التاريخ: 20 خرداد 1357 هـ ش/ 4 رجب 1398 هـ ق
المكان: النجف الأشرف
المخاطب: الشعب الايراني
بسم الله الرحمن الرحيم
مرّة أخرى يجب علينا أن نقيم الحداد على قتلى قم والمدن الأخرى، ونشاطر الأمهات والنساء اللاتي فقدن أحبابهن وندّدت مظاهراتهن الشجاعة بنظام الشاه الأسى. فمرة أخرى نشهد قتل الطلاب الجامعيين وطلاب الحوزات الدينية وضربهم وجرحهم كما نشهد تخريب المدارس الدينية والجامعات وطرد الطلاب من الأقسام الداخلية ومن المدارس الدينية.
فقد قام عدد من رجال الامن المغفلين بأمر من الشاه المجرم بتوجيه ضربة اخرى إلى الشعب الايراني المسلم خاصة الشجعان من أهالي قم المحبين للاسلام، فقتلوا عدداً من أعزائهم الذين ثاروا في سبيل الإسلام ببطولة للاطاحة بالنظام البهلوي الظالم. إننا قدمنا شهداءنا بكل حزن وبكل فخر في سبيل الهدف الذي هو قلب النظام الطاغوتي ورفع راية الإسلام الخفاقة، وهذا هو بعينه طريق الإسلام ومنهج المسلمين الحقيقيين في صدر الإسلام، وسيظل كذلك طول التاريخ ﴿لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾1. لقد ضحّى رسول الله بكل ما يملكه في سبيل الإسلام، ليرفع راية التوحيد، وعلينا أن نُضحّي بكل ما نملكه حتى تظل راية التوحيد خفاقة تأسِّياً بهذا الرجل العظيم.
الشاه اليوم على حافة الهاوية، فهو من جهة يواجه القوة الهادرة للشعب الايراني الشجاع الذي يبذل النفس والنفيس لحريته، ولن يتوانى حتى استئصال جذور الظلم. ومن جهة أخرى فإن اصداء جرائمه في أجهزة الاعلام العالمية جعلته في موقف يخاف معه إدبار أسياده عنه. كما انه يواجه من جهة أخرى التسوُّس والتآكل في أساس نظامه وفضح ثورته الأمريكية وفضيحة حزبه المصطنع، كما يواجه أيضاً موجة من عدم الرضا بين الشرفاء من قواد الجيش والإداريين الذين قد ملوا هذه المجازر وهذه التبعية.
في أمواج الحيرة المتلاطمة ضرب بيده الى مساع وخداعات جديدة، فهو يسعى إلى التظاهر بعدم الاطلاع على الجرائم المرتكبة طوال ملكه غير الشرعي وتحميل الآخرين مسؤولية ما جرى على الشعب والبلد، ويحاول عملاؤه تحقيق ذلك بشتى السبل بأجهزته الإعلامية. ويندرج في هذا الإطار تغيير بعض المسؤولين، وهو غافل عن أنّ تغيير أدوات الجريمة التي لا تعمل إلّا بإرادة المجرم الأصلي لن يخدع الشعب الايراني الواعي، ولا ينسيهم المجرم الأصلي، ولن يقبل الشعب بهذه الالعاب. وقد يتوسّل الشاه بأسلحة الافتراء والخداع القديم، فيقدم مخالفيه بصورة من يريدون تجزئة البلاد وتسليمها إلى الأجانب والجميع يعلمون أنّ معارضيه هم من الوطنيين. من يريد تجزئة البلاد أو يوافق النفوذ الاجنبي من هؤلاء؟
أهم المراجع العظام والعلماء الأفاضل والخطباء المحترمون والواعون والسياسيون الشرفاء والطلاب في الحوزات الدينية وطلاب الجامعات الذين يضحون بأنفسهم في حوزات ايران وجامعاتها والمزارعون المتصدعون والعمال الذين سمعوا المواعيد الكاذبة دوماً ورجال السوق الملتزمون في ارجاء البلاد؟
إنّ الشاه هو الذي سلط الأجانب وأميركا خاصة على جميع شؤون البلاد، وقدّم لهم ثرواتها ومنحهم الحصانة فيها، وسلّطهم حتّى على الجيش، وجعل ايران مستهلكة خاضعة للبضائع الأمريكية. إنه يحذّر الشعب احياناً من خطر الشيوعية، ويدعي أن ذهابه يعني سيطرة الشيوعيين على البلاد بسهولة، وقد يصدّقه من لا يعرفون الحقائق. والشيوعية نشأت بيد أمريكية في ايران كما نشأ حزب (توده) الشيوعي بيد الإنجليز، ويؤكد المطلعون أن أكثر الشيوعيين تحمّساً في المنطقة هم عملاء أميركا الذين يقضون على الثورات التحررية القومية والدينية للشعوب الاسيرة بأيدي الامبريالية والشيوعية، وقد رأينا بعض نماذج ذلك في السنوات الاخيرة.
وطريق خلاص كلّ شعب من مخالب الاستعمار يكمن في المذهب الذي ترسّخ في أعماق ذلك الشعب، والشاه يشيع مصالحته لتيارات رجال الدين لبثّ التفرقة بين هذه الطبقة العظيمة وسائر المسلمين الوطنيين، ونتيجة ذلك هي سلامة المجرم الأصلي وضياع الجهود المضنية التي تحملها الشعب وهدر دماء القتلى منذ مجزرة مسجد گوهر شاد حتى 15 من خرداد إلى اليوم، ولكنه غافل عن أنّ أحداً من رجال الدين أو أحداً من الملتزمين بالمذهب لن يُصالح النظام المعادي للاسلام، لأنّه لا يستطيع الإدبار عن القرآن الكريم والإسلام العزيز ومخالفة الشعب الغيور الواعي، فهما مدعاة لسقوط المصالح المميت. الآن بعد أن خسر الشعب كل ما يملكه على يد هذا النظام يراقب بدقة ليرى من سينخدع بألاعيب الشاه هذه، أو من يحضر مفاوضات الركون إليه، لينال بعض الامتيازات الوهمية بالتقرُّب إليه، في حين أن هذا النظام قد أوشك على التصدّع، وتآكل من الداخل، ولا مناص من سقوطه.
ومن الخدع الجديدة التي اقترحها الخبراء الأجانب، أو ربّما بعض الخبراء المحليين فكرة منح الحريات بجميع أبعادها إلّا فيما يمس الأمن القومي، ويعدّ خيانة للبلاد. والمجازر الأخيرة والسجن والتعذيب والنفي والكبت من جملة هذه الحريات والعطايا الملكية. في ظل الظروف الراهنة التي نشاهد فيها الشعب الإيرانيّ ثائراً بوعي وإضرابه يَعمُّ الحوزات والجامعات والمدارس الدينية والمحافل والأسواق والمدن احتجاجاً على الشاه ودعماً للاسلام والقرآن الكريم على كبارالقوم أن يقفوا في وجه مخططات الشاه الخادعة التي لا تريد إلّا هدم أحكام الإسلام والبلد، وأن يواصلوا نضالهم حتى الإطاحة بهذا النظام، وأن يحفظوا وحدة صفهم لكي لا يعتري الضعف هذا النضال المطالب بالحق. أرجو من الله تعالى استقلال البلاد وحرية الشعب وقطع أيدي الأجانب والظالمين.
4 رجب 98 هـ ق
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج3، ص: 359-360
1- الأحزاب، الآية 21.
2011-03-21