يتم التحميل...

شروط الإمام الخاصة وصفاته

بحوث عامة

قبل كل شيء ينبغي أنْ نلتفت الى نقطة مهمة في هذا البحث: يستفاد من القرآن المجيد بوضوح أنَّ مقام "الامامة" أرفع مقام يمكن أنْ يصل إليه انسان، أرفع حتى من مقام "النّبوة" و"الرّسالة" فنحن في حكاية النّبي ابراهيم عليه السلام، محطم الأصنام...

عدد الزوار: 121

قبل كل شيء ينبغي أنْ نلتفت الى نقطة مهمة في هذا البحث: يستفاد من القرآن المجيد بوضوح أنَّ مقام "الامامة" أرفع مقام يمكن أنْ يصل إليه انسان، أرفع حتى من مقام "النّبوة" و"الرّسالة" فنحن في حكاية النّبي ابراهيم عليه السلام، محطم الأصنام، نقرأ: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قَالَ وَ مِنْ ذِرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(البقرة:124).

أي أنَّ إبراهيم عليه السلام، بعد أنْ طوى مرحلة النّبوة والرسالة واجتاز بنجاح مختلف ما امتحنه به الله تعالى، ارتقى الى هذه المرحلة الرفيعة، مرحلة مقام الامامة الظاهرية والباطنية والمادية والمعنوية في قيادة الناس. نبيّ الاسلام صلى الله عليه وآله كان بالاضافة الى مقام النّبوة والرسالة، في مقام امامة الخلق وقيادتهم. وهناك عدد آخر من الانبياء بلغوا هذه المرحلة الرفيعة أيضاً، هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى إنَّنا نعلم أنَّ الشروط والصفات اللازمة لتحمل مسؤولية منصب من المناصب تتناسب مع الواجبات والمسؤوليات التي ينبغي على المرء تنفيذها وتحملها، وكلما كان المنصب أرفع ومسؤولياته أصعب، كانت الشروط والصفات اللازم توفرها في المنتخب لذلك المقام أهم وأثقل.

فمثلاً يشترط الاسلام فيمن يتسنم منصب القضاء، ويشترط في الشاهد وإمام الجماعة أنْ يكون عادلاً، فإذا كان الشّاهد أو من يؤم صلاة الجماعة تجب فيه العدالة، فما بالك بالشّروط اللازمة لبلوغ مقام الامامة الخطير الرفيع!

إنَّ الشروط الضرورية التي ينبغي توفّرها في الامام هي

1- العصمة من الخطأ والإثم

الامام، كالنّبي، يحب أنْ يكون معصوماً، أي أنْ يكون مصوناً من كل "خطأ" و "إثم"، وإلاّ لم يسعه أنْ يكون قائداً ونموذجاً وقدوة وأسوة للناس يعتمدونه ويتبعونه.

لا بدّ للامام من أنْ يستحوذ على قلوب الناس، فيأتمرون بأمره دون اعتراض. فمن كان ملوثاً بالإثم لا يمكن أبداً أنْ يبلغ هذا المبلغ في القلوب ولا يكون موضع ثقة الناس واطمئنانهم.

ومن كان في أعماله اليومية عرضة للأخطاء والهفوات، كيف يمكن أنْ يوثق به في إدارة أعمال المجتمع ويطمأن الى آرائه وتنفيذها بدون أي اعتراض؟

إذن، لاشك في أنَّ النّبي يجب أن يكون معصوماً، وهذا الشرط لازم في الإمام أيضاً، كما ذكرنا.

هذه المقولة يمكن اثباتها من طريق آخر أيضاً، وهي طريق "قاعدة اللطف" نفسها التي يستند اليها لزوم وجود النّبي والإمام، وذلك لأنَّ الهدف من وجود النبي والإمام لا يتحقق بدون هذه العصمة فيهما:

2- العلم الغزير
الامام، كالنّبي، هو الملجأ العلمي للناس، فلابدّ أنْ يكون عارفاً بجميع اصول الدين وفروعه، وبظاهر القرآن وباطنه، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وبكل ماله علاقة بالاسلام معرفة تامة، وذلك لأنَّه حافظ الشريعة وحاميها، كما هو قائد الناس ومرشدهم.

من ذلك نعرف أنَّ من يرتبك عند مواجهة مشكلة معقدة، أو الذين يرجعون الى الآخرين يطلبون عندهم الحلول، لأنَّ ما عندهم من علم يقصر عن الاجابة على اسئلة المجتمع المسلم، ليس لهم أنْ يتحملوا مسؤولية إمامة الاُمّة وقيادتها.

الخلاصة هي أنَّ الامام يجب أنْ يكون أعلم الناس وأوعاهم لدين الله، وأنْ يملأ الفراغ الذي يتركه النّبي بأسرع ما يمكن لكي يستمر الاسلام الصحيح الخالي من كل انحراف في مسيرته.

3- الشّجاعة
الامام يجب أنْ يكون أشجع أفراد المجتمع، إذ أنَّ القيادة بغير شجاعة غير ممكنة، الشّجاعة عند مواجهة الحوادث الصعبة المرّة، الشجاعة عند الوقوف بوجه الأقوياء الغلاظ الظالمين، الشجاعة في صد الاعداء الدّاخليين والخارجيين.

4- الزّهد والتّحرر
من المعلوم أنَّ الذين يميلون الى مباهج الدنيا وزخرفها سرعان ماينخدعون ويسهل اغراؤهم بالانحراف عن طريق الحق والعدالة بوساطة الترغيب أحياناً والترهيب اُخرى. وشخص هذا شأنه يكون في الواقع "أسيراً" للدنيا، بينما الإمام يجب أنْ يكون متحرراً من أسر أهواء النفس ومنطلقاً من قيود الثروة والجاه، لكيلا يستطيع أحد إغراءه، ويؤثر فيه ويحمله على الاستسلام والمساومة.

5- الجاذبية الاخلاقية
يقول القرآن الكريم في رسول الله صلى الله عليه وآله: ﴿فبَمِا رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَو كُنْتَ فَظَّاً غَلِيْظَ القَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَولِكَ.( آل عمران:159)

إنَّ النّبي الذي هو إمام وقائد معاً يجب أنْ يملك ذلك الخلق الرفيع الذي يجذب إليه الناس كما يجذب المغناطيس الحديد. لاشك أنَّ كل خشونة وسوء خلق ممّا يثير النفور والتباعد في الناس ويعتبر من العيوب الكبيرة في النبي أو الإمام، لذلك فان الانبياء والائمة منزهون عن هذا العيب، وإلاّ كان الوجود عبثاً لاطائل تحته.

هذه هي أهم الشروط التي ذكرها كبار العلماء للإمام.

بديهي أنَّ هناك صفات اُخرى غير هذه الصفات الخمس يجب توفرها أيضاً في الإمام، إلاّ أنَّ هذه أهمها.
 
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص148-153

2009-07-25