الموضوع: مؤامرة الاستعمار والملكية البهلوية ضد العشائر
خطاب
الحاضرون: جمع من عشائر بوير أحمد
عدد الزوار: 72
التاريخ: بعد ظهر 13 تير 1358 هـ. ش/ 9 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من عشائر بوير أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
قمع العشائر خُطّة الاستعمار القديمة
كانت عشائر إيران من أعظم المؤازرين للبلاد، وكان رضا خان مأموراً، ومن مأمورياته أن يقضي على العشائر، وكان الخُطّة أن نحن نريد أن نجعل العشائر متمدنين، فأولئك الذين يسكنون الجبال يصيرون أهل مدن، والرُحّل يوّطنون وكان هذا كلاماً، وأصل الموضوع هو أنّ الأجانب نقّبوا عن المعادن في بلادنا، ودرسوا كلّ مدننا، وعرفوا ما ندعوه الآن إيران، وإذ لم تكن المواصلات الحالية كان خبراؤهم يأتون على الجمال يستقصون هذه الصحارى والقفار التي لا نبت فيها ولا ماء، ويرسمون الخرائط، ويحدّدون عليها المعادن التي كانوا يكتشفونها بما عندهم من الوسائل التي فهموا بها ما لهذه البلاد من كنوز. ولم يختصّوا إيران بهذا، فقد كانت الأماكن الأخرى وبلدان الشرق تحت نظرهم، ودرسوا الناس فيها دراسة اجتماعية نفسية وعرفوا ما فيها من جماعات وعشائر، وكيف يكبحونها، وبأيّ نحو تصدّ كلّ عشيرة قد تكون مخالفة لمصالحهم وما يريدون، وما الذي يجب فعله في المدن، ومن الأفراد والجماعات الذين يجب كبحهم والسيطرة عليهم والقضاء عليهم لتهدأ البلاد، وليحملوا هم منها ما يشاؤون.
خطّة القضاء على الطاقة الإنسانية
كانت الغاية هي إخلاء البلاد من القوى التي تستطيع أن تصدّ هذه القوى عن مصالحها والقضاء عليها. وأدركوا أنّ من يصدّهم في المراكز هم علماء الدين، وذلك قبل أن تظهر الجامعة، فاتخذوا العلماء هدفاً ثم الجامعات عندما انتشرت وزاد أهلها، وهؤلاء دَمّروهم بأسلوبٍ بينما دمّروا العشائر بأسلوب آخر، فقد أدركوا أنّ هذه العشائر إذا قامت لا تدعهم يصلون المنافع التي يتنعّمون بها. كانوا يريدون أن يرحلوا العشائر من أماكنهم إلى أماكن أخرى، ويبعدوهم عن مواقع قدرتهم الى غيرها، وأجلوهم، وأقصوا كثيراً من العشائر من مرابعهم إلى محلّات أُخر. ومعلوم أنّ العشائر حينما تبعد عن المواقع الجبلية التي يعرفونها إلى مواقع غريبة عليهم يفقدون قدرتهم. هذه كانت الخطّة أنّ العشائر التي تستطيع الثورة على خلاف مصالح أولئك يخلعون سلاحها، وإضافةً لهذا يبعدونهم عن محلاتهم، ويُجلُونهم إلى أمكان أخرى.
قمع النظام وثوران العامَّة
حدثت هذه الأعمال في عهد رضا شاه- ولعلّ أكثركم لا يذكر- في المراكز من قبيل طهران وقم وإصفهان ومشهد ونحوها من الأماكن التي كانت مركز علماء الدين، فجابهوهم مجابهة شديدة وقمعوهم. فهذه المظالم التي عشتموها في مناطقكم وشهدتموها كلّنا رأيناها سوى أنّنا رأيناها في وضع، وأنتم شاهدتموها في وضع آخر، وطبقات الشعب الأخرى كلّ منها عانتها في وضع. كلّها رأت هذا الظلم والكبت ألواناً. ومن عوامل انتصاركم زيادةُ هذا الظلم وتفاقم الكبت الذي عندما ازداد انفجر الوضع، فقد كان الناسُ منتظرين أن يتعاظم الكبت الطويل، ويتعقد كثيراً لينبع صوتُ رفضه ويتعالى، والاخرون خلفه يجرون. وفي هذا النصر اجتمعت إيران كلّها، وصارت كلّها صوتاً واحداً هاتفةً:" نحن لا نريد هذا النظام، نريد الإسلام" وذلك لأنّ هؤلاء ما رأوا من هذا النظام إلا سوءاً، فما كان غير ظلم إذ أخربوا باسم العمران، وبدعوى أننا نريد أن نحضّر هؤلاء- على حد قولهم- أخربُوا، وجرّوا البلاد إلى الهلاك تقريباً، ولم ترض طبقات الشعب جميعاً غير أنّها لم تجرؤ على رفع صوتها، حتّى حان له أن يرتفع شيئاً فشيئاً، وقد انطلق من المراكز. تراكمت تلك الضغوط حتّى انفجرت، وكان هذا الانفجار موجباً أن تنطلق الأيدي الخالية، فيعجز أولئك الذين لديهم كل القدرة عن مقاوتها في الوقت نفسه. المهمّ أنّ هذا الانفجار إضافة إلى تحدّيه الكبت كان متّجهاً إلى الإسلام. وكان إيمان الناس مدعاةً لأن يهتفوا معاً وتقدّموا، فما نصركم وهزم أولئك- بناء على هذا- هو أنهم كانوا ظالمين وكنتم مظلومين، فتجّمع التبرّمُ قليلًا قليلًا، وظهر فيما بعدُ الالتفاتُ إلى الإسلام، وسرتم جميعاً معاً إلى الإسلام في الوقت الذي ما كان لكم شيء من وسائل القتال وانتصرتم على هؤلاء الذين كانت كلّ الوسائل بأيديهم.
وجوب الحفاظ على سر النصر
فما الذي يجب أن نفعله الآن؟ فما اجتزناهُ حسن، وهو تاريخ مضى. علينا أن نفكّر ونحن جالسون الآن هنا ولدينا قضايا بتكليفنا بها. المهمّ هو أن نعرف الآن ما نعمل. يجب أن تحفظوا هذه الثورة بذاك النحو الذي كان، بذاك المفتاح لهذه الثورة الذي هو وحدةُ الكلمة والإيمان. فوحدة الكلمة والإيمان هما اللذان نصراكم على هذه القدرة.
والمؤامرات الشاملة الآن قائمة، معَ انّ المؤامرات ليست شيئاً مهمّاً، لكنها تثير الشغب وتكون سبباً للشغب وإزعاج الحكومة والشعب. يجب أن تحفظا تلك الثورة بذاك السرّ مفتاح النصر وهو أنّكم كنتم كلّكم معاً وجميعكم طلبتم الإسلام، فعليكم أن تحفظوا هذا، فإنكم إذا حفظتموه أوصلكم إلى آخر نقاط النصر. وإذا فقدتم وحدة الكلمة- لا سمح الله- أو صارت غايُتكم غير الحكومة الإسلامية أخشى ألا تستطيعوا بعدُ أن تسيروا إلى الأمام، وعجزكم عن السير يستتبع تقدّم أولئك.
فأنتم إن تفتروا تتراجعوا، فيتقدّم أولئك، ويزيدوا المؤامرات. فهذه الشراذم تلتئم فيما بينها الآن. إن نتفرّق يجتمع أولئك، ويحصل عكس ما به رفرف النصر. الفئات المختلفة تألفت، وتوحّد صوتها، وهدمت السدّ. وإذ حطموا السدّ الآن ما زال بإزائنا سدّ آخر، ولدينا أعمال أخرى.
خطر غلبة العدُوّ
وإذا حدث أن نفقد تلك الاجتماعات التي جمعتنا، وتنفضّ الفئات الأخرى واحدةً واحدة، وتختلف الجماعات فيما بينها، ويبرد ذاك الاهتمام بالغاية قليلًا قليلًا، وهي أننا نريد حكومة الإسلام، وتخبو تلك النار التي توهجّت في القلوب وهي نور الله الذي أضاء الصدور فيما تزداد اجتماعات أولئك في الجهة الأخرى بينما نفقد نحن اجتماعنا، وتكون نتيجة هذا- لا سمح الله- أن يغلب أولئك في وقت ما، وإذا غلبوا، فلن يدعوكم هذه المرّة مثل تلك الأوقات تعيشون أحراراً حتّى في الجبال، أو في عشائركم. لا، يقضون عليكم، أي: يقضون على الجامعة، وعلى المدارس أيضاً- وعلى سكّان المدن والعشائر، وسوف يقضون علينا. إذا غلب هؤلاء- لا سمح الله- لن يغلبوا إن شاء الله، لكن يجب أن نستيقظ، وننتبه على أن نحفظ المعنى الذي أوصلنا الى هنا، وذلك المعنى هو أنكم نبذتم الخلافات جانباً، وكنتم جميعاً معاً.
النصر في ظلّ الاتحّاد
في ذلك اليوم الذي كبّر الشعبُ كلّه، وهتفوا في المدن والقرى بصوت واحد ان الموت لهذه الملكية، وما لهم من فكرة اختلاف اصلًا، بل كانوا مجتمعين قد نبذوا الخلاف وهذا ما وفّر عليكم النصر المعجزة، فما من أحد كان يتصوّر أنّ مثل هذا النصر يتسنى لشعبٍ ليس بيده شيءٍ على قدرة بيدها كلّ شيء. إذا حفظتم السرّ وصنتم اجتماعكم عن الخلافات القبيلية والذاتية والملكية والطائفية أمنتم نصركم. وهذا الرمز الثاني وهو عبارة عن إرادة الجميع جمهورية إسلامية وحكومة عادلة وإنسانية. إذا حفظتم هذين الأمرين نفضتم أيديكم من الخلافات، وقطعتم عليها السبيل إلى صفّكم. فلو حصل في وقت ما أن اثنين من عشيرتكم يُريدون الاختلاف، كان عليكم الاجتماع والاصلاح بينهما، ليعودوا أخوين، وعليكم من الجهة الأخرى أن تلتفتوا إلى أن من المقرر أن تقوم حكومة إسلامية، لينتهي الظلم، ويزول القمع، ولا نرضخ تحت ظلم الأجانب الذين يأتون، فيحملون ثرواتنا ويمضون، وما من أحد ينبس بكلمة، فلا وجود لهم بعد. إذا حفظنا وحدة الكلمة ووحدة الغاية، وهي الإسلام، انتصرنا إلى الأبد. أي: سنخلي بلادنا من هؤلاء الشياطين الذين يثيرون الفتنة إخلاءً تامَّاً، ونمنع الآخرين أن يتدخلوا في بلادنا وندير بلادنا بأنفسنا لأنفسنا، وتعود ثروات بلادكم إليكم. كانوا يأكلون بلاداً ثرّة الخيرات وينبهونها، وتركوها الآن مثقلة بالقروض من مصارف وجهات أخرى يجب أن نؤدّيها زمناً طويلًا ولا يدري هل يمكن استعادتها منهم أم لا تسمح الحكومات الأجنبية بذلك وهذه قضية أخرى.
الخلاف مدعاة للهزيمة
على كل حال أيها الاخوة حتّى الآن تقدّمتم بالأخوّة والاجتماع والمودّة والمحبّة والتمسُّك بالإسلام. فاحفظوا هذا المعنى من الآن فصاعداً، وصونوا أخوّتكم وعشيرتكم من أن تختلف هي وعشيرة أخرى. إذا حدث- لا سمح الله- أن ينشأ خلاف، اجتمع وجهاؤكم وشيوخكم المحترمون ووضعوا حداً لهذا الخلاف، وما سمحوا أن ينشأ مثلًا بين شاب وآخر، فكل ما تعانيه البلاد من مصائب ناشئ من هذه الاختلافات بين أبنائها. فإذا صارت بلادُنا متحدة الكلمة، لم ينزل بها ظُلم مهما كان.
حفظكم الله وسلّمكم وأسعدكم، وحفظ عشائركم، فعشائرنا خزائنُ هذه البلاد حفظهم الله جميعاً ووفّقهم وأيدهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 336,333