يتم التحميل...

الموضوع: قيمة ومكانة الشهيد - فضل خدمة الشهداء وعائلاتهم على سائر الخدمات‏

خطاب

الحاضرون: مسؤولو مؤسسة شهيد الثورة الإسلامية، وحشدٌ من عائلات الشهداء والمعاقين‏

عدد الزوار: 30

التاريخ: 20 دي 1359 ه-. ش/ 3 ربيع الأول 1401 هـ. ق‏
المكان: طهران، جماران‏
الحاضرون: مسؤولو مؤسسة شهيد الثورة الإسلامية، وحشدٌ من عائلات الشهداء والمعاقين‏

‏‏بسم الله الرحمن الرحيم‏

الشهيد ينظر في وجه الله‏

قيمة أية خدمة تتناسب ومكانة الشخص الذي نقدم له تلك الخدمة. وأي شخص يقدم أية خدمة لعباد الله وفي سبيله فلها قيمة، لكن القيم مختلفة بإختلاف قيمة الذين نقدم لهم تلك الخدمة. فجميع المنظمات التي تقدم خدماتها لدولها في سبيل الله عزوجل وفي طريق الإسلام، وجميع الأشخاص الذين يسعون لإعلاء كلمة الإسلام، جميع ذلك له قيمة عند الله عزّ وجلّ، وسيثيب عليها الرب، إن شاء الله- لكن قيمة وأهمية مؤسسة الشهيد هي في خدمتها للشهداء وذويهم ولأولئك الذين استعدوا للتضحية في سبيل الإسلام إلّا إنهم تعرضوا لإصابات أدت إلى فقدهم عضواً من أعضائهم، فقيمة هذه الخدمة لشهداء الإسلام والمضحين في سبيله، ربما تكون أعظم من سائر القيم.

فالإنسان يقف متحيراً أمام الكم الهائل من الروايات المنقولة عن المعصومين والتي تتحدث حول الشهيد وفضل الشهادة، وسأذكر لكم قسماً من إحدى الروايات حتى تعلموا في خدمة أي الأشخاص أنتم، وكم لمؤسستكم من الأهمية والقيمة. فقد نقل في رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن للشهيد سبع خصال، أوّلها أنه لأوّل قطرة من دمه مغفورٌ له كل ذنب..... ولكن أهم ما في الأمر الخصلة الأخيرة حيث تقول الرواية «والسابعة أن ينظر إلى وجه الله وإنها لراحة لكل نبي وشهيد» 1، وربما يكون الأمر الهام هو إن الحجب التي بيننا وبين الحق تعالى، بيننا وبين وجه الله وتجلياته، تنتهي بحجاب الإنسان نفسه، فالإنسان نفسه حجاب كبير، فجميع الحجب الموجودة سواءً الحجب النورانية أم الظلمانية تنتهي بحجاب الإنسان‏ نفسه، فنفوسنا حجب بيننا وبين وجه الله عزّ وجل، وإذا ما حطم الإنسان هذا الحجاب وبذله في سبيل الله عزوجل وقدم ما يملك من الحياة في سبيل ذلك، فإنه يكون بذلك قد حطم مبدأ جميع الحجُب، وحطم أنانيته ذاته وقدمها في سبيل الله سبحانه وتعالى. فإن جهاده في سبيل الله ودفاعه عن دين الله ودولته، وبذله وبكل إخلاص لكل ما يملك حتى نفسه، يُزيل هذا الحجاب ويُمزقه والله سبحانه وتعالى جزاءً لكل هذه التضحيات التي يقدمها الشهداء وبذلهم أغلى ما يملكون وتقديمهم أرواحهم في سبيله، يتجلى لهم عندما يمزقون هذا الحجاب، كما يتجلى للأنبياء أيضاً، لأنهم هم أيضاً نزعوا هذا الحجاب من خلال إرادتهم لكل ما يريده الله عزوجل وتفانيهم في سبيله، دون أن يروا لذاتهم أو أنفسهم أي وجود في مقابل الحق تعالى "فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكاً". 2 فقد تجلّى الله في جبل طور أو في جبل إنيّة موسى نفسه وخرّ موسى صعقاً على إثر ذلك، فالأنبياء والأولياء وأمثالهم كانوا يمزقون هذه الحجب التي بينهم وبين الحق تعالى، وتحصل لهم حالة الصعق والموت الاختياري زمن حياتهم، فقد كان الله يتجلى لهم وكانوا يدركون هذا التجلي وينظرون إليه بحسب نظرتهم العقلية والباطنية والروحية والعرفانية. والشهيد حسب هذه الرواية يماثل الأنبياء في هذا الأمر، فعندما يستشهد ويبذل روحه، يكون بذلك قد قدّم كل ما لديه في سبيل الله عزوجل، وبالتالي ينال ما ينالونه من اللطف والتجلي الإلهي والنظر إلى وجه الله، ذلك المقام الذي ليس بعده مقام في سلّم الكمال الإنساني. فالرواية المنقولة في الكافي 3، جعلت الشهداء في مصاف الأنبياء من حيث النظر إلى وجه الله وتجلي الحق تعالى إليهم، فالشهيد أيضاً ينظر إلى وجه الله وقد حطّم حجاب نفسه كما حطمه الأنبياء، ليصل إلى هذا المقام الذي يعتبر آخر مقام يمكن أن يصله الإنسان. ففي هذا بشارة للشهداء بأنهم وحسب أبعادهم الوجودية، يمكنهم الوصول إلى هذا المقام الأخير والذي يصل إليه الأنبياء.

فضل خدمة الشهيد على سائر الخدمات‏

إن مؤسسة الشهيد أفضل من سائر المؤسسات، لأن الشهيد أفضل الأفراد والعمل فيها من أفضل الأعمال، لأن كلَّه لله والجميع فيها يعملون في سبيل الله، ولهذا كان لهم فضلهم‏ وثوابهم العظيم عند الباري تعالى. كما أن جميع القائمين على خدمة منكوبي الحرب والذين تعرضوا للإصابة فيها أو الإعاقة هم في الحقيقة إنما يخدمون أناساً مضحين ولكن مع هذا تبقى خدمة الشهيد أعظم قيمة من سائر الخدمات. فالمصاب أو المعاق الذي حمل روحه على كفه وقاتل في الجبهات ولكن لم ينل شرف الشهادة هو أيضاً ضحى بدوره في سبيل الله سبحانه وتعالى. فعليكم أنتم المهتمون بشؤون الشهيد، ومؤسستكم هي مؤسسة الشهيد، أن تعرفوا مالهذه المؤسسة والعمل الذي تقومون به من قيمة ومنزلة، فقلة هم الأشخاص الذين قيل فيهم من الأحاديث ما قيل في الشهداء، فقد جعلتهم في مصاف الأنبياء، ولهذا فإن خدمتهم هي خدمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولجميع الأنبياء عليه السلام فعليكم أن تعلموا بأنكم تعملون في سبيل الشهيد، ومؤسستكم هي مؤسسة الشهيد، وفضل الشهيد لا يدانيه فضل، والشهادة هي أفضل الأشياء، فقد ورد في رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن فوق كل ذي برٍّ برُّ حتى يقتل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برٌّ..... إلى آخر الرواية 4، وهذا واضح؛ فإن الذي يبذل كل ما لديه ويقدم أغلى ما عنده في هذا الوجود وهي نفسه وحياته في سبيل الله فلا يتصور أن يكون هناك برٌّ فوق هذا. أنتم الآن تعملون على خدمة عائلات الشهداء وأسرهم والناس الأعزاء عليهم، وحسب هذه الروايات، فإن هذه الخدمة التي تقدمونها لا يمكن تصور خدمة أعظم منها.

دعوة الشعب إلى رعاية عائلات الشهداء وأسرهم‏

أتمنى أن يهب جميع أفراد شعبنا في جميع أنحاء البلاد، لخدمة بلدهم وهذه الجمهورية الإسلامية، لأن في ذلك خدمة للإسلام وجهاداً في سبيله، ومشاركة للمجاهدين في جهادهم، سواءً تلك المرأة المسنة في أقصى البلاد والتي تقدم خدمة ما للمجاهدين، أو ذلك الرجل المسن الذي يخدم المجاهدين أو الشهداء أو ذويهم. أسأل الله تعالى أن يجزيهم جميعاً أجر المجاهدين في سبيله. أهم ما في الأمر، أن تعملوا بصدق وإخلاص، دون أن تظنوا بأنفسكم أن لكم المِنة عليهم، بل عليكم أنتم أن تكونوا ممتنين لهم وتسعوا لخدمتهم واحترامهم فهم عائلات الشهداء. كما أن قدر المعاقين وعائلاتهم عظيمٌ جداً، وعلينا أن نهتم بشؤونهم ونرعاهم، فإن كل ما نقدمه لهم من خدمة مقبولة عند الله. فعلينا وبكل رحابة صدر أن نتواضع لهم ونقوم برعاية شؤونهم. فحذار من أية كلمة غير لائقة توجه لأحد من ذوي الشهداء أو المعاقين أو أسرهم، واسعوا جاهدين لأن يكون عملكم خالصاً لوجه الله تعالى، فإنكم بخدمتكم لهؤلاء الذين ضحوا وأهدوا أرواحهم في سبيل الله، إنما تخدمون الله سبحانه وتعالى، وكما أن الله له المنّة علينا، فإن هؤلاء لهم المنّة علينا أيضاً فإن الله له المنّة علينا جميعاً وقد هدانا إلى سبيله، لذا فإن لله علينا المنّة في كل ما نفعله ولا منّة لنا عليه، وعملكم هذا هو خدمة لله سبحانه وتعالى وللمجاهدين وللشهداء في سبيله. فيجب علينا أن نهتم بأمورهم بكل طاقاتنا، وأن لا نظن في أنفسنا على أننا قمنا بعمل ما، فإن هؤلاء قدموا أرواحهم، وأنتم إنما تبذلون شيئاً من طاقتكم في خدمتهم، فآمل من الله أن يعطيكم أجر وثواب المجاهدين إن كان عملكم خالصاً له.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

روح الله الموسوي الخميني‏

* صحيفة الإمام، ج13، ص:402,399


1- وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، ج 15، ص 16، ح 20.
2- سورة الأعراف، الآية 143.
3- هذه الرواية نقلها صاحب الوسائل عن كتاب التهذيب للشيخ الطوسي ج 6، ص 121، ح 3، ولم تنقل في الكافي.
4- وسائل الشيعة، كتاب الجهاد ج 15، ص 17 ح 1.

2011-05-28