يتم التحميل...

المتقون والناس

المتقون

الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ. يَعْفُوعَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. بَعِيداً فُحشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ. لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ.

عدد الزوار: 32
الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ.

يَعْفُوعَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. بَعِيداً فُحشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ. لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ.

لاَ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ، وَلاَ يُنَابِزُ بِالاْلْقَابِ، وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ، وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ، ولاَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ. إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتّى يَكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ. نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة. أَتْعَبَ نفسه لآخِرَتِهِ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ. بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْر وَعَظَمَة، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْر وَخَدِيعَة.



هذه جملة خصال الخير في التعامل مع الناس، ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين وقد أجملها حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء له معروف بدعاء مكارم الأخلاق:

"أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَسَدِّدْنِي لأنْ أعَـارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْـحِ، وَأَجْـزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ وأُخَـالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وأن أشكر الْحَسَنَةَ وأغضي عَنِ السَّيِّئَـةِ.أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ وَحَلِّنِي بحلية الصالحين، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِيْ بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَإصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإفْشَاءِ الْعَارِفَةِ، وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ، وَخَفْضِ الْجَنَـاحِ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيـحِ، وَطِيْبِ الْمُخَالَقَـةِ، وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ، وإيْثَارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ التَّعْبِيرِ وَالإفْضَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَالـقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإنْ عَـزَّ وَاسْتِقْلاَلِ الخَيْـرِ وَإنْ كَثُـرَ مِنْ قَـوْلِي وَفِعْلِي، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإنْ قَلَّ مِنْ قولي وفعلي".

ومعظم الصفات المذكورة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام – إن لم يكن جميعها – المذكورة في كلامه بعنوان صفات المتقين، في الواقع هي من صفات ومقتضيات إنسانية الإنسان، فمقتضى الإنسانية والطبع الإنساني السليم أن يكون الإنسان متصفاً بمكارم الأخلاق ومرضي الصفات. وقد ذكر أمير المؤمنين الكثير من فضائل المتقين، لا سيما في ما خص علاقتهم بالناس من حولهم، فما هو ديدنهم وسبيلهم الذي سلكوه؟

في هذا المجال يمكن الوقوف عند عناوين عديدة هي:


الخير مأمول والشر مأمون

وهذا الأمر من أولى مقتضيات الإسلام والإيمان، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلم من سلم الناس من يده ولسانه"1، فكيف بمن ارتقى درجات في اليقين والتقوى، بل هذه من خصوصيات إنسانية الإنسان قبل ان يكون من خصوصيات وإقتضاءات التقوى.

فالإنسان الذي يكون حقاً إنساناً الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، فلا يضر غيره بغير حق، ولا يشوه سمعته، ولا يتعدى على ماله، ولا يغشه، ولا يبهت عليه، ولا يزور عليه، ولا يبيّن ولا يفضح معائبه أمام الناس، هذا مقتضى إنسانية الإنسان، فمن لا يتمتع بهذه الخصال والصفات الحميدة، والإنسان الذي لا يؤمن شره فليس إنسان، حيث انه لم يتخلق بالأخلاق الإنسانية فمن يكون واقعاً إنساناً يجب أن يكون بهذه المثابة: "الخير منه مأمول"، إذا راجعته وأردت منه حاجة فالخير منه مأمول، ويحتمل فيه ومنه ان يشفع لك شفاعة بحق، أن يعينك، ان ينصحك، ان يقدم لك ما في وسعه...، تأمل منه الخير، الإنسان الذي يكون إنساناً هذه طبيعته.

ومن مفردات الخير المأمول والشر المأمون:

"لا َ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَلاَ يُنَابِزُ بالألقاب" وذلك لملاحظته النهي في الذكر الحكيم: ﴿وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَاب2 والسرّ في ذلك النهي كونه مستلزماً لإثارة الفتن والتباغض بين الناس والفرقة المضادّة لمطلوب الشارع.

"وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ" لوجوب كفّ الأذى عن الجار كما صرّح به العديد من الروايات.

عن الإمام محمد الباقر عليه السلام: "قرأت في كتاب عليّ عليه السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب:انّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا اثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه".

ولأهمية حقوق الجار نجد أن الله تبارك وتعالى قد أكد عليه في القرآن الكريم:

﴿وَالْجَارَ ذِي القربى وَ الْجَارَ الجُنُبِ3، حتى وصل الاهتمام إلى درجة قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم – كما في الرواية -: "أوصاني ربّي بالجار حتّى ظننت أنّه يورّثه"4.

"وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ". لأنّ المصائب النازلة إنما هي بقضاء من اللّه عزّ وجلّ وقدر والشامت بسبب نزولها بغيره في معرض أن تصيبه مثلها فكيف يشمت

ويفرح بمصيبة نزلت به.

عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السّلام: "لا تبدى الشماتة لأخيك فيرحمه اللّه ويصيّرها بك"5.

إن عدم وقوع المصيبة عليك هو رحمة إلهية تستوجب الشكر، والشكر يكون بالطاعة، وإظهار الشماتة أذية ومعصية، فهي في الحقيقة كفران بالنعمة لا شكرٌ لها، وقد قال تعالى ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ6، وكان الأولى أن يقول ما ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من نظر إلى ذي عاهة أومن قد مثل به أو صاحب بلاء فليقل سراً في نفسه من غير أن يسمعه: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، ولوشاء لفعل بي ذلك، ثلاث مرات، فإنه لا يصيبه ذلك أبداً"7.


العفو والصفح

﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ8
﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينٌَ9
﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٌ10

هذه الصّفات الثلاث (يعفو عمّن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه) من مكارم الأخلاق ومحامد الخصال، فالاولى مندرجة تحت الشجاعة، والثانية مندرجة تحت السخاء، والثالثة مندرجة تحت العفّة.
وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خطبة: "ألا أخبركم بخير خلايق الدّنيا والآخرة: العفوعمّن ظلمك وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك".

ومعنى هذه الأمور الثلاثة:

1- من صفات الكرام العفوعن الظّلم والتّجاوز عن المسي‏ء، ومن صفات اللّئام الانتقام وطلب التّشفي والمعاقبة لدفع الغيظ وهو آفة نفسانية تغيّر الجهّال والنّاقصين من أجل تأثّر نفوسهم عن كلّ ما يخالف هواها.

2- إعطاء من حرمك، والمقصود به أنّه إذا أحسنت إلى أحد ولم يقابل إحسانك بإحسان أوقابلك بالإساءة والكفران، فلا ترغب عن إحسانه بكفرانه، فانّه إذا لم يشكرك فقد يشكرك غيره ولو لم يشكرك أحد فانّ اللّه يحبّ المحسنين كما نطق به الكتاب المبين، وكفى شرفا وفضلا بأن تخاطب بخطاب أين أهل الفضل يوم حشر الأوّلين والآخرين.

3- صلة من قطعك والمراد بها وصله بالمال واليد واللسان ومراقبة أحواله بقدر الإمكان لاسيما إذا كان من الأرحام.

وستظهر هذه الصفات في الآخرة لتعزّ صاحبها بين الخلائق وتجعله من أهل الجنة، فعن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام: "إذا كان يوم القيامة جمع اللّه تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثمّ ينادى مناد أين أهل الفضل، قال: فيقوم عنق من النّاس فتلقّاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنّا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنّة"11.


علاقة أساسها النزاهة والرحمة

إنّ تباعد التقي وتدانيه عمّن تباعد عنه ودنا منه من باب المواظبة على الوظائف والآداب الشرعيّة فليس تباعده بكبر وعظمة ولا دنوّه بمكر وخديعة، كما قد يكون من أبناء الدّنيا وذوى الأغراض الفاسدة، ومن شأن أهل النفاق الذين يخادعون اللّه ولا يخدعون إلا أنفسهم، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ12 فالمخالطة للناس أوالنأي والابتعاد عنهم لا تحكمه المصالح الضيقة أو الأ هواء والنوازع النفسية بل يقومان كما يذكر الإمام علي عليه السلام: "بعده عمّن تباعد عنه زهد ونزاهة" فبعده عن أهل الدّنيا وعن مجالسهم من باب الزّهد والتباعد عن مكروههم وأباطيلهم. التزاماً بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ13. وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم – كما في الرواية عنه -: "جالسوا من يذكركم بالله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه"14.

وإن من عوامل بناء النفس مجالسة من رؤيتهم تذكر بالله - عز وجل - فمجالستهم تريك ما في نفسك من قصور وضعف وعيوب، فتصلحها وتهذبها، يذكرونك إن نسيت، ويرشدونك إن جهلت، يأخذون بيدك إن ضعفت، مرآة لك ولأعمالك، إن افتقرت أغنوك، وإن دعوا الله لن ينسوك،هم القوم الذين لا يشقي بهم جليسهم، من جالسهم وأحبهم أذاقه الله حلاوة الإيمان التي فقدها الكثير وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "إياك ومخالطة السفلة فإن السفلة لا يؤول إلى خير"15.

قال الشيخ الصدوق في شرح معنى السفلة :"جاءت الأخبار في معنى السفلة على وجوه:
فمنها: أن السفلة هو الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له.
ومنها: أن السفلة من يضرب بالطنبور.
ومنها: أن السفلة من لم يسره الإحسان ولا تسوؤه الإساءة. والسفلة: من ادعى الإمامة وليس لها بأهل.
وهذه كلها أوصاف السفلة، من اجتمع فيه بعضها أوجميعها وجب اجتناب مخالطته"16.

كما ان دنوّه ممّن دنا منه لين ورحمة ومن باب التعاطف والتواصل كما قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ17.

عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام يقول لأصحابه: "اتّقوا اللّه وكونوا أخوة بررة متحابّين في اللّه متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه".

المتقون هم أهل العدل

فالواحد منهم كما قال الإمام علي عليه السلام: "لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ". وهم المصداق البارز والأجلى لقول أمير المؤمنين عليه السلام الذي رسم منهاج العدل الاجتماعي بإيجاز وبلاغة، قائلاً لابنه: "يا بُني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلَم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب ما لا تحب أن يقال لك"18.

وقد أوصى عليه السلام ابنه الكريم أن يكون عادلا في ما بينه وبين الناس كالميزان، ثم أوضح له صور العدل وطرائقه إيجاباً وسلباً.

هذا، وللعدل صور مشرفة تشع بالجمال والجلال، وإليك أهمها:

1- عدل الإنسان مع الله عز وجل، وهو أزهى صور العدل، وأسمى مفاهيمه، وجماع العدل مع الله تعالى يتلخص في الإيمان به، وتوحيده، والإخلاص له، وتصديق سفرائه وحججه على العباد، والاستجابة لمقتضيات ذلك من حبه والتشرف بعبادته، والدأب على طاعته، ومجافاة عصيانه.

2- عدل الإنسان مع المجتمع، وذلك برعاية حقوق أفراده، وكف الأذى والإساءة عنهم، وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحب الخير لهم، والعطف على بؤسائهم، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.

3- عدل الإنسان مع نفسه، بفعل الطاعة وترك المعصية، والالتزام بالحكم الشرعي، لأن مخالفة الحكم اشرعي ظلم للنفس ونقلها من ساحة الرحمة الإلهية لتصبح في معرض الغضب الإلهي مستحقة للنار. ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ19.

محاسن العدل

فطرت النفوس السليمة على حب العدل، وبغض الظلم واستنكاره. فالعدل هو سر حياة الأمم، ورمز فضائلها، وقوام مجدها وسعادتها، وضمان أمنها ورخائها، وأجل أهدافها وأمانيها في الحياة.

وقد كان أهل البيت عليهم السلام المثل الأعلى للعدل، وكانت أقوالهم وأفعالهم دروسا خالدة تنير للإنسانية مناهج العدل والحق والرشاد.

وإليك نماذج من عدلهم، بل هي في الحقيقة نماذج من رحمتهم:
قال سوادة بن قيس للنبي صلى الله عليه وآله في أيام مرضه: يا رسول الله إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة، فأصاب بطني، فأمره النبي أن يقتص منه، فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول الله فكشف عن بطنه، فقال سوادة: أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول الله من النار، فقال صلى الله عليه وآله: يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص؟ فقال: بل أعفويا رسول الله. فقال: اللهم أعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمد"20.

* المتقون.سلسلة المعارف الدروس الثقافية, نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2007م- 1428ه. ص:97-105.


1- المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة- ج1 ص113.
2- الحجرات:11.
3- النساء:36.
4- المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة- ج64 ص341.
5- الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج2 ص359.
6- إبراهيم:7.
7- المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة- ج90 ص217.
8- النور:22.
9- آل عمران:134.
10- البقرة:237.
11- الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج2 ص108.
12- البقرة:14.
13- القصص:55.
14- الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج1 ص39.
15- الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج5 ص159.
16- من لا يحضره الفقيه، ج3 ص165.
17- الفتح:29.
18- نهج البلاغة، ج3 وصيته عليه السلام لإبنه الإمام الحسن عليه السلام.
19- هود:101.
20- سفينة البحار، ج1 ص671.

2011-03-04