يتم التحميل...

إنتظار الفرج

بحوث حول الحجة(ع)

كثرت الروايات التي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج".وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج..

عدد الزوار: 83

تمهيد

كثرت الروايات التي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج"1.

وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج.... والمنتظر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله2.

فما هو هذا الانتظار الذي يعتبر من أحبِّ الأعمال وأفضل العبادات كما عبَّرت بعض الروايات وكيف يكون؟


معنى الانتظار
 
الانتظار في اللَّغة بمعنى الترقُّب3، والتربُّص4، وهو "حالة نفسانيَّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد..."5.


كيف يكون الانتظار؟

إنَّ معرفة كيفية الانتظار أمر مهمّ جدَّاً لأنَّنا نتحدَّث عن فترة طويلة استمرّت قروناً حتَّى الآن ومرَّ فيها أجيال وأجيال، ضمن ظروف مختلفة وفرص متفاوتة، ولا يمكن ترك هذه الأجيال بلا تكليف واضح ومحدَّد، فما هو تكليف هذه الأجيال في هذه الفترة وكيف من المفترض أن يكون انتظارها لظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ولتحقّق الفرج على يديه؟


الإنتظار السلبي والإيجابي

هناك نهجان مختلفان ومتناقضان متصوّران لكيفية الانتظار، ولتكليف المؤمنين في زمان الغيبة الكبرى للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف:

الانتظار السلبي: والمقصود منه أن يبقى الإنسان جالساً دون أيِّ حراك أو فعاليَّة تذكر، ودون أن يقوم بأيِّ عمل تغييريّ، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور، وما تحقّق منه, ليزداد أمله بقرب الظهور، كما لو استشعر تحقّق شيء منها، وهذا يعني أنَّ الوظيفة الأساسية للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف دون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعيِّ والسياسيِّ.

الانتظار الإيجابي: والمقصود منه أن لا يقف الإنسان مكتوف اليدين ساكناً، حتَّى يتحقّق الفرج بظهور الإمام، وإنَّما يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه سواء كانت فرديّة أم اجتماعيَّة، أو لها علاقة بالنظام والحكم...

فأيُّهما هو الانتظار الصحيح والمطلوب شرعاً؟


المنهج الصحيح في الانتظار

عند مراجعة الروايات والنصوص الشرعية، لا شكَّ أنَّنا سنصل لنتيجة قطعيَّة تقول: إنَّ المطلوب من الأجيال في عصر الغيبة الكبرى لا يمكن أن يكون مجرَّد السكون والجلوس في البيت، والتخاذل عن الوظائف الشرعيَّة الممكنة، والتي فيها مصلحة الأمَّة، بل هناك العديد من الأدوار الأساسيَّة التي لا بدَّ من تنفيذها، يمكن أن نختصرها فيما يلي:
 
أولاً: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيّة

عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف: "... ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من‏ القلوب في الوفاء بالعهد لَما تأخَّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا..."6

فاتِّحاد المؤمنين حول قضية الإمام المهديِّ هي سبب مباشر لتعجيل الظهور، وليس المطلوب مجرَّد الاتِّحاد العقائديّ، لأنَّ ذلك حاصل منذ زمن بعيد، وإنَّما المطلوب الاتِّحاد على المستوى العمليِّ، وعندما نتحدَّث عن اتِّحاد، فهذا يعني أنَّهم كالجسد الواحد الذي له رأس واحد يديره ويقوده، هذا الرأس الذي عبَّرت عنه مكاتبته عجل الله فرجه الشريف: "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"7، وهو الوليُّ الفقيه.

ويكون همُّ المؤمنين تطبيق أحكام الله تعالى والتمسّك بطاعته، كما طلب وأكَّد عليه الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف في ما ورد عنه: "فاتَّقوا الله جلّّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم8 من فتنة قد أنافت9 عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف10حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"11 12.

وكذلك عنه عجل الله فرجه الشريف: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلّم"13.

ثانياً: توحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب

فالإمام الصادق عليه السلام يتحدَّث بشكل واضح أنَّ حفيده المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف "ما يخرج إلا في أولي قوَّة"14.

والقوَّة لها جانبان، قوَّة ماديَّة تأتي من خلال التجهيز والاستعداد والتدرُّب... وهذا يفترض أنَّ هناك تحرُّكاً قويَّاً في هذا الاتجاه قبيل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، وقوَّة في القلب والإرادة، وهذه تنتج عن الثبات أمام الابتلاءات، وهناك رواية تصفهم: "إنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَّدكت، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ"15.

ثالثاً: التمهيد للظهور

هناك العديد من الروايات التي تتحدَّث عن أشخاص ورايات تظهر قبيل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف وتقوم بتهيئة الأرض له والتمهيد لظهوره، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"16.

* معز الأولياء، سلسلة الدروس الثقافية. نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2009م- 1430هـ. ص: 73-76.


1- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 77، ص 143، رواية 1، باب 7
2- م.ن. ج65، ص 61
3- ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 424
4- م.ن. ج7، ص 39
5- ميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج2، ص 136
6- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 177
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 140
8- انتياشكم: انتشالكم
9- أناف على الشيء: طال وارتفع عليه
10- الأزوف: الاقتراب
11- سورة الصف: 8
12- خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
13- خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
14- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 323
15- القندوزي، ينابيع المودَّة لذوي القربى، ج 3، ص 87
16- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 87

2010-07-24