التاريخ: 5 مرداد 1357 هـ ش/ 21 شعبان 1398 هـ ق
المكان: النجف الأشرف
المخاطب: الشعب الايراني
بسم الله الرحمن الرحيم
21 من شهر شعبان المعظم عام 1398 هـ ق
أتقدم بالشكر إلى الشعب الايراني الشريف قاطبة لما أثبتوا مرة أخرى للنظام المنحط في الثالث والخامس عشر من شهر شعبان أنه لا يمنكه الاستهانة بإرادة الشعب، وكانت هذه المناسبات استفتاء لا مثيل له دالّا على معارضة الشعب الايراني كافة للشاه.
ومع أنَّ النظام قد نجح في منع بعض الاجتماعات الكبيرة، ولم يسمح للشعب العظيم بإعلان مصائبه ومطالبه الشرعية، حسب المعلومات الواردة، فإنّه أجرم على هذه المظاهرات السلمية الهادئة شاهداً على ضعف أركان الحكم، إذ هاجموا الناس العزل في بعض المدن مثل مشهد ورفسنجان وجهرم هجوماً وحشياً ادى إلى قتل وجرح عدد منهم.
وذكرت بعض وكالات الانباء أن عدد القتلى في مشهد بلغ أربعين نسمة، وذكرت وكالات أخرى أعداداً أكبر من ذلك، وتفيد المعلومات الواردة أن قوات الشاه دخلت مدرسة (نواب) الدينية في مشهد دخولًا وحشياً، وضربت الطلاب حتّى الموت، وكسرت رؤوسهم وأيديهم، وبذلك فهمّت الناس معنى الحرية.
السكان المتدينون الشجعان لمدن مثل قم البطلة وتبريز الغيور ومشهد استيقظوا، وأعلنوا الإضراب العام تعبيراً عن كرههم للنظام وأجهزته، ووجهوا ضربة قاصمة إلى من كانوا يدعون أن هذه المظاهرات لن تتكرر أبداً، وأن الناس قد عادوا إلى حياتهم المعتادة.
لن يهدأ لهذا الشعب العزيز بال قبل إزالة آثار الظلم والدمار لهذا النظام البهلوي المنحط، ولن يعود إلى الحالة المألوفة، وأنا أشكر لهؤلاء الغيارى وأهنئهم بافتدائهم الإسلام المقدّس وبذلهم الأموال والأنفس في سبيله، وإبائهم الانحناء للظلم وكسرهم الصمتَ المميت ببذل أرواحهم بكل شجاعة، ومعرفتهم نهج رسول الإسلام- صلى الله عليه وآله- وأئمة التشيّع وتأسّيهم بهم.والصمت والأمر به اليوم إذ هبّ الشعب وعرف الطريق الصحيح مُخالفٌ المصالح العليا للاسلام وطريق الشيعة الجعفرية، كما أن الأمر بالحركة واستنكار جرائم النظام الوحشية الهادمة للإسلام وفضحها موافقة لسيرة الأنبياء المباركة والرسول الخاتم الأعظم خاصَّة.
في هذه الأيام التي سيطل علينا فيها شهر رمضان المبارك الذي سيكون نموذجاً في هذا العام، لأنَّ الشعب الايراني العظيم يحتفظ في ذاكرته بالمجازر الوحشية والكبت والسجن والنفي التي مورست عليه خلال الشهور الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى هبّت بوعي وتضامن قل نظيره انتقاماً من ظلم النظام البهلوي المنحطّ وأزلامه وعملاء الاجانب المستعمرين لابُدَّ لي من ذكر أُمور:
1- أن الحركة المقدّسة الأخيرة في ايران التي بدأت منذ 15 من خرداد في عام 1343 ه- ش إسلامية النزعة مائة في المائة، وقد انطلقت بأيدي رجال الدين القديرة ومؤازرة الشعب الايراني المسلم والعظيم فقط، وقادها رجال الدين دون الاعتماد على جهة او شخص أو جمعية معينة. ولكون حركتنا إسلامية ستستمر بمنأىً عن تدخل الآخرين في أمر القيادة التي هي في يد العلماء دون غيرهم ولا أشك في النوايا الشريرة لمن بدأوا بالتحرّك في المدّة الأخيرة بنوازع خاصَّة ليلوّثوا هذه الحركة بوصفها بالمعتمدة على بعض التيّارات أو بالتابعة لها، وقد تواطأ قسم منهم مع النظام الظالم محاولين وقف الحركة وحفظ الشاه.
وعلى الشعب الايراني أن يراقبهم بكل وعي وبعين الحذر والشك، ويبتعد عنهم إذا اتضح انحرافهم- لا قدّر الله- وإني لأُعلن بكل صراحة أن رجال الدين سيتخذون موقفاً صارماً من هذه المجموعة الصغيرة إذا كرّرت المناداة بأفكارها التي تؤدّي الى إبعاد المجرم الاصلي.
2- لقد بدأت الحكومة في المدَّة الاخيرة تتكلّم كلاماً غير متزن على حرية الانتخابات التي ستجرى في العام القادم، وهذا الكلام قبل حلول شهر رمضان المبارك يتوخّى إبعاد الرأي العامّ عن مسار الحركة الأصلي لخوف النظام من افتضاح جرائمه في هذا الشهر في الجوامع والتجمعات الإسلامية. على الشعب أن يدرك أنّ هذه المحاولة تتم لحفظ الشاه من هجمات الخطباء وصرخات الشباب المسلم الغيارى. وعلى الخطباء المحترمين والعلماء العظام أن يجتنبوها بشدة، ويجب أن يدركوا أن إجراء انتخابات حرة بوجود قوة الشاه الشيطانية وهمٌ وهي فذلكة شيطانية لإعطاء الانتخابات صورة قانونية في أنظار العالم، وطالما كانت قوة الشاه الطاغوتية وأعوانه على البلاد فإن أحداً لا يستطيع اختيار مندوب له، وسأقول كلمتي في موعد الانتخابات.
3- اليوم وبعد أن مني الشاه بين الشعب بالهزيمة والذل يعدّ سيناريوهات لإدخال عدد من الذين وافقوه منذ عدة سنوات في أعماله وأهدافه الشيطانية، ووافقوه في تغييرأحكام الإسلام وتبديل التاريخ الإسلامي المشرف إلى تاريخ العمالقة وعباد النار بنعتهم بالقوميين، ليدخلوا في الأوقات الحسّاسة في صفوف رجال الدين لتنفيذ مهمتهم المشؤومة بسمة قومية.
على رجال الدين ان يقدموا هؤلاء إلى المجتمع، يجب أن نعرف التغيير الذي طرأ على نظام الشاه، فحوَّل هؤلاء الذين كانوا يُقبِّلون يد الشاه، وكانوا خداماً له إلى معارضين له. على الشعب الشريف ان يبقى يقظاً، حتى لا تندس هذه العناصر الخطيرة في صفوفهم.
4- أرجو من الشعب الشريف الملتزم أن يشفقوا ويهتموا اهتماماً كبيراً بالقتلى وأسرهم، ويطلعونا على عدد القتلى وعناوينهم بأي نحو ممكن، ويقوموا بزيارات اخوية لهذه الأسر، ويواسوها، ويبلغوها سلام (الخميني) الذي يعيش الحداد في مأتم هؤلاء، كما أرجو ابلاغ حزني العميق لموت أحبابهم. وإذا كان هناك من يشعر بالحاجة المادية لفقد عزيز، فمن الضروري أن تسد حاجته بأحسن وجه ممكن أو يتم إخباري بذلك بأسرع ما يمكن حتى أقوم بكل قواي بدراسة الوضع.
5- يجب على الكتاب الملتزمين أن يسجلوا أحداث هذه الحركة الإسلامية تسجيلًا دقيقاً لتوعية الاجيال القادمة ولمنع اصحاب الأغراض الخاصة من تحريف تاريخها، وان يسجلوا الثوراتوالمظاهرات لمسلمي ايران في المدن المختلفة بتواريخها ودوافعها لتكون القضايا الإسلامية وحركة رجال الدين درساً للمجتمعات وللأجيال القادمة.
اليوم ونحن على قيد الحياة نشاهد من الانتهازيين والمصلحيين من يعرضون القضايا الدينية والحركة الإسلامية عرضاً يخالف الواقع بأقلامهم دون خوف من الفضيحة، لكونهم مخالفين لأسس الحركة الإسلامية، ولا يريدون تصديق الواقع كما لا ترضيهم رؤية قوة الإسلام.
ولا أشك في أن هذه الكتابات لها تأثيرها السلبي في الأجيال القادمة، لأنها سيروَّج لها باعتبارها تاريخ هذه الحقبة، ولذا كان تبين المقاومة الإسلامية الاصيلة في ايران منذ البدء وما رافقها من أحداث مهمة ممّا يجب على الكتاب والعلماء والمفكرين الملتزمين أن يعالجوه معالجة دقيقة، فما يبدو لنا اليوم واضحاً جلياً سيكون غامضاً ومبهماً للأجيال القادمة، والتاريخ سينّور الأجيال القادمة، لكن الأقلام التي تنفث السم تحاول تحريف الواقع، وعلى الكتاب الامناء ان يكسروا هذه الاقلام.
6- على أئمة الجماعة- دامت بركاتهم- أن يدعوا الخطباء الملتزمين والمحبِّين للحركة الإسلامية، ليتولوا تنوير الناس بأهداف نبيلة، ويتجنبوا دعوة وعاظ السلاطين ومن يختارون مواضيع تنصبّ في مصلحة النظام الظالم سواء عن علم أو جهل، ليحجبوا بذلك عن الشعب قضاياه المصيرية الراهنة، ويبتعدوا عن الخطباء الذين يختارهم عملاء الحكومة، ويجعلوا التضحية في سبيل الإسلام ومصالح المسلمين في رأس أعمالهم.
7- على الخطباء المحترمين في التجمعات والجوامع أن يطلعوا الناس على المصائب التي حلت بالشعب الايراني خلال خمسين عاماً من السلطة البهلوية السوداء وخاصة خلال الشهور الأخيرة والمجازر الاخيرة التي ارتكبوها في مدينة مشهد المقدسة إلى جانب ضريح ثامن الأئمة- عليهم السلام- وفي مدينة رفسنجان، ويُطلعوهم على القضايا التي تفيد الإسلام ومصالح المسلمين، ويتجنبوا طرح القضايا التي تؤدي الى الاضعاف وتثبيط العزائم، لأنّ الله والشعب المسلم لا يقبلان عذراً في هذا المجال.
8- على المخاطبين والمستمعين أن يشجعوا الخطباء على تناول القضايا الإسلامية والإنسانية، ويطالبوهم مع مراعاة احترامهم بالكلام على الجرائم والمظالم وتحليلها وتجنب القضايا غير النافعة وما قد يعيق مسار الحركة الشعبية، ويساندوا الخطباء المحترمين بدعمهم، ليتشجعوا على طريقهم.
وفي الختام لا أدري كيف أعبّر عن أسفي على المجازر الوحشية التي ارتكبت في المدن وفي مدينة مشهد خاصّة، لا أدري إلى متى ستظل هذه السلالة الظالمة المتعطِّشة لدماء شبابنا مهيمنة على أمور المسلمين.
أرفع تعازيّ إلى ثامن الائمة- عليهم السلام- وأعيش أعمق الأحزان والحداد على ما جرى من اساءات على هذا الإمام الكريم في عهد الشاه ووالده الخائنين. أُعزّيكم يا أهالي مشهد
ورفسنجان وجهرم المحترمين الملتزمين بالدين وفي الوقت نفسه أهنئكم، أُعزِّيكم بفقد شباب الإسلام وأهنئكم بوجود هؤلاء الشباب الأعزاء بينكم، كما أهنئكم بمعنوياتكم العالية الإسلامية، إذ لم تهابوا الظالم ومحاولاته اليائسة وقد جعلكم إضرابكم العام ومظاهراتكم الرجولية مرفوعي الرأس في الإسلام.
أرجو من الله- تعالى- أن ينصركم أنتم حماة القرآن الكريم وجميع الشعب الايراني، فقد قمتم وما زلتم تقومون بواجبكم للإسلام بهمّة عالية ووحدة صف وبثورتكم على ظالم العصر، وأن يجعلكم الله جميعاً من المجاهدين في سبيل الحق، ويحشركم يوم القيامة مع أوليائه الذين بذلوا دماءهم في سبيله والسلام عليكم ورحمة الله.
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج3، ص: 367-370
2011-03-21