الكبرى عن مواجهة الشعب المتحد
في هذه المسيرات التي تنطلق في التاسع والعاشر من محرم، عليكم التنبه إلى مسألتين: الأولى، أن لا يلهيكم التظاهر عن القيام بمراسم العزاء بل اجتمعوا وقوموا بمراسم العزاء وسيروا في المسيرات في وقت واحد، فالمسير في التظاهرات لا يعني التخلي عن مراسم العزاء، فإن كل ما لدينا و ما يمكننا فعله هو ببركة الإسلام وشعائره ودماء شهدائه, وإلا فلا دباباتنا ولا مدافعنا قادرة على مواجهة دبابات ومدافع الأمريكان أو السوفييت. فإننا نرغب في أمة تتضامن وتتوحد على الإسلام، فإن الأمة التي يوحدها الإسلام لا يمكن أن تهزمها أية قوة في العالم. ولأن أعداءنا أدركوا هذا الأمر، والدور الكبير لعلماء الدين فيه، عملوا، ومنذ انتصار الثورة حتى الآن، على تجنيد مجموعات من المثقفين والكتاب المعادين للإسلام، ليسخّروا أقلامهم من أجل إثارة نفس هذا الموضوع، أن يترك لنا علماء الدين مهمة إدارة البلاد وسياستها وليتنحوا جانباً ليعود هؤلاء ويقدموا البلاد رخيصة لأولئك الطامعين من أسيادهم على أنهم يريدون خير البلاد ومصلحتها. أفلا يعقل هؤلاء؟ لقد قدمت أمتنا منذ انتفاضة 15 خرداد حتى الآن أكثر من مئة ألف شهيد هذا فضلًا عن مئة ألف أو أكثر من المعاقين، فلأجل ماذا قُتل هؤلاء؟ ولأجل ماذا أعيق هؤلاء؟ هل من أجل الحصول على منزل؟ أم من أجل غلاء الأسعار؟ هل من الممكن أن يقدم الناس أبناءهم وشبانهم من أجل النفط أو من أجل الحصول على منزل؟ إن هذه التظاهرات كان عنوانها واضح، إنها كانت تنادي بإسم الإسلام وتريد الإسلام. هذا المدد وهذه المساعدات التي تصلكم وأنتم مرابطون خلف متارسكم في الجبهات من الذي يقدمه لكم؟ إنه الشعب، إنهم هؤلاء النسوة اللاتي يخبزن لكم وهؤلاء الناس الذين يتبرعون لكم بالمال ويرسلون لكم ما يستطيعونه ويقدرون عليه، فلأجل ماذا يفعل هؤلاء ذلك؟ إنه من أجل الإسلام، ومن أجل الدولة الإسلامية.
فأي من هؤلاء الثرثارين والذين يقضون أوقاتهم بالنقد المغرض ذهب الى الجبهات؟ إنها خطة, يهدفون من خلالها إلى تمزيق الأمة وإضعافها من خلال فصل القوات المسلحة عن الشعب وفصل الشعب عن علماء الدين، ليفقد الشعب بذلك أهم ركنين من أركان قوته، لينفردوا به ويعيدوا أحكام سيطرتهم على مقاليد الأمور من خلال إنقلاب يقومون به، فعليكم أن تلتفتوا لذلك جيداً، لا سيما وأنكم أصبحتم الآن ضباطاً وستشغلون غداً مراكز حساسة في الجيش.
إنذار للصحف والمطبوعات ولمختلف الفئات
لماذا تغذي الصحف وتُثير، عن قصد أو عن غير قصد، هكذا خلافات صانعوها أفراد لو استقرت لهم الأمور ما أبقوا على أحد منكم لاصحفيّين ولا محرّريين؟ إنهم يتلاعبون بكم وبصحفكم وبجميع الجهات والتيارات الأخرى. إن خطة هؤلاء زرع الفرقة بينكم، والعمل بشكل تدريجي على إيجاد فجوات بين قطاعات الدولة المختلفة بهدف إضعافها واستعادة سيطرتهم عليها، وعندها لن يرحموا أحداً منكم لا مسؤولين في الحكومة ولا ضباطاً في الجيش، ولا حتى أعضاءً في حزب ما يخالفهم. فعلينا أن نستيقظ من نومنا، وأن نفتح عيوننا جيداً لنبصر ما يحاك ضدنا من مؤامرات. كفانا تهجماً على بعضنا فيما نقول وفيما نكتب لنصحو على أنفسنا وما يحاك ضدنا، فإن هؤلاء لو نجحوا في خطتهم وزرعوا الفرقة بيننا، حكومة وجيشاً وشعباً وعلماء دين، فعندها لن يستطيع تجار السوق ولا حتى الجامعات والجامعيون أن يفعلوا شيئاً، فإن تحقيق كل ما تصبون إليه مرهون بمدى إنسجامكم واتحادكم. هناك قصة أخرى معروفة بين الناس، أرى من المناسب هنا ذكره, يقال إن رجلًا على فراش الموت، كان عنده سبعة أبناء فدعاهم إليه وكان قد أعدَّ عدداً من الأعواد الخشبية فلما حضروا عنده، أمر أحدهم أن يأخذ أحد هذه الأعواد ويكسره ففعل ذلك وكسره، ثم أمر الثاني أن يفعل كما فعل أخوه، ففعل ذلك وكسره، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم أمر الخامس أن يأخذ سبعة منه - على عدد إخوته - ليكسرها، حاول هذا الأخير جاهداً إلا أنه لم يستطع ذلك، فالتفت إليهم جميعاً وقال: مادمتم متحدين ومجتمعين، كهذه الأعواد، فلن يستطيع أحدٌ أن يكسركم أو يهزمكم ولكن إن تفرقتم، واحداً واحداً، أو إثنين إثنين أو ثلاثة في هذا الطرف وأربعة في ذاك، فإنكم ستهزمون، فحافظوا على وحدتكم لئلا يهزمكم أحد. حالنا الآن نفس هذه الحال، فلو عشنا التفرقة فيما بيننا فسيهزموننا الواحد تلو الآخر، أمّا إذا اتحدنا واجتمعنا فلن تستطيع أي قوة في العالم أن تهزمنا، فإلى متى ستبقى أعمالنا مخالفة لأقوالنا؟ نتحدث عن الوحدة ونسهب في الحديث عنها ولكننا لا نجسد ذلك في تصرفاتنا وأعمالنا، ما الذي دهاكم؟! وكأنكم قد انتصرتم ولم يعد هناك خطر يتهددكم؟ ألا ترون ما يفعله جيش الكفر بأبناء بلدكم وإخوانكم في آبادان وأهواز وسوسنكرد؟ مع كل هذه الأخطار المحدقة بكم أليس من الحري بكم أن تصحوا على أنفسكم وتمنعوا صحفكم من أن تستمر في إرتكاب هكذا أخطاء؟! أتريد هذه الصحف لصوتي أن يعلو؟ هذه الصحيفة تؤيد هذا الطرف، وتلك الصحيفة تؤيد ذاك.
ألستم مسلمين، والمسلمون عليهم أن يكونوا يداً واحدة، وتؤمنون بالله، وتدينون بالإسلام، وتعتقدون بالمعاد، فلماذا لا توقفون الصحف عند حدها؟ لقد قلت لهم مراراً وتكراراً، أوقفوا الصحف عند حدها؟ أعليَّ أنا أن أفعل ذلك؟ لماذا لا يمنعون هؤلاء عن الكلام؟ لماذا لا يمنعونهم عن الكتابة؟ حتى في هذه المسألة علينا أن نختلف؟!!
إن أملي كبير بقدرة شباب هذه الأمة ومختلف شرائحه - إلا القليل من الميؤوس منهم - على تخطي هذه العقبات، فإن 90% من شعبنا هم أناس أوفياء لخط الثورة والإسلام، وإن أملي كبيرٌ أيضاً بعودة أولئك الخاطئين إلى رشدهم، وإنخراطهم ثانية في صفوف الشعب ليعملوا سوية في سبيل تقدم الأمة وازدهارها. فإن صلاح الأمور مرهون بكفِّ رؤساء البلاد ومسؤوليها عن الانتقاد السلبي والنزاع فيما بينهم.
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً حكومة وشعباً وأن ينصرنا ويوفقنا للعمل في سبيله، فعلى الأمة جمعاء، شعباً وقادة ورؤساء في مختلف أجهزة الدولة وقطاعاتها أن يحافظوا على وحدتهم وتكاتفهم لا سيما في ظل الظروف الراهنة والأخطار المحدقة بهم، فإن هؤلاء لو نجحوا في تنفيذ خططهم، وأعادوا سيطرتهم على الأمور من جديد، لن يبقوا على أحد منكم لا رؤساء ولا وزراء ولا ضباط ولا رجال دين. إن هذه فوضى وإنفلات، أن يتحدث كلٌّ بما يحلو له، ويقيم التظاهرات، ويعقد الاجتماعات، تأييداً لفلان وإسقاطاً لفلان، وانتشار الفوضى الداخلية في ظل هكذا تحديات خارجية تشن فيها قوى الكفر حربها المفروضة علينا ويتعرض فيها الإسلام والمسلمون لأخطار كبيرة، يعني الضعف والإنهزام، والإنهزام يعني القضاء علينا الواحد تلو الآخر دون إستثناء، سواء الذين ساهموا في إيجاد الفوضى أم لم يساهموا.
مهمة الشعب في مواجهة مثيري التفرقة
إن شاء الله سيكون الحضور الجماهيري في أيام عاشوراء والمسيرات التي تقام تحت هذا العنوان، حضوراً حاشداً وأقوى من كل سنة، ولكن على أن لا تبتعد هذه المسيرات عن عنوانها الأساسي وهو العزاء على سيد الشهداء عليه السلام، واذا ما أرادت بعض الجماعات والأشخاص أن تستغل هذه المسيرات وتسيّرها لصالح جهة ما أو النيل والتهجم على أخرى مما يغذي روح الفرقة، فمن واجب الجماهير في مثل هذه الحالة الإمساك بهؤلاء وتسليمهم إلى المراكز المختصة.
أسأل الله تعالى أن يوقظنا جميعاً، وأن يوقظ أولئك الذين يثيرون التفرقة بين صفوف المسلمين، بكلماتهم وأفعالهم، ومن خلال إضعافهم لقادة البلاد ومسؤوليها.
أسأل الله تعالى أن ينصرنا جميعاً، لا سيما أنتم إخوتي الأعزاء حيث تتأهبون لترك كليتكم والإلتحاق بأماكن عملكم.
نصركم الله جميعاً، فأنتم أعزاء هذه الأمة وحرّاسها، والأمة كلّها معكم. اذهبوا على بركة الله دون أي خوف أو وجل فالأمة كلّها معكم وتؤيدكم. إني عندما أنظر إلى التلفاز وأرى هذا التفاعل والتضامن الشعبي مع الجيش والحرس وجميع القوات المرابطة على الجبهات، ومن مختلف الشرائح، النساء، الرجال، الأطفال، الشيوخ، ينتابني شعورٌ مفعمٌ بالتفاؤل والأمل بالنصر القريب، إن النصر حليفكم وحليف الإسلام إن شاء الله. حفظكم الله ووفقكم لخوض غمار هذه الحرب بين الكفر والإسلام، سالمين معافين، وآمل من الله أن يزيد شبابنا المرابطين في الجبهات قوة وإقتداراً، كما آمل من الله أن يستيقظ الجيش العراقي المخدوع من غفوته ويلتفت لما يرتكبه من أعمال تخالف القرآن وتخالف الإسلام ومصالح المسلمين، وأن يحيد عنها، وفقكم الله جميعاً ونصركم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج13، ص:279,272