الخوف والرجاء من الله
العلاقة مع الله
الخوف من اللّه تعالى: وهو تألم النفس خشية من عقاب اللّه، من جراء عصيانه ومخالفته. وهو من خصائص الأولياء، وسمات المتقين، والباعث المحفّز على الاستقامة والصلاح، والوازع القويّ عن الشرور والآثام. لذلك أولته الشريعة عناية فائقة، وأثنت على ذويه ثناءاً عاطراً مشرفاً
عدد الزوار: 103
الخوف من اللّه تعالى
وهو: تألم النفس خشية من عقاب اللّه، من جراء عصيانه ومخالفته.
وهو من خصائص الأولياء، وسمات المتقين، والباعث المحفّز على الاستقامة والصلاح، والوازع القويّ عن الشرور والآثام.
لذلك أولته الشريعة عناية فائقة، وأثنت على ذويه ثناءاً عاطراً مشرفاً: قال تعالى: ﴿...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء...﴾(فاطر:28).
وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾(الملك:12).
وقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾(النازعات:40-41).
وقال الصادق عليه السلام: "خَفِ اللّه كأنك تراه، وإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم إنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين إليك"1.
وقال عليه السلام: "المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع اللّه فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفاً، ولا يصلحه إلا الخوف"2.
وقال عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو"3.
وفي مناهي النبي صلى اللّه عليه وآله: "من عرضت له فاحشة، أو شهوة فاجتنبها من مخافة اللّه عز وجل، حرّم اللّه عليه النار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه، في قوله عز وجل: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾(الرحمن:46)"4.
وقال بعض الحكماء: مسكين ابن آدم، لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لنجا منهما جميعاً، ولو رغب في الجنة كما رغب في الدنيا لفاز بهما جميعاً، ولو خاف اللّه في الباطن كما يخاف خلقه في الظاهر لسعد في الدارين جميعاً.
ودخل حكيم على المهدي العباسي فقال له: عظني. فقال: أليس هذا المجلس قد جلس فيه أبوك وعمك قبلك؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال ترجو لهم النجاة بها؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال تخاف عليهم الهلكة منها؟ قال: نعم. قال: فانظر ما رجوت لهم فيه فآته، وما خفت عليهم منه فاجتنبه.
الخوف بين المدّ والجزر
لقد صورت الآيات الكريمة، والأخبار الشريفة، أهمية الخوف، وأثره في تقويم الانسان وتوجيهه وجهة الخير والصلاح، وتأهيله لشرف رضا اللّه تعالى وانعامه.
بيد أن الخوف كسائر السجايا الكريمة، لا تستحق الاكبار والثناء، الا إذا اتسمت بالقصد والاعتدال، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
فالافراط في الخوف يجدب النفس، ويدعها يباباً من نضارة الرجاء، ورونقه البهيج، ويدع الخائف آيساً آبقاً موغلاً في الغواية والضلال، ومرهقاً نفسه في الطاعة والعبادة حتى يشقيها وينهكها.
والتفريط فيه باعث على الاهمال والتقصير، والتمرد على طاعة اللّه تعالى واتباع دستوره.
وبتعادل الخوف والرجاء تنتعش النفس، ويسمو الضمير، وتتفجر الطاقات الروحية، للعمل الهادف البنّاء.
كما قال الصادق عليه السلام: "أرج اللّه رجاءاً لا يجرئك على معاصيه، وخف اللّه خوفاً لا يؤيسك من رحمته"5.
محاسن الخوف
قيم السجايا الكريمة بقدر ما تحقق في ذويها من مفاهيم الانسانية الفاضلة، وقيم الخير والصلاح، وتؤهلهم للسعادة والرخاء. وبهذا التقييم يحتل الخوف مركز الصدارة بين السجايا الأخلاقية الكريمة، وكانت له أهمية كبرى في عالم العقيدة والإيمان، فهو الذي يلهب النفوس، ويحفّزها على طاعة اللّه عز وجل، ويفطمها من عصيانه، ومن ثم يسمو بها الى منازل المتقين الأبرار.
وكلما تجاوبت مشاعر الخشية والخوف في النفس، صقلتها وسَمَت بها الى أوج ملائكي رفيع، يحيل الانسان ملاكاً في طيبته ومثاليته، كما صوره أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقارن بين الملك والانسان والحيوان، فقال: "إن اللّه عز وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما.
فمن غلب عقلهُ شهوتهَ، فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته علقه فهو شر من البهائم"6.
من أجل ذلك نجد الخائف من اللّه تعالى يستسهل عناء طاعته، ويستحلي مرارتها، ويستوخم حلاوة المعاصي والآثام، خشية من سخطه وخوفاً من عقابه.
وبهذا يسعد الانسان، وتزدهر حياته المادية والروحية، كما انتظم الكون، واتسقت عناصره السماوية والأرضية، بخضوعه للّه عز وجل، وسيره على وفق نظمه وقوانينه.
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(النحل:97).
وما هذه المآسي والأرزاء التي تعيشها البشرية اليوم من شيوع الفوضى وانتشار الجرائم، واستبداد الحيرة والقلق، والخوف بالناس إلا لاعراضهم عن اللّه تعالى، وتنكبهم عن دستوره وشريعته.
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾(الأعراف:96).
كيف نستشعر الخوف
يجدر بمن ضعف فيه شعور الخوف إتباع النصائح التالية:
1- تركيز العقيدة، وتقوية الايمان باللّه تعالى، ومفاهيم المعاد والثواب والعقاب، والجنة والنار، إذ الخوف من ثمرات الايمان وإنعكاساته على النفس ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(الأنفال:2).
2- استماع المواعظ البليغة، والحِكَم الناجعة، الموجبة للخوف والرهبة.
3- دراسة حالات الخائفين وضراعتهم وتبتلهم إلى اللّه عز وجل، خوفاً من سطوته، وخشية من عقابه.
واليك أروع صورة للضراعة والخوف مناجاة الامام زين العابدين عليه السلام في بعض أدعيته:
"ومالي لا أبكي!! ولا أدري الى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، فمالي لا ابكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إيّايَ، أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني، وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾(عبس:37-41)".
من قصص الخائفين
عن الباقر عليه السلام قال: "خرجت إمرأة بغيّ على شباب من بني إسرائيل فأفتنتهم، فقال بعضهم: لو كان العابد فلان رآها أفتنته!، وسمعت مقالتهم، فقالت : واللّه لا أنصرف الى منزلي، حتى أفتنه. فمضت نحوه بالليل فدقت عليه، فقالت: آوي عندك؟ فأبى عليها فقالت: إن بعض شباب بني اسرائيل راودوني عن نفسي، فإن أدخلتني والا لحقوني، وفضحوني، فلما سمع مقالتها فتح لها، فلمّا دخلت عليه رمت بثيابها، فلما رأى جمالها وهيئتها وقعت في نفسه، فضرب يده عليها، ثم رجعت اليه نفسه، وقد كان يوقد تحت قدر له، فأقبل حتى وضع يده على النار فقالت: أي شيء تصنع؟ فقال: أحرقها لأنها عملت العمل، فخرجت حتى أتت جماعة بني إسرائيل فقالت: الحقوا فلاناً فقد وضع يده على النار، فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده"7.
وعن الصادق عليه السلام: "إن عابداً كان في بني اسرائيل، فأضافته إمرأة من بني إسرائيل، فهمَّ بها، فأقبل كلما همّ بها قرّب إصبعاً من أصابعه الى النار، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح، قال لها: أخرجي لبئس الضيف كنت لي"8.
الرجاء من اللّه تعالى
وهو انتظار محبوب تمهّدت أسباب حصوله، كمن زرع بذراً في أرض طيّبه، ورعاه بالسقي والمداراة، فرجا منه النتاح والنفع.
فإن لم تتمهد الأسباب، كان الرجاء حمقاً وغروراً، كمن زرع أرضاً سبخة وأهمل رعايتها، وهو يرجو نتاجها.
والرجاء: هو الجناح الثاني من الخوف، اللذان يطير بهما المؤمن الى آفاق طاعة اللّه، والفوز بشرف رضاه، وكرم نعمائه، إذ هو باعث على الطاعة رغبةً كما يبعث الخوف عليها رهبة وفزعاً.
ولئن تساند الخوف والرجاء، على تهذيب المؤمن، وتوجيهه وجهة الخير والصلاح، بيد أن الرجاء أعذب مورداً، وأحلى مذاقاً من الخوف، لصدوره عن الثقة باللّه، والاطمئنان بسعة رحمته، وكرم عفوه، وجزيل ألطافه.
وبديهي ان المطيع رغبة ورجاءاً، أفضل منه رهبة وخوفاً، لذلك كانت تباشير الرجاء وافرة، وبواعثه جمّة وآياته مشرقة، واليك طرفاً منها:
1- النهي عن اليأس والقنوط:
قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(الزمر:53).
وقال تعالى: ﴿... وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾(يوسف:87).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل أخرجه الخوف الى القنوط لكثرة ذنوبه: "أيا هذا، يأسك من رحمة اللّه أعظم من ذنوبك"9.
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: "يبعث اللّه المقنّطين يوم القيامة، مغلبّةً وجوهُهُم، يعني غلبة السواد على البياض، فيقال لهم : هؤلاء المقنّطون من رحمة اللّه تعالى"10.
2- سعة رحمة اللّه وعظيم عفوه:
قال تعالى: ﴿... فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ...﴾(الأنعام:147).
وقال تعالى: ﴿... وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ...﴾(الرعد:6).
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ...﴾(النساء:48).
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(الانعام:54).
وجاء في حديث عن النبي صلى اللّه عليه وآله: "لولا أنكّم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى، لأتى اللّه تعالى بخلق يذنبون ويستغفرون، فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتن توّاب، أما سمعت قول اللّه تعالى: ﴿...إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ...﴾(البقرة:222) الخبر"11.
توضيح: المفتن التواب: هو من يقترف الذنوب ويسارع الى التوبة منها.
وقال الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة، نشر اللّه تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته"12.
وعن سليمان بن خالد قال: قرأت على أبي عبد اللّه عليه السلام هذه الآية: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ...﴾(الفرقان:70).
فقال: هذه فيكم، إنه يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة، حتى يوقف بين يدي اللّه عز وجل، فيكون هو الذي يلي حسابه، فيوقفه على سيئاته شيئاً فشيئاً، فيقول: عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول أعرف يا ربي، حتى يوقفه على سيئاته كلّها، كل ذلك يقول: أعرف. فيقول سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، أبدلوها لعبدي حسنات.
قال: فتُرفع صحيفته للناس فيقولون: سبحان اللّه! أما كانت لهذا العبد سيئة واحدة، وهو قول اللّه عز وجل ﴿َأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ...﴾(الفرقان:70) 13.
3- حسن الظن باللّه الكريم، وهو أقوى دواعي الرجاء.
قال الرضا عليه السلام: "أحسِن الظن باللّه، فإن اللّه تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً"14.
وقال الصادق عليه السلام: "آخر عبد يؤمر به الى النار، يلتفت، فيقول اللّه عز وجل: اعجلوه15، فاذا أتي به قال له: يا عبدي لِمَ التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول اللّه عز وجل: عبدي وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك. فيقول اللّه: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيراً قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة".
ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما ظن عبد باللّه خيراً، الا كان اللّه عند ظنه به، ولا ظن به سوءاً إلا كان اللّه عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ﴾(فصلت:23)16.
4- شفاعة النبي والأئمة الطاهرين عليهم السلام لشيعتهم ومحبيهم:
عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "إذا كان يوم القيامة وليُنا حساب شيعتنا، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين اللّه عز وجل، حكمنا فيها فأجابنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحق من عفى وصفح"17.
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير بالاسناد الى جرير بن عبد اللّه البجلي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزفّ الى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان الى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة.
ألا ومن مات على بغض آل محمد، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة اللّه...."
وقد أرسله الزمخشري في تفسير آية المودة من كشافه إرسال المسلمات، ورواه المؤلفون في المناقب والفضائل مرسلاً مرة ومسنداً تارات18.
وأورد ابن حجر في صواعقه ص 103 حديثاً هذا لفظه: إن النبي صلى اللّه عليه وآله خرج على أصحابه ذات يوم، ووجهه مشرق كدائرة القمر، فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك، فقال صلى اللّه عليه وآله: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن اللّه زوج علياً من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، دفع الى كل ملك صكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت، الا دفعت اليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النار"19.
وجاء في الصواعق ص 96 لابن حجر: "أنه قال: لما أنزل اللّه تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾(البينة:7-8) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي: هم أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابى مقمحين"20.
5- النوائب والأمراض كفارة لآثام المؤمن:
قال الصادق عليه السلام: "يا مفضل إياك والذنوب، وحذّرها شيعتنا، فواللّه ما هي إلى أحد أسرع منها اليكم، إن أحدكم لتصيبه المعرّة من السلطان، وما ذاك الا بذنوبه، وإنه ليصيبه السقم، وما ذاك الا بذنوبه، وإنه ليحبس عنه الرزق وما هو الا بذنوبه، وإنه ليشدد عليه عند الموت، وما هو الا بذنوبه، حتى يقول من حضر: لقد غمّ بالموت. فلما رأى ما قد دخلني، قال: أتدري لِمَ ذاك يا مفضل؟ قال: قلت لا أدري جعلت فداك. قال: ذاك واللّه أنكم لا تؤاخدون بها في الآخرة وعُجلت لكم في الدنيا"21.
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "قال اللّه تعالى: وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه، حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها، إما بسقم في جسده، وإما بضيق في رزقه، وإما بخوف في دنياه، فإن بقيت عليه بقية، شدّدت عليه عند الموت..."22.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : "ما يزال الغم والهم بالمؤمن حتى ما يدع له ذنباً"23.
وقال الصادق عليه السلام: "إن المؤمن ليهوّل عليه في نومه فيغفر له ذنوبه، وإنه ليُمتَهَنُ في بدنه فيغفر له ذنوبه"24.
واقع الرجاء
ومما يجدر ذكره: أن الرجاء كما أسلفنا لا يجدي ولا يثمر، الا بعد توفر الأسباب الباعثة على نجحه، وتحقيق أهدافه، والا كان هوساً وغروراً.
فمن الحمق أن يتنكّب المرء مناهج الطاعة، ويتعسف طرق الغواية والضلال، ثم يُمنّي نفسه بالرجاء، فذلك غرور باطل وخُداع مغرّر.
ألا ترى عظماء الخلق وصفوتهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء كيف تفانوا في طاعة اللّه عز وجل، وانهمكوا في عبادته، وهم أقرب الناس الى كرم اللّه وأرجاهم لرحمته.
إذاً فلا قيمة للرجاء، الا بعد توفر وسائل الطاعة، والعمل للّه تعالى، كما قال الامام الصادق عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو"25.
وقيل له عليه السلام: إن قوماً من مواليك يَلمّون بالمعاصي، ويقولون نرجو. فقال: "كذبوا ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجّحت بهم الأماني، من رجا شيئاً عمل له، ومن خاف شيئاً هرب منه"26.
الحكمة في الترجّي والتخويف
يختلف الناس في طباعهم وسلوكهم اختلافاً كبيراً، فمن الحكمة في إرشادهم وتوجيههم، رعاية ما هو الأجدر بإصلاحهم من الترجّي والتخويف فمنهم من يصلحه الرجاء، وهم:
1- العصاة النادمون على ما فرّطوا في الآثام، فحاولوا التوبة الى اللّه، بيد أنهم قنطوا من عفو اللّه وغفرانه، لفداحة جرائمهم، وكثرة سيئاتهم، فيعالج والحالة هذه قنوطهم بالرجاء بعظيم لطف اللّه، وسعة رحمته وغفرانه.
2- وهكذا يُداوى بالرجاء من انهك نفسه بالعبادة وأضرّ بها.
أما الذين يصلحهم الخوف:
فهم المردة العصاة، المنغمسون في الآثام، والمغترّون بالرجاء، فعلاجهم بالتخويف والزجر العنيف، بما يتهددهم من العقاب الأليم، والعذاب المُهين.
وما أحلى قول الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
* أخلاق أهل البيت عليهم السلام، السيد محمد مهدي الصدر، دار الكتاب الإسلامي، ص:119.
1- الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.
2- الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.
3- المصدر نفسه.
4- البحار م 15 ج 2 ص 113 عن الفقيه.
5- البحار م 15 ج 2 ص 118 عن أمالي الصدوق.
6- علل الشرائع.
7- عن البحار م 5 عن قصص الأنبياء للقطب الراوندي.
8- المصدر نفسه.
9- جامع السعادات ج 1 ص 246.
10- سفينة البحار ج 2 ص 451 عن نوادر الراوندي.
11- الوافي ج 3 ص 51 عن الكافي.
12- البحار مجلد 3 ص 274 عن أمالي الشيخ الصدوق.
13- البحار مجلد 3 ص 274 عن محاسن البرقي.
14- الوافي ج 3 ص 59 عن الكافي.
15- أعجلوه: أي ردّوه مستعجلاً.
16- البحار م 3 ص 274 عن ثواب الأعمال للصدوق.
17- البحار م 3 ص 301 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.
18- الفصول المهمة للمرحوم آية اللّه السيد عبد الحسين شرف الدين.
19- الفصول المهمة للامام شرف الدين ص 44.
20- الفصول المهمة للامام شرف الدين ص 39.
21- البحار م 3 ص 35 عن علل الشرائع للصدوق (رحمه الله).
22- الوافي ج 3 ص 172 عن الكافي.
23- المصدر السابق.
24- المصدر نفسه.
25- الوافي ج 3 ص 58 عن الكافي.
26- الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.