أسماء وألقاب الإمام الحجة عجل الله فرجه
بحوث حول الحجة(ع)
إنّ للتسمية دلالاتها الخاصّة، وتأخذ بُعدها بحسب شخصيّة من أطلق هذا الاسم أو ذاك، وللإمام الحجّة العديد من التسميات التي أطلقت عليه في نصوص شرعيّة، سواء في القرآن الكريم أو في الروايات، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن آبائه المعصومين عليهم السلام، ولا شكّ أنّ لهذه الأسماء دلالاتها الواقعيَّة والحقيقيَّة، وتحمل في طيّاتها رسائل ومفاهيم يجب أن تصل إلى عقل وقلب أتباعه وأنصاره ومحبّيه. فما هي هذه الأسماء، وما تحمله في طياتها من رسائل؟ هذا ما سنعرضه خلال هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
عدد الزوار: 113
تمهيد
إنّ للتسمية دلالاتها الخاصّة، وتأخذ بُعدها بحسب شخصيّة من أطلق هذا الاسم أو ذاك، وللإمام الحجّة العديد من التسميات التي أطلقت عليه في نصوص شرعيّة، سواء أفي القرآن الكريم أم الروايات، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن آبائه الأئمة المعصومين عليهم السلام، ولا شكّ أنّ لهذه الأسماء دلالاتها الواقعيَّة والحقيقيَّة، وتحمل في طيّاتها رسائل ومفاهيم يجب أن تصل إلى عقل وقلب أتباعه وأنصاره ومحبّيه. فما هي هذه الأسماء، وما تحمله في طياتها من رسائل؟ هذا ما سنعرضه خلال هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
المنتظر
من الأسماء المعروفة للإمام اسم المنتظر، وهذا الاسم بطبيعته يعبّر عن الفترات الطويلة التي ستمرّ على انتظار الناس له، فهو من جهة يعبّر عن طول غيبته عجل الله فرجه الشريف، ومن جهة ثانية يعبّر عن ارتباط الناس لتحقيق وعد الله تعالى بالنصر النهائي والحاسم من خلاله، وهذا ما تشير إليه بعض الروايات، ففي الرواية عن الصقر ابن دلف، قال: "سمعت أبا جعفر محمَّد بن عليّ الرضا عليه السلام يقول: "إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى بكاءً شديداً ثمَّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر...، فقلت له: وَلِمَ سُمِّيَ المنتظر قال: لأنَّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكثر فيها الوقَّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلّمون"1.
المؤمّل
الاسم الآخر للإمام هو المؤمّل، وهذا يعطي معنى المنتظر، ولكن بزيادة أنَّه يحقِّق الأمل الذي يرقبه الناس، فهو الذي يحقِّق أمل المخلصين عند ظهوره بعد انتظاره تلك الفترات كلّها، وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الإمام العسكريّ عليه السلام حين ولد الحجّة: "زعم الظلمة أنَّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل فكيف رأوا قدرة الله وسمَّاه المؤمَّل"2.
القائم
إن لاسم القائم وقعه الخاصَّ في قلوب المؤمنين، فهو تعبير عن لحظة القيام التي من خلالها سينقلب وضع الدُّنيا لتعلو كلمة الله ويرتفع دينه وينتصر حقُّه ويتحقّق عدله، إنَّها اللحظة التي تشتاقها قلوب الصادقين، والمجاهدين الذين أعدُّوا العدَّة ومهَّدُوا الطريق وساروا على نهجه، وفي رواية عن جابر قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر (الإمام محمَّد الباقر) عليه السلام وأنا حاضر فقال: "رحمك الله اقبض هذه الخمسمئة درهم، فضعها في مواضعها فإنَّها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر عليه السلام: بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنَّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنَّه يقسم بالسويّة، ويعدل في خلق الرحمان، البرُّ منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، فإنَّما سُمِّيَ المهديّ لأنَّه يهدي لأمرٍ خَفِيٍّ، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدُّنيا كلّها ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، و ركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط أحد كان قبله. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو رجل منِّي اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنَّتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً"3.
وفي رواية أخرى يذكر سبباً آخر لاسم القائم، وهي الرواية السابقة عن الصقر ابن دلف في سؤاله للإمام محمَّد الجواد عليه السلام عن الإمام وسبب تسميته بالقائم: "فقلت له:يا بن رسول الله ولم سُمِّيَ القائم؟ قال:لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته"4. إنَّ طول الغيبة يضعف ذكره عجل الله فرجه الشريف بين الناس، حتَّى وكأنَّه قد مات ذكره، وشكَّك المشكِّكُون فيه... فعندما يحين وقت الظهور كأنَّه قام وأُحيي من جديد".
وهناك رواية تذكر سبباً ثالثاً لاسم القائم، وهي الرواية عن الثمالي، قال: "سألت الباقر صلوات الله عليه: يا بن رسول الله ألستم كلُّكم قائمين بالحقِّ قال: بلى، قلت: فَلِمَ سُمِّيَ القائم قائماً؟ قال: لمَّا قتل جدِّي الحسين عليه السلام ضجَّت الملائكة إلى الله عزَّ وجلَّ بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيِّدنا أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليهم قرُّوا ملائكتي فوعزَّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ثمَّ كشف الله عزَّ وجلَّ إليهم قرُّوا ملائكتي فوعزَّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ثمَّ كشف الله عزَّ وجلَّ عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فَسُرَّتِ الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلِّي فقال الله عزَّ وجلَّ: بذلك القائم أنتقم منهم"5.
وعلى أيّ حال فلا تنافي بين هذه الأسباب.
المهديُّ
إنَّ اسم المهديّ أيضاً هو من الأسماء الأكثر شهرة له عجل الله فرجه الشريف. وهناك روايات تشرح سبب هذه التسمية، كالرواية عن أبي سعيد الخراساني، قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المهديّ والقائم واحد؟ فقال: نعم، فقلت: لأيِّ شيءٍ سُمِّيَ المهديُّ، قال: أنَّه يهدي إلى كلِّ أمر خَفِيٍّ"6.
وفي رواية أخرى عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "إذا قام القائم عجل الله فرجه الشريف دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمِّيَ القائم مهديَّاً لأنَّه يهدي إلى أمر مضلول عنه وسُمِّيَ القائم لقيامه بالحق"7.
المنصور
والمنصور هو آخر الأسماء التي نستعرضها للإمام عجل الله فرجه الشريف، وهذا الاسم يشير إلى أن ثورة الإمام هي ثورة انتصار وتحقيق للغلبة. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الاسم في قوله تعالى ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾8, وقد ورد في تفسير هذه الآية عن الإمام أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ قال: الحسين ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ قال: "سمَّى الله المهديَّ المنصور كما سمَّى أحمد ومحمَّد ومحمود وكما سمَّى عيسى المسيح عليه السلام"9.
* معز الأولياء.سلسلة الدروس الثقافية ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2009م- 1430هـ. ص: 33-36.
1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30.
2- المصدر نفسه
3- م.ن.، ج 51، ص 29
4- م.ن. ج 51، ص 30
5- م.ن. ج 51، ص 29
6- م.ن. ج 51، ص 30
7- م.ن
8- الإسراء: 33
9- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30