علم الأئمة
بحوث عامة
إن الإمامة الإلهية هي مشروع كبير، ومنصب رفيع أقامه الله تعالى للوصول بالناس إلى الهداية، والقيِّم على هذا المشروع هو الإمام عليه السلام ومن اللازم على من نصّبه الله تعالى لهداية البشر أن يكون أهدى الناس، وأعلمهم بطرق الهداية، بل لا بد أن يتميز الإمام بعلم خاص كله هداية ونور دون...
عدد الزوار: 571
الإمامة مشروع الهداية:
يقول الله تعالى في محكم آياته:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾1.
إن الإمامة الإلهية هي مشروع كبير، ومنصب رفيع أقامه الله تعالى للوصول بالناس إلى الهداية، والقيِّم على هذا المشروع هو الإمام عليه السلام ومن اللازم على من نصّبه الله تعالى لهداية البشر أن يكون أهدى الناس، وأعلمهم بطرق الهداية، بل لا بد أن يتميز الإمام بعلم خاص كله هداية ونور دون شائبة من ظلام لأنه باب العلم، كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
وعنه صلى الله عليه وآله:
"من سره أن يحيى حياتي، ويموت مماتي ويدخل جنة ربي جنة عدن منزلي، قضيب من قضبانها غرسها الله ربي بيده فليتول عليا والائمة من بعده، فإنهم أئمة الهدى، أعطاهم الله فهماً وعلماً"2.
وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"إن أهل بيتي الهداة بعدي أعطاهم الله فهمي وعلمي، وخلقوا من طينتي، فويل للمنكرين حقهم من بعدي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي"3.
منابع علم الأئمة عليهم السلام:
ما دام علم الأئمة عليهم السلام متميزاً فلا بد أن تكون مصادر ومنابع هذا العلم متميزة، لأن الطريق العادي وهو التعلم من الناس لا يخلو من شوائب ونقصان، بل كيف يكون هادياً للناس من يأخذ العلم منهم؟، فلا بد من وجود مصادر أخرى صافية ليس فيها أي شائبة من نقص أو جهل أو خطأ، حتى تكون الهداية صحيحة ومأمونة وتامة، وقد تعددت المنابع التي استقى منها أهل البيت عليهم السلام علومهم وإن كانت ترجع بحقيقتها إلى مصدر واحد هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسنذكر بعضا منها:
1- العلم الموروث:
فقد ورثوا علم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وعلوم الأنبياء عليهم السلام، وهذا ما تؤكد عليه الروايات الكثيرة منها ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
"سمعته يقول أنا لو كنا نفتى الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ولكنها آثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم نتوارثها كابر عن كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم"4.
وفي الحديث المشهور عن أبى عبد الله عليه السلام قال:
"لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفى فيه بعث إلى علي عليه السلام فلما جاء أكبَّ عليه فلم يزل يحدثه ويحدثه قال فلما فرغ لقياه فقالا بما حدثك صاحبك قال حدثني بباب يفتح ألف باب كل باب يفتح ألف باب"5. فهذه الرواية تخبرنا عن وراثة أمير المؤمنين عليه السلام لعلم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. وفي حديث آخر قال أبو عبد الله عليه السلام:
"إن سليمان عليه السلام ورث داود عليه السلام، وإن محمداً صلى الله عليه وآله ورث سليمان عليه السلام، وإنا ورثنا محمداً"6.
2- الكتب الخاصة عندهم عليه السلام:
في الرواية المروية عن أبي عبد الله عليه السلام يقول:
"إن عندي الجفر الأبيض".
قال: قلت: فأي شيء فيه؟قال عليه السلام:
"زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم والحلال والحرام، ومصحف فاطمة7، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر".
قال: قلت: وأي شى في الجفر الأحمر؟
قال عليه السلام:
"السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل"8.
وكلمة الحلال والحرام الواردة في الرواية هي إشارة إلى الصحيفة الجامعة المذكورة في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سمعته يقول عندما ذكر ابن شبرمة في فتيا أفتى بها:
"أين هو من الجامعة إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله بخط علي عليه السلام فيها جميع الحلال والحرام حتى أرش الخدش"9.
3- العلم الحادث:
في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
"... إن العلم الذي يحدث يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة"10.
فهم عليهم السلام يستزادون من العلم، وتبين رواية أخرى عن أبي الحسن الأول موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كيف تكون الاستزادة حيث يقول:
"مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله"11.
وهذا غير الوحي الذي ينزل على خصوص الأنبياء وإنما هذا الذي تعبر عنه الروايات بأنه نقر في الأسماع.
وهناك روايات تذكر الاستزادة في كل ليلة جمعة كما في الرواية عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"إن أرواحنا وأرواح النبيين توافي العرش كل ليلة جمعة فتصبح الأوصياء وقد زيد في علمهم مثل جم الغفير من العلم"12.
وهناك روايات تتحدث عن كونهم عليهم السلام محدَّثون من قبل الملائكة ففي رواية عن أخرى أرسل أبو جعفر عليه السلام إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وعليهم السلام محدثون 13.
وهذا العلم الحادث ليس من قبيل التشريع، لأن التشريع تم عند رسول الله صلى الله عليه وآله ولا تشريع بعده، ولكنه من قبيل التشخيص والتطبيق وما شابه ذلك...
فهذه بعض من منابع علومهم الشريفة التي كرمهم الله بها لكي يكونوا هداة الأمم إلى سبيل الرشاد.
نماذج من علوم أهل البيت عليهم السلام:
لقد تعددت العلوم التي وهبها الله تعالى لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وسنستعرض بعض ما ظهر منها في الروايات الشريفة:
1- هم العلماء بالقرآن الكريم والكتب السماوية:
حيث أن في القرآن الكريم آيات محكمة وأخرى متشابهة وآياته عميقة في مدلولاتها، كلما ازداد الإنسان تعمقاً ازداد استفادة وعلماً، ورسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام عندهم تفسير القرآن وتأويل آياته وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ... وغيرها من علوم الكتاب العزيز ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام:
"ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء"14.
أي لا يستطيع أحد أن يدعي أنه يعلم تفسير القرآن الكريم كله إلا هم عليهم السلام.
هذا بالإضافة إلى علمهم بالكتب السماوية السابقة أي التوراة والإنجيل والزبور وغيرها ففي الحديث عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال علي:
"والله لا يسألني أهل التوراة ولا أهل الإنجيل ولا أهل الزبور ولا أهل الفرقان إلا فرقت بين أهل كل كتاب بحكم ما في كتابهم"15.
2- العلم باسم الله الأعظم:
ففي الرواية عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
"إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنين وسبعين حرفاً، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"16.
3- العلم بالغيب:
هل يعلم الأئمة عليه السلام بالغيب؟
إن علم الأمور بالغيب بالأصل محصور باللَّه عز وجل فلا يطلع عليه بشكل مباشر إلا الله سبحانه وتعالى يقول تعالى:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾17.
إلا أن هذا لا يعني أنه لا يطلع على الغيب أحداً من العباد، بل يظهر من آيات أخرى من القرآن الكريم إطلاع بعض من ارتضاهم الله تعالى يقول الله تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾18.
فالأئمة عليهم السلام من دون أن يعلمهم الله تعالى الغيب لا يمكن لهم معرفة أي شيء من أمور الغيب وهذا ما تؤكد عليه الروايات الكثيرة. كالرواية عن أبي عبد الله عليه السلام:
"يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا اللَّه عز وجل"19.
إلا أن الإمام لو أراد أن يعلم أمراً ما من الأمور الغيبية ودعا الله بأن يظهره له لقبل الله دعاءه وأعلمه به ففي الرواية عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام؟ يعلم الغيب؟ فقال عليه السلام:
"لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك"20.
*معرفة أهل البيت،سلسة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2004م، ص27-35.
1- الأنبياء:73
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج32، ص13.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج32، ص13.
4- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص319.
5- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص325.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص224.
7- المصحف في اللغة هو الكتاب، فالمقصود بمصحف فاطمة كتاب فاطمة، وليس هو مصحف بمعنى القرآن.
8- شرح أصول الكافي، مولي محمد صالح المازندراني، ج5، ص339.
9- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج62، ص33.
10- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص264.
11- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص264.
12- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص152.
13- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص270.
14- الكافي، للشيخ الكليني، ج1، ص228.
15- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص154.
16- بحار الأنوار، العلامة المجسي، ج4، ص210.
17- الأنعام:59
18- الجن:26-27
19- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص257.
20- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص257.