يتم التحميل...

القلب

تهذيب النفس

القلب في القرآن الكريم: للقلب مكانة خاصّة في القرآن الكريم، والمراد به ذلك الشعور والاحساس الذي ترتبط به إنسانيّة الإنسان، فهو عبارة أخرى عن النفس الإنسانيّة، ولذا تنسب إليه الأعمال النفسيّة، من قبيل التعقّل والإيمان والكفر والنفاق والهداية والرحمة والغفلة وغيرها من الحالات التي وردت في القرآن...

عدد الزوار: 110

1- القلب في القرآن الكريم
للقلب مكانة خاصّة في القرآن الكريم، والمراد به ذلك الشعور والاحساس الذي ترتبط به إنسانيّة الإنسان، فهو عبارة أخرى عن النفس الإنسانيّة، ولذا تنسب إليه الأعمال النفسيّة، من قبيل التعقّل والإيمان والكفر والنفاق والهداية والرحمة والغفلة وغيرها من الحالات التي وردت في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا1.﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ2.﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم3.

سلامة القلب ومرضه

إن كلّ أعمال الإنسان تنبع من قلبه، ولذا هو مفتاح السعادة، ومن الضروري أن يُعتنى به، لأنه قد يُصاب بالمرض، يقول تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً4 .والأمراض التي تصيب القلب كثيرة كالكفر والنفاق، والتكبّر، والحقد، والغضب، والخيانة، والعُجْب، والخوف، وسوء الظنِّ، وقول السوء، والتهمّة، والغيبة، والظلم، والكذب، وحبِّ الجاه، والرياء، والقساوة، وغير ذلك من الصفات السيّئة. قال تعالى:﴿وَأَما الذِينَ فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ 5، وقد يكون القلب سليماً من هذه الأمراض، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ6.

ولا بدّ من التأكيد على أن أمراض القلب ذات أثر خطير، لأنه إذا كانت أمراض البدن يقتصر ضررها على الدنيا، فإن أمراض القلب يعمّ ضررها الدنيا والآخرة معاً، وتوقع الإنسان في الشقاء الأبديّ: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُو فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً7.إن الإيمان والعمل الصالح وحسن الأخلاق، كلّ ذلك ينير القلب ويدفع عنه أمراضه، في حين أن الكفر والعمل السي‏ءّ وسوء الأخلاق، كلّ ذلك يؤدّي إلى اسوداد القلب وإصابته بالآفات.

2-القلب في الأحاديث

ركزت الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام على مسألة القلب، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعتبر على شيء من الغير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر يعتلجان8، فما كان منه أقوى غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصباح يزهر فلايُطفأ نوره إلى يوم القيامة، وهو قلب المؤمن"9.

وما يستفاد من هذا الحديث هو أن القلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:


1 - قلب الكافر: قلب انحرف عن فطرته فلا خير فيه، ولم يعد له من هدف إلا الدنيا، وأعرض عن ربِّه فأصيب بالعمى وغشيته الظُلْمَة.
2 - قلب المؤمن: قلب قِبْلَتهُ الله، أضاء فيه مصباح الإيمان، يرغب في العمل الصالح ومكارم الأخلاق، عيناه مبصرتان بنور إيمانه.
3 - القلب المنكّت: وهو قلب فيه من نور الإيمان، لكن فيه أيضاً من سواد المعصية، وخيره وشره في حال صراع، فما غلب منهما سيطر على هذا القلب.

قساوة القلب
يكون القلب في بداية الأمر مستعدّاً للإستجابة لنداء الفطرة، فإن لبى النداء أصبح قلباً نورانيّاً، يضيء فيه مصباح الإيمان، أما إذا تجاهل نداء فطرته، وخالف ميول الخير لديه، فإن هذا القلب سوف تخيِّم عليه الظلمة، وتعرض عليه القسوة شيئاً فشيئاً.ويتحدّث القرآن الكريم عن هذا الأمر فيقول: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَينَ لَهُمُ الشيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ10.نعم إن لقسوة القلب آثاراً خطيرة جداً في الدنيا وفي الآخرة، حيث يصبح قلباً مقفلاً لا يصدر منه الخير، ويظهر في الآخرة بأبشع الصور.

أطباء القلوب

إذا أردنا أن نحافظ على سلامة قلوبنا ونتجنب الأمراض، فلا بدّ من الطبيب الحاذق، أما أطباء القلوب فهم الأنبياء عليهم السلام، لأنهم العارفون بحقيقة القلوب وما يصلح لها وطرق علاجها، ولذا يتحدّث أمير المؤمنين عليه السلام عن خاتمّ الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "طبيب دوار بطبِّه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه11، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه"12.

تهذيب النفس وتكميلها

بعد أن علمنا أن لتزكية النفس أهمية خاصّة في الإسلام، وأن لها نتائج خطيرة في الدنيا والآخرة، وأنه لا بدّ للإنسان أن يسعى لتزكية نفسه ما دام أن هناك صراعاً حقيقيّاً بين بُعدَيهِ الإنسانيّ والحيواني، نشير هنا إلى أن عملية تزكية النفس تتمُّ في مرحلتين: مرحلة التهذيب، ومرحلة التكميل.

المرحلة الأولى: ويعمل فيها على تصفية القلب والنفس من الأمراض والأخلاق السيّئة وآثار الذنوب.
المرحلة الثانية: ويعمل فيها على تكميل النفس وتربيتها بالمعارف الحقّة ومكارم الأخلاق والعمل الصالح.
والسالك إلى الله تعالى يجب أن يقوم بالأمرين معاً، وإلا لن يبلغ درجات القرب، لأنهما يكملان بعضهما، وسوف نتحدث عن هاتين المرحلتين في الدروس القادمة.
 

 *تزكية النفس,سلسلة المعارف الاسلامية,نشر جمعية المعارف,ط:2009م-1430,ص:9-15


1- الحج : 46
2- المجادلة : 22
3- التغابن : 11
4- البقرة : 10
5- التوبة : 125
6- الشعراء : 88-89
7- الإسراء : 72
8- (أي يتصارعان)
9- المجلسيّ-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -، ج 70 ، ص 51
10- الأنعام : 43
11- مواسمه جمع ميسِم وهو المكواة، يُجمع على مواسم ومياسم
12- نهج البلاغة ، خطبة 108

2010-04-10