ما معنى الهداية والضلال بيد الله تعالى
العدل
هذا مسافر غريب بيده عنوان، فيلتقيك ويسألك أنْ تدلّه. إنَّ أمامك طريقين لهدايته و إرشاده الى ما يريده:إنْ تصحبه بنفسك حتى توصله الى مقصده، ثم تودعه وتذهب. وهذا هو الكمال في عمل الخير.الثاني: أنْ تشير بيدك الى حيث ينبغي أنْ يتوجه وتريه مختلف العلائم والمعالم في طريقه الى حيث يريد.
عدد الزوار: 103
1- أنواع الهداية والضّلال
هذا مسافر غريب بيده عنوان، فيلتقيك ويسألك أنْ تدلّه. إنَّ أمامك طريقين لهدايته و إرشاده الى ما يريده:
الأوّل: إنْ تصحبه بنفسك حتى توصله الى مقصده، ثم تودعه وتذهب. وهذا هو الكمال في عمل الخير.
الثاني: أنْ تشير بيدك الى حيث ينبغي أنْ يتوجه وتريه مختلف العلائم والمعالم في طريقه الى حيث يريد.
في كلتا الحالتين تكون أنت قد "هديته" الى هدفه. ولكن مع اختلاف الحالتين، فالحالة الثانية هي "إراءة الطريق" و الأولى هي "إيصال الى الهدف". والهداية قد وردت في القرآن الكريم وفي أخبارنا الاسلامية بكلا المعنيين.
وأحياناً يكون للهداية جانبها التّشريعي فقط، أي إنَّها تتحقق عن طريق التّشريعات والقوانين، وقد يكون لها جانبها "التكويني" وهو "هداية" النطفة في طريق الخلق باتجاه تكوين الانسان الكامل الخلقة. وقد ورد هذان المعنيان في القرآن والأخبار أيضاً. بمعرفتنا أنواع الهداية وما يقابلها من الضّلال نعود الى الموضوع:
نقرأ في كثير من الآيات أن الهداية والضلال من عمل الله. لاشك أنَّ "اراءة الطّريق" تكون من قبل الله عن طريق ارساله الانبياء والرسل. وانزاله الكتب السماوية لكي يدل الانسان على الطريق.
غير أنَّ "الايصال الى الهدف" قسراً لا يأتلف ومبدأ حرية الاختيار. ولكن بما أنَّ الله يضع تحت تصرفنا جميع الوسائل اللازمة للوصول الى الهدف، وأنَّه هو الذي يشملنا بالتوفيق في سيرنا في هذا الطريق: فإنَّ هذه الهداية تكون أيضاً بهذا المعنى من قِبَل الله، أي عن طريق تهيئة الوسائل واعداد المقدمات ووضعها في متناول الانسان.
2- سؤال مهم
هنا يظهر هذا السّؤال المهم، فنحن نقرأ في القرآن الكريم: ﴿فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْم﴾(إبراهيم:4).
بعض الناس يغفلون عن معاني آيات القرآن وماجاء في تفسيرها و علاقة بعضها ببعض، فيبادرون حالما يقرأون هذه الآية الى الاعتراض قائلين: مادام الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء فما ذنبنا نحن؟
القضية المهمة هي أنَّنا يجب دائماً أنَّ نأخذ بنظر الاعتبار علائق الآيات فيما بينها حتى نتعرف على مفاهيمها الحقيقية. هنا نورد لك نماذج اُخرى من الآيات الخاصّة بالهداية والضلال لكي نضعها الى جانب الآية المذكورة، ثمّ نستنتج منها النّتيجة المطلوبة:
وفي الآية 27 من سورة ابراهيم نقرأ: ﴿وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِيْنَ﴾.
وفي الآية 34 من سورة غافر نقرأ: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾.
وفي الآية 69 من سورة العنكبوت نقرأ: ﴿وَالّذِيْنَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنا﴾.
وهكذا نلاحظ أنَّ (إشاءة) الله ليست بغير حساب، فهو لايوفّق أحداً لهدايته، أو يسحب هدايته من أحد، بغير حساب.
فالذين يجاهدون في سبيل الله، ويتقدمون ليصارعوا المشكلات، ويجالدون أهوائهم النفسية ويقفون بصلابة في وجه اعداء الدين، فهم الذين وعدهم اللّه تعالى بهدايته، وهذا هو العدل بعينه.
أمّا الذين يقيمون صرح الظلم و الجور ويسيرون في طريق "الإسراف والشك" و"ايجاد الريبة و التردد" فإنّ الله يحرمهم من التوفيق والهداية، وتصبح قلوبهم مظلمة سوداء بسبب أعمالهم تلك، فلا ينالون مرتبة الوصول الى منزل السعادة. وهذا هومعنى إنَّ الله يضل من يشاء، وذلك بوضعنا امام نتائج أعمالنا وهو العدالة بعينها أيضاً، فتأمل!
3- العلم الازلي سبب العصيان
يقول الجبريون: هل يعلم الله، إنَّ فلاناً يقوم في الساعة الفلانية بجريمة قتل، أو يشرب الخمر؟ إذا قلت: لا يعلم فقد أنكرت علم الله. وإذا قلت: يعلم فلابدّ لهذا الشخص أنْ يفعل ما فعل، وإلاّ كان علم الله مغايراً للواقع.
ومن أجل أنْ يتحقق علم الله، فإنَّ العصاة مجبرون على ارتكاب خطاياهم، كما أنَّ الصالحين مجبرون على القيام باعمالهم الصالحة!
إنَّ الذين اتخذوا هذه الذريعة ليخفوا وراءها جرائمهم وآثامهم قد فاتتهم في الواقع حقيقة واحدة، وهي إنَّنا نقول إنَّ الله عالم منذ الازل بأنَّنا سنقوم بارادتنا وبملء اختيارنا بالاعمال الصالحة أو الطالحة، أي إنَّ اختيارنا وإرادتنا معلومان عند الله عزّ وجلّ، وهذا يعني أنَّ القول بالجبر يكون خلاف علم اللّه تعالى، فتأمل!
اسمحوا لي أنْ اُجسد هذا الموضوع ببعض الاسئلة: لنفرض أنَّ معلماً يعرف أنَّ الطالب الفلاني الكسلان سوف يسقط في آخر السنة، وأنَّه واثق من ذلك كلّ الثّقة استناداً الى ما لديه من خبرة وتجارب طويلة.
فهل يحق لهذا الطالب، إذا سقط في النهاية، أنْ يأخذ بخناق هذا المعلم بحجّة أنْ تنبؤه ومعرفته أجبرته على السقوط؟
وإذا ارتفعنا في أمثلتنا، نقول: لنفرض أنَّ هناك شخصاً معصوماً من الخطأ. وأن هذا الشخص قد علم بأنَّ حدثاً جنائياً سوف يقع في اليوم الفلاني، فيرى من المصلحة أنْ يتدخل في الأمر، فهل علم هذا الشخص المعصوم يرفع المسؤولية عن المجرم ويعتبره مجبراً على ارتكاب الجريمة؟
مرّة أُخرى أفرض انهم أخترعوا جهازاً يتنبأ بحدوث الحوادث قبل و قوعها بساعات. فتخبر بأنَّ فلاناً سوف يقوم بكامل اختياره بالعمل الفلاني في السّاعة الفلانية. فهل هذه المعلومات تكون سبباً في اعتبار الشخص مجبراً على أنْ يفعل ما يفعل؟
الخلاصة إنَّ علم الله لا يجبر أحداً على القيام بعمل أبداً.
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية، آية الله مكارم الشيرازي ، مؤسسة البعثة، ط2. ص270-275