الموضوع: بيان أهمية دور الجامعة والحوزة ووظائف كل منهما
خطاب
الحاضرون: مدرسو وطلاب الحوزة العلمية في قم، الطلاب الأعضاء في مكتب تعزيز الوحدة بين الحوزة والجامعة
عدد الزوار: 49
التاريخ: قبل ظهر 27 آذر 1359 هـ. ش/ 10 صفر 1401 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: يوم الوحدة بين الحوزة والجامعة
الحاضرون: مدرسو وطلاب الحوزة العلمية في قم، الطلاب الأعضاء في مكتب تعزيز الوحدة بين الحوزة والجامعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة بين الحوزة والجامعة
أي محفل مثير وأي اجتماع مبارك وميمون هذا الذي نشهده الآن! فقد كانت العلاقات بين الحوزة والجامعة على درجة من السوء بحيث تجاوزت حد المقاطعة لتصل إلى حد العداوة والكراهية، فلا الجامعي كان يطيق الحوزوي ولا الحوزوي كان يطيق الجامعي وقد عمل أعداء الأمة والإسلام على زيادة هذه التفرقة وتأجيج نار العداوة والبغضاء بين هاتين الشريحتين من المجتمع وذلك إضعافاً للأمة وتحطيما لوحدتها، لأن اتحاد هاتين الشريحتين يمثل اتحاد الأمة بأسرها، ولكن ببركة الثورة الإسلامية والنهضة التي رافقتها على جميع الأصعدة والتحول الكبير الذي شهده مجتمعنا ردمت هذه الهوة التي كانت تفصل بين هاتين الفئتين، ولم يعد هناك بحمد الله حساسية تذكر بينهما، فلا الجامعي بات يتنفّر من الحوزوي ولا الحوزوي بات يتنفّر من الجامعي وكل هذا بفضل الله ومنّه علينا.
والآن وفي هذا المحفل المبارك، نجد إخواننا الجامعيين وإخواننا الحوزويين يجلسون جنباً إلى جنب عاقدين العزم على العمل سوية من أجل تحقيق النصر الكامل للثورة ورفع المشكلات التي تعاني منها الأمة.
عدم جدوى العلم من دون التهذيب والالتزام
يمكن للجامعات والحوزات العلمية أن تكون مراكز لتطوير الأمة وتقدمها وازدهارها كما يمكنها أن تكون مراكز لتخلف الأمة وانحطاطها وانحرافها، فإن عقول الأمة ومفكريها إنما يتخرجون من مراكزها العلمية كالجامعات والحوزات العلمية. فلو كانت جامعاتنا جامعات حقاً وجامعات إسلامية بمعنى أنها تهتم بالجانب الأخلاقي والتربوي والالتزام الديني كاهتمامها بالجوانب الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لحوزاتنا العلمية، لأمكن لهذه المراكز العلمية أي الجامعات والحوزات العلمية أن تقود البلاد، وتهديها إلى قمم السعادة والرقي، وأن تخرجها من ظلمات الجهل والتخلف والإنحراف إلى نور العلم والمعرفة والتقدم.
ولو أنّا ألقينا نظرة على العالم وما يدور فيه وعلى الجامعات المنتشرة في أرجائه، لوجدنا أن جذور الفساد والمصائب التي تعاني منها البشرية جمعاء إنما مصدرها الجامعات والاختصاصات المختلفة الموجودة فيها، فإن كل أدوات القمع والدمار هذه وكل هذا التطور في مجال صناعة الأسلحة إنما هو نتاج هذه العقول والأدمغة التي خرّجتها هذه الجامعات التي أغفلت الجانب التربوي وأهملت الجانب الأخلاقي وجانب الالتزام في برامجها ومناهجها. كما أن كل هذا الفساد والإنحراف المستشري في الأمم، إنما يعود إلى عدم إلتزام الحوزات العلمية بالدساتير والتعاليم الإسلامية، وقعودها عن تحمل مسؤولياتها، فلو قدر لجامعات العالم أن تعنى إلى جانب مسألة التعليم والتعلُّم بالجوانب الأخرى كالجوانب التربوية والأخلاقية وما تمليه علينا فطرتنا الإنسانية من قيم ومبادئ، لأصبح ما تنتجه من علم نوراً حقاً، يستضيء به العالم بأسره. ولكن إذا ما أهملت هذه الجوانب وابتعدت فيما تنتجه من علوم وإختصاصات عن القيم الأخلاقية والموازين والمعايير الإنسانية، فإنها ستكون وبالا على البشرية وستجر العالم بأسره إلى الفساد والهلاك.
ولهذا فإن هذين المركزين العلميين- الحوزة والجامعة- يمكنهما أن يكونا مركزي بلاء على البشرية ويمكنهما أن يكونا مركزي ترقي وتقدم، وعلى كلا الصعيدين المادي والمعنوي. فالعلم والعمل، والعلم والالتزام بمثابة جناحين يمكن الوصول بهما إلى أعلى درجات السمو والرقي.
أهمية دور الجامعة في المجتمع
في هذه الخمسين سنة الماضية من حكم الطاغوت، كانت هناك جامعات وكان هناك أساتذة جامعيون، ولكن المؤسف أن نفس هؤلاء الأساتذة ونفس هذه الجامعات هم الذين يجرّون البلاد لتقع فريسة القوى الكبرى، فالسيطرة على وسائل العلم والعمل من قبل أشخاص يفتقرون للتربية والأخلاق كانت له آثاره المدمرة على الأمة والبلاد، فإن سقوط العلم في ايدي أشخاص لايملكون الحد الأدنى من الأخلاق الإسلامية، يمثل كارثة حقيقية، فالعلم لو كان قرين الأخلاق والتربية والالتزام، لشكلا معاً جناحين قويين يحلقان بالأمة إلى ذرى المجد والرقي، وينقذانها من أن تقع فريسة لأولئك الطامعين بنهب خيراتها وثرواتها.
وأمّا إذا اكتفت الجامعات والمدارس والحوزات العلمية بتقديم العلم مجرداً عمّا ذكرنا، فإن هكذا علم سيجر الإنسان إلى الفناء وإلى الهاوية.
فالجامعات والحوزات العلمية يمكنها أن تكون مراكز للنهوض بالأمة وإيصالها إلى السعادة إذا ما قرنت العلم بالأخلاق والتربية والعمل، ويمكنها أن تكون مراكز فساد وإفساد وبلاء لو تركت ذلك.
ولهذا نجد قوى الشر الكبرى أوّل ما تخطط له هو إختراق الجامعات والنفوذ إليها لتربي طلابها تربية تنسجم ومصالحها، فإنه لو فسدت الجامعات فسدت البلاد. فلا يكفي أن تكون الجامعات على مستوى عال من التطور والتقدم من حيث المستوى العلمي وأساليب وطرق التدريس والعلوم والتقنية التي تدرّسها، لأنه يمكن دس الكثير من الأفكار المدمرة والفاسدة وتسريبها إلى داخل هذه الجامعات تحت غطاء التطوير والتحديث والعصرنة، وبالتالي تشويش أذهان أبنائنا الطلبة وإبعادهم عن دينهم وفطرتهم الإنسانية السليمة، ليتحول بذلك العلم والعلماء إلى وبال على الأمة، فإن هؤلاء الذين تخرّجوا من جامعات الشاه وتقلّدوا المناصب الوزارية وغيرها من المراكز الحساسة في الدولة، هم أنفسهم وراء ما نعيشه الآن من تخلف وتبعية للشرق والغرب. فنحن لسنا ضد فكرة وجود الجامعات لكننا نطالب بإحداث تغييرات وإصلاحات فيها وفي الوضع الثقافي ككل، لأننا نريد للجامعة أن تكون للأمة، أن تكون لأنفسنا، لا أن تكون لأمريكا ولخدمة مصالحها وأهدافها فيكون عدم وجودها آنذاك خيراً منها.
وأما بالنسبة لأولئك المنزعجين جداً من إغلاق الجامعات فكيف يريد هؤلاء للجامعات أن تكون؟ أيريدون لها أن تكون كما أخبرني أحد الإخوة المطّلعين منذ أيام، بأن الجامعات تحولت إلى غرف للعمليات الحربية، كما هو الحال في جامعة كردستان التي تحولت إلى غرفة للعمليات الحربية تدار من خلالها حرب كردستان وحرب الحزب الديمقراطي وسائر الأشرار. أهكذا يريد هؤلاء للجامعات أن تكون؟ أنتم يامن تنادون بأعلى أصواتكم محتجين على إغلاقنا للجامعات، أتريدون للجامعات أن تُفتح لتتحول إلى غرف للعمليات تقاد من خلالها شبكات الحزب الديمقراطي وأمثالهم ممن يريدون خراب إيران ودمارها؟
أتتحسرون وتأسفون على هكذا جامعات؟ أليس إقفال هكذا جامعات خيراً من فتحها؟
ضرورة إحداث ثوره ثقافية داخل الجامعات
بالطبع نحن نؤكد على اللجان والجهات المكلفة بإحداث الثورة الثقافية داخل الجامعات، أن تسرّع من أعمالها في إنجاز هذه المهمة، حتى تغدو الجامعات في أسرع وقت جامعات إسلامية، جامعات للأمة ولخير الأمة وازدهارها، وإلا فإن مجرّد الاكتفاء بفتح الجامعات ليدخلها من يدخل سيكون له عواقب وخيمة.
ألم تشاهدوا بأنفسكم حجم الفساد الذي كان في الجامعات عندما كانت مفتوحة؟ فقد كانت معقلًا للشيوعيين وغرفة لعملياتهم وخططهم، ثم أنتم تتأسفون وتستنكرون قرار إغلاقها، فهل تعون أنتم ما تقولون؟ أأنتم تقولون ما تقولون عن وعي وفهم؟ إن كان عن وعي وفهم، فنحن نعلم كيف سنتعامل معكم. وإن كان عن جهل وغفلة، فإني أتعجب منكم كيف تطالبون بفتح الجامعات وقد رأيتم ما رأيتم قبل عدة شهور أو سنة من الآن كيف جعلوا الجامعات بؤراً للفساد والإفساد وكيف أصبحت معقلا للشيوعيين ولمليشيات وفصائل وزمر المنافقين وبعد كل هذا مازلتم ترغبون بفتحها؟ أتريدون لهؤلاء أن يعودوا ثانية؟ أتتأسفون على عدم وجود المنافقين في الجامعات؟ أتتأسفون على دخول الإسلام إلى الجامعات؟ فالجامعة التي تكون مركزاً لهكذا أعمال، هي جامعة خالية حتى من العلم، لأن العلم والدراسة العلمية بحاجة إلى جو هادئ وبيئة آمنة ومستقرة، كما أنه بحاجة إلى الوقت الكافي وأمّا البيئة المليئة بالفوضى والنزاع وهذا ينال فيه ذاك وذاك من أولئك، فإنّها ليست بيئة صالحة للعلم والدراسة العلمية. فأنتم يا من تريدون فتح الجامعات وهي على هذا الوضع إنما تريدون لنا أن نعود ونغرق في مستنقع التبعيات مرّة أخرى وأن تُعيدونا إلى عهد التبعية السابق، وهذا ما ترفضه جامعاتنا ويرفضه شعبنا على الإطلاق.
فأنتم يا من تبدون هذا القدر من الحرص على الجامعات وإغلاقه, حسناً، تعالوا وادخلوا معنا ميادين العمل وشاركونا في إصلاح الجامعات وأسلمتها، بدل قعودكم وتضييعكم الوقت في النقد والكتابة حول إغلاق الجامعات.
أتريدون تلك الجامعات، جامعات عهد رضاخان وجامعات عهد محمّد رضا، ليتخرج منها أشخاص أمثال شريف إمامي 1؟ أصلحوا أنفسكم يا سادة! يبدو أنكم غير متنبهين للكثير من المسائل، ولا قدر الله أن تكونوا متنبهين, ولكن ما هو أصوب، إنكم غافلون عن الكثير من القضايا وتفتقرون للحس السياسي في تحليلكم ودراستكم للأحداث والأمور. فالجامعات في كافة أرجاء الدنيا كانت ولا تزال تخدم مصالح القوى الكبرى، ونحن لا نرضى بذلك في بلادنا. وجامعاتنا لم تكن أساساً جامعات بمعنى الكلمة وإن كان هناك عدد من الملتزمين فيها، إلا أنهم كانوا قلة والشيوعيون محكمون سيطرتهم على الجامعات بحيث لم يفسحوا لهم مجالًا ليفعلوا شيئاً مما يصبون إليه.
ولحد الآن على فرض أننا فتحنا أبواب الجامعات وكان لدينا أساتذة ملتزمون دينياً وأخلاقياً، فإن هؤلاء لن يتركوهم وشأنهم ولن يسمحوا لجامعاتنا أن تكون جامعات حقيقية، فإن جامعاتنا التي يتحكم بها هؤلاء خالية حتى من العلم الذي بنيت من أجله. فلو كانت مراكز للعلم والمعرفة حقاً، فلماذا وبعد كل هذه السنوات والمليارات التي أنفقت على هذه الجامعات عندما نريد معالجة مريض حالته صعبة إلى حد ما، يقولون لنا خذوه إلى الخارج؟ أليس هذا من التبعية؟
أأنتم تريدون هكذا جامعة بعد مرور خمسين سنة على تأسيسها ترسل مرضاها إلى إنكلترا للمعالجة؟ فالجامعة التي تكون على هذه الحالة، تزيد الامة فساداً إلى فسادها في كل يوم يمتد من عمرها وستجرنا شئنا أم أبينا لنستجدي رحمة كلٍّ من أمريكا أو الإتحاد السوفيتي، وهذا ما لا نقبله. أضف إلى ذلك أن الجامعات تمثل الأساس للإنطلاق, فأصحاب السوق والكسبة والفلاحون لا يمكنهم أن يجرّونا نحو أمريكا أو الإتحاد السوفيتي، كما أن العاملين في المصانع والمعامل لايمكنهم فعل ذلك، حتى المعممون ومع وجود الفاسدين بينهم لا يمكنهم ذلك، فالوحيد القادر على فعل ذلك هي الجامعة، لأن كل ما لدينا هو من الجامعة. فلنشحذ الهمم معاً لإصلاحها، وكفوا عن الكتابة ضد إغلاقها، فهكذا جامعات يجب ألّا تفتح، الجامعات التي تربي أمثال شريف إمامي يجب ألّا تفتح، فالجامعة الحقيقية هي الجامعة التي تصل إلى أعلى درجات العلم والتخصص في نفس الوقت الذي تصل فيه إلى أعلى درجات الإسلامية والالتزام والأخلاق. فعلينا أن نعمل بجدية على تهذيب الجامعات والحوزات العلمية.
الدور المهم للحوزات والجامعات في تربية الإنسان
على الحوزات العلمية أن تخرّج علماء ملتزمين بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وأن تكون مراكز لبناء الإنسان، فنحن نريد إنساناً جامعياً لا مجرد طالب أو معلم، فإذا تخرج إنسان من هكذا جامعات، فإن هذا الانسان لا يرضى أن يعيش أسيراً، ولهذا فإنه لا يرضى بتسليم بلاده للغير، لهذا فإن الطغاة أكثر ما يخافون من هذا الإنسان الحقيقي.
فسابقاً كان رضاخان يخاف من مدرّس لأن آية الله مدرّس كان إنساناً حقيقياً، فقد نُقل عنه هذا القول الجريء في أحد اجتماعات المجلس "في مجلسنا هذا مسلم واحدٌ، وهو أرباب كيخسرو" 2 فرضا خان كان يعتبر مدرّس منافسه الوحيد والأخطر ولا يولي أي أهمية للآخرين. فقد كان يعتبره المنافس الوحيد له، لأن مدرس كان إذا وقف متكلماً زلزل الأرض تحت أقدام الجميع، وهذه هي حال الإنسان الحقيقي. وأمّا وضعه المعيشي فقد كان كما سمعتم ورأيت أنا بعيني- عندما أصبح نائباً- لأنه في البداية عُيّن بصفته فقيهاً في المجلس حيث كان لابد من تواجد فقيه فيه- وحسب ما يُنقل عنه فإنه اشترى في أصفهان عربة وحصاناً وركبهما متوجهاً إلى طهران، وعندما وصلها باعهما واشترى لنفسه منزلا فيها، كان منزلا واسعاً وكبيراً إلى حد ما ولكنه كان بسيطاً ومتواضعاً جداً من حيث البناء، عاش فيه عيشة ما دون العاديّة، حتى الكرباس الذي كان يلبسه لم يسلم من ألسنة الناس مع أنه كان لا يلبس إلا الكرباس الإيراني الصنع. فهل من هؤلاء المدّعين بالوطنية من يلبس لباساً من صنع إيراني؟
فعلى جميع محبي هذه البلاد والمحبين للإسلام ولهذه الأمة وهذا الشعب أن يحشدوا طاقاتهم لإصلاح الجامعات، فإن الجامعة الفاسدة خطرها أعظم من خطر القنبلة العنقودية، وبما أن خطر الحوزات العلمية الفاسدة أعظم من خطر الجامعة، فلابد من إصلاحها وتهذيبها أيضاً. لذلك على جميع الأشخاص الملتزمين- سواء في الحوزات العلمية أم في الجامعات- أن يشمروا عن ساعد الجد والهمة من أجل الإصلاح والتغيير. فالآن أيها السادة وقد خطوتم هذه الخطوة المباركة بإزالتكم وتحطيمكم لهذا الجدار والسدّ المنيع الذي كان بين الحوزة والجامعة، وحسب ما يعبرون، بين الفيضية والجامعة، تكونون قد خطيتم الخطوة الأولى، وأمّا الخطوات التي تليها فهي أن تسعوا جاهدين للحفاظ على استقلاليتكم من جميع الجهات وأن لا تعيشوا التبعية لأحد. وأنا إذ أتكلم بهذا الكلام فذلك لأني قد لا أكون معكم فيما بعد عندما تصلون إلى تلك المرحلة، لأن دوري قد أشرف على نهايته ولكني أتكلم لكي تتنبّه الأجيال القادمة ومن سيأتون فيما بعد- إن شاء الله- إلى ضرورة بقاء هذين المركزين متحدين مع بعضهما، وأن ينظروا إلى العلم والعمل والعلم والتربية على أنهما بمثابة جناحين لا يمكن الطيران بأحدهما دون الآخر، فالخطوات التالية هي التربية والتهذيب.
الجامعة مركز علم وتهذيب
المهم أن يتخرّج الطالب من الجامعة وهو يدرك بأنه مدين لبلاده بتعلمه وتخصصه ووصوله إلى أعلى درجات العلم، ولهذا عليه أن يخدم بلاده ويبذل ما بوسعه في سبيل استقلالها وعزتها، كما يجب وضع حد لهؤلاء الأساتذة الجامعيين الذين استطاعوا طيلة السنوات الماضية وخصوصاً الخمسين سنة الماضية حشوَ أذهان الشباب الجامعي بأشياء جعلتهم يصدقون بأنهم عاجزين عن القيام بأي شيء، وأن جميع ما يحتاجونه لا يمكن الحصول عليه إلا من هناك، من الخارج، مما جعل أدمغة هؤلاء تعيش الخمول وعدم النزوع إلى الحركة نحو الإبداع والإبتكار.
فعلى جميع المحبين المخلصين لهذا البلد ولهذا الشعب، ولهذه الأمة من الذين لا يعيشون التبعية لأحد ولا العمالة للقوى الكبرى، أن يشدّوا همتهم في أن يجعلوا من الجامعات مراكز علم وتربية وتهذيب متخصصة بشتى العلوم والمعارف التي تعود على الأمة بالخير والتقدم لا أن تتخصص وتجرّنا بتخصصها هذا لنقع تحت رحمة أمريكا وغيرها أو أن تتخصص لتوجه ضربة للبلاد بتخصصها هذا، بحيث كلما ازدادت تخصصاً، ازدادت سوءاً.
فالشخص الذي لم يُهذَّب، ولم يشعر يوماً بالإنتماء إلى هذه البلاد وأنه موجودٌ من أجلها، وأنه مدين لها بعلمه وعليه أن يؤدي لها هذا الدين، فإن هذا الإحساس وهذه القناعة لو كانا غير موجودين، فعندها ستكون الجامعة من أسوأ المراكز لأنها ستجرنا نحو الضياع والهاوية. وأمّا إذا وجد هكذا إحساس ووجد الأساتذة الجامعيون الملتزمون، من أولئك الذين كانوا في السابق يتحسرون على واقع البلاد وجامعاتها والمدركون لضرورة العمل من أجل تنشئة أجيال جديدة ملتزمة بدينها ومؤمنة بقضايا أمتها تكون ذخراً للبلاد ومستقبلها، فإن كانت الأمور كذلك، فسيكون للجامعات دور الريادة في إيصال البلاد إلى ذرى المجد والسعادة.
فالجامعة ليس أمامها إلا طريقان، إمّا طريق جهنم وإمّا طريق السعادة إمّا طريق الذل والمسكنة والعبودية وإمّا طريق العزّة والعظمة. فطالما كانت الجامعات على ما هي عليه الآن، فلن تكون مفيدة، فمنذ خمسين سنة ونحن عندنا جامعات، وكل ما في بلادنا من فساد، أساسه هذه الجامعات والأشخاص الذين درسوا فيها وربما حصلوا على اختصاصات أيضاً.
«فأحمدي» 3 الذي كان في عهد رضاخان والذي قتل بحقنه السامة الكثير من رجال هذا البلد، كان من هذه الجامعات ومتخصص أيضاً، إلّا أنه سخر تخصصه هذا في طريق الشر والفساد وقتل الأبرياء من العباد، فهل أنتم ترغبون بهكذا جامعات وبهكذا أساتذة ومتخصصين؟!
ومن جهة ثانية فإن الجامعات تخرّج الشرفاء والصالحين من الأساتذة والمتخصصين، إلا أن طموحنا أن يكون جميع خريجيها من الشرفاء.
ضرورة سعي الحوزات لتربية أشخاص مهذبين
أيتها الفيضية، ما لم يرافق العلم التهذيب، فلا جدوى منه حتى وإن كان علم التوحيد، ف- «العِلمُ هو الحجاب الأكبر». فمهما اختزن الإنسان في ذهنه وقلبه من العلم و المعرفة، ولم يرافق ذلك تهذيب لهذا الإنسان، فإن هذا العلم سيزيده بعداً على بعد عن الله تبارك وتعالى، حتى وإن كان علم التوحيد أشرف العلوم، فيجب العمل في هذه الحوزات العلمية على الاهتمام بمسألة التهذيب سواءً الآن أو فيما بعد، فلا يكفي أن يكون هناك حوزاتٌ، للفقه والأصول والفلسفة وما شابه ذلك من العلوم، بل لابد أن يكون إلى جانبها حوزاتٌ للأخلاق والتهذيب والسير إلى الله. أتعلمون من حاكم الشيخ فضل الله نوري؟ إنه أحد المعممين الزنجانيين 4، إن الذي حاكمه وأصدر الحكم بقتله هو عالم دين زنجاني، فإنه لو فسد المعمم وعالم الدين ولم يكن مهذباً، كان خطره أكبر من أي شخص آخر. فقد ورد في بعض الروايات أن أهل النار يتأذون من الرائحة العفنة لبعض علماء الدين، كذلك الأمر في الدنيا فهناك علماء دين نتنون يؤذون الدنيا برائحتهم. فلو لم تبدأوا بإصلاح وتهذيب أنفسكم، فلن تستطيعون إصلاح وتهذيب الآخرين، فالإنسان غير السوي لا يمكنه أن يهدي ويصلح الآخرين مهما تكلم وبالغ في الوعظ والإرشاد. فليعمل العلماء المتواجدون في الحوزات العلمية على جعلها مراكز لبناء الإنسان، فلا يخرج منها الشاب بعد عشر سنوات أو عشرين سنة من الدراسة بفطرة مشوهة وقد دخلها حين دخلها بفطرة سليمة وروح صافية، فالتهذيب ضروري سواءً في الجامعات أم في الحوزات، وبكل تأكيد يجب على كل الأمة وكل الناس أن يكونوا مهذبين. ولكن التاجر إذا لم يكن مهذباً وكان فاسداً قد يتلاعب بالأسعار أو يغش البضاعة ويرتكب غيرها من المخالفات، ولكن هذه المفاسد مجتمعة لا تساوي شيئاً في مقابل ما إذا فسد العالِم. فإن العالم إذا فسد، أفسد المدينة كلها، بل أفسد البلاد بأسرها سواءً كان هذا العالم، من علماء الجامعة أم من علماء المدرسة الفيضية فإن الأمر سيان.
نسأل الله تعالى أن يبارك لكم هذه الخطوات التي خطوتموها على طريق الوحدة بينكم وبين الجامعيين وبينكم وبين علماء الدين، ولكن عليكم وأنتم في صدد التقارب والاتحاد فيما بينكم أن تتنبّهوا إلى أن المؤامرات التي ستحاك ضدكم من الآن فصاعداً إنما تستهدف وحدتكم وزرع التفرقة بينكم.
خطط الأعداء تهدف إلى الفصل بين الحوزة والجامعة
من قبل كانوا قد فرّقوا بينكم وأقاموا جداراً من العداوة والبغضاء بحيث كان كل منكم يكره الآخر، وقد استفادوا من هذا الوضع خير استفادة. أما الآن فإنكم ترون هذا التحول العظيم الذي حدث، فقد زالت الحساسيات بينكم وبات كل منكم يبدي رغبة في إقامة علاقات مع الآخر، وغدوتم يداً واحدة تعملون سوية من أجل خير البلاد وتقدمها وازدهارها. وهذا ما لا يرضي شياطين الإنس، لذا فإن أكثر ما يفكرون به الآن هو ضرب علماء الدين من جهة، وضرب الجامعي من جهة أخرى، وذلك بنشر الفساد وزرع الفتن بينهم، فيأتون إلى هؤلاء فيخبرونهم كيف أولئك، ويأتون إلى أولئك فيخبرونهم كيف هؤلاء، لذا فعليكم أن تفتحوا عيونكم جيداً، في هذا الوقت يجب أن تكون الآذان والعيون مفتوحة جيداً، كي لا يباغتكم الفساد في جامعاتكم وحوزاتكم من الداخل، فهؤلاء يريدون تفرقتكم، إنهم لا يريدون لهذا البلد أن يكون بلداً سالماً وقوياً وهذا ما كان يريده سادتُهم من قبل، فهؤلاء لا يطيقون رؤيتكم وأنتم متحدون وتعملون سوية، لأنهم يدركون العواقب الوخيمة التي تنتظرهم من جراء ذلك.
حقاً لو أن جميع الجامعات والحوزات العلمية وفي أي مكان كانت، تقاربت واتحدت وراحت تخطط سوية من أجل انتصار الثورة، فأي عواقب وخيمة تنتظر هؤلاء؟ لقد درس هؤلاء هذه الأمور جيداً، ويدركون مدى خطورة المسألة ولهذا فإنهم في صدد وضع خطط لضرب هذه الوحدة وهذا الإنسجام والتقارب، فعلى الجامعيين وطلاب العلوم الدينية أن يفتحوا أذانهم وأعينهم جيداً، واعلموا أن كل من يحدثكم بأمر قد مضى فإنه يصب في هذا المسير، كما إنه مغرض. فمتى جاؤكم يقولون بأن علماء الدين كذا وكذا، ومتى جاؤوكم يقولون بأن الجامعي كذا وكذا، فاعلموا أن ما قمتم به قد أثقل كاهلهم وأذهب صوابهم. فعليكم المسير إلى الأمام، وليعمل الأشخاص- أيّاً كانوا ومن أين كانوا- القادرون على خدمة المجتمع والجامعات والحوزات على إعطاء قضايا التهذيب والوحدة بين الحوزة والجامعة أولوية خاصة بالإضافة إلى الناحية العلمية والتخصصية. نأمل من الله وقد خطوتم هذه الخطوة، أن تتبعوها بخطوات أكبر لتخلّصوا بلادكم- بإذن الله وعونه- من شر أولئك الطفيليين الذين يعيثون في البلاد فساداً الآن، ومن سيأتي فيما بعد منهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج13، ص:331,322
1- جعفر شريف إمامي: تولى رئاسة مجلس الشيوخ لعدة دورات وفي ذروة أيام الثورة استلم منصب رئيس الوزراء بعد جمشيد آموزكار. كان له دور كبير في المجازر التي ارتكبت بحق الناس في ساحة( جالة) في طهران. وبأمر منه تم إعلان الأحكام العرفية في طهران وعدة مدن أخرى في البلاد مما أدى إلى سقوط الآلاف من الناس الأبرياء والعُزّل شهداء بأيدي جلاوزة الشاه المخلوع.
2- أرباب كيخسرو, كان نائباً عن العسكريين في مجلس الشورى الوطني، والمقصود من قول مدرس( ليس في مجلسنا هذا إلّا مسلمٌ واحد، وهو أرباب كيخسرو) أي لا أحد من أعضاء المجلس مسلم حقيقي.
3- الطبيب أحمدي, كان متعاملا مع الأمن وقد عمل على تصفية الكثير من المجاهدين في عهد حكومة رضاخان بحقنه السامة، كما أنه كان يصدر للذين يموتون تحت التعذيب شهادات وفاة طبيعية.
4- هو الشيخ إبراهيم الزنجاني.