كتمان الســر
ربيع الاول
من القيم الأساسية والضرورية التي أكّد عليها الإسلام في شخصية المؤمن هي كتمان الســر الذي يعني حفظ الأمور التي يؤدي إظهارها إلى فساد حتى ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "جُمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السـر ومصادقة الأخيار، وجمع الشر في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار" وقبح إفشاء السـر وإن كان يشمل الحالات الفردية الشخصية، إلا أنه يزداد قبحاً حينما يتعلق بالجماعة وبحساسية المعلومات المتداولة كالأسرار العسكرية والأمنية.
عدد الزوار: 795بسم الله الرحمن الرحيم
كتمان الســر
من القيم الأساسية والضرورية التي أكّد عليها الإسلام في شخصية المؤمن هي كتمان الســر الذي يعني حفظ الأمور التي يؤدي إظهارها إلى فساد حتى ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "جُمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السـر ومصادقة الأخيار، وجمع الشر في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار" وقبح إفشاء السـر وإن كان يشمل الحالات الفردية الشخصية، إلا أنه يزداد قبحاً حينما يتعلق بالجماعة وبحساسية المعلومات المتداولة كالأسرار العسكرية والأمنية.
وقد واجه الأنبياء عليه السلام مشكلة بعض الناس الذين أفشوا أسراراً أدّت إلى قتل النبيين عليهم السلام حتى عبّر الله تعالى عن هؤلاء المذيعين للأسرار بقتلة الأنبياء بغير حق وهذا ما فسّر به الإمام الصادق عليه السلام قوله تعالى "ويقتلون النبيين بغير حق" حينما قال - فيما ورد عنه: "والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأُخِذوا عليها فقُتلوا فصار قتلاً واعتداءً ومعصية".
ولهذا العمل القبيح انعكاس يوم القيامة يذكره الإمام الباقر عليه السلام بقوله الوراد عنه: "يُحشرُ العبدُ يومَ القيامةِ و ما ندى دماً فيُدْفَعُ إليه شِبهُ المحجمة أو فوقَ ذلك، فيُقال له: هذا سَهمُك من دمِ فلان، فيقول: يا ربُّ، إنكَ لَتعلمُ أنك قبضتني وما سفكتُ دماً. فيقول: بلى سمعتَ من فلان روايةَ كذا وكذا فرويتَها عليه فنُقِلَتْ حتى صارتْ إلى فلانٍ الجبار فقتله عليها، وهذا سهمُك من دَمِه".
• من أسباب إذاعة السـر
قد ينطلق إفشاء الأسرار من ضعف الإنسان عند تهديده أو تعذيبه، وقد ينطلق من الجهل وقلّة الوعي وعدم إدارك المصالح والمفاسد، وقد يكون الباعث إلى الحديث عن أسرار الجماعة والعمل والجهاد مرضاً هو من أخطر الأمراض التي قد تتسرب إلى صفوف المجاهدين، وهو مرض حب الثرثرة الذي يصل إلى حدٍّ يتبارى فيه المجتمعون فيمن يعرف أكثر من الآخر من أشخاصٍ أو اجتماعاتٍ أو قراراتٍ أو مراكزَ وغير ذلك، مما قد يُرضي عقدةَ الناقلِ بأنه ذو أهميةٍ بدليلِ معرفته ما خفي من الأسرار، من دون الالتفاف إلى عواقب إذاعة هذه الأسرار وفضيلةِ كتمانِها.
• عواقب إذاعة السرّ
إنّ عاقبة إذاعة السرّ ترتبط بأهميةِ وخطورة ذلك السرّ، فكلّما زادت خطورتُه كلّما كانت العاقبةُ أشدَّ من هنا فإنّ أهلَ البيت عليهم السلام نبّهوا إلى العواقب الوخيمة لإذاعة أسرارهم التي ترتبط بالمذهب وأتباعه ومجاهديه والتي منها:
1- الجحود بحقّهم عليهم السلام: فعن الإمام الصادق عليه السلام "من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحد حقّنا" بل عنه عليه السلام "ما قتَلَنا من أذاعَ حديثَنا قتلَ خطأ، ولكن قتلَنا قتلَ عمد".
2- الذلّ: فعنّ الإمام الصادق عليه السلام "انَّ أمرَنا مُسترٌ مُقَنّعٌ بالميثاق فمن هَتَكَ علينا أَذَلََّّه الله"
3- تأخير المأمول: فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لابن الضحاك: "إن العالم لا يقدر ان يخبرك بكل ما يعلم لأنه سرّ الله، فلا تعجلوه فوالله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فاذعتموه فأخّره . . . ".
• فضيلة كتمان السرّ
في المقابل اعتبر أهل البيت عليهم السلام أنّ لكتمان السرّ آثاراً حميدة منها:
1- النجاح والظفر: فعن أمير المؤمنين عليه السلام "أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان" وعنه عليه السلام أيضاً "الظفر بالحزم بإجالة الرأي والرأي بتحصين الأسرار".
2- السعادة: فعن أمير المؤمنين عليه السلام "الصمت حكم والسكوت سلامة والكتمان طرف من السعادة". لذا اعتبر أهل البيت عليهم السلام أنّ كاتم أسرارهم:
أ - مجاهد في سبيل الله: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "كتمان سرّنا جهاد في سبيل الله".
ب- أحبّ الأصحاب إليهم: فعنه عليه السلام "والله ان أحبّ أصحابي إليّ أودعُهُم وأفقَهُهُم وأكتمُهُم لحديثنا"