أقسام الولاية
معنى ولاية الفقيه
ونعني بها: حق الطاعة في مجال التكوين، وتسخير الأشياء والموجودات، لإرادة صاحب هذه الولاية يتمكن بسببها من التصرف في الموجودات الخارجية، دون أن يعني هذا الكلام أن تناقضاً سيقع مع مبدأ العلية الجاري في الكون، أو مبدأ التوحيد الذي ينص على أن كل شيء في الكون معلول لإرادة الله تعالى...
عدد الزوار: 1024
الولاية على قسمين
1- الولاية التكوينية
ونعني بها: حق الطاعة في مجال التكوين، وتسخير الأشياء والموجودات، لإرادة صاحب هذه الولاية يتمكن بسببها من التصرف في الموجودات الخارجية، دون أن يعني هذا الكلام أن تناقضاً سيقع مع مبدأ العلية الجاري في الكون، أو مبدأ التوحيد الذي ينص على أن كل شيء في الكون معلول لإرادة الله تعالى، لأن مبدأ العلية في الكون لا ينحصر بالأسباب الطبيعية الحسية، بل هناك من الأسباب الغيبية ما يفوق الأسباب الحسية، لكن لم ولن يطلع عليها إلا ذو حظ عظيم، كما أن مبدأ التوحيد لا يتنافى مع إذن1 الله تعالى لبعض عباده بالتصرف في الموجودات تصرفا لم تألفه الحواس ولا ينكره العقل.
مراتب الولاية التكوينية وهذه الولاية ذات مراتب، وأضعفها مرتبة ما نشهده عند كل الناس كولاية الإنسان على أعضائه وعضلاته فيحركها مثلما يشاء بمقدار ما يتمكن بإذن الله تعالى، لكنها مرتبة غير ملفتة، باعتبار تآلف الناس معها وتعودهم عليها، وإلا فإنه من الناحية الفكرية لا فرق في مبدأ هذه التصرفات بين مرتبة ومرتبة من مراتب الولاية التكوينية، وإن كان هناك فرق في أهمية هذه المراتب وسموها.
وهذه المرتبة من الولاية قد تبقى وقد تسلب بحادث أو بولادة ونحو ذلك أو بسبب غير طبيعي، كما أنه قد تسلب عنه دائماً، وقد تسلب في أوقات محددة، وقد تسلب للحظة أو لحظات، وقد لا تسلب أبداً، كل ذلك وفق مشيئته تعالى.
وهناك مرتبة هي أسمى من المرتبة السابقة، يكون الإنسان بسببها قادراً على التصرف في مجال أوسع من ذلك، كأن يحرك الحجر من مكانه بدون أن يلمسه، بل بمجرد أن يأمر الحجر بالتحرك، وكأن يحرك الشجر من مكانه من دون أن يقلعها أو أن يمسها، وكأن ينفجر نبع ماء تحت يد الإنسان، وهذه سلطة وولاية على بعض الموجودات، لكنها لا تستند إلى الطرق المألوفة في التأثير والإيجاد.
وهناك مرتبة أسمى قد يملك الإنسان معها قدرة التأثير في دائرة أوسع.
وليس هناك عدد محدد لمراتب هذه الولاية، لأنك تستطيع أن تحصي مراتب كثيرة، لكنك لن تتمكن من حصرها، لأن مفردات الوجود الكوني فوق قدرة البشر، كل ذلك لا يأبى عنه العقل، وإن كان هناك نقاش مستفيض في تحقق بعض المراتب لدى بعض الخلق.
الولاية التكوينية في القرآن
لكن هذه الولاية التكوينية على اختلاف مراتبها، لا تكون إلا بإذنه تعالى، ولا يمكن لأي مخلوق مهما علا شأنه أن يستقل عن الله تعالى في التصرف، بل كل ما في هذا الوجود من حوادث وتغيرات، لا بد أن يستند في نهاية الأمر إلى إرادته تعالى إرادة فعلية، وما من أحد يملك قدرة مستقلة عنه تعالى مهما اختلفت مراتب التصرفات والقدرات.
ولذا نجد القرآن الكريم عندما ينسب إلى أحد أنبيائه وأوليائه قدرة تكوينية ما فإنه غالباً ما ينبه على أن هذا بإذن الله تعالى لئلا يبتلى المرء بالشرك كما ابتلي بذلك قوم من أهل الكتاب عندما رأوا القدرات الهائلة عند نبي الله عيسى عليه السلام.
وللتأكد مما نقول انظر إلى قوله تعالى: في قصة النبي عيسى عليه السلام ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ﴾1.
فتأمل في هذا التكرار في كلمة بإذن اللّه، وهذا يدل على أنه ليس هناك إذن واحد عام سابق يشبه التوكيل والتفويض، بل هو في كل حركة من حركاته، يطلب إذن الله تعالى، وفي الحقيقة فإنه لا يمكن أن يكون هناك إذن سابق يصير بموجبه المأذون قادراً على الإستقلال بالتصرف، مستغنياً عن أي إذنٍ لاحق، إن هذا المعنى غير متعقل في علاقة الله تعالى بعباده، لأنهم الفقراء إليه وحقيقتهم الفقر، ومن كان هذه حقيقته، لا يمكن أن يستقل عن ربه ولو للحظة، ومن مقتضيات الفقر الإحتياج المستمر لفيض الله تعالى، حتى يستمر الفقير في وجوده وفي تأثيره، فالحاجة للإذن مقوم لوجودنا شعرنا بذلك أم لم نشعر.
ونحن شيعة أهل البيت عليهم السلام نعتقد أن الله تعالى قد أكرم أنبياءه وأوصياء الأنبياء، ومنهم أئمتنا عليهم السلام، بكرامة الولاية التكوينية بمراتبها السامية المناسبة لمقام المخلوقين المربوبين وبإذن الله تعالى، وإن كنا غير قادرين على رسم حدودها.
كما أننا نعتقد أن هذه الكرامة لا تعطى بغير سبب وحكمة وكفاءة، بل يرتبط فيضها على العبد بمقدار قرب العبد من الله تعالى، ولذا نجد بعض هذه الكرامة عند الأولياء من غير الأئمة والأنبياء عليهم السلام، فليس بمقدور كل أحدٍ أن يتصرف، وليس بمقدور كل شخص أن ينال إذن الله تعالى، بل هذا من مختصات النفوس القدسية والأرواح الربانية التي سمت وحلقت في أجواء القدس والنور، وسبحت في جوهر التوحيد، وتجلت فيها حقيقة العبودية، وبمقدار ما تثبت هذه الصفة بمقدار ما يفاض على الإنسان من كرم الله تعالى.
2- الولاية التشريعية
وهي قسمان
الأول: حق التشريع
فقد تطلق الولاية التشريعية ويراد بها أن النبي لله أو الإمام عليه السلام يملكان حق التشريع، والمقصود أنهم يملكون وحدهم القدرة على بيان الحكم الشرعي الواقعي الذي يريده الله تعالى والمعرفة الصحيحة لأحكام الله.
وبعبارة أوضح، نحن نعتقد بأن الرسول لله والأئمة عليهم السلام من ولده يملكون علماً ربانياً، وحياً أو إلهاماً، أو نحو ذلك، يمكّنّهم من خلاله معرفة حقائق الأشياء، ومعرفة ماذا يريد الله تعالى، وبالتالي معرفة ما هو الحكم الشرعي المناسب، وهذا في الحقيقة عبارة عن قدرة على استكشاف مراد الله تعالى، ونحوٍ من أنحاء الإخبار عن الله تعالى، وليس تشريعاً مستقلاً عن إرادة الله تعالى.
الثاني: حق الأمر والنهي
وقد تطلق الولاية التشريعية، ويراد بها أن للولي أن يأمر وينهى، وعلى الآخرين أن يطيعوه ويمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه.
معنى ولاية الفقيه
والمقصود بولاية الفقيه هنا، هو الولاية التشريعية التي نعني بها، حق الأمر وحق الطاعة، وأما سائر أقسام الولاية فلا علاقة لها بولاية الفقيه.
أما الولاية التشريعية بالمعنى الأول، فهي ليست للفقيه، ولم يقل أحد بثبوتها له، بل هو كغيره من المكلفين لا يستغني عن الأنبياء والأئمة عليهم السلام لمعرفة أحكام الله تعالى، ولذا تجده يُتعب نفسه بالبحث والإجتهاد في الأدلة لاستنباط الأحكام الشرعية.
نعم، قد يقال إن حق التشريع وتقديم القوانين ثابت للفقهاء، بمعنى أنهم المرجعية في تحديد الحكم الشرعي، ولكنه خلاف الإصطلاح.
أما الولاية التكوينية، فهي خارجة عن بحثنا، وهي نعمة من الله تعالى يكرم بها بعض عباده بحسب قربهم منه تعالى، سواء كانوا فقهاء أم لم يكونوا، وهذا أمر لا يعرفه إلا الله تعالى، أو من شاء الله أن نعرفه من خلال الآثار والأدلة الواقعية.
والمأمول أن يسدد الله تعالى خطانا بتسديد خطى أولياء الأمر لدينا، خصوصاً إذا ما لاحظنا أن من مقومات مقام الولاية الحكومية الورع والتقوى والزهد في الدنيا، وهذه كمالات يرتقب في أهلها العروج في عالم الملكوت.
* بحوث في ولاية الفقيه، سلسلة المعارف الإسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية،ط3، 2007م، ص5-9
1- آل عمران: 49.
2010-05-10