الموضوع: أوضاع ايران الانتفاضة الشعبية العامة، توجيهات للثوريين
خطاب
الحاضرون: العلماء وطلبة العلوم الدينية وجمع من أبناء المدينة
عدد الزوار: 159
التاريخ 23 أرديبهشت 1357 هـ. ش/ 5 جمادى الثانية 1398هـ.ق
المكان: النجف، مسجد الشيخ الأنصاري
الحاضرون: العلماء وطلبة العلوم الدينية وجمع من أبناء المدينة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري من أين أبدأ؟
هل أبدأ بذكر المصائب، أو بذكر البشائر؟
الآن في كل مكان من ايران مصيبة وبشارة، وهذا ما توقّعته سابقاً، فالمستبدّون وأصحاب الهراوات يصابون بالجنون في أواخر أعمارهم عندما يتوقعون سقوطهم، ويرون أنهم يواجهون الموت أو السقوط عن المقام السياسي، ويفقدون أعصابهم تماماً، ويعاملون الناس بجنون، وهذا ما يُشاهده الشعب الايرانيّ عياناً، وأنتم أيها السادة تذوقون لوعة ذلك من بعيد.
فمدينة قم، مركز العلماء، ومركز الفقه الإسلامي في قبضة جيش المغول الجرّار الآن، الجيش الجرّار لمحمد رضا خان وهو أسوأ من جنگيزخان، وهم يسيطرون على المدينة، ويقودون حملات التفتيش من منزل إلى منزل على ما أخبروني ومن غير الواضح عن ماذا يبحثون.
الجيش الآن مستقر في قم بمدافعه ودباباته ورشاشاته، وجميع المدارس ومنازل السادة تخضع للمراقبة المتواصلة من قبل الشرطة. لقد هاجموا منازل المراجع، وقتلوا البعض داخل منازلهم، وارتكبوا الجرائم حسبما بلغنا اليوم وأنّ السادة هم الآن في المستشفى. وهذا هو الجنون الذي عرض لهذا الشخص، ولا أعلم أين سينتهي به؟ هذا هو حال العصبي الذي يتوقّع سقوطه، وهو ساقط لدى الشعب منذ البداية، منذ ذلك اليوم الذي هاجم فيه رضا خان طهران، وقام بانقلاب بأمر من إنجلترا.
المطلعون كانوا يفهمون ذلك منذ البداية، وإذ شرع بمعاملة الناس بأراذله وأوباشه وشرطته بتلك الأساليب، وعامل العلماء والنساء والمدارس الدينية والتبليغ الديني بتلك الطرق، عرف الناس أية مأساة وأي حيوان يعانون.
كانت هذه الأسرة ساقطة لدى الشعب من البداية، فالسقوط لم يلحقها الآن، كان هؤلاء ساقطين لدى الشعب قبل خمسين عاماً، إلا أن حركة حدثت لدى الشعب الايراني الآن. وحسب ما قيل، فإنّ الناس خرجوا في أكثر من ثلاثين مدينة في ايران رفضاً لهذا الرجل، وقالوا الموت للشاه. هذه الثلاثون مدينة، وكل ايران دخلت ايران من خارج البلد ببطاقة تهريب حسب منطق الشاه! هؤلاء الناس هم عدد قليل من مثيري الشغب! جميع مراجع الإسلام وجميع علماء البلاد، من أولهم حتى آخرهم ممن ثاروا على هذا الشخص، كل هؤلاء جاءوا من الخارج ببطاقة تهريب!
وحسبما ذُكِرَ اليوم فإن ستة وخمسين عالماً من علماء طهران امتنعوا عن الذهاب إلى المساجد اعتراضاً على هذه الممارسات، وأعلنوا أنهم لن يذهبوا إلى المسجد اعتراضاً على ممارسات هؤلاء، كل هؤلاء هم عدد من مثيري الشغب! مخلّون بالنظام! علماء طهران، علماء قم، علماء خراسان، علماء أذربيجان، علماء يزد، علماء كرمان، علماء ايران بأسرها هم مجموعة من مثيري الشغب!! ومحمد رضاخان ليس مثيراً للشغب! هو ليس مثيراً للشغب! هو مصلح بدأ يُدخلنا باب الحضارة الكبير!
لو أن أحداً طالع هذا الكتاب الذي كُتب له فهو لا يعرف الكتابة، وهم يكتبون له ولا أعلم هل طالعه الآن حتى يفهم أية ثرثرة طبعت في هذا الكتاب، أو أنه لم يطالعه حقيقة. لو أنه طالعه لخجِل من القلم الذي يكتب عن الحريات في ايران بهذا الشكل من عدم الالتزام، وهذا الظلم، وكل هذه المعاناة لدى الناس، وكل هذا القتل، وكل هذا الضرب والقيود، وكل هذا البيع للشعب الى الأجانب، وكل هذه الخيانة للشعب الايراني المسلم، وكل هذا خدمة! حرية لا يعلم بها أحدٌ ما!
من يقرأ هذا الكتاب سيتصوّر وإن كان قد جاء من كوكب المشتري أن ما فيه هو من نفس نمط فكر أفلاطون! سيتضّح له أن ايران هي عالم آخر! عالم وراء هذا العالم! ولكن حين يأتي، ويدخل ايران، ويرى نمط الحكومة الايرانية، ونمط حكم الشاه، عندئذ يفهم أن كل ذلك هراء وكلام فارغ. اقرأوا هذا الكتاب.
طبعاً الكاتب الحقيقي إنسان مطّلع، ولا أعلم هل طالعه الآن أو لا، ولكن الإنسان الذي كتبه مطّلع، لكنه جلس وكتب شيئاً عما وراء الطبيعة، عما وراء هذا العالم، وهو يريد أن يوصلنا إلى مدخل الحضارة الكبيرة! أي: أن هذا العمل قد حصل! نحن في باب الحضارة! نحن الآن دخلنا مدينة ما وراء الطبيعة! دخلنا الآن في الحضارة الكبيرة! ولكن ماذا لدينا؟ ما الذي لدينا غير الكذب والهراء الذي ننسجه بأنفسنا، ماذا لدينا وراء ذلك؟
ماذا لدينا غير هذه الجرائم؟ غير القتل، غير الظلم، غير الكذب؟ حتى مراسلي الصحف مع أن وضعهم هو هذا منذ أربعين أو خمسين سنة اعترضوا الآن، وطالبوا بعدم إجبارهم على الكذب إلى هذا الحدّ. وحسب ما قيل فإن أساتذة الجامعات اعترضوا ايضاً، وامتنعوا عن الذهاب إلى قاعات الدرس وهي بهذا الوضع الذي أوجدوه في الجامعات، هل هؤلاء مجموعة من الأراذل؟!
هل علماء طهران الذين قرروا الآن حسب ما وصلنا اليوم عدم الذهاب لأداء صلاة الجماعة اعتراضاً على الأوضاع، وحوزة قم المعطلة الآن، يمثِّلون مجموعة من الأراذل الذين جاءوا إلى ايران ببطاقات مزورة؟
الآذريون الذين ثاروا على تلك الثورة المنقطعة النظير، ونفذوا ذلك الإضراب الذي ليس له سابق، هؤلاء كانوا مجموعة من الأراذل! وهكذا اليزديون، كل ايران، جميع من في ايران هم مجموعة من الأراذل حسب رأي هؤلاء. هؤلاء لا يفهمون ماذا يقولون! إن كل من يعارض الديكتاتورية، ويعارض خونة الإسلام وخونة هذا الشعب، وكل من يعارض هؤلاء، هم مجموعة أراذل جاءوا من الخارج في رأي هؤلاء!
والآن مع كل هذه الأحداث الجارية في ايران وكل هذه المعارضة في جميع المدن، في ثلاثين ونيف من المدن، بل ينبغي أن نقول جميع المدن الايرانية، لا في ثلاثين ونيف من المدن فقط، هذا غير القرى، فالقرى أيضاً على ما يقال تفجّرت هي الأخرى. الآن مع جميع هذه المسائل التي يواجهها هؤلاء فإنهم حين يتحدّثون لا يتخلون أبداً عن قولهم السابق: جميع ايران تؤيِّدُنا! جميع الحرفيين يؤيدوننا!.
في الليلة الماضية ذكر أن مائة وعشرين ونيفاً من رؤساء الحرفيين قالوا: إن الحرفيين كافة في طهران أوفياء لكم! ويؤيدون ثورة الشاه والشعب! ويستنكرون ما يقوم به مثيرو الشغب! وطلبوا من الحكومة معاقبتهم! هل هؤلاء المائة والعشرون ونيف من أهل الحرف هم من خارج ايران! إما أن يكونوا من أهالي طهران أو سوق طهران، فإن السوق في طهران مغلق حالياً منذ أربعة أيام كما يقال فهم معترضون، والضجّة ترتفع من السوق. مبدأ الضجّة هو الجامعة والسوق. هل جاء الجامعيون من الخارج؟! هل جاء سوق طهران من الخارج أيضاً؟! هل أولئك الحرفيون والمائة والعشرون ونيّف من الحرفيين الذين أبدوا كلهم الوفاء جاءوا من تحت الأرض؟! نحن في الخارج، لكننا لا نرى هؤلاء! ابن الحلال لا يمكنه أن يرى هؤلاء! هؤلاء كلهم مؤيدون!! كل نفوس ايران البالغة ثلاثين مليون ونيفاً مؤيدون!!
عدة آلاف، عدة أشخاص! في البداية كانوا يقولون: إنهم بعدد أصابع يد الإنسان مثلًا، ثم زادوا ذلك شيئاً فشيئاً، الآن وصل إلى عدة آلاف، الفان أو ثلاثة آلاف نسمة يُعارضون هؤلاء! وعدة ملايين نسمة كلُّهم مؤيدون! لكن أين هؤلاء المؤيدون؟ نحن لا نعلم! هل هؤلاء في يزد؟ في قم؟ في طهران؟ في مشهد؟ في اذربيجان؟ كردستان؟ الأهواز؟ أين هؤلاء الموجودون في ما وراء السكان الفعليين في ايران؟!
السكان الموجودون الآن في ايران، الجميع يعلم .. جميع وكالات الإنباء قالت ما ينبغي لها قوله، فأعلنت أن عشرين ونيفاً والبعض يقول خمس وعشرون مدينة، والبعض قال: ثلاث وثلاثون مدينة من مدن ايران شملها الإضراب، والجميع تظاهروا رفضاً للشاه.
وفي الإذاعة أيضاً قيلت بعض الأمور ضد الشاه، وقيلت كلمة أيضاً من قبل هؤلاء، من قبل الشاه أو جهازه، قيل: إنّهم يرون كل ما يحدث هو بسبب أحد طلبة العلوم الدينية، يشيرون إليَّ، ولكنّي أقول: إن كل ما حدث هو بسببه. جميع هذه الثلاثين ونيف من المدن التي ثارت، ثارت بتحريك منه. إن اللص إذا قال إن الحاكم قطع يدي، يجب أن يقال له: لا أنت قطعتَها؛ الحاكم يقوم بإجراء القانون، أنت نفسك قعطت يدك، أنت سرقت، ومَنْ يسرق تقطع يده.
فكّر أنت بذلك، إن بقيت لك قوة على التفكير، فأنت ترى سقوطك بهذه الطريقة من أجل اعادة انتخابهم في المجلس سنة أخرى هم أنفسهم قالوا بأنهم سيبقون في المجلس إلى سنة أخرى انظر أي كلام يتكلّمون، حتى نائب أهالي اذربيجان يقول: ان هؤلاء المشاغبين ليسوا آذريين، فالآذري لا يمكن أن يعارض الشاه. إذن من أين جاء هؤلاء؟ من أين جاء المتظاهرون والتبريزيون يا أيها السيد النائب؟! ذلك هو وضع مجلسنا، وذلك هو الانحطاط الذي ظهر في المجلس، تارة يكون السيد المدرّس نائباً في المجلس، وتارة يكون هؤلاء الذين ترونهم. مرة يقف السيد المدرس، ويتكلم في الجميع، ويقف قُبالة رضا خان معارضاً حتى آخر نفس، وبعد ذلك قتلوه طبعاً.
ومرة يكون هؤلاء الذين يتكلمون هذا الكلام من أجل أن يصبحوا نواباً مدّة أخرى، وهم يعلمون أنهم يكذبون، ومع ذلك يقولون. ومن أجل نفعهم وكسب رضا خان ومحمد رضاخان، إنّهم بذلك يشترون لأنفسهم سخط الله تبارك وتعالى. هذا هو وضع قوانيننا، وهذا هو وضع أحكامنا الشرعية، وهذا هو وضع أسواقنا، وهذا هو وضع نفطنا، وهذا هو وضع استقلالنا.
الله يعلم أن بعض أصحاب المناصب هؤلاء يأتون أحياناً لي بصورة سرية، ويشكون آلامهم من هؤلاء المستشارين الأمريكيين الذين تَفِدُ منهم بين حين وآخر دفعات جديدة إلى هنا، وتقوم بكذا وكذا، ثم يتحدث بطبيعة المعاملات التي يبرمها أقطاب النظام الفاسدون معهم. وإنّي لا أعلم حقاً، فهو لغز محيّر بالنسبة لي، لماذا يكون المسؤولون ضعفاء إلى هذا القدر؟ لماذا هم ضعفاء إلى هذا القدر؟ لماذا تقاعسوا، وسمحوا بأن يفرض عليهم مثل تلك الفروض؟ لماذا يسمحون للمستشارين الأمريكيين أن يتعاملوا معهم بهذا الشكل؟ لماذا لا يُخرِجون هذا التافِه؟ يقولون: حسناً، إذا ذهب هذا، من يأتي مكانه، وما الذي سيحصُل؟. أقول: اذا ذهب هذا، وجاء عبيد الله فهو أفضل، لأنّ أياً كان إذا جاء سيفكر بطريقة اخرى. فهذا أصبح عاجزاً عن العمل، وهو في أواخر عمره، وأصبح عصبيّاً ومجنوناً، ويَضرِبُ كل مكان، ويقُتُل ولا أعلم إلى ماذا سيؤول به المصير ومن يأتي، كل من تتصوّرونه يأتي، فإنه سيريح الناس في الأقل في أول الأمر.
أما إذا بقي هذا، فليست هناك ساعة راحة واحدة، لا تتصوروا أنه إذا ذهب، فإن الدنيا ستضطرب، لا لن يضطرب شيء. أين هؤلاء المسؤولون الكبار؟ أين المشير الكذائي، والفريق الكذائي واللواء الكذائي، كل ذلك كلام فارغ، هؤلاء يشبهون النواب، فلان يقول: أنا نائب! أي نائب أنت؟ أين أنتَ من هذا الشعب؟
كلّ منهم يتحدّث بالشعب، وذلك التافه وحده يقول: نحن وجميع الشعب! كيف وهذا الشعب ثار كله على هذا التافه، لأنَّه فقد كل شي على يده، وجرَّ شبّانه إلى الفساد، وها هو ذا الرجل يريد أن يجر فتياتهم إلى الفساد؟ هل الشعب موافق على أصل الثورة ثورة الشاه والشعب؟! لا يخجلون! يقولون ثورة الشاه والشعب!! ليقولوا ثورة أميركا، ويريحوا أنفسهم، ليقولوا أمر أميركا، ثورة أميركا. ولكن لا أدري ماذا يجب أن نفعل؟
لقد قال في إحدى كتاباته: إنهم أي الأجانب رأوا من الصلاح أن آتي أنا، أولئك الحلفاء رأوا من الصلاح أن آتي للحكم. الآن أعلنت الاحكام العرفية في قم، حسب ما قيل وفي تبريز أحكام عرفية، وفي مشهد أحكام عرفية، أو أسوأ من الأحكام العرفية. الأحكام العرفية ليست هكذا، فالأحكام العرفية على ما هو معلوم أن يأتي عسكري، ويصبح حاكماً، ويمنع الجولان نسبياً، ويمنع بعض الاجتماعات. ولكن هل مداهمة بيوت الناس أحكام عرفية؟! يداهمون بيوت الناس ويفتّشونها؟
يقال: جميع محلات قم محاط بها هكذا، وهم منشغلون بالتفتيش، يبحثون عن الأسلحة، هؤلاء المساكين يخافون من ظلالهم، لا تتصوّروا أن هؤلاء الظالمين هم شيء يذكر، لا تظنوا أبداً أن هؤلاء شيء، هؤلاء يخافون الآن من ظلالهم، لقد سيطر الخوف عليهم، فهم الآن مثل القطّة التي تهجم على كل شيء نتيجة ما أصابها من الذعر، هؤلاء أيضاً وصلوا إلى تلك المرتبة، فراحوا يُهاجمون الناس العزل باليد والركل، وبكل شيء بالرشاش والدبابة والمدفع وغيره، يبحثون في بيوت قم، وقيل: إنهم يعتزمون القيام بهذا العمل في آذربيجان أيضاً، يجب أن يُفتشوا كل ايران، يجب أن يبحثوا في كل ايران. كل هذا بتحريك منه، لا بتحريك منّي، أنا أحد الطلبة البسطاء مثل سائر السادة الطلاب، مثل سائر السادة في المدن، أنا أيضاً أتألّم من ذلك.
وأساس المسألة، أساس هذه الثورات، أساس هذه الانفجارات هو هذا السيد نفسه؛ هذا الإنسان نفسه، الأساس هو هذا الخائن، فإذا جاؤوا وقالوا خيانة، وارتفع القال والقيل، ونادى الناس بأنكم خونة، فلا تقولوا بأن هناك من يحرِّكهم، فأنت المحرك، بخيانتك حرّكت الناس، أنت خنت هؤلاء الناس، والناس وقفوا في وجهك وتكلّموا.
ماذا يعمل المساكين الآن، لقد أفقدت هذا البلد الإسلامي كل اعتبار وما زلت إلى الآن نشطاً من أجل المزيد من التخريب لهذا البلد. الناس ضجروا، سئموا حتّى من أنفسهم. فشبّانهم يُقتلون في قم مثلًا، يُقتل الناس، وأطفالهم وشيوخهم يُهاجَمون في مختلف المحلّات، فنفروا من هذه المعاناة المريرة، وهذه الأعمال التي قمت بها أنت هنا. افتقد الجميع كلَّ نوع من الراحة، فهل من راحة ليوم واحد؟ هل هناك راحة لساعة واحدة حتى تكون لديه حياة؟ حسناً، الناس يرجّحون أن لاتكون الحياة هكذا في هذه الدنيا. اذن فالتقصير منك أنت، ولا يمكنك أن تصلحه، وتوبتك غير مقبولة لدى الشعب.
من الممكن أن تتوب توبة حقيقية، وتعيد للناس أموالهم، وتكفّر عن جميع الذنوب التي ارتكبتها، ومن الممكن أن يقبل الله ذلك منك، فالله عظيم، لكن الشعب لا يقبل، نحن لا نتمكّن أن نقبل توبتك. وتوبتك لا تتحقّق الا بالموت، توبة الذئب هي الموت. اخيراً فكّر في إصدار الأوامر أن لا يعاملوا الناس هكذا.
كان يقول في الليلة الماضية: أمرت عَمْرواً أن يعاملوا الناس كذا هذا أيضاً لا تكفّره سوى توبة الذئب، وهي الموت. إنّك تريد أن تفتح طريقاً آخر للجرائم، تريد ارتكاب الجرائم بطريقة أخرى، وإلا فأنت لا يمكنك التخلِّي عن جرائمك، فمن تحطّمت أعصابه إلى هذا الحد، ويرى أن كل الشعب يعارضه، ويخاف أن يتخلّى عنه الأسياد نتيجة استمرار معارضة الشعب؛ والله يعلم أن أميركا الخبيثة هذه لو رفعت يدها عنه يوماً واحداً، لما بقي له شيء، فسوف يأكله المحيطون به. ولكن ماذا يعمل الشعب الآن؟
المستشارون الأجانب جاؤا إلى هنا وكل شيء في أيديهم، السلطة في أيديهم، هؤلاء الذين يتكلّمون بحقوق الإنسان هم الذين أوقعوا شعبنا في مثل هذا اللون من المعاناة. ماذا يعمل شعب ضعيف ليس لديه أسلحة، ليس لديه شيء؟ ولكن لا تتمكن أسلحة ما من مقابلة الإيمان، ولا تتمكّن أسلحة ما من مقابلة ثورة الشعب، جميع الأسلحة لا يمكنها اليوم الوقوف بوجه ثورة الجماهير، لا يتمكنون من شيء مهما قتلوا، ومهما صبّوا من هذه المصائب التي تشاهدونها في جميع المدن الآن، وما ينزل بالناس من الشرطة أو من الجنود والعسكريين المدجّجين بالدبابات والمدافع والرشاشات، وما يعانونه من تلك المجاميع التي تأتي لتتظاهر وتهتف: يعيش، ويخلد فلان.
أحد التافهين ذهب إلى بيوت بعض المراجع، وسحب بندقيته، وهدّد بالقول: سأقتلكم جميعاً إذا لم تقولوا الخلود لكذا. ولم يقل أولئك، وسخروا منه حسب ما سمعت فإخواننا يعانون من هذه الأمور، يأتيهم من يفرض عليهم أن يقولوا: الخلود لكذا. هل يصبح من تريدون له الخلود خالداً بمجرّد قول الخلود لفلان؟
لقد انتهى كل شيء، فليذهب لشأنه، ويهرب بصمت إذا تمكّن أن ينقذ نفسه من أيدي هذا الشعب، فإنّه قام بإلغاء برنامج سفره إلى الخارج عبثاً، لكي يستطيع أن يمسك بزمام السلطة بنفسه، وليشرف بنفسه على قتل الناس، أنه لا يريد أن يترك مكانه لأحد غيره، ليقوم بذلك.
وسواء أذهبت في سفرك هذا أم لم تذهب، فأنت ذاهب لا محالة يا مسكين، وأنت أوصلت الأمور إلى هذا الحدّ، ولسنا نحن، الشعب لم يوصل الأمور الى هذا الحد، أنت أوصلتها. لو كانت الحكومة صحيحة والسلطة صحيحة، ولو كان منفذ السلطة صحيحاً ومحباً للشعب، وكان إسلامياً، أكان من الممكن أن تحصل هذه المسائل؟ أكان من الممكن ان يتظاهر بخلافها، حتماً لم يكن وقوع مثل ذلك ممكناً. وحين ترى الجميع قلباً واحداً، وجبهة واحدة، يتظاهرون عليك، فاعلم أن هذه المسائل هي من تحت رأسك، وأنك أنت السبب في ذلك.
هذه مصائبنا، وهذه هي البشارات. في كلِّ ذلك بشائر، بشائر انتصار الشعب؛ بشائر قطع أيدي الأجانب ان شاء الله تعالى بشائر القضاء على هذه الأسرة، وطردها من هذا البلد؛ بل من هذا العالم. هذه كلها بشائر، ويجب أن يكون الناس أقوياء مسرورين غير خائفين.
إن كل ثورة إسلامية لابدّ أن يقع فيها مثل هذه الأمور، لابدَّ أن يقع فيها قتل، ولابد أن يكون فيها ألم، يجب أن نرى كيف تمكّن الإسلام من الانتصار في بداية أمره. هذا الإسلام، وهذا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عندما قام بالاجتماعات، وتمكّن أن يثور على الشرك والكفر والظلم عانى أحرَّ المصائب، وخاض حروباً، وأعطى شهداء، وتحمّل المشقّات والجراحات، وعندما ولد الإسلام أعلن منذ يومه الأول الثورة على هؤلاء، فمنذ ذلك الوقت كان برنامجه يعتمد على القتل وتقديم القتلى من أجل إصلاح حال المجتمع، وقطع أيدي هؤلاء اللصوص وهؤلاء الخونة، وإنهاء حياتهم، فهؤلاء مضرّون بالمجتمع.
أصحاب البساتين واصحاب القوافل في قريش مضرون بالمجتمع؛ هؤلاء يجب ان ينتهوا، لقد وضع الإسلام منذ البداية أساساً لذلك، ولكنه عندما وصل إلى أيدينا أصبح بهذا الشكل، وصار المفهوم عنه أنه لا يعدو مطالعة القرآن دون الإقدام على عمل آخر.
الله يعلم كم أنني آسف على الحوزات، أنا آسف على حوزة النجف. أخي! إن حوزة النجف بدأت تفقد اعتبارها، تفقد اعتبارها لدى المسلمين. أنا آسف على هذا، الأشخاص ليسوا أي شيء، أنا آسف على الحوزة التي عُمَّرت ألفاً وعدة مئات من السنين، وبدأت تفقد اعتبارها.
لاحظوا ما يجري في إيران، اذهبوا وطالعوا الأمور من البداية حتى النهاية، طالعوا إعلاناتهم كافة، طالعوا إعلان التيّار المتديِّن أو التيّار المثقف أو تيار اهل العلم، فلن تجدوا للنجف اسماً، النجف منسيَّة. أغيثوا هذه النجف أيها السادة. حوزة قم هي حوزة حيّة تقدم القتلى، وتقتل، أقول: إذا تمكّنت تقتل، وهي الآن تواجه الضغط، وهي مع ذلك حية، وهي مع ذلك ثابتة، طلبة قم يقدّمون القتلى وهم ثابتون، ولهذا بقوا أحياء.
هذه هي الصورة التي التصقت في أذهان الناس، وهي: قم تبقى هكذا، مهما حصل، وأنا آسف على النجف، أنا قُمِّي، ولكني آسف على النجف، نحن نحب كل هؤلاء، نحن نحب مثل هذه الحوزة التي ناهز عمرها ألفاً وعدة مئات من السنين، فلا تدعوا هذه الحوزة تزول، لا تدعوا هذه الحوزة تُنسى.
وحالياً حيث ثارت ايران والله يوفق أولئك الثائرين يجب أن يكون لهذا القيام نظام؛ يجب أن لا تكون الحركة مضطربة وبلا نظام. يجب أن تكون هناك علاقات بين حوزة قم وحوزة طهران وجميع المدن الأخرى. المسألة تتطلب علاقات. يجب أن تنظموا هذه الثورة، ولا تدعوها حركات متفرقة، حتى إذا وقفت قم يوماً وقف كلُّ الشعب معها.
لا تكونوا متفرّقين، لتتحد التيارات جميعاً، فمن الخطأ أن تقف بعض التيارات حسب الورقة التي وصلتني مؤخراً من بعض السادة انهم يحاولون عزل موقفهم عن العلماء، هؤلاء لا يدرون، لا يعلمون أنهم من دون العلماء لا يساوون شاهياً واحداً «1»، وإذا لم تكن وراء هذا الأمر يد تدفع هؤلاء لتسقيط العلماء في كتاباتهم، وإذا لم يكن المقصود بث الفرقة بين التيارات المختلفة وإشاعة الشرذمة، وإذا كانت ناجمة عن عدم الفهم، وعدم الادراك، وناجمة عن هوى النفس، فليرتدع هؤلاء، وليصلحوا، ولتتحد جميع التيارات، وليكونوا منظمة واحدة، حزباً إلهياً واحداً قُبالة حزب رستاخيز، ليكوّنوا معاً حزب الله كونوا متّحدين، تكلّموا معاً؛ ثوروا معاً، واقعدوا معاً. فمن الخطأ ان تتحرّك كل مجموعة على حدة، ويتحرّك ذلك لنفسه وهذا لنفسه، العلماء مع أولئك، وأولئك مع العلماء، الجامعي معكم، وأنتم مع الجامعي، الكاسب مع الجميع وهكذا.
انتم جميعاً مبتلون بمصيبة واحدة، كلُّكم تعانون بليَّة واحدة، هي نازلةٌ مشتركة؛ كلّنا أصحاب مصاب. ليس أمراً مختصّاً بالعلماء، ولا مختصّاً بالأحزاب، أو بطلبة الجامعات، هذه ليست مسألة خاصة. فإذ يأخذ الأعداء النفط، فإنّهم يأخذون نفط الجميع، وإذ يستورد النظام حفنة من الخردة بلا معنى إلى البلد، فهذه مصيبة الجميع.
وإذا جاءوا بالمستشارين الأمريكيين إلى هنا، فهذه مصيبة للجميع؛ ليست لواحد أو اثنين، وإذا أقاموا قاعدة لأميركا، فهذه تؤثِّر في الجميع، وإذا خانونا وخانوا الشعب؛ فهي خيانة للجميع. فعلى الجميع أن يمدّوا أيديهم معاً، ومن الخطأ أن يعمل كلّ واحد لنفسه وعلى حدة، فهذه خسارة. يجب أن تنظم هذه الثورة، هذه النهضة الموجودة الآن بالفعل، يجب أن ينظِّمها عقلاء القوم ورؤساؤهم، أي: أن تقام العلاقات بين جميع التيارات، وأن تكون حميمةً.
يجب أن تكون المجالس في يوم واحد، فأحد أنواع التنسيق في العمل التي كنت أُريد أن أنفِّذها في قم، ولم يسمحوا بذلك أصلحهم الله تعالى وأن يكون في جميع أنحاء ايران يوم واحد للإضراب والتعطيل، يوم واحد للاجتماع، اجتماع أهل العلم. أي: افترضوا أن يوم السبت أو ليلة السبت يكون في طهران اجتماع لأهل العلم؛ وفي خراسان؛ وفي القرية الفلانية، وهكذا في جميع الأماكن، كان هذا نوعاً من التنظيم، ولكنهم لم يسمحوا به، لأنّهم لم يفهموا.
استيقظوا الآن أيها السادة، كونوا واعين، عدوُّكم قوي الآن أيضاً، جاء إلى الساحة مسلّحاً بالدبابة وبالرشاش، لكن لا تخافوا هذه الرشاشات، الرشاشات ليست شيئاً، فأنتم على حق، والحق معكم، والله تعالى معكم. نظّموا هذه النهضة التي ظهرت الآن في ايران، نظّموا علاقاتكم، وكونوا معاً، ليكن السادة العلماء مع جميع التيارات، ولتكن جميع التيارات مع السادة العلماء.
ليكن جميع الشعب في حركة واحدة، ليكن لدى رؤساء القوم اجتماع في وقت معيّن، افترضوا أنّ كلمة صدرت يوماً من مكان ما، فليكن الجميع متفقين عليها، ليكن أهالي ايران حركة واحدة.وأنا
أُبشر جميع التيارات التي ثارت في ايران من أجل الإسلام، من أجل إحقاق الحق، بأنّ الصبح قريب قريب إن شاء الله. أنتم منتصرون إن شاء الله ولكن بشرط أن لا تكون في البين عوامل مختلفة، بشرط ان لا تؤثر الأهواء النفسانية. هذا يجرّ لنفسه، وذلك يجر لنفسه، لا تسمحوا لذلك أن يؤثر في حركتكم.
نحن إخوة معاً، أنا من الطلبة، وأنت سيِّد في قومك، وذلك كاسب، وذلك جامعي، وذلك دكتور، وذلك مهندس، وذلك مثقف، كلّنا جميعاً لدينا مصيبة واحدة يجب أن نجلس معاً، ونبكي على مصابنا. وفّق الله جميع التيارات، وأعطى الجميع السلامة، الحاضرون: آمين وقطع الله يد الأجانب عن بلادنا الإسلامية إن شاء الله الحاضرون: آمين وعن جميع البلدان الإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*صحيفة الإمام، ج3، ص: 333
2011-03-21