يتم التحميل...

الموضوع: استغفال العالم الثالث لاستغلاله، ووجوب الصحوة والسعي للتحرر من أسر التبعية

خطاب

الحاضرون: جمع من عمال وموظفي مطبعة 17 من شهريور- منتسبو الصناعات الدفاعية الوطنية ومستودعات القوة الجوية في قصر فيروزه - منتسبو الحرس الثوري في أصفهان ولجنة الثورة في برازجان‏

عدد الزوار: 43

التاريخ: قبل ظهر 29 دي 1359 هـ. ش/ 12 ربيع الأول 1401 هـ. ق‏
المكان: طهران، جماران‏
الحاضرون: جمع من عمال وموظفي مطبعة 17 من شهريور- منتسبو الصناعات الدفاعية الوطنية ومستودعات القوة الجوية في قصر فيروزه - منتسبو الحرس الثوري في أصفهان ولجنة الثورة في برازجان‏

‏‏بسم الله الرحمن الرحيم‏

التآمر من أجل استغفال شعوب العالم الثالث‏

في البداية من اللازم الضروري إلى هذه النقطة، وهي أن الأمة التي تريد أن تقف على قدميها وتدير أمورها بنفسها عليها أولا أن تصحو وتستيقظ فكما قال العرفاء: اليقظة هي أول منزل في السير إلى الله 1. فعلى مرّ التاريخ خصوصاً في القرون الأخيرة، تم السعي من أجل إبقاء دول العالم الثالث في نوم عميق، ليبقوا غافلين عما يحدث حولهم ويحاك ضدهم ولكي لا يشعروا بوجودهم، وليعيشوا التبعية التامة للغير. هذه المسألة كانت مطروحة منذ سنوات طويلة، وكانت تنضج بشكل تدريجي حتى وصلت إلى مرحلة النضج النهائي. وقد سمعت قصة من شيخنا المرحوم آية الله الحائري رحمه الله- 2، ربما تعود إلى مئة سنة قبل، أجل مئة سنة وربما أكثر من ذلك، يقول سماحته: كنت صغيراً في يزد، أول ما جاءت تلك الفوانيس التي كانت معروفة في ذلك الزمان. فقد أقاموا مجلساً بمناسبة ذلك، حيث تجمهر الناس لمشاهدة هذه الفوانيس حيث صنعوا لها أدراجاً ووضعوها عليها في الأعلى، وقد رآها الناس لأول مرّة، فمصابيحهم القديمة كانت غير هذه، وكان هناك شخص أجنبي يقف بالقرب منها وكان بين الفينة والأخرى يرتقي هذه الأدراج ويدير مفتاح هذه الفوانيس ليرتفع نورها ويشع، والناس تبدأ بالصلاة على محمد وآل محمّد. ثم يعود أدراجه إلى الأسفل والناس منهمكون في مشاهدة هذه المصابيح، ثم يعود مرة أخرى إلى الأعلى ويسحب المفتاح إلى أسفل، ويعود الناس للهتاف مرة أخرى، لذا فإن هذه القضية طرحت منذ ذلك الحين، بأننا لا نستطيع حتى أن ندير مفتاح الفانوس بل يجب أن يفعله ذلك الأجنبي، يجب أن يحضر الأجانب من الخارج ويحركوا أيديهم كي يشعلوا لنا الفانوس ويعلمونا كيف نستخدمه. وللأسف أن هذا اللون من التفكير تفشّى ليشمل كافة شرائح المجتمع، وقد رأيت في تركيا عندما كنت مبعداً إليها تمثالا لأتاتورك 3، وقد أدار وجهه نحو الغرب رافعاً يديه وقد قالوا لي هناك: بأن في هذا إشارة إلى أنه علينا الاعتماد على الغرب في كل ما نحتاجه ونفعله على اعتبار أن أتاتورك رجل متنوّر أو من هذا القبيل، وهناك في بلادنا من يحملون نفس الفكر ويرون أنه علينا أن نكون من قمة رأسنا إلى أخمص قدمينا أوروبيين وإنجليز حتى نستطيع الاستمرار في حياتنا. فلو لم ندرك بأن لنا شخصيتنا المستقلة وأن المسلمين هم طائفة ولهم شخصية وبإمكانهم القيام بالعمل بأنفسهم. وما لم نصح ونريد فلن نستطيع فعل أي شي‏ء.

فقد أبقونا في سبات الغفلة مخدوعين حتى لا نتمكن من القيام بأي عمل صناعي، ولهذا تجد أمتنا غير قادرة إلا على صناعة ما يشبه الأباريق. فقد استطاع هؤلاء وعبر دعايتهم المنظمة في الداخل والخارج أن يجعلوا الأمة تصدق بأنها غير قادرة على صنع شي‏ء وأنها محتاجة إلى الغرب في كل شي‏ء. وأن الغربيين من عنصر وعرق أسمى. على نفس النحو الذي أدعى فيه هتلر أن العرق الألماني هو العرق الأسمى. وقد كتب بعض كتابنا، بأن العامل الألماني بعينيه الزرقاويتين والواقف على حافة الطريق حاملًا معوله استعداداً للعمل، هو أقدر منا على إدارة بلد مثل بلدنا، إن هذا اللون من التفكير أوصلنا إلى مرحلة من التخلف بتنا معها لا نصدق أنفسنا بأننا قادرون على إنجاز شي‏ء. حتى في تنظيم وتدريب جيشنا علينا الإستعانة بخبراء ومستشارين من أمريكا وأوروبا وأمّا الصناعة، فلا تحدّث عنها أبداً، فنحن أمّة تصنع الأباريق. ومن نحن حتى نتحدث عن الصناعة، فهي حكرٌ على الأمريكان والأوروبيين فقط.

ضرورة إستنهاض العالم الثالث من سبات الغفلة

نحن لو لم نستيقظ من هذا السبات، وما لم ندرك بأننا بشر كسائر البشر ولنا وجودنا وشخصيتنا المستقلة ولدينا الإمكانات لنكون بلداناً قوية كباقي الدول، فالمسلمون اليوم حوالي المليار مسلم ولديهم جميع الإمكانات، فما لم ندرك هذه الحقائق لن يتولد عندنا أي دافع على العمل، فقد عملت الدول الكبرى على إعطائنا كل ما نحتاجه وإغراق أسواقنا بمنتجاتها، وفي المقابل كانت تنهب ثرواتنا ومواردنا ثمناً لذلك، فهكذا أمّة تعيش على الاستهلاك حتى لو عاشت مليون سنة ستبقى على ما هي عليه من الكسل وإنعدام الإرادة. فعليكم أن لا تصدقوا هذه الدعايات المبطّنة التي روّجوا لها ولا يزالون، ولا تسمحوا لها أن تدخل آذانكم، فعلينا أن نصحوا من سبات هذه المئة سنة التي خدرونا فيها وأنامونا. فالخطوة الأولى إذاً؛ أن نستيقظ ونصحوا وندرك بأننا جميعاً من جنس البشر وأن جميع الأمم والأعراق سواسية ولا يوجد شخص أفضل من آخر. فقد أضلونا بدعاياتهم لتبقى أيدينا ممدودة إمّا إلى الشرق أو إلى الغرب ويرسّخوا فينا التبعية لهم، فعلينا أن نستيقظ وندرك بأننا بشرٌ ككل البشر ولا نختلف عنهم شيئاً، وبأن علينا أن نؤمن وسائل ومتطلبات حياتنا بأنفسنا وأن نعمل لأنفسنا، وأن لا نمدّ أيدينا للشرق أو للغرب وأن ننهض للعمل والتعلّم، على أن نعمل بعد التعلّم، ولا نجلس حتى يأتي لنا الآخرون بكل ما نحتاجه حتى البُسط والأغطية. فإذا ما استيقظنا ووعينا ذلك، فإن إرادة العمل ستتحرر فينا بعد هذه الصحوة، وسننهض لتأمين حاجاتنا ومتطلباتنا بأنفسنا وجهدنا الشخصي. ولن يمضي وقت طويل حتى نجد أنفسنا وقد أصبحنا من أصحاب الصناعات، فهؤلاء الذين سبقونا وأوجدوا هذه الصناعات الكبرى والثقيلة هم أناسٌ مثلنا ولا يختلفون عنّا شيئاً، ولكن ميزتهم أنهم قد استيقظوا قبلنا وعملوا على إنامتنا، أجل؛ فقد بدأت صحوتهم قبل صحوتنا وقد عملوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة على خداعنا، بأن أنامونا وتركونا نغط في سبات عميق، وأدخلوا في أذهاننا بأننا لا نصلح لشي‏ء ولا نستطيع صنع شي‏ء، لدرجة أنهم أدخلوا في أذهاننا بأننا غير جديرين حتى على إدارة دولة فضلا عن تأسيس حكومة أو نظام سليم أو أن تكون لنا صناعة متطورة. فما لم نستيقظ من هذا النوم وننهض للعمل والجد فلن تجدي هذه الصرخات والشعارات نفعاً، ما لم تكن عن علم ووعي ودراية. طبعاً في بداية كل نهضة أو ثورة، لابد أن يكون هناك شعارات لتدفعها إلى الأمام، ولكن بعد نجاح الثورة لابد من العمل، فعلينا أن ندرك ضرورة أن لا تكون أيدينا ممدودة نحو الشرق أو الغرب، فإنها ما دامت كذلك فسنبقى نعيش التبعية لهم، وما دمنا نرفض هكذا تبعية ولا نريدها فعلينا أن نستيقظ وندرك بأن لنا وجودنا وشخصيتنا المستقلة وأننا قادرون على إنجاز أعمالنا بأنفسنا.

السعي العام للتحرر من قيود التبعية

أنتم رأيتم، قبل نجاح الثورة، قلة هم الأفراد الذين كانوا يحتملون إمكانية التغلب على القوى الكبرى وعملائها، لا سيما من قبل أمة لا تملك شيئاً وتعيش التبعية التامة لها وتأتي بكل ما تحتاجه من عندها. فهكذا مسألة ما كان ليصدقها أحد في ذلك الوقت، ولكنكم رأيتم بأعينكم كيف أصبح المستحيل ممكناً، عندما أردتم وأرادت الأمة بأسرها ذلك. ولكن عندما استيقظت الأمة ووعت بأن على هؤلاء أن يقصروا أيديهم عن البلاد، وأن على عملائهم أن لا يحكموها ورغم كل ما كان يتمتع به هؤلاء وعملاؤهم من قوة، ومع هذا استطاع هؤلاء الناس العاديون المتواجدون في الأسواق والحارات والجامعات بيقظتهم ووحدة كلمتهم أن يثوروا ويقطعوا أيدي هؤلاء ويلقوا بعملائهم خارجاً. فلو كان شعبنا لا يزال كما في الماضي يخاف حتى من ذكر إسم الشاه أو مرور أحد عناصر الشرطة ويمتلأ رعباً من مراجعة مراكز الأمن، لما استطاع أن يثور ويحقق هذا الانتصار الإعجازي، لكنهم أولا استيقظوا بفضل أقلام وأفكار الواعين والمفكرين الملتزمين، وباستيقاظهم تحررت الإرادة فيهم، وبعد إنبعاث الإرادة جاء النهوض وجاءت الثورة ورأيتم كيف أن الأمة إذا أرادت شيئاً تحقق. فقد أراد شعبنا أن يسقط نظام الشاه الجائر ويستبدله بنظام إنساني إسلامي عادل، وقد تحقق له ذلك. طبعاً إني لا أقول بأننا نملك الآن نظاماً إسلامياً بتمام المعنى، ولكني أقول بأن هذا النظام الجائر الذي باعنا وباع بلادنا للغير قد زال وتم القضاء عليه وقطع أيدي القوى الكبرى عن بلادنا والعبث بمقدراتها. فنحن لا نزال في الخطوة الأولى ويلزمنا الكثير من الجد والعمل حتى نتحرر من قيود التبعية، فعلينا أن نسعى جميعاً، كل الشعب وكلٌّ من موقعه في سبيل ذلك. فلو أدرك فلاحونا في كل مكان أن التبعية تعني الأسر وتعني العبودية للغير وأن التحرر منها يتطلب الجد والسعي والعمل، لا نبعثت فيهم الإرادة للتحرر، ولعملوا بجد ونشاط لتأمين ما تحتاجه البلاد من محاصيل زراعية. ولو أن معاملنا أيضاً أدركت هذا المعنى وضرورة أن نعتمد على أنفسنا في كل ما نحتاجه من صناعات، لسعت إلى تطوير نفسها والاستفادة من الخبرات المحلية ولقام أصحاب العقول الصناعية بتشغيل أدمغتهم. فبعد أن يدرك هؤلاء بأن علينا أن نعمل لأنفسنا وأن علينا أن نصنع كل ما نحتاجه سواء من الصناعات الثقيلة أو الخفيفة بأنفسنا ونعتمد على ذاتنا في ذلك، فسيعقب هذه اليقظة وهذا الوعي إنبعاث للإرادة نحو تشغيل الفكر والعقول والتحرك والعمل نحو إنجاز وصناعة كل ما نحتاجه بأنفسنا.

ضرورة أن يكون الشعب متفائلًا

لا تتوقعوا أن تصنعوا اليوم طائرة، طائرة ميغ مثلا. فذلك غير ممكن الآن، ولكن في نفس الوقت لا تيأسوا من فكرة أنكم تستطيعون ذلك. عليكم أن تستيقظوا وتنهضوا وتمضوا بأنفسكم خلف تلك الصناعات المتطورة، فعندما توجد هكذا أفكار وهكذا إرادة في أمة ما فإنها ستسعى وتمضي خلف هذا الأمر حتى يتحقق. فاليأس من جنود إبليس، أي أن الشياطين تلبس الإنسان اليأس. فهؤلاء الشياطين الذين ترونهم الآن قد استطاعوا وعبر التاريخ أن يزرعوا اليأس في نفوس الأمم الضعيفة، من خلال ما حقنوها به من أفكار، مثل أننا لا نعرف شيئاً، ولا نستطيع فعل أي شي‏ء بأنفسنا ويجب أن نحضر لجيشنا مدربين من الغرب، ومعاملنا يجب أن يأتي أشخاص من الغرب ليديروها وأمثال ذلك من الأمور. فعلينا أن نضع جند إبليس هؤلاء جانباً، ونحي الأمل الذي هو من جند الله سبحانه وتعالى في أنفسنا. علينا أن نتفاءل بأنفسنا ونعتمد على إارادتنا وقدراتنا ولا نتبع إرادة الآخرين ولكن علينا أن نوحّد ارادتنا جميعاً كي يتحقق هذا الأمر، يجب أن ينسق جميع العاملين في الجيش والقوات المسلحة فيما بينهم، وليعملوا على إدارة جيوشهم وقواهم بأنفسهم وعلى بناء جيش قوي، فإنهم إن أرادوا ذلك، فسيتحقق، وقد رأيتم كيف استطاعوا ذلك. وكذلك الأمر بالنسبة للعاملين في الحقل الصناعي وفي المعامل والمصانع، فإنهم لو يلقنوا أنفسهم بأنهم قادرون على التصنيع الذاتي فسيوفقون في ذلك.

أوجدوا الأمل في نفوسكم، كما أن على كتّابنا وخطبائنا أن يسعوا في سبيل ذلك بأن يزرعوا الأمل في نفوس هذه الأمة ولا يشعروهم باليأس، فليقولوا بأننا قادرون، ولا يقولوا بأننا عاجزون، فإن الواقع هو هذا، فنحن قادرون ولكن ينقصنا شي‏ء من الإرادة والتصميم فقط، فاليوم يستطيع كتّابنا أن يقدّموا أعظم خدمة لهذه الأمة التي تقف في وجه الغرب والشرق ولا تريد أن تخضع لهم. يستطيعون إعطاءها الأمل بأنها قادرة على المضي قدماً دون الحاجة للشرق والغرب، والشعور بالاطمئنان والاستقلال الروحي، ولو أنهم قدموا هذه الخدمة بكل إخلاص وتفاني لكان النصر حليفنا حتى النهاية، ولكن من المؤسف له أن تجد كتابنا وصحفيينا وخطباؤنا لم يلتفتوا إلى هذه المسألة أو يعطوها حقها من الأهمية رغم كل هذه التضحيات التي قدمتها هذه الأمة وشباب هذه الأمة فداءً للإسلام والوطن.

كونوا على ثقة بأنكم متى أردتم تحقيق ما تريدون، ومتى استيقظتم تحررت فيكم الإرادة. استيقظوا وافهموا بأن العرق الألماني ليس أسمى من العرق الآري، وأن الغربيين ليسوا أفضل منّا، وإنما سبقونا بالعمل، فشمّروا عن ساعد الهمة والعمل، فاليابان كانت مبتلاة بهذا الأمر، لكنها استيقظت وأرادت وكان لها ما تريد، وأصبحت دولة صناعية تضاهي‏ صناعاتها الصناعات الأمريكية، والهند كذلك مع أن عرقها لا يمت للعرق الغربي أو الآلماني بصلة، على اعتبار أنه العرق الأسمى الذي لا يمكن مجاراته، ولكن عندما تولدت الإرادة في الأمة تحقق لهم ما يريدون، وأنتم أطلبوا حتى يتحقق لكم ما ترجونه، فإنكم أردتم أن تزول السلطة البهلوية الظالمة المستبدة فكان لكم ذلك وسقطت، أردتم التحرر من سيطرة القوى الكبرى والعبث بمقدراتكم فكان لكم ذلك وقُطعت أيديهم عن البلاد. فتحقق الأمور مرهون بالإرادة والعمل.

ضرورة الإجتناب عن إضعاف المسؤولين‏

صمموا على إدارة دولتكم بأنفسكم، صمموا على تقديم العون للحكومة، لا تضعفوا الحكومة، لا تضعفوا الأشخاص المتفانين في خدمة الدولة، فإن هؤلاء جميعاً منهمكون في خدمتنا وخدمتكم، لا تكونوا من المؤيدين لأن تطيح هذه الجماعة بتلك الجماعة، وتعاونوا معاً على إدارة هذه البلاد وتوعية الناس. إنني أؤيد جميع الفئات العاملة على خدمة هذه البلاد، وأشعر بالأسى والأسف من قيام بعض الأيدي التي لا تريد لهذه البلاد التقدم، من زرع العداوة والخلاف بين هذه الفئات العاملة وجعلها في مواجهة مع بعضها البعض بحيث باتت كل فئة تُشْكِل على الأخرى. بدل هذا التناحر شدّوا العزم على العمل سوية من أجل تقدم هذه البلاد وإيقاظ هذا الشعب وتقوية هذا الجيش وتقوية هذه المحاكم، إمنحوا العاملين على رأس هذه المحاكم الدعم والتأييد، حتى يتسنى لهم إنجاز أعمالهم، إمنحوا العاملين على رأس الجيش والقوات المسلحة دعمكم وتأييدكم كي يتسنى لهم إدارة الجيش وإنجاز الأعمال الموكلة إليهم بشكل جيد، إعملوا على تقوية المجلس والعاملين على رأسه، واسعوا لأن يكون هذا المجلس مجلساً قوياً وفعالًا يأخذ بيد الأمة إلى الطريق الصحيح. إني لا تربطني بجميع هذه الفئات أي صلة أو قرابة، ولكنني مع الجميع ما دام سلوكهم حسناً في مواقع عملهم ومسؤولياتهم. إعلموا أنه من بين أفراد هذه الأمة هناك أشخاص وجماعات يريدون إسقاط العاملين في خدمة البلاد من أعين الناس الواحد تلو الآخر، وعزلهم عن الشعب. فعليكم الحيطة والحذر ومطالبة كل من يحاول النيل أو التجريح بهذه الشخصية أو تلك، مثلا قادة الجيش، رؤساء المحاكم... عليكم مطالبتهم بالدليل على صحة ما يقولونه لتروا ماذا سيكون جوابهم لتعلموا عندها أن ليس عندهم دليل، وإنما هي مجرد دعايات يرّوجون لها بهدف إضعاف وتخريب بعض الشخصيات الفاعلة وضرب الاستقرار في البلاد. والمؤسف أن الكثير من أبناء شعبنا غافلون عن حقيقة الأمر ويصدقون ما يقوله هؤلاء ويروّجون له حول بعض رجال الدين العاملين في خدمة البلاد والأمة من الذين مضى على معرفتي بهم أكثر من عشرين سنة، وأعلم جيداً أي الأشخاص هم. إن هذه من المساوئ والعيوب الموجودة في بلادنا. فهؤلاء الأشخاص العاملون في الجيش والشرطة والحرس الثوري وقوات التعبئة ولجان الثورة هم جميعاً خدام لهذه الأمة، طبعاً لا يخلو الأمر من وجود أشخاص فاسدين وغير صالحين بينهم، ولكن هذا لا يعني أن نأخذ الجميع بجريرة البعض، ونتهم جميع هذه القوى والمؤسسات بالفساد لوجود عنصر هنا أو عنصرين هناك من الفاسدين. كما أنه علينا أن لا نقبل أي كلام دون دليل عليه، فإن بعض الفلاسفة يقولون إن من قبل مطلباً دون دليل إنما هو خارج عن الفطرة الإنسانية 4، وهذا الكلام صحيح، فالإنسان وبمقتضى فطرته الإنسانية لا يستطيع أن يقبل بشي‏ء ما لمجرد سماعه وبدون دليل. فهؤلاء الذين يريدون إسقاط بعض الشخصيات والمسؤولين العاملين في ميادين الخدمة من أعين الناس، إنما يريدون أن يفرغوا البلاد من العناصر والشخصيات الفاعلة والمؤثرة ليعيدوها إلى ما كانت عليه سابقاً. فعلى شعبنا أن يكون يقظاً ولا يقبل بأي كلام أو أي أمر دون دليل، فما أن يقول شخص ما أن فلاناً كذا وكذا، فعليكم أن تقولوا له: وما دليلك على ذلك؟ اطلبوا منه الدليل على كلامه، فإن قبولكم لشي‏ء دون دليل يعني خروجكم عن فطرتكم الإنسانية، فالإنسان لا يقبل بشي‏ء دون إقامة الدليل عليه فإننا آمنّا بالله بالدليل، ولم نؤمن به بلا دليل، وآمنا بالأنبياء بالدليل ولم نؤمن بهم دون ذلك، وحتى الأشخاص الخونة إنما نعتبرهم خونة بالشواهد والأدلة، فأولئك الذين ظلموا هذه الأمة وآذوها إنما الشاهد على ظلمهم ما رأيتموه أنتم بأنفسكم، ولكن أي شخص يدعي شيئاً ما عليه أن يقيم الدليل على صحة إدعائه مديراً كان أو عاملا، فلاحاً كان أو تاجراً. فعلينا الحذر مما قد يدعيه هؤلاء من أننا لسنا أهلا لإدارة الحكومة أو إصلاح المحاكم‏ وضبط القضاء ولا حتى مؤهلين لإدارة المجلس. فإن لهذه المسائل نتائجها الكارثية، والناس غافلون عن ذلك، وفي الغالب فإن من يخوضون في ذلك إما مغرضون أو مخدوعون.

الإسلام أمانة في أيدي الشعب‏

إخوتي أخواتي، عليكم أن تدركوا بأن علينا اليوم مسؤوليات كبيرة وكثيرة فنحن جميعاً مسؤولون عن بقاء وحفظ هذه الثورة وهذه الجمهورية التي أقمناها بدماء أبنائنا وشهدائنا الأعزاء، ونحن مسؤولون أمام الله إذا ما زالت لتهاوننا وقعودنا عن صونها وحفظها. فلو ساهم ما تكتبه الأقلام ضد بعضها البعض في الصحف والمجلات في القضاء على الجمهورية الإسلامية فإنها مسؤولة عن ذلك وجميعنا مسؤولون أيضاً، فإن الإسلام وأحكامه أمانة في أيدينا، فعلينا أن لا نخون هذه الأمانة بألسنتنا وأقلامنا وأقدامنا، فإذا ما أردتم لبلدكم أن يقف على قدميه، وإذا ما أردتم التحرر، فيجب عليكم الابتعاد عن هكذا مناقشات مغرضة وإحسان الظن والتعاون الأخوي فيما بينكم ليتمكن هذا البلد من الوصول إلى مبتغاه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

روح الله الموسوي الخميني‏

* صحيفة الإمام، ج13، ص:421,414


1- القائل هو، الخواجة عبدالله الأنصاري، كتاب منازل السائرين( الطبعة المرفقة بشرح التلمساني) باب اليقظة، ص 53.
2- المرحوم آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي، أحد مراجع التقليد الكبار ومؤسس الحوزة العلمية في قم، وكان من أهم أساتذة الإمام الخميني في الفقه والأصول،
توفي عام 1355 هـ. ق.
3- أول رئيس لتركيا بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، تميز بنزعته العلمانية وتأثره الكامل بالغرب، ولهذا عمل على منع التبليغ الديني، وحال دون تدخل رجال الدين بالسياسية، وساق المجتمع التركي نحو العلمانية.
4- قائل هذا الكلام، هو الشيخ الرئيس ابن سينا، الأسفار الأربعة ج 1، ص 364.

2011-05-28