مواصفات التعبئة
رجب
لقد كان شمران هكذا، لم تكن الدنيا ولا المناصب تهمّه، لم يهمه الخبز والاسم ولم يكترث لمن يُنسب الإنتاج. كان منصفا لا يجامل، وشجاعا شديدا. ففي نفس الوقت الذي كان مثالا للطف والرقة والشاعرية والعرفان ، كان في مقام الحرب جندياً شديداً. لم يدرس العرفان النظري ، ولعله لم يدرس على يد أي أحد في أي مسلك توحيدي أو سلوك عملي ، ولكن قلبه كان طالباً الله ، قلباً صافياً إلهياً ، من أهل المناجاة والمعنويات.
عدد الزوار: 232
بسم الله الرحمن الرحيم
مواصفات التعبئة
المناسبة: مقتطفات من كلمات السيد القائد الخامنئي دام ظله
خلال كلمة لسماحة السيد القائد الخامنئي دام ظلّه الوارف تحدث فيها عن مواصفات الشهيد مصطفى شمران رضوان الله عليه وحركة التعبئة فقال:
لقد كان شمران هكذا، لم تكن الدنيا ولا المناصب تهمّه، لم يهمه الخبز والاسم ولم يكترث لمن يُنسب الإنتاج. كان منصفا لا يجامل، وشجاعا شديدا. ففي نفس الوقت الذي كان مثالا للطف والرقة والشاعرية والعرفان ، كان في مقام الحرب جندياً شديداً.
لم يدرس العرفان النظري ، ولعله لم يدرس على يد أي أحد في أي مسلك توحيدي أو سلوك عملي ، ولكن قلبه كان طالباً الله ، قلباً صافياً إلهياً ، من أهل المناجاة والمعنويات.
وهذا هو العلم التعبوي ، الأستاذ التعبوي هو هذا النموذج. وقد كان شمران الأنموذج الكامل الذي قد شاهدناه عن قرب. ففي شخصية مثل هذا الرجل يكون الكلام حول التضاد بين التقليد والحداثة كلاماً فارغاً، ويكون التضاد بين العلم والإيمان مضحكا ، هذا التضاد المختلق والتضاد الكذب الذي يطرح كنظرية ولأن امتداده العملي بالنسبة للبعض يكون مهما فإنهم يتبنونه مثل هذه الأمور كانت فاقدة للمعنى بالنسبة لمثل هذا الإنسان. فقد كان العلم موجودا وكذلك العقل. فالشهيد كان مزيج الماء والنار. ذلك العقل المعنوي والإيماني لا يتنافى مع العشق أبدا، بل هو دعامة ذلك العشق المقدس الطاهر.
وأما فيما يتعلق بالتعبئة فأقول:
كانت التعبئة حركة مدهشة لا نظير لها ، حدثت في الثورة. وهي نهضة نبعت من منبع الحكمة الإلهية التي أودعها الله تعالى قلب ذلك الرجل الكبير ، إمامنا العظيم. كان الإمام حكيم، وحكيماً بالمعنى الواقعي. ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾1. فقد وهبه الله تعالى الحكمة. وكانت الحقائق تنهمر من قلبه وتنهال منه. ومنها قضية التعبئة، فالإمام منذ اليوم الأول للانتصار كان قد وضع أسس التعبئة من خلال جر الشعب إلى الميدان ووضع حمل النهضة على أكتاف الناس واثقا بهم معتمدا عليهم. فعندما وثق بالناس ، انبعثت ثقتهم بأنفسهم. ولو لم يثق الإمام بالشعب لما حصلت لهم هذه الثقة بالنفس. فهناك وضعت اللبنة الأولى للتعبئة. وفي الواقع نشأت قوات الحرس من التعبئة، وكذلك جهاد البناء، وإن لم تكن التعبئة منظمة مسجلة ومدونة كما حصل في السنوات اللاحقة ، لكن ثقافة التعبئة وحركتها وحقيقتها كانت منشأ خيرات عظيمة للبلد وللمجتمع والنظام الإسلامي. التعبئة تمثل هذه الحقيقة. فالتعبئة في الواقع عبارة عن جيش شامل لا تجد فيه صبغة الادعاء وعلى صعيد البلد كله. وهو جيش مستعد للجهاد في جميع الميادين. وليس فقط في الميدان العسكري. فإن الميدان العسكري هو زاوية محدودة مؤقتة. فالحرب لا تكون دائماً.
إن ميدان تواجد التعبئة أوسع بكثير من ميدان العسكر. فما قلته مراراً وتكراراً بأنه لا ينبغي اعتبار التعبئة مؤسسة عسكرية لم يكن مجاملة، بل إن حقيقة القضية هي هذه. فالتعبئة هي ساحة الجهاد. لا القتال. فالقتال يمثل جانبا من الجهاد. الجهاد يعني الحضور في ميدان المجاهدة مع السعي الهادف والإيمان. هذا ما يصح أن نقول عنه جهادا. لهذا فإن ﴿جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّه﴾2 أي الجهاد بالنفس والجهاد بالمال. فأين يكون الجهاد بالنفس ؟ هل ينحصر بالذهاب إلى الحرب وحمل الأنفس على الأكف لتقديمها ؟ ل، فإن أحد أنواع الجهاد بالنفس هو أن تقضوا وقتكم في المساء وحتى الصباح على مشروع تحقيقي أو بحثي دون أن تلتفتوا إلى مرور الوقت. الجهاد بالنفس هو أن تضحوا بأوقات ترفيهكم وراحة أجسامكم وتعرضوا عن ذلك العمل الذي يدر الكثير من المال والمدخول وبقول الأجانب مصنع المال و تقضوا وقتكم في هذا المحيط العلمي والبحثي حتى تستنبطوا حقيقة علمية حية وتقدموها كباقة ورد إلى مجتمعكم، هذا هو الجهاد بالنفس. وقسم صغير منه هو الجهاد بالمال.
فميدان التعبئة هو ميدان عمومي. لا يختص بفئة أو قطاع أو منطقة من البلاد ، لا يختص بزمان دون آخر، ولا ينحصر بميدان دون غيره. فهو موجود في كل الأمكنة والأزمنة والميادين والشرائح. هذا هو معنى التعبئة.
وها أنتم تريدون وجود تعبئة داخل الجامعات.. معلوم ماذا ينبغي أن نفعل. فماذا تحتاج الجامعة ؟ وماذا تحتاج البلاد ؟ إننا منذ سنوا ت نطرح قضية العلم ، وأنتم انظروا اليوم إلى الكثير من الضغائن والمنافسات و الحسرات والإحساس بالتخلف الذي يشعر به أعداؤنا الدوليون تجدونها كلها بسبب تقدمكم العلمي. والذين يمدحون إيران اليوم فإنما يفعلون ذلك لهذا الأمر أيضا. ومن يضمر لنا العداء فلأجل العلم. فتطوركم العلمي له مثل هذا الأثر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
1- البقرة:269
2- التوبة:41