يتم التحميل...

الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

بحوث حول الحجة(ع)

عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر يقول: "القائم آل محمَّد غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى"1. تؤكِّد الروايات كما يخبرنا الواقع عن أنَّ للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وسنفصِّل في هذا الدرس الكلام عن الغيبة الصغرى، إن شاء الله تعالى.

عدد الزوار: 66

تمهيد

عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر يقول: "لقائم آل محمَّد غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى"1.
تؤكِّد الروايات كما يخبرنا الواقع عن أنَّ للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وسنفصِّل في هذا الدرس الكلام عن الغيبة الصغرى، إن شاء الله تعالى.


الإمامة والغيبة الصغرى

بدأت فترة الغيبة الصغرى، بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260 هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف خمس سنين تقريباً واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.

وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.


السفراء الأربعة

كان المؤمنون يتّصلون بالإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف خلال فترة الغيبة الصغرى عبر أشخاص مُحدَّدين كانوا يأخذون من الناس أسئلتهم مكتوبة ليوصلوها إلى الإمام فيجيب عنها بالكتابة أيضاً وتعاد لصاحبها.

هؤلاء الأشخاص الُمحدَّدين اصْطُلِحَ عليهم باسم السفراء وكانوا أربعة أشخاص تناوبوا على هذه المهامّ الخاصّة التي أوكلها لهم الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، وهؤلاء السفراء هم على التوالي:

السفير الأوّل: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكريّ من قبله حيث قال بشأنه: "هذا أبو عمرو الثِّقة الأمين، ثّقة الماضي وثِّقتي في المحيى والمَمَات فما قاله لكم فعنِّي يقوله وما أدَّى إليكم فعنِّي يُؤدِّيه"2.
 
السفير الثاني: أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمريّ وقد أخبر الإمام العسكريّ عليه السلام عن هذا الدور في إحدى الروايات: "اشهدوا أنَّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي وأنَّ ابنه محمَّداً وكيل ابني مهديّكم"3.

السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي حيث جاء عن محمَّد بن عثمان العمريّ بشأنه وذلك قبل موته بمدَّة "إنْ حَدَثَ عليّ حَدَثُ الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فأرجعوا إليه، وعَوِّلُوا في أموركم عليه"4.

السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ. وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، حيث كتب عجل الله فرجه الشريف: "بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ بن محمَّد السمريّ: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعِي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم"5.
 
وفي اليوم السادس مرض السمريُّ رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلَّم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: "لله أمر هو بالغه".


أسباب الغيبة الصغرى


لماذا اتَّبع الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف هذا الطريق للاتصال بشيعته، حيث اقتصر باتِّصاله المباشر على أشخاص محدَّدين فيما اتَّصل بالباقين عبر هؤلاء وبشكل غير مباشر... إنَّ لهذه الطريقة التي اتَّبعها الإمام العديد من الأسباب، أهمُّها ما يلي:
 
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام عجل الله فرجه الشريف

ذكرنا فيما سبق أنَّ الحكومة العباسيَّة كانت تترصَّد المولود الجديد لتقتله، ونتيجة تدبير الإمام العسكريّ لم يتم لهم معرفة ذلك، ولكن بعد ولادته عجل الله فرجه الشريف تناهى لمسامعهم بعض الأخبار عن ذلك فتمَّت مداهمة بيت الإمام العسكريِّ عليه السلام مرَّات عديدة للقبض على المولود الجديد وتصفيته، ولكن دون جدوى.

وفي هذه الظروف الصعبة والمطاردة العباسيَّة لم يكن للإمام أن يظهر أمام الناس جميعاً، فهو مكلَّف بالحفاظ على نفسه ليتمكَّن حين يحين الموعد من إقامة الدولة الإسلاميَّة العالميَّة، وهذا ما تشير إليه عدَّة روايات، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: "لابدَّ للغلام من غيبة، فقيل له:وَلِمَ يا رسول الله، قال:يخاف القتل"6.

وخرج في التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف اللمحمَّد بن عثمان العمريِّ في علَّة عدم ذكره عليه السلام باسمه: "فإنَّهم إنْ وقفوا على الاسم أذاعوه، وإنْ وقفوا على المكان دلُّوا عليه"7. فالإمام لم يضمن عدم تسريب مكان تواجده إذا عرفه عامَّة الناس. بل من المتوقَّع أن يصل للعباسيِّين.
 
ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى
 
فقد كان المؤمنون قبل ذلك يرتبطون بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالأئمَّة عليهم السلام مباشرة، ويتلقّون منهم الأحكام الشرعيَّة، ويتعلَّمون منهم معالم الدين، ويلجأون إليهم لحلِّ النزاعات بينهم... واستمرَّ هذا الأمر حتَّى عام 260 هـ عند وفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام، وحتَّى لا تحصل المفاجأة بالانقطاع التامِّ والغيبة الكبرى، كان لا بدَّ من تهيئة الناس من خلال فترة برزخيَّة يكون فيها الإمام منقطعاً جزئيَّاً عن الناس، حتَّى إذا اعتاد الناس على هذه الصيغة صار من الممكن تطويرها لصيغة الغيبة الكبرى والانقطاع التامِّ.

كما كان عليه السلام متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث استطاع العديد من المؤمنين ملاقاته في الفترة الأولى، ثُمَّ صار يقلُّ العدد ويزداد احتجابه عجل الله فرجه الشريف حتَّى وصل إلى زمن السفير الرابع، الذي لا يكاد ينقل أحد مشاهدته غير السفير نفسه.

* معز الأولياء، سلسلة الدروس الثقافية. نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2009م- 1430هـ. ص: 41-44.


1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 365
2- لمدة 5 سنوات
3- لمدة 40 سنة
4- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 355
5 - لمدة 3 سنين
6 - العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 361

2010-07-24