صفات الله الثبوتية الذاتية (القدرة)
صفات وأسماء الخالق
إتفق الإِلهيون على أَنَّ القدرة من صفاته الذاتيَّة الكمالية كالعِلْم. ولأَجل ذلك يُعَدّ القادر من أسمائه سبحانه. القدرة لغة كما عرّفها أَصحاب المعاجم الملك والغِنى واليَسار. قال ابن منظور: يقال قَدِرَ على الشَّيء قُدْرَةً أي مَلَكَهُ فهو قادر وقدير. يقول سبحانه عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ القمر:55 أي قادر، والقَدْر الغنى واليَسار.
عدد الزوار: 92
• القدرة
إتفق الإِلهيون على أَنَّ القدرة من صفاته الذاتيَّة الكمالية كالعِلْم. ولأَجل ذلك يُعَدّ القادر من أسمائه سبحانه1.
القدرة لغة "كما عرّفها أَصحاب المعاجم" الملك والغِنى واليَسار. قال ابن منظور: يقال قَدِرَ على الشَّيء قُدْرَةً أي مَلَكَهُ فهو قادر وقدير. يقول سبحانه ﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾(القمر:55) أي قادر، والقَدْر الغنى واليَسار.
وقال الراغب: القدرة إذا وُصِفَ بها الإِنسان فاسم لهَيْئة له، بها يتمكن من فعل شيء ما. وإذا وصف الله تعالى بها فهو نفي العجز عنه. ا. هـ . ولا يخفى أن تفسير الراغب القُدرة في الله سبحانه بإرجاعها إلى الصفات السلبية (نفي العجز عنه) خطأ واضح، لأن القدرة كمال ولا يشذّ كمال عن ذاته.
تعريف القدرة
ثم إِنَّ الفلاسفة والمتكلّمين فسروا القدرة بوجوه أبرزها:
1ـ القُدرة بمعنى صحة الفعل والتَّرك، فالقادر هو الذي يصح أَنْ يفعل ويصح أَنْ يترك.
2ـ القدرة هي الفعل عند المشيئة، والترك عند عدمها. فالقادر من إِنْ شاء فعل وإِنْ شاء لم يفعل، أَو إِنْ لم يشَأْ لم يفعلْ.
وقد أَورد على التعريف الأَول بأنَّ معنى صحة الفعل والترك إِمكانُهما للقادر. وهذا الإِمكان إما إِمكان ماهَويٌ يقع وصفا للماهية ويقال: الإِنسان بما هو إِنسان يمكن أَنْ يفعل ويمكن أَنْ لا يفعل. وإِمَّا امكانٌ استعداديٌ يقع وصفاً للمادة المستعدة لأَن تتصف بكمال مثل قولنا: الحَبَّة لها إمكان أَنْ تكون شجرة. وعلى كلا التقديرين فلا يصح تبيين قدرته سبحانه بهذه العبارة لأَن الله سبحانه مُنَزَّه عن الماهية بل هو وجودٌ كُلُّه، فكيف يمكن توصيفه بإِمكان هو من عوارضها. كما أنَّه سبحانه منزَّه عن المادّة والإِستعداد، فكيف يصح تبيين قدرته بشيء يقوم بالمادة والإِستعداد، هذا.
وقد أورد على التعريف الثاني بأَنَّ ظاهره كونُ الفاعل موجِداً للفعل بالمشيئة، ولازمه أَنْ لا يكون الفاعل تامّاً في الفاعلية إِلاّ بضم ضميمة إليه وهي المشيئة وهو مستحيل على الله سبحانه، لأَنَّه غنيٌّ في الفاعلية عن كل شيء سوى ذاته حتى المشيئة الزائدة عليها.
• دفاع عن التعريفين
إِنَّ الهدف من وصفه تعالى بالقدرة هو إِثبات كمال وجمال له وتنزيهُه عن النقص والعيب. فلو كان لازم بعض التعاريف طروءَ نقص أو توهّم في حقه سبحانه، وَجَب تجريدها عن تلك اللوازم وتمحيضها في الكمال المطلق. وهذا لا يختص بالقدرة بل كل الصفات الجارية عليه سبحانه تتمتع بذلك الأَمر.
مثلا: إِنَّ الحياة مبدأ الكمال والجمال، ومصدر الشعور والعلم، فليس الهدف من توصيفه سبحانه بالحياة إلاّ الإِشارة إلى ذاك الكمال. وأَمَّا الذي ندركه من الحياة، وننتزعه من الأَحياء الطبيعية، فإِنه يمتنع توصيفه تعالى به لاستلزامه كونَه سبحانه موجوداً طبيعيّاً مستعداً للفعل والإِنفعال إلى غير ذلك من خصائص الحياة المادية. ولأجل ذلك يجب أَن نَصِفَه سبحانه بالحياة مجردةً عن النقائص. وهذه ضابطة كلية في جميع الصفات الإِلهية فلا توصف ذاته سبحانه بشيء منها إلاّ بهذا المِلاك، وهذا ما يسعى إليه الحكيم العارف بالله سبحانه. وعند ذلك يصح تفسير قدرته سبحانه بما ورد في التعريفين ولكن بتجريد كل واحد منهما عما يستلزمه من النقائص، ككونه سبحانه ذا ماهية أو مادة مستعدة، كما في التعريف الأَول. أو كونه سبحانه فاعلا بمشيئة زائدة على الذات، كما في التعريف الثَّاني.
وعلى ذلك فالذي يمكن أن يقال هو إنَّ نسبة الفعل إلى فاعله لا تخلو عن أقسام ثلاثة
الأول: أنْ يكون الفاعل متقيداً بالفعل فلا ينفك فعله عنه، وذلك هو الفاعل المضطر كالنار في إحراقها، والشمس في اشراقها.
الثاني: أنْ يكون الفاعل متقيِّداً بترك الفعل فيكون الفعل ممتنعاً عليه.
الثالث: أنْ لا يكون الفاعل متقيّداً بواحدة من النِسْبَتَيْن فلا يكون الفعل ممتنعاً حتى يتقيَّد بالترك، ولا الترك ممتنعاً حتى يتقيد بالفعل. فيعود الأَمر في تفسير القدرة إلى كون الفاعل مطلقاً غيرَ مقيد بشيء من الفعل والترك2.
هذا ما نفهمه من توصيفه سبحانه بالقدرة سواءٌ أفُسِّرت بصحة الفعل والترك أم فُسِّرت بـ "إن شاء فَعَل وإِنْ شاء لم يفعل". فإِنَّا نأْخذ من التعريفين كمال القدرة ونطرح نقائصها. فيصح أنْ يقال إنَّ القدرة في حقّه سبحانه بمعنى صحة الفعل والترك، بمعنى تجرده عن التقيد بالفعل أو الترك. كما يصح أن يقال بالتعريف الثاني، لا بمعنى كونه فاعلا بالمشيئة الزائدة، بل ما عرفت من تجرده عن أي إلزام بأحد الطرفين.
• دلائل قدرته
أُستدل على قدرته سبحانه بوجوه نعرض أَوضحها وأَقواها.
الأَول: الفطرة
إِنَّ كل إِنسان يجد في قرارة نفسه انجذاباً إلى قدرة سامية عند طروء الشدائد ويعتقد أَنَّ هناك قدرة عليا هي الملجأ الوحيد للنجاة في تلك الأَحايين. وهذا ما يلمسه من دون تلقين وتعليم. ووجود هذه الفطرة حاك عن وجود تلك القدرة المطلقة، وإِلاّ يلزم أَنْ يكون وجودها لغواً. وليس المراد من الفطرة هنا هو تَصَوُّرُ القادرِ وتوهُّمُه عند طروء الشدائد حتى يقال إِنَّ تصور الشيء لا يدل على وجوده كتصور العنقاء الذي لا يعد دليلا على وجودها، بل المراد منها الميلُ الباطني، والإِنجذاب الذاتي الوجداني، وإِحساسه ذلك الإِنجذاب كسائر أَحاسيسه.
فالإِنسان الغارق في الشدائد الآيس من كل سبب مادي يجد في أعماق نفسه "وُجدانا لا يشك فيه" أَنَّ هناك موجوداً عالماً بِمَشاكِلِه قادراً على دفعها عنه. ولا ينافي فطريته الغفلةُ عنه بعد ارتفاع الشدائد وزوال المحن، إِذ ليس كل أَمر فطري متجلٍّ في جميع الظروف. فإِنَّ لظهور الغرائز شرائط وأجواء خاصة حتى غريزتي الشهوة والغضب.
وباختصار إِنَّ الفطرة كما تدعو إلى وجوده سبحانه، تدعو إلى صفاته من العلم والقدرة. يقول سبحانه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾(الأنعام:40-41).
الثاني: النظام - الكوني
النظام الكوني بما فيه من دَقيق وجَليل، وما فيه من جمال وبَهاء، ودِقّة وروعة، وإِتقان وإحكام، يحكي عن قدرة مُبْدِعِ الأَشياءِ وتمكُّنِه من خَلْق أَدقِّها وأَرْوعِها. وقد خَدَمَتْ العلومُ الطبيعيةُ كثيراً في هذا المجال. وأَثْبَتَتْ قدرة الصانع. وكلَّما تكامَلَتْ هذه العلومُ وازداد وقوفُ الإِنسان على سُنَنِ الكَوْنِ وقوانينِه وبدائِعِهِ وروائِعِهِ، تَجَلَّت هذه الصفة بنحو أحسنَ وأجلى.
وبذلك يتْضح أَنَّ فِعْلَ الفاعل، كما يكشف عن وجود الفاعل، يكشف عن صفته. فالديوانُ الشِّعْري الرائع كما يَدُل على وجود منشيء له، كذلك يدل على مقدرته الفنية وذوقه المتفوق وقدرته على التحليق في آفاق الخيال وسَبْكِ المعاني السامية في قوالبِ الألفاظ الجميلة. وكتابُ "القانون" لابن سينا في الطب، وكتابُه الآخر باسم "الشِّفاء" في الفلسفة، يَدُلاّن على أَنَّ مؤلفهما كان من البارعين في الطب والفلسفة. ولأَجل ذلك نرى أَنه سبحانه عندما يصف روائع أَفعاله وبدائع صنعه في آيات الذكر الحكيم، يختمها باسم "القدير" يقول سبحانه: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَ مِنَ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيء عِلْمَاً﴾(الطلاق:12).
فالإحكامُ والإِتقان في الفعل آيتا العلم وعلامتا القدرة. وإِنَّا نرى في كلمات الإِمام علي ـ عليه السَّلام ـ أنّه يستند في البرهنة على قدرته تعالى بروعة فعله وجمال صنعه سبحانه.
قال عليه السَّلام: "فَطَرَ الخلائِقَ بقُدْرَتِهِ، ونَشَرَ الرِّياح برحمَتِه، وَوَتَّدَ بالصُّخورِ مَيَدانَ أرضِه"3.
ويقول عليه السَّلام: "وأَرانا من مَلَكوتِ قُدْرَتِه وعجائِبِ ما نَطَقَتْ به آثارُ حِكْمَتِه"4.
ويقول عليه السَّلام: "فَأقامَ مِنَ الأَشياءِ أَوَدَها، ونَهَجَ حُدودَها ولاءَم بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضادِّها"5.
ويقول عليه السَّلام: "وأَقامَ مِن شواهِدَ البَّيّناتِ على لَطيف صَنْعَتِه وعَظيم قُدْرَتِه"6.
إلى غير ذلك من خطبه وكلماته.
وقال الإِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام في جواب بعض المَلاحِدَة: "كَيْفَ احتَجَبَ عَنْكَ من أَراكَ قُدْرَتَهُ في نفسِكَ"7.
الثالث: معطي الكمال ليس فاقداً له
ومن دلائل قدرته سبحانه أَنَّه خلق الإِنسان كما خلق غيره وأَعطاه قدرةً يقتدر بها على إِيجاد البدائع والغرائب والصنائع الهائلة والأَشياء الظريفة. ومن المعلوم أَنَّ الإِنسان بوجوده وقُدرته معلولُ وجودِه سبحانه، فهل يمكن أَنْ يكون مفيضُ وخالقُ الإِنسان القادر فاقداً لها؟
• سعة قدرته تعالى لكل شيء
إنَّ الفِطْرة البشرية تقضي بأَنَّ الكمال المطلق الذي ينجَذِب إليه الإِنسان في بعض الأَحايين قادر على كل شيء ممكن، ولا يتبادر إلى الأذهان أَبداً "لولا تشكيك المُشَكّكين" أَنَّ لقدرته حدوداً أَو أَنّه قادر على شيء دون شيء، ولقد كان المسلمون في الصدر الأَول على هذه العقيدة إستِلهاماً من كتاب الله العزيز، النّاص على عمومية قدرة الله سبحانه.
حتى وصل أَمر الأَبحاث الكلامية إلى شيوخ المعتزلة فجاؤوا بتفاصيل في سعة قدرته سبحانه نشير إليها على وجه الإجمال.
1- قال النَّظَّام8: إِنَّه تعالى لا يقدر على القبيح.
2- وقال عَبَّاد بن سليمان الصَّيْمُري: لا يقدر على خلاف معلومه.
3- وقال البلخي9: لا يقدر على مِثْل مقدور عبده.
4- وقال الجُبّائِيّان10: لا يقدر على عَيْن مقدور العبد.
وربما نُسب إلى الحكماء أَنَّه سبحانه لا يقدر على أَكثر من الواحد ولا يصدر منه إِلاّ شيء واحد وهو العقل. وهناك عقائد للثنوية مبهمة نترك بيانها إلى موضع آخر.
هذه صورة تاريخية عن نشأة هذا الرأي، أَيْ تقييد قدرة الله. ويبدو أنّ أكثَر هؤلاء تأثّروا بالآراء الدخيلة الوافدة إلى بلاد الإِسلام في عصر نهضة الترجمة. وستوافيك شبهاتهم وتحليلها بعد استعراض أَدلة القائلين بعموم قدرته.
• أَدلة القائلين بعموم القدرة الإِلهية
إِنَّ المقصود من عموم قدرته سبحانه هو سعتها لكل شيء ممكن. بمعنى أنَّه تعالى قادر على خلق كل ما يكون ممكناً لذاته غير ممتنع كذلك. وقد استدل المحققون عليه بقولهم:
"إنَّ المقتضي موجود والمانع مفقود. أما الأول فلأن المقتضي لكونه تعالى قادراً هو ذاته، ونسبتُها إلى الجميع متساوية لكونها منزهة عن الزمان والمكان والجهة فليس شيء أَقرب إليه من شيء حتى تتعلق به القدرة دون الآخر.
وأَما الثاني فلأَن المقتضي لكون الشيء مقدوراً هو إمكانه، والإِمكان مشترك بين الكل فتكون صفة المقدورية أَيضاً مشتركة بين الممكنات وهو المطلوب".
ويمكن توضيح ذلك الدليل بالبيان التالي:
إن موانع عموم قدرته يمكن أنْ تكون أحد الأمور التالية:
أولاً: أنْ لا يكون الشيء ممكناً بالذات، مثل اجتماع النقيضَيْن أو الضِدَّين.
ثانياً: أَنْ يكون هناك مانع من نفوذ قدرته وشمولها للجميع. وهذا كما إذا كان في مقابله قدرةٌ مضاهيةٌ ومعارضةٌ لقدرته.
ثالثاً: أنْ تكون ذاته غيرَ متساوية بالنسبة إلى الأَشياء.
والعوامل الثلاثة منتفية بِرُمَّتِها. أما الأَول، فلأن المقصودَ من عموم قدرته هو شمولُها لكل أَمر ممكن دون الممتنع بالذات، فلا تتعلق القدرة الإِلهية به أَبداً، لا لقصور في الفاعل بل لقصور في المورد. وأَما الثاني، فلأن القُدرة المُضاهِيَة المعارِضَة لقُدْرته مرفوضة بما ثَبَتَ ويثْبُتُ في محله من وَحْدَةِ الواجبِ سبحانه ذاتاً وعدم مثيل له في صفحِة الوجود، وأما القُدرة المُمْكِنَة فليست مُزاحِمَة لقدرته إذ هي مَخلوقةٌ له.
وأما الثالث، فلأَن تَنَزُّهَه عن كلّ قيد وشرط وجهة ومكان يجعله متساوياً بالنسبة إلى كل ممكن بالذات فلا وجه لأن يقع بعضُ الممكنات في إِطار قدرته دون الآخر. فإن التبعيض في قدرته سبحانه رَهْن كونِ بعضِ الأشياءِ قريبةً إليه دون بعضها الآخر، كالإِنسان الذي يعيش في مكان وزمان خاص. فإِنَّ الأشياء الغابرةِ أو المستقبَلَة خارجةٌ عن حَوْزة قدرته، لمحدودية ذاته بالقيود الزمانية والمكانية. وأَما المجرد التام الخالق لكل الأَزمنة والأَمكنة والجواهر والأَعراض فلا معنى لأن تكون ذاتُه قريبة إلى واحد وبعيدة عن الآخر.
هذا توضيح ذلك البرهان.
وهناك برهان آخر أروع وأبْهى مما ذُكر يبتنى على عدم تناهي ذاته سبحانه في الجمال والكمال وحاصله أنَّ وجوده سبحانه غير محدود ولا متناه، بمعنى أَنَّه وجود مُطْلَق لا يَحُدُّه شيء من الحدود العقلية والخارجية. وما هو غير متناه في الوجود، غير متناه في الكمال والجمال، لأَن منبع الكمال هو الوجود، فعدم التّناهي في جانب الوجود يُلازم عدمه في جانب الكمال، وأيّ كمال أروع وأبهى من القدرة فهي غير متناهية تبعاً لعدم تناهي كماله، فيثبت سعة قدرته لكل ممكن بالذات.
• سعة قدرته سبحانه بمعنى آخر
إِنَّ لِسَعَةِ قدرته سبحانه معنيين أَحدهما ما تعرفت عليه، والثاني ما طرحه الحكماء في كتبهم. وحاصلُه أنَّ الظواهرَ الكونية، مجرَّدَها ومادّيَّها، ذاتَها وفعلَها، تنتهي إلى قدرته سبحانه. فكما أنَّه لا شريك له في ذاته، لا شريك له في فاعليته. فكلُّ ما يُطلَق عليه كلمةُ الموجود فهو مخلوق لله سبحانه مباشرةً أو على نحو الأسباب والمُسبَّبات، فالكل يستند إليه لا محالة. وهذا هو التَّوحيد في الخالقية.
والمخالف لهذا المعنى من سعة القدرة هم الثنوية الذين جعلوا فاعل الخير غير فاعل الشر، وعامةُ المعتزلة الذين صيروا الإِنسان فاعلا مستقلا في أَفعاله. وسنوضح، بإِذنه تعالى، في محله بطلان هاتين العقيدتين.
وأَما قول الحكماء بكون الصادر عن الله سبحانه هو العقل الأول ومنه صدر العقل الثاني إلى أَنْ تنتهي دائرة الوجود إلى المادة والهَيُولى، فالظاهر أَنها فرضية لا تخالف انتهاء الموجودات إلى الله سبحانه عن طريق الأَسباب والمسبّبات، والتفصيل موكول إلى محله.
• النصوص الدينية وسعة قدرته سبحانه
لقد تضافرت النصوص من الكتاب والسنة على سعة قدرته وإِطلاقها، نذكر منها:
قوله سبحانه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرًا﴾(الأحزاب:27). وقوله سبحانه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيء مُّقْتَدِرًا﴾(الكهف:45). وقوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيء فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً﴾(فاطر:44).
وقال الإِمام الصادق عليه السَّلام: "الأَشياء له سواءُ، علماً وقدرةً وسلطاناً وملكاً"11.
وقال الإِمام موسى بن جعفر ليه السَّلام: "هو القادرُ الذي لا يَعْجَزْ"12.
• أَسئلة وأَجوبتها
إِنَّ القائلين بعموم قدرته سبحانه قوبلوا بعدة أَسئلة نطرحها ثم نحللها، وهذه هي الأسئلة:
1- هل يقدر سبحانه على خلقِ مِثْلِهِ؟ فلوأُجيب بالإِيجاب لزم افتراضُ الشريك له سبحانه، ولو أُجيب بالنفي ثَبَت ضِيقُ قدرته وعدم عمومها.
2- هل هو قادر على أَنْ يجعل العالم الفسيحَ في البيضة من دون أَن يَصْغُر حجم العالم أَو تَكْبُر البيضة؟ فإِنْ أُجيب بالإِيجاب لزم خلاف الضرورة وهو كون المظروف أَكبر من الظرف وإِنْ أُجيب بالنَّفي لزم عدم عموم قدرته.
3- هل يمكنه سبحان أنْ يوجد شيئاً لا يقدر على إفنائِه؟ فإنْ أُجيب بالإِيجاب لزم عدمُ سعة قدرته حيث لا يقدر على إِفنائه. وإِنْ أُجيب بالسلب لزم أَيضاً عدم عموم قدرته. ففي هذا السؤال يلزم من الجواب، إِيجاباً وسلباً، ضِيقُ قدرته.
هذه هي الأسئلة، وأمّا الإِجابة عنها فبوجهين تارة بالإِجمال وأخرى بالتفصيل.
أما الإِجمال: فلأن المدَّعى هو تعلق قدرته بالممكن بالذات وما ورد في هذه الأسئلة ليست أُموراً ممكنة بالذات بل كلُّها إِمَّا محال بالذات أَو شيء يستلزم ذلك المحال. ولا يُعَدّ عدمُ القدرة عليها نقصاً في الفاعل. فعدم قدرة الخياط على خياطة القميص من الآجُرّ، وعدم قدرةِ الرسام على رسم صورة الطاووس على الماء لا يعد نقصاً في قدرتهما.
وهذا مثلما إِذا طلبنا من عالم رياضي ماهر أَنْ يجعل نتيجة (2×2) خمسة. وعلى هذا الأَساس لا ينحصر السؤال فيما ذُكر، بل كل ما لا يكون ممكناً بالذات لا يقع في إِطار القدرة لقُصور فيه لا لقصور في القدرة.
وأما الجواب التفصيلي عن الأسئلة الثلاثة فإليك بيانه
أما الأول، فلأن المِثْلَ مَحال بالذات أنْ يقع في إِطار القدرة والمطالبة بخلقِه، مطالبة بأَمر محال.
وببيان آخر، إِنَّ القيام بخلق المِثْل يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد، فبما أنّ المُفْتَرَضَ وجوده مِثْلُه سبحانه، يجب أنْ يكون واجباً لا ممكناً، قديماً لا حادثاً، غير متناه لا متناه. وبما أنَّه تعلقت به القدرة وهي لا تتعلق إلاّ بشيء غير موجود، يجب أنْ يكون حادثاً لا قديماً، ممكناً لا واجباً، متناهياً لا غير متناه. وهذا ما قلناه من أنه يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد.
وبهذا تتبين الإِجابة عن السؤال الثاني. فإِنَّ عدم تعلق القدرة بجعل الشيء الكبير في الظرف الصغير، هو من جهة كونه غير ممكن في حد ذاته. إذ البداهة تحكم بأَنَّ الظرف يجب أَن يكون أَكبر من مظروفه، هذا من جانب ومن جانب آخر، لو جعل الكبير في الظرف الصغير يلزم نقيضُه أَيْ كون الظرف أَصغر من مظروفه. فالقيامُ بهذا الإِيجاد يستلزم كونَ شيء واحد أعني الظرفَ أو المظروفَ في آن واحد صغيراً وكبيراً.
وأَما السؤال الثالث، فلأن المفترض محال لاستلزامه المحال بالذات، ففرض خلقه سبحانه شيئاً لا يقدر الخالق على إفنائه، لا ينفك عن المحال، بيانه:
إِنَّ الشيء المذكور بما أَنَّه أَمر ممكن فهو قابل للفناء، وبما أَنَّه مُقَيَّد بعدم إِمكان إِفنائه فهو واجب غير ممكن. فتصبح القضية كونَ شيء واحد ممكناً وواجباً، قابلا للفناء وغير قابل له.
وبعبارة أُخرى: إِنَّ كونه مخلوقاً يلازم إِمكان إِفنائه، لأَن المخلوق قائم بالخالق فلو قُطِعت صلتُه به لزم انعدامه، وكونه غير قابل للإِفناء يستلزم أَنْ لا يكون مخلوقاً، فالمفروض في السؤال يستلزم تحققه - على الفرض - اجتماع النقيضين. وبهذا تَقْدِرُ على الإِجابة على نظائر هذه الأَسئلة مثل أَنْ يقال: هل الله قادر على خلق جسم لا يقدر على تحريكه؟ فإِنَّ هذا من باب الجمع بين المتناقضين. فإِنَّ فرض كونه مخلوقاً يلازم كونه متناهياً، قابلا للتحريك. وفي الوقت نفسه فرضنا أَنَّه سبحانه غيرُ قادر على تحريكه!!
إِنَّ هذه الفروض وأَمثالها لا تضرّ بعموم القدرة، وإِنما يَغْتَرُّبها بُسطاء العقول من الناس، وأَما أهل الفضل والكمال فأَجلّ من أنْ يخفى عليهم جوابها.
شبهات النافين لعموم القدرة
قد عرفت بعض التفاصيل في هذه المسألة في صدر البحث. وقد حان وقت البحث عنها وتحليلها بشكل يناسب وضع الكتاب.
أ - الله سبحانه لا يقدر على فعل القبيح
إستدل النَّظَّام على أَنَّه تعالى لا يقدر على القبيح بأنه لو كان قادراً عليه لصدر عنه، فيكون إِما جاهلا بقُبحه أو محتاجاً إلى فعله وكلا الأمرين محال.
والإِجابة عنه واضحة، إِذ المقصود قدرته على القبيح وأنها بالنسبة إليه وإلى الحسن سواء. فكما هو قادر على إرسال المطيع إلى الجنة قادر على إدخاله النار. وليس هنا ما يعجزه عن ذلك العمل. لكن لما كان هذا العمل مخالفاً لحكمته سبحانه وعدله وقسطه، فلا يصدر عنه. لأَن القبيح لا يرتكبه الفاعل إلاّ لجهله بقبحه أوْ لحاجته إليه، وكلا الأَمرين منتفيان عن ساحته المقدَّسة. فكم فرق بين عدم القدرة على الشيء أَصلا وعدم القيام به لعدم الداعي. فالوالد المشفق قادر على ذبح ولده، ولكن الدواعي إلى هذا الفعل منتفية، ولا يصدر هذا الفعل إِلاّ من جاهل شقيّ أو محتاج مُعدَم.
فالنَّظَّام خلط بين عدم القدرة وعدم الداعي
ب - عدم قدرته تعالى على خلاف معلومه
ذهب عبَّاد بن سليمان الصَّيْمُري إلى عدم سعة قدرته قائلا بأَنَّ ما علم الله تعالى وقوعه، يقع قطعاً، فهو واجب الوقوع، وما علم عدم وقوعه لا يقع قطعاً، فهو ممتنع الوقوع. وما هو واجب أو ممتنع لا تتعلق به القدرة، إذ القدرة تتعلق بشيء يصح وقوعه ولا وقوعه. والشيء الذي صار "حسب تعلق علمه" أحادي التعلق، أي ذا حالة واحدة حتمية، لا يقع في إطار القدرة.
مثلا: إذا علم سبحانه وتعالى ولادة رجل في زمن معيَّن، يكون وجوده في ذاك الزمن قطعياً ومعلوماً، فلا تتعلق قدرته بعدمه الذي هو خلاف ما علم. لأن المفروض أَنَّ وجوده صار واجباً وعدمه صار ممتنعاً، لكون علمه كاشفاً عن الواقع كشفاً تاماً.
والإِجابة عنه بوجهين
أما أولا: فلأن لازم ما ذكره أَنْ لا تتعلق قدرته بأَي شيء أَصلا. لأَنَّ كل شيء إِما أَنْ يكون معلوم التحقق في علمه سبحانه أو معلوم العدم. فالأَول واجبُ التحقق، والثاني ممتنعه. فيكون كل شيء داخلا في أَحد هذين الإِطارين، فيلزم أنْ يمتنع توصيفه بالقدرة على أي شيء، وهو مُسلّم البطلان.
وثانياً: إنَّ عبّاد لم يفرق بين الواجب بالذات والواجب بالغير، كما لم يفرق بين الممتنع بالذات والممتنع بالغير. فالمانع من تعلق القدرة هو الوجود والإِمتناع الذاتيان، لا الوجود والإِمتناع الغيريان اللاحقان بالشيء من جانب وجود علته ومن جانب عدم علته.
توضيحه: إِنَّ كلّ شيء تتعلق به القدرة يجب أَنْ يكون في حدّ ذاته ممكناً تتساوى إليه نسبة الوجود والعدم. وكونه واجب الوجود عند وجود علته لا يخرجه عن حدّ الإِمكان. كما أَنَّ كونه ممتنع الوجود عند عدم علته لا يخرجه عن ذلك الحد. وعلى ذلك فمعلومه سبحانه، وإِنْ كان بين محقَّق الوجود أو محقَّق العدم - أي بين ضرورة الوجود بالنسبة إلى وجود علته وضرورة العدم بالنسبة إلى عدم علّته - لكن هذه الضرورة في كلا الطرفين لا تجعل الشيء واجباً بالذات أَو ممتنعاً كذلك. بل الشيء حتى بعد لحوق الضرورة أو الإِمتناع من جانب وجود علّته أو عدمه، موصوف بالإِمكان غير خارج عن حد الإِستواء.
ففي المثال المفروض "أعني ولادة الإِنسان في وقت معين" قد تعلق علمه وإرادته سبحانه على خلقه في ذاك الظرف، ولا يقع نقيضه. ولكن عدم وقوعه ليس لأجل عدم قدرته سبحانه عليه، بل في وسعه سبحانه قطع الفيض وعدم خلق المعلوم، بل لكونه على خلاف ما علم وأراد، فكم فرق بين عدم القيام بالشيء (عدم الخلقة) لأجل كونه خلاف ما علم صلاحه، وعدم قدرته عليه.
ج - عدم قدرته تعالى على مثل مقدور العبد
ذهب البلخي إلى أَنَّ الله تعالى لا يقدر على مِثْل مَقدور العبد، لأَنه إمّا طاعة أوْ معصية أوْ عبث، وفعل الإِنسان لا يخرج عن هذه العناوين الثلاثة، وكلُّها مستحيلة عليه تعالى وإلاّ لزم اتصاف فعله بالطاعة أَوْ المعصية أوْ العبث. والأوَّلان يستلزمان أنْ يكون لله تعالى آمر، وهو محال. والأخير يدخل تحت القبيح وهو مستحيل عليه سبحانه. وقد مرّت الإِجابة عن عدم قدرته على القبيح فلا نعيد. وأَمَّا الأَولان فنقول:
إِنَّ الطاعة والمعصية ليستا من الأمور الحقيقية القائمة بالشيء نفسه، بل هما أَمران يدركهما العقل من مطابقة الفعل للمأمور به ومخالفته له. فعندئذ ليس هنا أي إِشكال في قدرته سبحانه على مِثْل ما قام به العبد بما هو مِثْلٌ، بأَنْ يكون فعله سبحانه متحد الذات والهيئة مع فعل العبد وهيئته. وأما عدم اتصاف فعله سبحانه حينئذ بوصف الطاعة والعصيان فلا يضرّ بقدرته تعالى على مثل ما أتى به الإِنسان، لأن المِلاك في المِثْلِيّة هو واقعية الفعل وحقيقته الخارجية لا العناوين الإِعتبارية أو الإِنتزاعية غير الداخلة في حقيقة الشيء. وإلى ما ذكرنا ينظر قول العلامة الحلّي في شرح التجريد: "إنَّ الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الإِختلاف الذاتي"13. نفترض أنَّ إنساناً قام ببناء بيت امتثالا لأمر آمره، فالله سبحانه قادر على إِجاد مثل ذلك البيت من دون تفاوتِ قدرِ شعرة بينهما ويتَّسم فعل العبد بالطاعة دون فعله سبحانه، لكن ذلك لا يوجد فرقاً جوهرياً بين الفعلين، بل الفعلان متحدان ماهية وهيئة.
وإِنما الإِختلاف في الأَمر الإِعتباري أوْ الإِنتزاعي، ففعل الإِنسان إذا نُسب إلى أَمر الآمر يتّسم بالطاعة دون فعله سبحانه. وهذا لا يوجب التَّقول بأَنه سبحانه لا يقدر على مثل فعل عبده.
نعم، هناك أَفعال صادرة عن الإِنسان بالمباشرة، قائمة به قيام العَرَض بالموضوع، كالشرب والأكل. فعدم صدورهما عن الله سبحانه سبَبُه كونُهما من الأفعال المادية القائمة بالموضوع المادي، والله سبحانه منزه عن المادة، فلا يتصف بهذه الأفعال. ومع ذلك كله: فالإِنسان وما يصدر منه من الأَفعال المباشرة بإقداره سبحانه وحوله وقوته، بحيث لو انقطع الفيض من ربه لصار الإِنسان مع فعله خبراً بعد أثر.
د - عدم قدرته تعالى على عين مقدور العبد
ذهب الجُبَّائيّان إلى عدم سعة قدرته سبحانه، كما ذهب من تقدم، ولكن بتفصيل آخر، وهو أَنَّه تعالى لا يقدر على عَيْن مقدور العبد، وإِلاّ لزم اجتماع النقيضين إذا أراده الله وكرهه العبد، أَوْ بالعكس.
بيان الملازمة: إنَّ المَقدور من شأنه الوقوع عند داعي القادر عليه، والبقاء على العدم عند وجود صارفه. فلو كان مقدورٌ واحدٌ واقعاً من قادرين، وفرضنا وجود داع لأَحدهما ووجود صارف للآخر في وقت واحد، لزم أنْ يوجد بالنظر إلى الدّاعي وأنْ يبقى على العدم بالنظر إلى الصارف، فيكون موجوداً غير موجود، وهما متناقضان.
والجواب: أولا: إنَّ الإِمتناع لا يختص بالصورة التي ذكرها الجُبَّائيّان أعني التي تَعَلَّق فيها داعي أَحدهما بالفعل وصارف الآخر بعدمه، بل يجري الإِمتناع فيما إذا تعلقت إرادة كل منهما بإيجاد نفس المقدور وعينه، فإِنَّ لازم ذلك اجتماع علَّتين تامَّتين على معلول واحد.
ثانياً: إنَّ عدم قدرته سبحانه على عين فعل العبد، لأَجل أَنَّها إِنَّما تتعلق بالممكن بما هو مُمْكن فإذا صار ممتنعاً ومحالا، فلا تتعلق به القدرة. وعدم تعلُّقِها بالممتنع لا يدل على عدم سعتها. وما فرضه الجبّائيّان من الصور، أو ما أَضفناه إليها لا يثبت أَكثر من أَنَّ صدور الفعل في تلك الظروف محال لاستلزامه اجتماع النقيضين "في فرض الجبّائيان" أو اجتماع العلَّتين التامتين على معلول واحد كما في فَرْضِنا. وما هو محالٌ خارجٌ عن إِطار القدرة ولا يطلق عليه عدم القدرة.
وثالثاً: ماذا يريدان من قولهما "عين مقدور العبد"؟ هل يريدان منه الشيء قبل وجوده، أو بعده؟ فإِذا أراد الأَول فلا عينية ولا تَشَخُّص في هذا الظرف ولا يتجاوز الشيء في هذه المرحلة عن كونه مفهوماً كلياً. وإِنْ أرادا الثاني، فعدم تعلق القدرة عليه إِنما هو لأنه من قبيل تحصيل الحاصل وهو محال. والمحال خارج عن إطار القدرة.
ورابعاً: إِن ما ذكراه من "تعلق إِرادة العبد على إِيجاده وتعلق إِرادته سبحانه على نقيضه"، فكرة ثنوية وجدت في الأَوساط الإِسلامية حيث تُصُوِّر أنَّ فعل العبد مخلوق له وليس مخلوقاً لله سبحانه بالتسبيب وأنَّ هناك فاعلين مستقلين (الله وعبده)، ولكل مجالُه الخاص. وعند ذلك لا يرتبط مقدور العبد بالله سبحانه بصلة.
غير أَنَّ ذلك باطل . فكل فاعل مختاراً كان أَوْ غيره، لا يقوم بالفعل إِلاَّ بإِقداره سبحانه وإِرادته. فلو أراد العبد، فإِنما يريد بإِرادة الله وقدرته على وجه لا يوجب الإِلجاء والاضطرار .
* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج 1 . 133-151.
1- الفرق بين الصفة والإِسم عبارة عن أنَّ الأول لا يُحْمَل على الموضوع فلا يقال "زَيْدٌ عِلْمٌ" بخلاف الثاني فيحمل عليه ويقال "زَيْدٌ عالِمٌ" وعلى ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه وصفاته سبحانه. فالعِلْمُ والقُدْرةُ والحياةُ صفات و"العالِم" و"القادِر" والحيّ" أَسماؤهُ تعالى.
2- وبذلك تعرف أن توصيفه سبحانه بالقدرة بمعنى تجرده عن الإلزام بأحد الطرفين يلازم ثبوت وصف الإختيار له سبحانه.
3- النهج، الخطبة الأولى.
4- النهج، خطبة الأشباح، الخطبة 91.
5- المصدر نفسه.
6- النهج، الخطبة 165.
7- التوحيد للصَّدوق، ص 91.
8- هو ابراهيم بن سَيَّار بن هاني النَّظّام المتوفى عام 231 هـ . وكان عهده عهد ازدهار الترجمات الأَجنبية للآراء الوافدة إلى بلاد الإِسلام. ومن المظنون أَنَّه تأثر بتلك الآراء والأَفكار.
9- هو أبوالقاسم الكعبي المتوفي عام 317 هـ.
10- وهما الشيخ أبو علي محمد بن عبدالوهاب المتوفي عام 303 هـ.و ابنه أبو هاشم عبد السلام بن محمد المتوفي عام 321 هـ. وكانا من رؤساء المعتزلة وأَقطابهم ولهما آراء خاصة يخالفان فيها سائر شيوخها.
11- توحيد الصدوق، ص 131.
12- توحيد الصدوق، ص 76.
13- كشف المراد، ص 174.