يتم التحميل...

العمل والجهاد

علم وعمل وجهاد

إنّ أعمال الإنسان يمكن تقسيمها بشكل عام إلى ثلاثة أقسام:الأوّل: أعمال شخصيّة، لها علاقة بخصوصيّات الإنسان الفرد، كالعبادة التي يقوم بها لكماله الفردي، والاهتمام ببعض جوانبه الماديّة أيضاً من هيئة وممتلكات...الثاني: أعمال لها بعد عائلي، وتنقسم إلى قسمين، فبعضها يهتم بتأمين ..

عدد الزوار: 211

عمل المرأة
إنّ أعمال الإنسان يمكن تقسيمها بشكل عام إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: أعمال شخصيّة، لها علاقة بخصوصيّات الإنسان الفرد، كالعبادة التي يقوم بها لكماله الفردي، والاهتمام ببعض جوانبه الماديّة أيضاً من هيئة وممتلكات...
الثاني: أعمال لها بعد عائلي، وتنقسم إلى قسمين، فبعضها يهتم بتأمين الاحتياجات الماديّة للعائلة من مأكل ومشرب وملبس... وبعضها يهتم بتأمين الاحتياجات المعنويّة من تربية وتوجيه...
الثالث: أعمال لها بُعد اجتماعيّ عامّ، ينطلق فيها الإنسان ليؤدي دوره الإيجابي في إصلاح المجتمع وتحسين شرائطه وملاءمة ظروفه... فما المقصود من عمل المرأة الذي نبحثه هنا بين هذه الأقسام الثلاثة؟
بالنسبة للقسم الأول: وهو الاهتمام بخصوصياتها الفرديّة، فلا شكّ بأنّ لها الحقّ بالقيام بمثل هذه الأعمال بشكل عام، بل هو أمر مرغوب فيه أيضاً. فالاهتمام بمظهرها بل وتزيينه وتحسينه أمام زوجها هو أمر مطلوب، وكذلك الاهتمام بممتلكاتها الخاصّة بشكل تبتعد عن الإسراف والتبذير أو الإتلاف والضياع... بالإضافة إلى العبادة التي تعتبر هدف وجود الإنسان ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ1. وهذه الأمور كلّها لا كلام فيها إجمالاً.
وبالنسبة للقسم الثالث: فلا شكّ أن للمرأة دورها الاجتماعيّ العامّ الذي ينبغي أن تقوم به يقول تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر2، هذا الدور الذي قد يتّسع ليصبح بحجم الأمّة كلّها، أو يضيق ليكون ضمن إطار مُعيّن بحسب قابليّات المرأة والأولويّات الحاكمة على حياتها إضافة إلى ظروف المجتمع، فمن غير المناسب أن تقوم المرأة في دورها الاجتماعيّ العامّ في الوقت الذي تخسر فيه.
ويبقى القسم الثاني من الأقسام الثلاثة: ولا شكّّ أن للمرأة دورها الأساسي في تأمين الاحتياجات المعنويّة من تربية وتوجيه لأبنائها... وأمّا الاحتياجات الماديّة من خلال العمل خارج البيت لتأمين لقمة العيش، فهذا النوع من الأعمال هو الذي يدور حوله الكلام عادة عند الحديث عن عمل المرأة، فما هو الموقف منه؟

عمل المرأة الأصلي
إنّ الإسلام لم يحمّل المرأة مسؤوليّة تأمين لقمة العيش بالنسبة للعائلة، بل أوجب ذلك على الرجل، وقد رأينا كيف أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عندما قسّم أعمال الأسرة بين ابنته فاطمة عليها السلام وصهره عليّ عليه السلام، وكيف جعل لها الأعمال داخل البيت وله الأعمال خارجه. وهذا الأسلوب يشكّل الوضع السليم للعائلة السعيدة التي يتولى كلّ فرد فيها مسؤوليّة خاصّة تتناسب مع شخصيّته وطبيعته ليتكامل مع الفرد الآخر في سدّ الفراغات، وتأمين الاحتياجات بجميع جوانبها الماديّة والمعنويّة، داخل البيت وخارجه. ولكن رغم ذلك لم يحرّم الإسلام عمل المرأة خارج البيت، إذا كان ضمن الضوابط الشرعيّة الصحيحة، بل ربما يصبح هذا العمل راجحاً في بعض الحالات، نذكر منها:
1- وجود حاجة ماديّة: إنّ طلب الحلال عبادة كما ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعون جزءً أفضلها طلب الحلال"3. فلو كانت المرأة محتاجة ماديّاً هي أو من تعيلهم لو فرض وجود من تعيله فلا شكّ أن عملها حينئذٍ سيكون مطلوباً وراجحاً، وهو خير من أن تصاب بالفقر وتبذل ماء وجهها لطلب المعونة من الناس.
2- وجود فراغ: لقد رفض الإسلام الفراغ والكسل، وورد في الرواية عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ يبغض العبد النوّام الفارغ"4، فلو فرض أنّ امرأة كان لديها الكثير من أوقات الفراغ بحيث أنّها لو لم تنشغل بالعمل ستكون مصداقاً للعبد النوّام الفارغ، في مثل هذه الحالة يصبح العمل راجحاً لها.
3- أهميّة خاصّة للعمل: قد يكون العمل الذي تتولّاه المرأة له طابع مهم جدّاً على المستوى الشرعيّ، كمؤسسات الترويج للدين وإصلاح المجتمع والعمل الاجتماعيّ، أو كمسألة التخصّص في الطبّ النسائيّ... فقد تنشغل المرأة بمثل هذه الأعمال المهمّة لخدمة الدين والمجتمع وتأخذ أموالاً كالراتب مقابل هذا العمل لتعيش عزيزة كريمة، فمثل هذه الأعمال وإن كانت تؤمّن لقمة العيش ولكن هدفها الأساسيّ هو الخدمة للدين والمجتمع، وتبقى راجحة بنفسها.

الالتزام بالضوابط الشرعيّة
إنّ عمل المرأة يجب أن يكون ضمن أجواء سليمة تراعي الضوابط على المستوى الشرعيّ، ومن هذه الضوابط أمران:
1 - الابتعاد عن الاختلاط ما أمكن، والالتزام بالحجاب الشرعيّ ومراعاة الشؤون الشرعيّة في السلوك، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فلتعمل المرأة ولكن بالحجاب، لا مانع من عملها في الدوائر الحكوميّة ولكن مع مراعاة الحجاب الشرعي والحفاظ على الشؤون الشرعيّة"5.
2 - إجازة الزوج إذا كانت متزوجة، وكان عملها يستلزم الخروج من البيت، فإنّ خروجها من البيت يجب أن يكون بإجازة الزوج كما يُفتي الإمام الخميني قدس سره.

الجهاد العسكريّ
دور المرأة في الجهاد

هل للمرأة أن تشارك بالأعمال العسكريّة؟ أم أنّ هذا النوع من الأعمال خاصّ بالرجال؟ وإن كان لها ذلك فهل يختصّ ذلك بأعمال دون أخرى وبأنواع من الجهاد دون أخرى؟
حتّى تكون الصورة واضحة ودقيقة سنتحدّث عن هذه الأمور كلّاً على حدة.

ما المقصود من العمل العسكريّ؟
إنّ العمل العسكريّ يحتاج إلى مجهود كبير يغطّيه العاملون في سلك الجهاد لا يختصره المجاهد الذي يحمل البندقية ويوجه الرصاص إلى العدوّ بشكل مباشر - وإن كان مظهره ونتيجته ولحظته الفاصلة بل هو يشمل كلّ العاملين الذين يؤمّنون وصول السلاح من جهة، ويمدّون المجاهدين بالطعام والثياب من جهة أخرى وفريق الإسعاف الذي يداوي جراح المجاهدين ليعودوا إلى ساحات المواجهة من جهة ثالثة وغيرها من المهام الكثيرة التي تتكاتف كلّها ليستطيع أن يقف المجاهد بنتيجة هذا المجهود حاملاً سلاحه موجّهاً الضربات القاسية للأعداء... ولا شكّّ أنّ المرأة تستطيع أن تشارك في الكثير من هذه المهام، بل مطلوب منها أن تغطّي مثل هذه المهام التي تدعم الجبهة وتؤمّن احتياجات المجاهدين وتعتبر شرطاً أساساً في استمرار الجهاد. فيمكن للمرأة أن تعمل في تأمين الطعام واللباس ويمكنها أن تكون ممرّضة وطبيبة تداوي الجراح ويمكنها أن تساعد في كلّ الأعمال اللوجستيّة، ومن المعروف في السيرة النبويّة دور النساء في الحروب من جهة تأمين الطعام ومداواة الجراح... يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ النساء في صدر الإسلام كنّ يخرجنَ إلى الحرب وكان معظمهنّ يعمل طوال الوقت في إسعاف المصابين ومداواة الجرحى"6. وإنّما الكلام في خصوص مهمّة حمل السلاح ومواجهة العدو بشكل مباشر، فهل يمكن للمرأة أن تقوم بمثل هذه المهمّة كالرجال تماماً؟ وهل يجب عليها ذلك؟

الجهاد الابتدائيّ والدفاعيّ
هناك نوعان من الجهاد: ابتدائيّ ودفاعيّ

والابتدائيّ: هو الذي تكون المعارك فيه على أرض الغير نتيجة غزو المسلمين لها، وهذا النوع من الجهاد ليس محلّ ابتلاء في هذا الزمن.
والدفاعيّ: هو الذي تكون المعارك فيه نتيجة هجوم الأعداء على المسلمين وتهديدهم لهم...

دورها في الدفاعيّ
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللهِ وَالله عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ7.

إنّ الدفاع عن الإسلام والمسلمين وبلادهم من الواجبات التي تتوجّه إلى جميع المكلّفين سواء كانوا رجالاً أم نساءً، ويجب عليهم جميعاً الدفاع بكلّ الوسائل الممكنة، فإذا كانت الحرب حرباً دفاعيّة كما هو في هذا الزمان لا يتوقّف دور المرأة على الأمور اللوجستيّة وما شابهها، بل يجب عليها حمل السلاح والمواجهة إذا تطلّب الدفاع ذلك، وهنا يأتي دور تشخيص القيادة وتقسيمها للأدوار بحسب ما تراه مناسباً من مصلحة جهاديّة واجتماعيّة، ينقل الإمام الخميني قدس سره قائلاً: "إنّ بعض النسوة جئن إلى هنا وطلبن منّي أن أسمح لهنّ بالذهاب إلى كردستان... يذهبن للقتال هناك، فقلت لهنّ: ليس من الصلاح ذلك، الشعب والجيش يؤدّيان دورهما هناك"8، ولكن إذا شخّصت القيادة ضرورة مشاركة المرأة في حمل السلاح والقتال وجب عليها القيام بذلك.

التدريب العسكريّ
﴿َأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ9 حينما يكون الجهاد واجباً في الدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين، حتّى على المرأة، يلزم عليها أن تكون جاهزة لتأدية دورها هذا، وإن كان دورها الشرعيّ يتحقّق بالقتال كما في حالة الدفاع التي لا يُغني فيها قتال الرجال، فعليها حينئذٍ التدرّب العسكريّ الذي يؤمّن الأسباب الظاهريّة للنصر التي أمرنا الله تعالى بتأمينها كما في الآية الكريمة.

يقول الإمام الخميني قدس سره حول هذا الموضوع: "إذا ما كان الدفاع واجباً على الجميع، ينبغي أن تُهيّأ مقدّمات الدفاع أيضاً، من جملة ذلك موضوع التدريب العسكريّ وتعليم فنون القتال لمن لا يجيدها فالأمر ليس بهذه الصورة بأن يجب علينا الدفاع ولكن لا ندري كيف ندافع، بل يجب أن نتعلّم كيف ندافع، ومن الطبيعيّ أنّ المحيط الذي تتدربون فيه على الفنون العسكريّة يجب أن يكون محيطاً سالماً، محيطاً إسلاميّاً، وأن تُراعى فيه جوانب العفاف وجميع الشؤون الإسلاميّة"10.

* مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص9-19


 

1- الذاريات: 56.
2- التوبة: 71.
3- وسائل الشيعة، ج12، ص11.
4- وسائل الشيعة، ج12، ص36.
5- من حديث في جمع من علماء الدين وطلبة العلوم الدينية في قم بتاريخ 6/3/1979.
6- من حديث حول التوبة، بتاريخ 8/11/1980.
7- آل عمران: 195.
8- من حديث في أعضاء الحكومة، بتاريخ 2/10/1979.
9- الأنفال: 60.
10- من حديث في جمع من النساء، بمناسبة يوم المرأة، بتاريخ 10/2/1986.

2010-03-09