مشاكل زوجية: الغيرة وعمل المرأة
المشاكل الزوجية
إن الإيمان والأخلاق عند الرجل والمرأة، هما شرطان أساسيان للزواج المستقر والسعيد، فطاعة التعاليم الإلهية والعمل بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي دلَّ عليها الإسلام، ويدرك الإنسان الكثير منها من خلال العقل والفطرة النقية...
عدد الزوار: 97
الغيرة
إن الإيمان والأخلاق عند الرجل والمرأة، هما شرطان أساسيان للزواج المستقر والسعيد، فطاعة التعاليم الإلهية والعمل بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي دلَّ عليها الإسلام، ويدرك الإنسان الكثير منها من خلال العقل والفطرة النقية، هذا الالتزام بالتكاليف يشيد بناء الزواج على الأساس الصحيح، وأي زواج يبنى على هذه القواعد المتينة لا بد وأن يستمر بشكل طبيعي ولا تؤثر فيه المشكلات الصغيرة.الغيرة واحدة من المفردات التي يمكن أن تسبب مشاكل في الحياة الزوجية إذا خرجت عن حدها المقبول والطبيعي، وتحولت من صحة إلى مرض.والمقصود من الغيرة، غيرة الرجل على المرأة، وغيرة المرأة على الرجل، فما هو المشروع من الغيرة، وما هو غير المشروع؟
وما هو الحد الذي يمكن للشرع أن يقبله؟
وما هي سبل علاج الغيرة المذمومة، بحيث لا تسبب جروحاً عميقة في النفوس، مما يؤثر على استمرار العلاقة الزوجية؟
غيرة الرجل
والغيرة "هي إحدى الأخلاق الحميدة والملكات الفاضلة وهى تغَيُّرُ الإنسان عن حاله المعتاد ونزوعه إلى الدفاع والانتقام عند تعدي الغير إلى بعض ما يحترمه لنفسه من دين أو عرض أو جاه ويعتقد كرامته عليه، وهذه الصفة الغريزية لا يخلو عنها في الجملة إنسان أي إنسان فرض، فهي من فطريات الإنسان، والإسلام دين مبني على الفطرة تؤخذ فيه الأمور التي تقضي بها فطرة الإنسان فتعدل بقصرها فيما هو صلاح الإنسان في حياته ويحذف عنها ما لا حاجة إليه فيها من وجوه الخلل والفساد"1.ولقد حثَّتِ الكثير من الروايات الشريفة على التحلي بصفة الغيرة، ففي الرواية عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم: "إني لغيور، والله عز وجل أغير مني، وإن الله تعالى يحب من عباده الغيور"2.
آفة غيرة الرجل
الغيرة كما اتضح هي صفة شريفة، ودليل صحة وعافية، ولكن إذا وضعت في غير محلها أو خرجت عن حدودها وطورها انقلبت إلى مرض، وقد تتسبب بالمشاكل إذا وصلت إلى حد شعرت الزوجة معها بعدم الثقة بها، فهنا ترفض المرأة هذا الواقع، وتطالب الرجل بإخراجها من السجن الذي قد جعلها فيه بسبب شكوكه. وفي الرواية عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم: "من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يكره الله، فأما ما يحب فالغيرة في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير الريبة"3.
وتشير بعض الروايات إلى أن هذه الغيرة في غير محلها قد توصل المرأة إلى الانحراف! فقد حذرت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السَقَم، ولكنْ أحكِمْ أمرهنَّ، فإن رأيت عيباً فعجلِ النكيرَ على الكبيرِ والصغيرِ"4.
غيرة المرأة
إن الغيرة بمعناها السلبي من الأمراض التي يمكن أن تبتلى بها المرأة، فتندفع من خلالها للقيام بخطوات سلبية تزعج الزوج وتوتر أجواء العائلة، وعندما تتحدث الروايات عن الغيرة عند المرأة تقصد الجانب السلبي منها الذي له آثاره السلبية والمدمرة، لا الحالة الإيجابية، لذلك نجد في الرواية أن رجلاً ذكر للإمام الصادقد امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: "أغرتها؟ قال: لا، قال: فأغرها، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله عليه السلام: إني قد أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول"5.
1- الأسباب: تختلف الأسباب النفسية عند المرأة للغيرة، فيمكن أن يكون منشؤها إيجابياً، كما أشارت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث سأله أحدهم: "المرأة تغار على الرجل تؤذيه؟ قال: ذلك من الحب"6، وهذا النوع من الغيرة لا بد أن تكون نتائجه غير ضارة، لأن الحب ينتج المراعاة والمصلحة ولا يوصل الأمور إلى المشاكل. ويمكن أن يكون منشأ الغيرة سلبياً كما أشارت الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر، إن النساء إذا غرن غضبن، وإذا غضبن كفرن إلا المسلمات منهن"7، فعندما تنطلق الغيرة من شعور بالنقص والحسد للآخرين، فمثل هذا سيكون مدمراً وله نتائج سلبية بالتأكيد، وهو الذي يوصل للغضب ومخالفة الضوابط الإسلامية.
2- النتائج: كثيراً ما تكون نتائج الغيرة سلبية ومدمرة، فالتي تغار تفقد -غالباً- تعقلها، ويصبح الحاكم على تصرفاتها الغضب والتوتر، وتفقد الواقعية في تقييم الأمور، والعقلانية في التصرف، وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله"8، وعندما يفقد الإنسان بصيرته سيكون عرضة لكل أنواع المشاكل والسلبيات.
عمل المرأة
إن عمل المرأة من الأمور المطروحة ضمن دائرة الاستفهام، فما هو موقف الإسلام منه، وأين يقع ضمن الأولويات بالنسبة للمرأة؟
والعمل يتسبب أحياناً بالمشاكل التي تبتلى بها بعض الزيجات، وتعكرالحياة الأسرية، وكذلك مشكلة الأزواج من الرجال الذي يقتضي عملهم بقاءهم خارج البيوت لأيام أو أسابيع أو أشهر .كيف تواجه المرأة الحياة في ظل غياب زوجها المتكرر عن المنزل لفترات طويلة؟
نشاطات المرأة خارج البيت
لا شك أن للمرأة دورها الاجتماعي العام الذي ينبغي أن تقوم به، يقول تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾9، هذا الدور الذي قد يتسع ليصبح بحجم الأمة كلها أو يضيق ليكون ضمن إطار معين بحسب قابليات المرأة والأولويات الحاكمة على حياتها إضافة إلى ظروف المجتمع.ولا شك أيضاً أن للمرأة دورها الأساسي داخل الأسرة لجهة تأمين الاحتياجات المعنوية من تربية وتوجيه لأبنائها... وأما الاحتياجات المادية من خلال العمل خارج البيت لتأمين لقمة العيش، فهذا النوع من الأعمال هو الذي يدور حوله الكلام عادة عند الحديث عن عمل المرأة، فما هو الموقف منه؟
إن الإسلام لم يحمّل المرأة مسؤولية تأمين لقمة العيش بالنسبة للعائلة، بل أوجب ذلك على الرجل، وهذا الأسلوب يشكل الوضع السليم للعائلة السعيدة التي يتولى كل فرد فيها مسؤوليته الخاصة التي تتناسب مع شخصيته وطبيعته ليتكامل مع الفرد الآخر في سد الفراغات وتأمين الاحتياجات بجميع جوانبها المادية والمعنوية، داخل البيت وخارجه.
ولكن رغم ذلك لم يحرّم الإسلام عمل المرأة خارج البيت إذا كان ضمن الضوابط الشرعية الصحيحة، بل ربما يصبح هذا العمل راجحاً في بعض الحالات، نذكر منها
1- وجود حاجة مادية: إن طلب الحلال عبادة كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعون جزءً أفضلها طلب الحلال"10. فلو كانت المرأة محتاجة مادياً هي أو من تعيلهم- لو فرض وجود من تعيله- فلا شك أن عملها حينئذٍ سيكون مطلوباً وراجحاً، وهو خير من أن تصاب بالفقر وتبذل ماء وجهها لطلب المعونة من الناس.
2- وجود فراغ: لقد رفض الإسلام الفراغ والكسل، وورد في الرواية عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "إن الله جل وعز يبغض العبد النوّام الفارغ"11، فلو فرض أن امرأة كان لديها الكثير من أوقات الفراغ بحيث أنها لو لم تنشغل بالعمل ستكون مصداقاً للعبد النوّام الفارغ، في مثل هذه الحالة يصبح العمل راجحاً لها.
3- أهمية خاصة للعمل: قد يكون العمل الذي تتولاه المرأة له طابع مهم جداً على المستوى الشرعي، كمؤسسات الترويج للدين وإصلاح المجتمع والعمل الاجتماعي، أو كمسألة التخصص في الطب النسائي... فقد تنشغل المرأة بمثل هذه الأعمال المهمة لخدمة الدين والمجتمع وتأخذ أموالاً كالراتب مقابل هذا العمل لتعيش عزيزة كريمة، فمثل هذه الأعمال وإن كانت تؤمّن لقمة العيش ولكن هدفها الأساسي هو الخدمة للدين والمجتمع، وتبقى راجحة بنفسها.
ترتيب الأولويات
إن الأولوية التي ينبغي أن تحتل الحيز الأبرز من اهتمامات المرأة، هي أولية العمل الأسروي، والمقصود بالأولوية هو بذل الجهد والقيام بكل ما من شأنه أن يحقق السعادة في داخل الأسرة.بعد ذلك تنطلق المرأة إلى مجتمعها وتقوم بدورها وواجبها في التثقيف والتعبئة والأنشطة والأعمال المناسبة، لكن إذا كان الخراب موجود في بيتها وكانت المشاكل كثيرة فيه، فهذا يعني أنها ستخرج إلى المجتمع متوترة وغير فعالة، وستنقل أزماتها بشكل أو بآخر إليه حتى ولو أدعت أنها ضابطة لنفسها وقادرة على لجم انفعالاتها لكن بالتدقيق العملي ستتصرف بهذا الشكل، إذاً أمامنا مسألتان:
1- الضابطة الإسلامية التي تعطي الأولوية للاهتمام بالحياة الزوجية أولاً.
2- الانعكاسات العملية التي ستؤدي في الواقع إلى مزيد من السلبيات عند عدم رعاية متطلبات الأسرة.إن من أكبر الأخطاء أن نتصور أن خراب الأسرة أمر سهل، فلو خربت الأسرة على حساب العمل الإسلامي فهذا غير مؤثر، لأن الأمر معكوس تماماً، فالأسرة الهادئة المستقرة هي ركيزة المجتمع، أما صلاح المجتمع وحسن سير العمل، فلا يؤدي بالضرورة إلى إيجاد أسرة مستقرة، ونحن لا نريد أن نعمر المجتمع على حساب تدمير الأسرة، بل يستحيل إعمار المجتمع مع تدمير الأسرة، إنما هناك تلازم بين الإعمارين، فلنعمِّر أسرتنا أولاً، ثم بعد ذلك نعمِّر مجتمعنا، وهذا الأمر ينسجم مع التوجيه الإسلامي العام الذي ركز على دور المرأة، فأعفاها من الإنفاق كي لا تنشغل بالأمور المادية، وأعفاها من مسؤولية الإدارة المباشرة في داخل الأسرة كجزء من العمل التنظيمي فيها، لتبقى مرتاحة من الأعباء الكثيرة فتتمكن من القيام بما عليها من واجبات داخل أسرتها، ولهذا تكون الانطلاقة من الأسرة، من المنزل بشقه الأساس، الذي له علاقة بالزوجية، وبتفريعاتها التي تشمل الأولاد، ونجاح الوضع الزوجي.
وصية للمرأة العاملة
بما أنه لا مانع من عمل المرأة خارج المنزل، مع مراعاة المرأة لأولوية الأسرة والزوج وحاجاته، فلا بد من تلتفت المرأة العاملة إلى أمر في غاية الأهمية يتعلق بأخلاقيات التعاطي في قضية الإنفاق.
قد تشتبه المرأة فتقع في مشكلة المنّ على الزوج فتقول: أنا أنفق عليك وعلى أولادك... سيما إذا كان معاشها أفضل من معاشه، أو كان يمر بظروف لا يقدر على الإنتاج المناسب لحال أسرته فيها، فإن هذا القول والعمل مما حذرت منه الروايات الشريفة، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أن جميع ما في الأرض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوما من الأيام، تقول: من أنت؟ إنما المال مالي حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس إلا أن تتوب وترجع وتعتذر إلى زوجها"12.
وفي رواية أخرى عن سلمان المحمدي أنه سمع رسول الله صلى عليه وآله وسلم يقول: "أيُّما امرأةٍ منَّت على زوجها بمالها، فتقول: إنَّما تأكل أنت من مالي، لو أنَّها تصدقتْ بذلك المال في سبيل الله لا يقبلُ الله منها، إلا أن يرضى عنها زوجها"13.أيتها الزوجة العاملة التي تساعدين زوجك في ظروف الحياة العصيبة، فليكن عملك خالصاً لله تعالى، لا تجعلي الشيطان يستغل بذلك للمال في إقناعك بأنك الأفضل ولك الفضل على زوجك، فلتكن خديجة الكبرى نموذجك الأمثل في هذا الإطار، فهي قد بذلت كل ثروتها على الرسالة المحمدية، ولم تمن على الرسولا يوماً بدرهمٍ أو دينار.
يروي ابن عباس في تفسير هذه الآية ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾14 "يعني وجدك فقيرا فأغناك بمال خديجة، كان لخديجة مالٌ كثيرٌ وحسنٌ وجمال، ومن جملة مالها من أواني الذهب مئة طشت، ومن الفضة مثلها ومئة إبريق من ذهب، ومن العبيد والجواري مئة وستون، ومن البقر والغنم والإبل والحلي والحلل وغيرها ما شاء الله وقيل: كان لها ثمانون ألف من الإبل بل كانت تؤجر وتكري من بلد إلى بلد فبذلت تلك الأموال والجواري والعبيد لرسول الله صلى عليه وآله وسلم حتى بقيت تنام هي ورسول الله صلى عليه وآله وسلم في كساء واحد لم يكن لها غيرها".
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾15.
*الزواج الناجح, نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية, ط1، 2006م-1427هـ-ص:69-77.
1- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج4، ص175.
2- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2342.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج3، ص3243.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج3، ص2343.
5- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج3، ص2344.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص506.
7- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2344.
8- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص505.
9- التوبة:71.
10- وسائل الشيعة، جزء12، صفحة11.
11- وسائل الشيعة، جزء12، صفحة36.
12- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص202.
13- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص202.
14- الضحى:8.
15- البقرة:264