التاريخ آذر 1358 هـ. ش/ محرم 1400 هـ. ق
المكان: قم
المخاطب: محمد تقي الفلسفي
السيد الفلسفي: صباح أحد الأيام بعث الإمام أحد الأصدقاء أن قولوا لفلان يأتي إلى هنا. فذهبت اليه وكان لوحده. في البدء تحدث حول حزب خلق مسلمان 1 فقال:نحن نعلم أن الأجانب وامريكا خاصّة لهم عداوة شديدة مع هذه الثورة، ويحاولون توجيه الضربات لها بشتى الوسائل. والآن في بداية الطريق جاءوا وأسسوا حزباً. إن حزب خلق مسلمان هذا ذو جذور أجنبية بالتأكيد. لقد أدخلوا كلمة خلق هذه في عنوان الحزب- كما أرادوا ادخال كلمة الديمقراطية في اسم الجمهورية الإسلامية في إيران ليقولوا: الجمهورية الديمقراطية الإسلامية في إيران، وهذا هو معنى خلق مسلمان، خلق بالفارسية نفسها توده 2. إنهم يريدون من الآن تمهيد الأرضية لحرب بين المسلمين، فيقولون: الحزب الجمهوري الإسلامي وحزب خلق مسلمان. إن هذه ضربة للثورة واهدار لدماء المسلمين. يريدون ضرب هذه الثورة والقضاء على هذا الانجاز واحلال شيء آخر محله يضمن لهم مصالحهم.
المشكلة هي أنّ السيد شريعتمداري أعلن باسم آية الله ارتباطه بهذا الحزب واعتبره حزباً مرتبطأً به. أي أن بين هذا الحزب والسيد شريعتمداري علاقة انسجام ووحدة، هذه عملية خطرة جداً. ربما ضاعت كل الجهود هدراً. طلبت منك أن تأتي لأقول لك إذهب إلى السيد شريعتمداري، وقل له بشكل خاص نقلًا عني: إنّ هذا العمل عمل الأجانب، وحينما تقبّلتَ الأمر، فإنك إمّا على علم بهذا أو على غير علم. ومصلحتك أن تعلن فوراً في الصحف والإذاعة والتلفزيون أنك اعتزلت هذا الحزب وأنّ قضاياه لا صلة لها بك اطلاقاً، حتى تصان مكانتك.
الفلسفي: توجّهت فوراً إلى بيت السيد شريعتمداري .. وأبلغته رسالة الإمام. كان أصل الرسالة هو أن يكتب السيد شريعتمداري، ويوقع على هذا الاعتراف أنني لا صلة لي إطلاقاً بهذا الحزب، وأن هذا الحزب غير تابع لي.
حينما أبلغته الرسالة اعتبر الأمر عجيباً جداً وقال:" هذا الحزب حزب المسلمين، وأنا مرتبط بهذا الحزب، قلتُ هذا علناً والجميع يعرفون. إنْ قلت: لا صلة لي به، فهذا معناه زوال اعتباري ومكانتي. فهل أهين نفسي، وأقول: لا علاقة لي بهذا الحزب ولا أعرفه؟ أنا لا أفعل هذا" وقد قال عبارته السلبية هذه بقوة وحزم، فعدت إلى الإمام وقلت له: إنه يقول أن مكانتي وسمعتي في خطر، وإذا أعلنت انسحابي، يجب أن أغض الطرف عن سمعتي وأخسر الكثير من أصدقائي الذين أسسوا هذا الحزب. أنا لا أفعل هذا. فأبدى الإمام أسفه وقال:هذا السيد غير ملتفت للأمور. إذهب إليه وقل له: إن سمعتك ستتحطم بارتباطك بهذا الحزب، فعدم الانفصال عن هذا الحزب مقدمة لذهاب سمعتك أدراج الرياح. أما إذا انفصلت فإن سمعتك ستكون محفوظة تماماً ولك مكانتك وسيادتك في قم. إنني بهذا أتمّ الحجة عليه.
قل له إذا تضررت سمعتك بإعلان عدم ارتباطك بهذا الحزب، فإننا سنرعاك ونعوضك حتى لا تتضرر سمعتك بأقل الأضرار.
أبلغته رسالة الإمام، وتحدثت أنا بعد ذلك فقلت: أقترح أن تكتب استقالتك وتوقعها. وستكون هذه مقدمة لعقد مجلس في مسجد أعظم، نخبر عنه الإذاعة والتلفزيون ليحضروا ويحضره أيضاً السيد الكلبايكاني والسيد النجفي، وتكون أنت موجوداً ويشارك فيه الإمام ايضاً. أصعدُ أنا المنبر في ذلك المجلس وأتكلم بما تريده أنت. أقول إن آية الله شريعتمداري الذي قدم خدمات جليلة للثورة الإسلامية بقلمه وخطواته وجد مؤخراً أنّ حزب خلق مسلمان مضر وعلى خلاف مصالح الثورة الإسلامية. فالثورة الإسلامية إنما هي حقيقة في الأساس، وهذه الحقيقة هي الإسلام. لذلك استقال آية الله شريعتمداري بمشورة الإمام ورأيه من حزب خلق مسلمان، وكتب أن هذا الحزب غير مرتبط بي ... ولأن كلامي تضمن احتراماً فائقاً له، فكّر برهة، وقال: لا أظنّ إن الإمام يفعل هذا فقلت: سأذهب وأقول له فإذا قال إنه سيفعل، هل تقدِم أنت ايضاً على هذا الفعل بلا تردد؟ وفضلًا عن الإمام سيكون هناك السيد الكلبايكاني والسيد النجفي، سوف يأتيان حتماً. تحيّر مرة أخرى، لكنه قال بعد ذلك: حسناً جداً، اذهب وقل للإمام، وانظر هل هو مستعد لهذا الأمر أو لا؟ إذا كان مستعداً، أقدِمْ أنت على هذا العمل.
جئت إلى الإمام للمرة الثالثة، وقلت: لقد وافق السيد شريعتمداري على هذا الوعد الذي وعدتهُ وقلت إني سأرتقي المنبر وأتكلم بما يشاء. لكنه قلق من أنك لن توافق على هذا الأمر، فهل أنت موافق؟ قال الإمام:نعم إن الثورة الإسلامية وحفظ عزة الإسلام وتقصير يد الأجانب، مهم بالنسبة لي إلى درجة إني أوافق على هذه الفكرة وأشارك في المجلس، آتي وأجلس هناك. وتكلم أنت على المنبر ما يريده هو وما تراه أنت صالحاً.
الفلسفي: ذهبت للمرة الثالثة إلى بيت السيد شريعتمداري وأخبرته بموافقة الإمام. وقلت: حسناً، تقرر أن تكتب نصاً هذه الليلة، ونأتي غداً لنرى إن كانت فيه نواقص حتى نكمله، ثم نأخذه للإمام، فإذا وافق عليه نوقع عليه ثم ينعقد المجلس. قال: نعم، لا بأس، أوافق، ولكن بشرط. يجب عليَّ الليلة أن أشاور بعض أصدقائي، ولا أقطع عهداً أكيداً لكم من دون مشورة. لتكن الليلة بالنسبة لي ليلة تشاور. أنا أكتب النص، فإذا وافقتِ المشورةُ وأضيفت خصوصيات، حينئذ تعال هنا غداً صباحاً حتى نكمّله. اعتبرت الأمر محسوماً تقريباً، وخرجت من بيت السيد شريعتمداري، وقصدت منزل الإمام ... قلت: وافق تقريباً، لكنه قال إنه يجب أن يتشاور في هذا الأمر الليلة في أصل القضية والنواقص المحتملة. سوف أستشير، وتعال أنت غداً صباحاً وأخبر الإمام بالنتيجة. قال الإمام:
حسناً جداً، ابق الليلة في قم، واذهب غداً صباحاً.
الفلسفي: صباح اليوم التالي حينما ذهبت للسيد شريعتمداري قال: لم يوافق أصدقائي، وقالوا سوف تنهار سمعة الكثيرين في قم وأذربيجان، وتوجه اليك ضربة قاصمة، يجب أن لا تفكر في هذا الأمر أصلًا! وعليه لن أكتب ذلك النص. عدت إلى منزل الإمام وأخبرته بالمسألة، فتألم بشدة. ثم كانت التطورات بما يعلمه الجميع.3
* صحيفة الإمام، ج11، ص: 149
1-تأسس حزب خلق مسلمان في آذار 1979 من قبل السيد شريعتمداري، والتحق به العديد من العناصر الموالية للشاه والليبراليين واليساريين، وراحوا تدريجياً يعارضون الثورة الإسلامية. بعد الاستيلاء على وكر التجسس في تشرين الثاني 1979 والكشف عن الوثائق الدالة على علاقة بعض الأقطاب الناشطين في الحزب بالسفارة الامريكية في طهران، اتضحت الطبيعة المرتبطة بالأجنبي لهذا الحزب أكثر من السابق وابتعد عنه انصاره المتدينون. وبعد مدة واثر اكتشاف مشروع انقلابي ومؤامرة إطاحته بنظام الجمهورية الإسلامية على يد قطب زادة بالتعاون مع السيد شريعتمداري في هذا المشروع، تم حل حزب خلق مسلمان.
2-بمعنى الشعب أو الجماهير.
3-انظر تفاصيل هذا اللقاء في كتاب مذكرات وجهاد حجة الإسلام الفلسفي. ص 366 الى 370.