الموضوع: تحليل انتفاضة الخامس عشر من خرداد، وممارسات السلطة
خطاب
الحضور: جمع من العلماء وطلبة العلوم الدينية والكسبة والجامعيين وفئات الشعب المختلفة
عدد الزوار: 172
التاريخ: الثامنة صباحاً من يوم 26 فروردين 1343 هـ. ش/ 2 ذي الحجة 1383 هـ. ق
المكان: مدينة قم، المسجد الأعظم
المناسبة: إطلاق سراح الإمام الخميني من السجن
الحضور: جمع من العلماء وطلبة العلوم الدينية والكسبة والجامعيين وفئات الشعب المختلفة
بسم الله الرحمن الرحيم
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنا لله وإنا إليه راجعون
علامة التحضر، مجزرة الخامس عشر من خرداد
حتى الآن لم أشعر بالعجز في أحاديثي، ولكنّي اليوم أرى نفسي عاجزاً عن الإعراب عن الآلام الروحية من أوضاع الإسلام بشكل عام، وأوضاع إيران بشكل خاص، وإزاء قضية الخامس عشر من خرداد- ويعلم الله أن قضية الخامس عشر من خرداد قد حطمتني- وياللأسف فأنَّ يدنا تقصر عن الوصول إلى العالم! ويا للحسرة فأنّ صوتنا لا يصل إلى العالم، وياللأسف فأن بكاء هؤلاء الأمهات الثكلى لا يصل إلى العالم!
الدعاية السيئة ضد علماء الدين
لقد قالوا للعالم بأننا رجعيون، ونسبوا علماء الإسلام الى الرجعية السوداء! وتعتبرنا الصحف الصادرة في الخارج، وهي تُدار بميزانية ضخمة لضربنا، بأننا معارضون للإصلاحات، ويقولون: إن العلماء يريدون أن يتخذوا من الحمير وسيلة لرحلاتهم من ناحية إلى أخرى، ولا يريدون الكهرباء والطائرة، فهم رجعيون يبغون العودة إلى القرون الوسطى!
إن علماء الدين يرفضون هذه الأيام الحالكة التي أصابت البلد. ويرفض العلماء الأعلام ممارسات الضرب والقتل والعجرفة والاستبداد، فهل هذه رجعية؟! وقد وقف علماء الإسلام في بداية مرحلة الحركة الدستورية بوجه الاستبداد الأسود وحققوا الحرية للشعب بدمائهم، وسنّوا بأنواع العذاب والمصائب التي رأوها وتحملوها قوانين لمصلحة الشعب واستقلال البلد والإسلام، واليوم انتفض الشعب أيضاً تبعاً للعلماء، وما يطلبه العلماء هو العمل بقوانين الإسلام، فهل هذه رجعية؟! وهل كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رجعياً؟! وهل الدعوة إلى القوانين السماوية رجعية؟! وهل كان- تبارك وتعالى- رجعياً؟! وهل جبريل الأمين واسطة الوحي الإلهي رجعي؟! وهل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رجعي؟! وهل أئمة الهدى عليهم السلام رجعيون؟! إن علماء الإسلام منذ صدر الإسلام إلى اليوم لم يطرحوا ولا يطرحون من أنفسهم شيئاً، بل يبلغون قوانين الإسلام والوحي إلى الناس، فهل تبليغ القوانين الإلهية رجعية؟! وإذا كنتم تعتقدون بأحكام الإسلام، فإن الإسلام يحترم حرية الإنسان وسيطرته على ماله وحياته وعرضه، وقال بأن كل إنسان حر في كل ما لا يخالف القوانين الإلهية، وإذا هاجم أحد دار أحد فإن الإسلام يجيز لمن عُرِّض للهجوم أن يقتُل ذلك المهاجم، إلى هذا الحد يؤيد الإسلام الحريات! إن علماء الإسلام لا يأتون بشيء من أنفسهم، فكل ما نقوله هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل ما يقول الرسول أيضاً هو قول الله، فلو كنا رجعيين فإن ذلك يعني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجعي، إذن أنتم تعتبرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجعياً! تباً لهذا التجدد! فإذا كنتم تقبلون القوانين، وتقبلون الإسلام الذي نحن أتباعه فإن الإسلام هو مصدر جميع الحريات والتحرر والسيادة والاستقلال. إن هذه أحكام الإسلام، فما فيها من رجعية؟! أي أحكام الإسلام يعتبرها السادة رجعية سوداء؟! ليس صحيحاً أن تتحدث لنفسك بأننا" نضرب الرجعيين" ونردد القول بأنه" لا يمكن"! حسناً، تعال واجلس، وقل: إن ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو رجعية سوداء، لنثبت لك أن ذلك ليس برجعية سوداء. نحن نقول أيها السيد لا تكن عبداً خانعاً للآخرين، بل كن عزيزاً وسيداً وعظيماً، واحفظ الاستقلال وأترك التبعية، ولا تمد يدك من أجل أربعة دولارات، فإن كان هذا رجعية وذلك تمدناً، فنحن رجعيون وأنتم متمدنون!
الإسلام يدعو للحرية الحقيقية
وإن كنت تعتقد بقوانين الإسلام، فهذه هي قوانين الإسلام، وإن كنت تستند إلى الدستور فقد منح الدستور الحرية للشعب. وأنت عندما تقول: بأننا خاضعون للقانون وديمقراطيون وتقدميون، إذا كنت تعمل بالدستور فلا كلام لنا، فاعمل إذن بملحق الدستور، الذي ضحى علماء الإسلام بأنفسهم في بداية مرحلة الحركة الدستورية من أجل تحقيق الدستور. فالدستور ينص على أن الصحف حرة، فهل تجعلونها حرة؟! لقد قرأتم يا شعب إيران افتتاحية صحيفة اطلاعات الصادرة يوم الثلاثاء الثامن عشر من فروردين، ولاحظتم الخطة التي كانوا قد وضعوها، ولكنهم رأوا أن استعمال القوة والتجبر والحراب وإثارة فاجعة الخامس عشر من خرداد وتخريب المدرسة الفيضية والمدرسة الطلابية وإهانة علماء الإسلام بالنفي والطرد والسجن، قد فاحت رائحتها الكريهة، وفاحت بشكل وصلت إلى مشامه أيضاً (مشام الشاه)! ولاحظوا أن الأمر ساء جداً، واحتج العالم عليهم.
لقد سوَّد الخامس عشر من خرداد وجه الحكومات، وإن لم نشأ أن يحصل كل هذا العار، فالخامس عشر من خرداد ترك وصمة عار على هذا البلد لا تمكن إزالتها إلى الأبد! وقد قالوا بأنفسهم عن الخامس عشر من خرداد إنه كان عاراً، وأنا أيضاً أقول إنه كان عاراً! ولكنهم لم يذكروا السبب، وأنا أقوله: وهو أنها كانت عاراً، لأنهم اشتروا هذه الرشاشات والدبابات والمدافع و البنادق بأموال هذا الشعب الفقير، واستعملوها على هذا الشعب الفقير (بالذات)، فهل هناك عار أكبر من هذا؟! وهل يجوز أن يسحق أحدٌ شعباً بهذه الصورة؟!
مَنْ هو الرجعي؟
لقد وجهنا سلسلة من النصائح، وهل جزاء النصيحة هذه الضوضاء؟! فنحن لدينا طلبات منطقية، ونقول: إن لدينا قانوناً، وإذا كنتم لا تقبلون الدستور فاطلبوا إذن من الحكومة أن تقول في المجلس: لا نقبل الدستور، حتى يعودوا القهقرى مرة أخرى. وهل نحن رجعيون عندما نطلب منكم أن تعملوا بالدستور، أو أنتم الذين تقومون باعتقالات جماعية وتنفون، وزنزاناتكم ممتلئة بالعلماء والأساتذة والشخصيات المحترمة والمتدينة؟ ومدينة (بندر عباس) ممتلئة بالمنفيين، لأنهم كانوا يقولون إننا لا نريد أن نكون أسرى الاستعمار، نحن نقول إن لدينا دستوراً ينص على حرية الشعب والصحافة، ولا يحق لأحد أن يحول دون حرية القلم.
الصاق التهم بعلماء الدين
لقد رأيتم صحيفة اطلاعات كتبت في يوم الثلاثاء الثامن عشر من فروردين: (إنه من دواعي السرور أن يتفق المسؤولون من علماء الدين مع الحكومة على ثورة الشاه 1 والشعب)! وقد ذهب البعض أو عدد من علماء الدين إلى طهران واعترضوا مطالبين بالكشف عن اسم عالم الدين هذا، (هل هو الخميني حتى نلعنه؟! أو غيره من علماء الإسلام! اكشفوا عنه وأشيروا إليه بالبنان؟. هل هؤلاء العلماء الذين تدعون هم من ماوراء الجو؟ فاذكروا أسماء الذين اتفقوا معكم سراً)، وإن كنتَ رجلًا، فاذكر اسمه، وقل: (إنه الخميني، التقيناه في السجن وقال: عفا الله عما سلف)! خَسِئ الخميني أن يقول مثل هذا الكلام الذي لا يتفق مع دين الإسلام! وهل يستطيع الخميني أن يتفاهم مع الظلم؟! فليخسأ، فقد حفظ الخميني مجد الإسلام، حتى عندما كان في السجن. وهل يستطيع الخميني وأمثال الخميني أن يقولوا شيئاً خلاف مصالح الإسلام؟! ذلك الإسلام الذي تحمَّل رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى (ع) هذا القدر من المتاعب من أجله، ونزفت قلوبهم دماً عليه، وتحمل في سبيله علماء الإسلام الصعاب! إن (الناس) سيطردون الخميني من المجتمع!
لقد خططوا أن يظهروا علماء الإسلام للشعب على شاكلتهم هم، وبما أن المجتمع رفضهم يريدون أن يرفضنا أيضاً. لقد رفضهم المجتمع فأرادوا أن يقال إنه يرفضنا أيضاً، وأرادوا بهذه الخطة المشؤومة أن يكرهنا المجتمع، حتى يتبعوا أسيادهم براحة بال. وياليتها كانت تبعية الأسياد، بل يريدون أتباع إسرائيل! فياللمصيبة!
لقد ذهبوا إلى رئيس تحرير صحيفة اطلاعات، وقالوا له: من الذي أخبركم بهذا الموضوع؟ اكشفوا لنا لنعرف من هو عالم الدين هذا المرتبط بمديرية الأمن، والذي تفاهم معكم وقبل موضوعاتكم التي هي خلاف الدين؟! فخجل المسكين، وقال: إنني لم اكن هنا، فاسألوا فلاناً، وأطلب المعذرة، وأمثال هذا الكلام، ثم أضاف: إن الافتتاحية التي كتبتها جاهزة- وكان قد أطلع ذلك السيد عليها- وإنني كتبت هذه، لكن بعض المسؤولين أتوا بمقال آخر، وطلبوا مني أن أنشره!
إنني هنا أعين واجباً لرئيس تحرير صحيفة اطلاعات وموضوعاً آخر لنا، فإذا كان رئيس التحرير متضايقاً مما يفرض عليه فليترك العمل بالصحافة، ويكن نائباً (في المجلس) وإن لم ينتخبه الشعب نائباً أو عضواً في مجلس الشيوخ. وإن كنت تشعر بالعار مما يفرض عليك فالمسألة سهلة، مارس عملًا افضل، فإننا لسنا أمواتاً حتى تلصق بنا الأكاذيب، ولله الحمد فإن لدينا عدداً كبيراً من العلماء والفضلاء والمراجع العظام في البلاد، ولدينا مدرّسون كبار في الحوزات، ولدينا طلبة وفضلاء في العلوم الدينية، ولن يجلسوا ويسمعوا حينما يكتب أحدهم أكاذيب واضحة في صحيفة واسعة الانتشار! إننا نصرخ ونصيح! (ومن الطبيعي) أنهم لا يسمحون بأن تنعكس صرختنا! أيها السيد الذي طلبت أمس أو البارحة الوقوف بوجه الرجعية، أليس من الرجعية أن تقفوا بوجه الصحف، وتفرضوا على صحيفة اطلاعات لتكتب أن هذا هو موقفنا؟ فإن كان لكم دين، فاعملوا بالدين وإن كنتم تعتبرون الدين رجعية، فاعملوا بالدستور! إنني لست من أولئك الذين إذا أصدر حكماً يقعد غافياً، ليأخذ الحكم مجراه بنفسه، بل إنني أتابع هذا الحكم، ولا أخشى شيئاً ولله الحمد- تعالى- فوالله لم أخش أحداً حتى الآن! وحتى في ذلك اليوم الذي أخذوني (معتقلًا)، كانوا هم الخائفين، وكنت أنا الذي أواسيهم أن لاتخافوا! فلا دين لنا لو أننا خشينا ما تحمّل الأنبياء من الويلات لتحقيق الأهداف الإسلامية وضحّى الأولياء العظام بأنفسهم من أجلها، وأحرق علماء الإسلام العظام في سبيلها، وقطِّعت رؤوسهم وسجنوا ونفوا .. وهل يخشى المتديِّن مغادرة هذا العالم؟! فإن كنا نعتقد بماوراء هذا العالم، فعلينا أن نشكر الله، لأننا نقتل في سبيله ونلحق بالشهداء، أنخشى؟! وممَّ نخشى؟! يجب أن يخشى من لامكان له غير هذا العالم، وقد وعدنا الله- تبارك وتعالى- أنه إذا عملتم بديني، فإن لكم عاقبة حسنة، ونأمل أن نعمل به. لماذا نخشاكم؟ كل ما تستطيعون عمله هو أن تعدمونا، وهذا يعني بداية حياة الراحة لنا وخلاصنا من هذا العذاب وهذه المحن، وقد قال مولانا" والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه" ونحن شيعته، وإن كنا نخاف من الموت، فهذا يعني أننا لا نؤمن بما وراء الطبيعة.
لقد أخطؤوا عندما أطلقوا سراحي، وقد قلت لهم هناك أيضاً: إذا كنتم تريدون أن تستعملوا الأسلوب نفسه، فإن من الأصلح أن تَدَعُوني هنا، والأفضل ألا تثيروا الضجيج ثانية. وأقول الآن أيضاً: إننا لسنا رجعيين، ولا نرفض آثار الحضارة، والإسلام لا يرفض آثار الحضارة، بل يتوق الى أن تتحكموا في جميع مقدرات العالم. والإسلام هو ذلك الذي أخضع هذه البلدان التي أصبحتم أسرى لها! وليست هذه الأفكار النيرة التي يحملها الرجال العظماء وعلماء الإسلام ومراجعنا العظام إلا من نور الإسلام. وأما الرجعية، فهي الأفكار المتهرئة والبالية التي يحملها السادة والتبعية العشواء للجميع وتقديم ثروات بلد للآخرين. وليسود وجه هذه الرجعية!
لقد بعث رئيس الوزراء أمس مَنْ يقول: (نعم، نعتذر إليكم من خطأ حدث، حذار أن تحدث فوضى، إننا نريد كذا، إننا خاضعون). وقلنا: إن عليكم أن تتعهّدوا بعدم تكرار مثل هذه الأحداث، فقد قال مدير صحيفة اطلاعات نفسه: إنني لست مقصراً وأنتم الذين فعلتم ذلك، وإذا تكرر ذلك، فستواجهون ما هو أسوأ!
إن هذا البلد (المتقدم) قد أدمى شتاؤه قلبي في هذه السنة، فتلك اصفهانه وهمدانه وطهرانه وقمه وأماكنه الأخرى، أفكرتم بحل للمساكين، وللذين يعانون فيها من هذا البرد القارس؟ وقد توفي في همدان أكثر من ألفي نسمة في درجة برودة بلغت الأربع والثلاثين (تحت الصفر)! أيها البلد المتقدم، أيها السادة الذين اصبح بلدكم متقدماً، هل فكرتم بهؤلاء؟ وهل يعتبر قولنا: لا تضغطوا على الشعب، ولا تعذبوه، ولا تشتموه إلى هذا الحد، رجعية؟ إنكم يا عملاء الاستبداد تنتهكون جميع القوانين، ولا تبالون بأي حكم من الأحكام، وتستخدمون القوة والحراب والعجرفة، وتعاملون هذا الشعب المسكين كما ترغبون، فهل أنتم تقدميون؟! وهل نحن رجعيون حينما نقول: إعملوا بأحكام الإسلام والدستور؟!
إن السادة يريدون تأسيس جامعة إسلامية، فإذا كنتم مشفقين على الإسلام، فإن جامعتنا هناك (في قم) فلماذا تهدمونها؟ إننا لا نأمل منكم خيراً، فاكفونا شركم، اذهبوا، وشاهدوا مكان طلبة العلوم الدينية، ولا حظوا حياتهم بعد الغارة وقبل الغارة، فلا يملكون غير بساط قديم وسماور مكسور من صفيح لم تكن تنفع المهاجمين. إنهم أرادو إلحاق الأذى بنا نحن الذين لا نملك شيئاً خفياً، وهذه هي مدارسنا وهذه هي بيوتنا، تعالوا وانظروا، ثم قولوا: تباً لكم أيها الرجعيون إذا شاهدتم أن ميزانيتنا السنوية- التي يوفرها علينا هذا الشعب الفقير المسلم بإخلاص كامل من أجل حفظ أساس الأحكام الإسلامية- تعادل تكاليف ضيافة واحدة من ضيافاتكم. تعالوا واعتقدوا بأحكام الإسلام، فإننا جميعاً سنكون جزءاً من نظامكم، ويكون جميع الشعب جزءاً منكم، فهل منحنا هذا الشعب مالًا، فيحبنا وهل أعطيناه رشوة، فيصادقَنا ويرغب فينا؟ لقد أدرك الشعب أن هؤلاء السادة ومراجع الإسلام العظام والخميني هذا الطالب، يريدون الناس، ويحبونهم، ويريدون إصلاح الناس والبلد. وهذا الاعتقاد في قلوب الناس، والناس يتبعون أحاسيسهم القلبية، فتعالوا إذن واسمعوا نصيحتي!
وقد قلت مراراً للذين كانوا يأتون بأنكم شاهدتم حتى الآن أنكم لم تستفيدوا من التعذيب والضرب والسجن والنفي والإهانة، فالشعب يزداد بهذا الظلم غضباً، فلا يمكن إخضاع شعب حتى النهاية بالضغط، فإذا رأيتم ذلك تعالوا وتغيروا قليلًا، جربوا ذلك، فإنكم بشر تدّعون أن لكم عقلًا، فاستعملوا في هذه المرة ذلك الأسلوب الآخر، اعطفوا على الشعب وتواضعوا، فإنّ الحكومة تتعلّق بالشعب، وميزانية الحكومة من جيوب الشعب، والحكومات خادمة للشعوب، وأنتم خدم للشعب، فلتكن حياتكم المرفّهة لكم، ونرجوا منكم أن لا تقولوا: إننا خدم للشعب. وأنتم تؤذونه عملياً! إننا لا نستطيع أبداً أن نعقل حياة الرفاه التي يعيشها هؤلاء، ولا نستطيع أن نتصور إقلاع طائرة من هنا إلى هولندا كي تجلب زهوراً للضيافة مع العلم أن كلفة السفر ثلاث مئة ألف تومان! وهذه من الأمور المعروفة التي تقال، ألستم ترتزقون من ميزانية هذا البلد ومن كد هذا العامل والفلاح؟ وزّعوا قليلًا بين الشعب مما تحصلونه، ولا تكونوا مسرفين ومتطفلين إلى هذه الدرجة، اعتقدوا بأحكام الإسلام يصبح الشعب كله جزءاً من نظامكم!
جاءني (مبعوث رئيس الوزراء)2 وقال: حسناً، إننا نأسف على ما فعلتْ بكم تلك الحكومة وقد سقطت، وشُكِّلتْ حكومة أخرى- ولله الحمد- معظم أعضائها آباؤهم من علماء الدين ومتدينون. فقلت: إننا ما كنا أعداء تلك الحكومة ولا عقدنا معكم رابطة الاخوة، بل ننظر إلى أعمالكم، فإن كانت أعمالكم تكراراً لأعمال تلك الحكومة، فإننا سنبقى كما كنا معارضين حتى النهاية، فغيروا أسلوبكم، وأخضعوا لأحكام الشرع، وألغوا القرارات الحكومية الباطلة التي لا تتفق والشريعة، فهل نحن نقول بعدم قيام حكومة؟ إننا نقول: لابد أن تخضع الحكومة لقوانين الإسلام، وفي الأقل للدستور، إننا لا نريد أن نعيش مثل أولئك الذين عاشوا في الكهوف قبل آلاف السنين، وأي عالم دين قال: إننا نرفض المظهر الفلاني من مظاهر الحضارة؟ اعثروا على عالم دين واحد قال ذلك، إنكم حين تستوردون مظاهر الحضارة إلى إيران تبدلون شكلها الطبيعي ليصبح الحلال حراماً، فهل الراديو والتلفزيون وضعا من أجل هذا الهدف والوضع السائد في إيران؟! وهل هما كذلك في البلدان المتقدمة؟ وهل تستفيد من الأجهزة الحديثة هكذا؟! إن جميع صحفنا ومجلاتنا بيد الاستعمار، وهو الذي يجعل الصحف بهذا الشكل من الابتذال لكي يسمم أفكار شبابنا. والاستعمار هو الذي ينظم برامجنا الثقافية بنحو لا يكون به شباب أقوياء في هذا البلد يضحون في سبيل إنقاذ الشعب. والاستعمار هو الذي ينظم برامج الراديو والتلفزيون تنظيماً يرهق أعصاب الناس ويجعلهم يفقدون معه القوة والطاقة، ونحن نعارض هذه المظاهر الاستعمارية، فهل نحن رجعيون، وأنتم تقدميون؟ ليس في كلامنا خصام وجدال وسباب، فتعالوا لنرى أية حضارة نعارضها؟ نحن نعارض الفساد، وإسرائيل هي التي تنظم مشاريعكم الإصلاحية وأنتم تجلبون الخبراء العسكريين من إسرائيل، وتبعثون الطلاب من هنا إلى إسرائيل، ونحن نعارض هذه الأعمال، نحن نقول: إن جميع البلاد الإسلامية وقفت صفاً واحداً مقابل الكفر وإسرائيل، فيما تقفون أنتم وتركيا مع إسرائيل في الطرف المقابل. ونقول: ليس هذا عملًا جيداً، فلا تتجاهلوا عواطف الشعب إلى هذه الدرجة، فيقف المسلمون في طرف، وإيران في طرف! فوالله إن هذا مضر، وعندئذ يظن الإخوة من أهل السنة أن الشيعة هم عبدة اليهود!
أيها الناس، أيها العالم، اعلموا أن شعبنا يعارض التحالف مع إسرائيل، فإن ديننا يقضي أن لا نتفق مع عدو الإسلام، ويقضى قرآننا أن لا نتحالف مع عدو الإسلام مقابل جبهة المسلمين، ونحن ننادي بهذا، فهل هذه رجعية؟! إنكم كما تقولون تملكون بلداً عريقاً يعود إلى ألفين وخمس مئة عام، وتريدون استخراج العظام الرميمة من تحت التراب مقابل الإسلام، فجئتم آخر العمر، وتحالفتم مع إسرائيل على أحكام الإسلام والمسلمين، فهل عندما نقول لكم: لا تتحالفوا مع إسرائيل، يعني ذلك أننا أصبحنا متحالفين مع كذا، أي: مصر وجاءنا (جاسوس مصري) وجلب لنا (المال)؟! تباً لهذا المنطق، ولتسود وجوهكم، فأين الرجعية في حديثنا هذا؟ نحن في أعلى مراتب الحضارة، والإسلام في أعلى مراتب الحضارة، وإن مراجع الإسلام العظام هم في أعلى مراتب الحضارة. حسناً! فاذهبوا وشاهدوهم فإنهم موجودن هنا، وفي مشهد وطهران والنجف، فاذهبوا وشاهدوا من الرجعي بينهم؟! ويسافر السادة بالطائرة من هنا إلى هناك فيما يقول الشاه في خطابه: إن علماء الدين يقولون بأن الناس عليهم أن يسافروا على الحمير؟ ألم يسافر في هذه السنة أحد المراجع بالطائرة إلى مشهد؟ أو لا يسافر بقية المراجع بالسيارة؟ وفي هذه السنة توجه المراجع واجتمعوا جميعاً في طهران، فهل سافروا على الحمير؟! هل يعارض هؤلاء آثار الحضارة؟ نحن نقول لكم لا تفعلوا هذا، فنحن جميعاً أولاد أسرة واحدة، فلماذا تريدون أن تحطمونا؟ فنحن حماة هذا البلد تطوعاً، ولا نفرض شيئاً على ميزانيتكم، ونتحمل كل هذا الضرب والسجن والعذاب والإهانات والشتائم، ولأننا دعامة لهذا البلد، وإذا هدّده خطر- لا سمح الله- نقف بوجهه، ولن نخاف.
إن هؤلاء السادة الذين يقولون إننا نريد حفظ البلد، هربوا من طهران إلى يزد حين دخل الحلفاء إيران (في الحرب العالمية الثانية)، بينما لا يمكنكم العثور على عالم دين واحد هرب آنذاك! لقد كنت في طهران يوم كانت الطائرات ترهب الناس، وبالذات في ساحة شاهبور (من مدينة طهران) مع المرحوم الشيخ حسين القمي- رضوان الله عليه- وكان قد عبأ غليونه يدخن منه بكل هدوء، وكأنّ شيئاً لم يكن، وأنا كنت مثله تقريباً، وكأن شيئاً لم يكن! أما هؤلاء العسكريون الذين يدعون (الشجاعة) و حفظ البلاد، فإنهم كذلك حين الانتفاع وتحقيق المصالح والتحكّم، ولكن حين ينقلب الوضع- لا سمح الله- فإن أصحاب الأوسمة هؤلاء هم أول الفارّين، فيما نبقى نحن- ولله الحمد- ثابتين هنا حتى النهاية.
إن الجامعة الإسلامية التي يريد السادة تأسيسها، لا تعني أنهم تصالحوا مع الإسلام، كلًا، فالقضية هي قضية القرآن الذي حملوه على أسنة الحراب في وجه أمير المؤمنين، لقد هزم معاوية أمير المؤمنين بحربة القرآن، رفعه للمكر والخداع، ولولا ذلك ولو استمرت الحرب بضع ساعات أخرى لتم القضاء على بني أمية ولعفا أثرهم، ولكنهم مكروا، وحملوا القرآن وقالوا: إننا وأنتم مسلمون، (نشهد أن لا إله إلا الله)! وكلما قال الإمام أمير المؤمنين للخوارج الأشقياء والمتزمتين الحمقى الذين لم يعرفوا إمامهم: اصبروا، قالوا: لا، لا يجوز، لا يجوز، وهؤلاء الأصحاب أنفسهم كانوا يريدون قتل أمير المؤمنين! وهزموا الإسلام بالقرآن! ولكن هل يمكن هزيمة الإسلام ب- (جامعة إسلامية)؟! وهل نسمح لكم ن تؤسسوا (جامعة إسلامية)؟! سنحكم بفسق من يدخل هذه الجامعة! وهل يستطيع هؤلاء إخضاع الإسلام والمسلمين وعلماء الإسلام لوزراء الثقافة؟! خسؤوا! هل نسمح لوزارة الثقافة أن تتدخل في شؤون الدين والإسلام؟! إلا إذا مات الخميني، أو توفي مراجع الإسلام- لا سمح الله- وعندما نرحل، فلا مسؤولية علينا، غير أن الشعب المسلم موجود، والشعب المسلم لا يزال حياً، فلا تخطؤوا، فحتى لو سايركم الخميني لا يسايركم الشعب المسلم.
إننا ما نزال في نفس الخندق الذي كنّا فيه ونعارض جميع القرارات المعادية للإسلام، ونعارض جميع الضغوط التي تمارس على الشعب، فهل نحن رجعيون حيث نقول ماذا فعل المساكين الذين أعدمتموهم؟! وماذا فعل الذين نفيتموهم إلى بندر عباس؟! هل هؤلاء المساكين طلبوا شيئاً غير العمل بالدستور؟! ولنفترض أنهم تفوهوا بكلمة، فهل يجب أن يقضوا بقية حياتهم في بندر عباس بسبب ذلك؟! يا سيد، أصلح نفسك قليلًا، وتحرر قليلًا من الرجعية والهمجيّة هذه، وكف عن أعمال القرون الوسطى، ولا تكن رجعياً إلى هذه الدرجة، فالواجب أن تكون متحضراً وتقدمياً وأن تحترم أبناء البلد، ولا تجعل الشعب مغلوباً على أمره إلى هذا الحد. ولا تكن جامعاتكم وبرامجها بشكل تربي شبابنا تربية سيئة، بل عليها أن تربي شبابنا زرافات زرافات. إن مدارسكم ليست مدارس نزيهة، حتى يستطيع الإنسان أن يثق بها. وأما برامجكم، فهي برامج استعمارية، وكلها لهو ولعب وكلها مباريات كرة القدم، فهل بقية البلدان هي كذلك؟ فمن الذي أوجد هذه الصناعات النووية إذن؟! ومن الذي صنع هذه الطائرات؟! البلد المتقدم؟ هذه الأنابيب التي استعملت في التأسيسات المائية بقم لا فائدة لها، لأنها من صنع إيران! وأنت لم ترتفع عن صناعة الأباريق من الصفيح، وعندما قال رزم آرا بأننا لا نعرف غير صناعة الأباريق من الصفيح قتلوه. فهل هذا هو البلد الراقي؟! وهل البلد الذي يحتاج إلى الأجانب في جميع أموره، بلد متقدّم؟! يجلب الخبراء من إسرائيل، ولكنني لا أدري ماذا يريدون أن يتعلموا من يهود (إسرائيل)؟! لابد أنهم سيتعلمون منهم التزوير والمراوغة والخديعة والمكر! وهل يحصل التقدم بدخول أربع نساء إلى المجلس؟! مَن من الرجال الموجودين حالياً حققوا لكم التقدم، حتى تحقق نساؤكم ذلك أيضاً؟! نحن لا نعارض رقيالنساء، ولكننا نعارض هذه الدعارة، ونعارض هذه الممارسات الخاطئة. وهل الرجال أحرار حتى تصبح النساء كذلك أيضا؟!
إنني عاجز عن تقديم الشكر إلى جميع الشعوب المسلمة وشعب إيران العظيم وجميع الفئات والطبقات! واشكر كثيراً مراجع التقليد العظام الذين تحملوا العناء وذهبوا إلى طهران حيث وجهت إليهم الإهانات هناك! واشكر مراجع البلاد العظام الذين اجتمعوا في العاصمة، والمراجع الذين جاؤوا إليها من مشهد وأهواز وقم، وكذلك النجف التي ساهمت وأولئك الذين كانوا في قم وساهموا. لقد تعاضد الجميع، وأثبتوا بأننا مستعدون لكل شيء في سبيل حرية هذا الشعب، فيجري اعتقال أحدنا وإهانة الآخر وكيل الشتائم للثالث، فإننا مستعدون لكل شيء! ويوجد حالياً أيضاً هؤلاء المراجع كثر الله أمثالهم (الحضور: آمين). من مراجع النجف وطهران ومشهد كثر الله أمثالهم. فالإسلام ليس بالشكل الذي يملك شخصاً أو اثنين فقط، فالجميع جند الإسلام، وجميع العلماء يبذلون الروح في سبيل الإسلام ومتعاضدون. إن لساني أعجز من أن أشكر به هذه الشخصيات البارزة والعلماء العظام، سواء منهم من يرى الصلاح في العمل بمرونة أو من يرى الصلاح في العمل بشدة، فأنا أعجز عن شكرهم، حفظهم الله تبارك وتعالى! فإننا جميعاً يد واحدة، ولا يتصور أحد أنه بنشر بعض الدعايات المسمومة يستطيع بث الفرقة بين العلماء، فنحن جميعاً جسد واحد، ولدينا حنجرة واحدة، ولا يتصور الشباب أن هناك خلافاً، لا سمح الله!
إنني أنصح لطلبة العلوم الدينية الشباب بأن يعلموا أنه لو قام أحد بإهانة أحد مراجع الإسلام، فإن الولاية التي بينه وبين الله تنقطع، وهل تعتبرون شتم المراجع العظام أمراً هيناً؟! وإذا تعرضت هذه الانتفاضة الكبيرة لضربة ببعض الأعمال الصبيانية، فإن الجميع يعاقبون عند الله-
صحيفة الإمام، ج1، ص: 274-281
1- يخاطب الشاه
2- اشارة إلى رئيس الوزراء آنذاك حسن علي منصور.