مكانة الإمام المجتبى في آيات الذكر الحكيم
ولادة الإمام المجتبى(ع)
لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيت وعلوّ مقامهم العلمي والروحي وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّى بها.
عدد الزوار: 106
لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيت وعلوّ مقامهم العلمي والروحي وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّى بها.
ويعود هذا الاتّفاق إلى جملة من الأصول، منها تصريح الذكر الحكيم بالموقع الخاص لأهل البيت عليهم السلام من خلال النصِّ على تطهيرهم من الرجس، وأنّهم القربى الذين تجب مودّتهم كأجر للرسالة التي أتحف الله بها الإنسانية جمعاء، وأنّهم الأبرار الذين أخلصوا الطاعة لله وخافوا عذاب الله وتحلّوا بخشية الله، فضمن لهم الجنّة والنجاة من عذابه.
والإمام الحسن المجتبى عليه السلام هو أحد أهل البيت المطهّرين من الرجس بلا ريب، بل هو ابن رسول الله بنصِّ آية المباهلة التي جاءت في حادثة المباهلة مع نصارى نجران، وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث في سورة آل عمران في الآية 61 قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. وروى جمهور المحدِّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت عليهم السلام وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.
وتضمّن هذا الحدث تصريحاً من الرسول صلى الله عليه وآله بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم على الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف أسقف نجران أيضاً قائلاً: إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله. وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية على عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليتهم، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين.
ولم ينصّ القرآن الكريم على عصمة أحد غير النبي صلى الله عليه وآله من المسلمين سوى أهل البيت عليهم السلام الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً، ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت فإنهم لم يختلفوا في دخول عليٍّ والزهراء والحسنين في ما تقصده الآية المباركة.
ومن هنا نستطيع أن نفهم السرَّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم، وترجيح حبّهم على حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز، فإنّ عصمة أهل البيت عليهم السلام أدلّ دليل على أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس كان دالاً على النجاة وكان متّبعه ناجياً من الغرق.
ونصّ النبي صلى الله عليه وآله، كما عن ابن عباس، بأنّ آية المودّة في القربى حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت على المسلمين طاعتهم قائلاً: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما.
ولا يتركنا القرآن الحكيم حتى يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة الدهر التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوى عليه أهل البيت والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾.
لقد روى جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت عليهم السلام بعدما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، وفاءً فيه أروع أنواع الإيثار، حتى نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾. فشكر الله سعيهم على هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة، وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتى يرث الأرض ومن عليها.
*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج4،ص 23-25.