التعريف بالإمام المهدي وغيبته الصغرى والكبرى
الإمام المهدي (عج)
نسبه:هو: محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ولادته: ولد الإمام المنتظر عليه السلام بسامراء من مدن العراق، ليلة النصف من شهر شعبان عام (255 هـ) خمسة وخمسين ومائتين للهجرة. و كان الولد الوحيد لأبيه عليهما السلام .
عدد الزوار: 77
الإمام المهدي عليه السلام
ابني محمد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه، مات ميتة جاهلية
(الإمام العسكري)
نسبه
هو: محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ولادته
ولد الإمام المنتظر عليه السلام بسامراء من مدن العراق، ليلة النصف من شهر شعبان عام (255 هـ) خمسة وخمسين ومائتين للهجرة.
و كان الولد الوحيد لأبيه عليهما السلام .
إمامته
ولي أمر الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام عام (260 هـ)، وهو ابن خمس سنين.
وهنا.. ربما يتساءل استغراباً:
كيف يجعل إماماً وهو في هذه السن من الطفولة المبكرة؟!
ويرتفع هذا النوع من الاستغراب حينما نعلم أن الإمامة هبة يمنحها الله تعالى من يشاء من عباده، ممن تتوافر فيه عناصر الإمامة وشروطها، شأنها في ذلك شأن النبوة.. وهو ما برهن عليه في مجاله من مدونات وكتب الإمامة عند الشيعة بما يربو على التوفية.
يقول السيد صدر الدين الصدر: (إن المهدي المنتظر قام بالإمامة، وحاز هذا المنصب الجليل، وهو ابن خمس سنين، طفل لم يبلغ الحلم.. فهل يجوز ذلك؟! أم لابد في النبي والرسول والخليفة أن يكون بالغاً مبلغ الرجال؟!
هذه مسآلة كلامية، ليس هنا محل تفصيلها، ولكن على وجه الإجمال، نقول:- بناء على ما هو الحق من أن أمر الرسالة والإمامة والنبوة والخلافة بيد الله سبحانه وتعالى، وليس لأحد من الناس فيها اختيار يجوز ذلك عقلاً، ولا مانع منه مع دلالة الدليل عليه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يجمع في الصبي جميع شرائط الرسالة والإمامة)1.
على أن إمامة الإمام المنتظر عليه السلام لم تكن الحدث الوحيد من نوعها، فقد أوتي النبي يحيى عليه السلام الحكم صبياً: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة، وآتيناه الحكم صبياً)2، وجعل عيسى بن مريم عليه السلام نبياً وهو في المهد رضيعاً: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً)3.. كما هو صريح القرآن الكريم.
وكان جده الإمام محمد الجواد عليه السلام، وجده الإمام علي الهادي عليه السلام، ولي كل منهما الإمامة وهو ابن ثماني سنوات،.. وكان أبوه الإمام الحسن العسكري عليه السلام وليها وهو ابن عشرين عاماً.
وواقع هؤلاء الأئمة عليهم السلام في علمهم بالشريعة، وتطبيقهم لأحكامها، في سلوكهم، ومختلف مجالات حياتهم الذي سجله التاريخ بإكبار- بالإضافة إلى الدليل العقائدي الذي أشرت إليه- يكفينا في رفع ذلكم النوع من الاستغراب... وبخاصة حينما نعلم أن الأئمة عليهم السلام كانوا (مصحرين بأفكارهم وسلوكهم وواقعهم تجاه السلطة وغيرها من خصومهم في الفكر.. والتاريخ حافل بمواقف السلطة منهم ومحاربتها لأفكارهم، وتعريضهم لمختلف وسائل الإغراء والاختيار، ومع ذلك فقد حفل التاريخ بنتائج اختباراتهم المشرفة وسجلها بإكبار.
ولقد حدث المؤرخون عن كثير من هذه المواقف المحرجة، وبخاصة مع الإمام الجواد، مستغلين صغر سنّه عند تولي الإمامة.
وحتى لو افترضنا سكوت التاريخ عن هذه الظاهرة، فان من غير الطبيعي أن لا يحدث أكثر من مرة تبعاً لتكرار الحاجة إليها، وبخاصة وأن المعارضة كانت على أشدها في العصور العباسية.
وطريقة إعلان فضيحة الشيعة بإحراج أئمتهم فيما يدعونه من علم أو استقامة سلوك، وإبراز سخفهم لاحتضانهم أئمة بهذا السن وهذا المستوى- لو أمكن ذلك- أيسر بكثير من تعريض الأمة إلى حروب قد يكون الخليفة من ضحاياها أو تعريض هؤلاء الأئمة إلى السجون والمراقبة، والمجاملة أحياناً)4.
ولعل من روائع ما سجله التاريخ في هذا المجال: شهادة أحمد ابن عبيد الله بن خاقان، عامل المعتمد العباسي على الخراج والضياع بكورة (قم)،.. وكان معروفاً بانحرافه عن أهل البيت عليهم السلام، في معرض حديثه مع جماعة حضروا مجلسه في شهر شعبان من سنة (278 هـ)، بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بثماني عشرة سنة، وقد جرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسامراء، ومذاهبهم، وصلاحهم، وأقدارهم عند السلطان5.
يقول: (ما رأيت ولا أعرف بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن على بن محمد بن الرضا، في هديه، وسكونه، وعفافه، ونبله، وكرمه عند أهل بيته والسلطان وبني هاشم كافة، وتقديمهم إيّاه على ذوي السن منهم والخطر،.. وكذلك حاله عند القواد والوزراء والكتاب وعامة الناس.
كنت يوماً قائماً على رأس أبي- وهو يوم مجلسه للناس- إذ دخل حجابه، فقالوا: أبو محمد بن الرضا بالباب.
فقال- بصوت عال-: ائذنوا له.
فتعجبت منه، ومنهم، من جسارتهم أن يكنّوا رجلاً بحضرة أبي، ولم يكنّ عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنّى.
فدخل رجل أسمر، أعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حديث السن، له جلالة وهيئة حسنة.
فلما نظر إليه أبي، قام فمشى إليه خطوات.. ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد وأولياء العهد.
فلما دنا منه عانقه، وقبّل وجهه وصدره ومنكبيه، وأخذ بيده، وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه، مقبلاً عليه بوجهه... وجعل يكلمه، ويفديه بنفسه وأبويه، وأنا متعجب مما أرى منه، إذ دخل الحاجب، فقال: جاء الموفق- وهو أخو المعتمد الخليفة العباسي-.
وكان الموفق إذا دخل على أبى تقدمه حجابه، وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين الدار سماطين، إلى أن يدخل ويخرج.
فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد، يحدثه، حتى نظر إلى غلمان الموفق، فقال له- حينئذ-: إذا شئت- جعلني الله فداك- أبا محمد...
ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين، لا يراه هذا (يعني الموفق).
فقام، وقام أبي، فعانقه، ومضى.
فقلت لحجاب أبي وغلمانه: ويحكم.. من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي، وفعل به أبي هذا الفعل؟!...
فقالوا: هذا علوي، يقال له: الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا.
فازددت تعجباً، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره، وأمر أبي، وما رأيته، منه، حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة، ثم يجلس، فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات، وما يدفعه إلى السلطان.
فلما صلى وجلس، جئت فجلست بين يديه، فقال: آلك حاجة؟
قلت: نعم.. فان أذنت سآلتك عنها..
قال: قد أذنت..
قلت: من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة، وفديته بنفسك وأبويك؟!
فقال: يا بني.. ذاك إمام الرافضة، الحسن بن علي، المعروف بابن الرضا..
وسكت ساعة..
ثم قال: لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس، ما استحقها أحد من بني هاشم غيره، لفضله، وعفافه، وصيانته، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه.. ولو رأيت أباه، رأيت رجلاً جزلاً، نبيلاً، فاضلاً.
فازددت قلقاً، وتفكراً، وغيظاً على أبي، وما سمعته منه فيه، ورأيته من فعله به.
فلم تكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره.
فما سآلت أحداً من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس، إلا وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام، والمحل الرفيع، والقول الجميل، والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه..
فعظم قدره عندي، إذ لم أر له ولياً ولا عدواً، إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه)6.
وكان الإمام المنتظر عليه السلام خاتم الأئمة الاثني عشر، أوصياء نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
غيبته
للإمام المنتظر عليه السلام غيبتان: صغرى وكبرى.. رأيت أن استعرضهما بشيء من الإيجاز، موضحاً أهم عواملهما، وأبرز ملابساتهما، في حدود ما يرتبط بموضوعنا (في انتظار الإمام) وبالمقدار الذي يمهد له.
الغيبة الصغرى
بدأت الغيبة الصغرى بولادة الإمام المنتظر عليه السلام عام (255 هـ).
وانتهت بوفاة سفيره الرابع والأخير علي بن محمد السمري دام ظله سنة( 328 هـ أو 329 هـ).
فامتدت أربعاً وسبعين سنة.
وكان الإمام المنتظر عليه السلام خلال الفترة المشار إليها يتصل بأتباعه وشيعته اتصالاً سرياً، دقيقاً في سريته، وعاماً لجميع حلقات ووسائل الاتصال، وعن طريق المخلصين كل الإخلاص من أصحابه، والذين يدعون بـ(السفراء) وهم:
1- عثمان بن سعيد العمري الأسدي، المتوفى ببغداد، والذي كان قبل سفارته عن الإمام المنتظر عليه السلام، وكيلاً عن جده الإمام علي الهادي عليه السلام، ثم عن أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام .
2- محمد بن عثمان بن سعيد العمري، المتوفى عام (305 هـ أو 304 هـ) ببغداد.
3- الحسين بن روح النوبختي المتوفى عام (320 هـ) ببغداد.
4- علي بن محمد السمري المتوفى عام (328 هـ أو 329 هـ) ببغداد.
عوامل الغيبة الصغرى
فيما أخاله أن أهم عامل في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام، وفي اختفائه منذ الولادة، هو موقف الحكام العباسيين الموقف المعادي منه،.. ويتلخص بالآتي:
اعتقاد وإيمان الشيعة آنذاك بأن الإمام المنتظر الذي بشرت جميع الأديان الإلهية بفكرته الإصلاحية7، وبشرت بدولته العالمية، والقاضية على كل حكم قائم آن انبثاقها، هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام .
وشيوع الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تجسيد فكرة المصلح المنتظر بالإمام محمد بن الحسن عليه السلام، وتطبيق شخصية المصلح المنتظر عليه، بين علماء المسلمين في حينه: عقيديين وفقهاء ومحدثين، بما تضمنته من دلائل وإشارات، وبما احتوته من تصريحات باسمه وأوصافه الخاصة المميزة.
وربما كان أهمها: الروايات الحاصرة للأئمة في اثني عشر خليفة كلهم من قريش، والتي تدور على آلسنة المحدثين والمؤرخين آنذاك.
كالتي رواها البخاري المعاصر للإمام الحسن العسكري
عن (جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً.. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش)8.
وفي رواية الإمام أحمد بن حنبل: (أن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة)9.
وكالتي رواها مسلم (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يزال الدين قائماً، حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)10.
وكالتي رواها الحمويني الشافعي في فرائد السمطين عن (ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وان أوصيائي بعدي اثنا عشر: أولهم علي ابن أبي طالب، وآخرهم القائم المهدي)11.
وعنه أيضاً (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن خلفائي وأوصيائي حجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر)12.
(وقد تواتر مضمون الخبرين (الأولين) في كتب الخاصة والعامة، أما بهذا اللفظ أو قريب منه، وقد جمع بعض المعاصرين هذه الأخبار فكانت 271، وقد رواها أكابر حفاظ أهل السنة)13.
متى أضفنا إليها: أن العباسيين كانوا يعلمون أن الإمام الذي يخلف الإمام الحسن العسكري عليه السلام هو الإمام الثاني عشر الذي يملاً الأرض قسطاً وعدلاً، لعلمهم بأن الإمام العسكري عليه السلام هو الإمام الحادي عشر.
وربما كانت هذه الروايات وأمثالها من الأحاديث المثيرة لقلق الحكام واضطرابهم باعثاً إلى أبعد من هذا، وهو تتبع آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل الإمام المنتظر عليه السلام .
وإننا لنلمس هذا المعنى في بعض ما ورد عن الأئمة عليهم السلام .. ففي حديث للإمام الصادق عليه السلام يقول فيه: (.. أما مولد موسى عليه السلام، فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده، أمر بإحضار الكهنة، فدلوه على نسبه، وأنه يكون من بني اسرائيل، حتي قتل في طلبه نيفاً وعشرين آلف مولد، وتعذر إليه الوصول إلى قتل موسى عليه السلام بحفظ الله تبارك وتعالى إياه، كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى القائم، ويأبى الله- عز وجل أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون)14.
وفي حديث أخر عن الإمام الرضا عليه السلام : (قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين:
إحداهما: أنهم كانوا يعلمون ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا إيٌاها، وتستقر في مركزها.
وثانيتهما: انهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة، على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم عليه السلام، أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون)15.
كل ذلكم وأمثاله، كان يربك الحكومة العباسية حول مستقبلها عند ظهور الإمام محمد بن الحسن عليه السلام، إذ ربما تمثلت فيه عقيدة الشيعة، وصدقت فيه أحاديث جده النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما روي عنه فيه.
فكانت تعد ما في إمكانياتها من العدة للعثور عليه، والوقوف على أمره، لتطمئن على مستقبلها السياسي، وبخاصة وان حركات الشيعة أيام جده الإمام علي الهادي عليه السلام، وأبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ضد الحكومة العباسية، كانت في زيادة مدها النضالي، ووفرة نشاطها السياسي، لقلب نظام الحكم العباسي والإطاحة به، بما كان يقلق الحكومة العباسية، ويتعبها إلى حد، في إخمادها، أو إيقافها على الأقل.
فعلى الأقل: ربما تمخضت الحركة الشيعية عن الثورة المبيدة للحكم العباسي علي يد الإمام محمد بن الحسن عليه السلام .
فوضع الحكام العباسيون فيما يحدث المؤرخون مختلف العيون والجواسيس أيام حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بغية معرفة الإمام من بعده، وبخاصة ابنه الذي نوٌهت به وأشارت إليه تعريفات المصلح المنتظر.
يقول السيد الأمين: (وقد تضافرت الروايات على أن السلطان طلبه يعني الإمام المنتظر وفتش عليه أشد الطلب والتفتيش ليقتله، لما شاع من قول الإمامة فيه، وانتظارهم له، ولما سبق من آبائه من وصية السابق إلى اللاحق)16.
وقال الصدوق: (وبعث السلطان إلى داره (أي دار الإمام العسكري) من يفتشها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء لهن معرفة بالحبل، فدخلن على جواريه، فنظر إليهن، فذكر بعضهن: أن هناك جارية بها حمل، فأمر بها فجعلت في حجرة، ووكل (نحرير) الخادم وأصحابه ونسوة معهم..
ثم قال: فلما دفن (أي الإمام العسكري)، وتفرق الناس، اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه.
ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهّموا فيها الحبل ملازمين لها سنتين أو أكثر، حتى تبين لهم بطلان الحبل.. فقسم ميراثه بين أمه وأخيه،.. وادعت أمه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي..
والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده،.. وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً)17.
وقال الشيخ المفيد: (وخلّف (يعني الإمام العسكري) ابنه المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفى مولده، وستر أمره، لصعوبة الوقت، وشدة طلب سلطان الزمان له، واجتهاده في البحث عن أمره، ولما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه، وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده عليه السلام في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته، وتولى جعفر بن علي أخو أبي محمد أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام، واعتقال حلائله، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده، والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم.
وجرى على مخلفي أبي محمد عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة، من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذل.. ولم يظفر السلطان منهم بطائل.
وحاز جعفر ظاهراً تركة أبي محمد عليه السلام، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، ولم يقبل أحد منهم ذلك، ولا اعتقده فيه)18.
وهذا النص الأخير- وهو لكبير من أعلام علماء الشيعة- يلمسنا واقع الغيبة، في أنها بدأت بولادة الإمام المنتظر عليه السلام، حيث أخفي خبر الولادة عن الجمهور، وستر أمر الإمام المنتظر عليه السلام إلا على المخلصين من أصحاب أبيه عليه السلام للعامل السياسي الذي أشرت إليه.
وحينما يكون هذا هو واقع الغيبة، يجدر بنا أن نسائل أولئكم الحانقين والمغفلين عن موقع السرداب المزعوم من حوادث القصة!!..
وأبعد من هذا.. فقد وضع الحكام العباسيون على آلسنة بعض المحدثين أحاديث نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضمّنوها: أن المهدي المنتظر من آل العباس، بغية صرف العامة عن انتظاره في آل علي: أمثال:
1- المهدي من ولد العباس عمي19.
2- يا عباس، إن الله فتح هذا الأمر بي، وسيختمه بغلام من ولدك، يملؤها عدلاً، كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلي بعيسى20.
3- آلا أبشرك يا أبا الفضل، إن الله- عز وجل- افتتح بي هذا الأمر، وبذريتك يختمه21.
4- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها، فان فيها خليفة الله المهدي22.
ولكي نقف على قيمة هذه الأحاديث، وعلى واقعها، وهو أنها موضوعة، علينا أن نقرأ ما يقوله علماء الحديث والناقدون حولها:
فحول الحديث الأول، يقول الدار قطني: (غريب، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم)23.
ويعلق عليه الآلباني بعد عده الحديث في سلسلة الموضوعات- بقوله: (قلت: وهو (يعني محمد بن الوليد) متهم بالكذب. قال ابن عدي: (كان يضع الحديث)، وقال أبو عروبة: (كذاب)، وبهذا أعلّه المناوي في (الفيض)، نقلاً عن ابن الجوزي، وبه تبين خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في (الجامع الصغير)..
قلت: ومما يدل على كذب هذا الحديث انه مخالف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).. أخرجه أبو داود (2/207- 208)، وابن ماجة (2/519)، والحاكم (4/557)، وأبو عمر والداني في (السنن الواردة في الفتن) (99- 100)، وكذا العقيلي (139 و300) من طريق زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة مرفوعاً.
وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات، وله شواهد كثيرة، فهو دليل واضح على رد حديث (المهدي من ولد العباس)24.
وحول الحديث الثاني يقول الآلباني- بعد أن عده في الموضوعات أيضاً-: (أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (4/117) في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت قال: حدثنا سعيد ابن سليمان حدثنا خلف بن خليفة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عمار بن ياسر مرفوعاً.
قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات، معروفون، من رجال مسلم، غير أحمد بن الحجاج هذا، ولم يذكر فيه الخطيب جرحاً ولا تعديلاً وقد اتهمه الذهبي بهذا الحديث فقال: (رواه بإسناد الصحاح مرفوعاً، فهو أفته!.. والعجيب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه، وكأنه سكت عنه لانتهاك حاله)، ووافقه الحافظ في (لسان الميزان).
والحديث أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) من حديث ابن عباس ونحوه، وقال: (موضوع. المتهم به الغلابي)25.
ويقول- أعني الآلباني- حول الحديث الثالث- (موضوع. أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/135) من طريق لاهز بن جعفر التيمي.. وقال: (تفرد به لاهز بن جعفر، وهو حديث عزيز).
قلت: وهو متهم، قال فيه ابن عدي: (بغدادي، مجهول، يحدث عن الثقات بالمناكر)26.
ويقول أيضاً- تعليقاً على الحديثين الأخيرين-: (إذا علمت حال هذا الحديث والذي قبله، فلا يليق نصب الخلاف بينهما وبين الحديث الصحيح المتقدم قريباً: (المهدي من ولد فاطمة) لصحته وشدة ضعف مخالفه)27.
وحول الحديث الرابع يقول المودودي: (ذكر الرايات السود من قبل خراسان، مما يدل دلالة واضحة على أن العباسيين ادخلوا في هذه الرواية من عند أنفسهم، ما يوافق أهواءهم وسياستهم، لأن اللون الأسود كان شعاراً للعباسيين، وكان أبو مسلم الخراساني هو الذي مهد الأرض للدولة العباسية)28.
الغيبة الكبرى
بدأت الغيبة الكبرى بوفاة السفير السمري- ره- سنة (328 هـ) أو (329 هـ).
وستبقى مستمرة حتى يأذن الله تعالى.
وربما كان نهاية أمدها هو حينما تتمخض الظروف الاجتماعية عن الأجواء الملائمة لثورة الإمام المنتظر عليه السلام .. التي حددتها جملة من الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام والتي نستطيع أن نصنفها إلى طائفتين:
1- الطائفة التي حددت خروج الإمام المنتظر عليه السلام بعد ملء الأرض ظلماً وجوراً. أمثال: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
2- الطائفة التي أشارت إلى أن الإمام المنتظر عليه السلام سيأتي بأمر جديد، بعد اندثار معالم الإسلام، وابتعاده عن الواقع الاجتماعي والواقع الفكري وانحساره عن مجالهما.
أمثال ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام :
أ- قال: إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور،..
وإنما سمي القائم مهدياً، لأنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق29.
ب- قال: إذا قام القائم جاء بأمر جديد، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدو الإسلام إلى أمر جديد30.
ولعلنا بهذا أيضاً نستطيع أن نوجه أو نفسر عدم ظهور الإمام المنتظر عليه السلام قبل هذا الآن الذي أشارت إليه الأحاديث المذكورة وأمثالها،.. وذلك بعدم تحقق ظروف ثورته عليه السلام والأجواء الملائمة لها.
وهنا.. ربما يفهم مما تقدم: أن قيام الإمام المنتظر عليه السلام بالدعوة الإسلامية لابد وأن يسبق بشمول الباطل والكفر لكل أطراف الحياة، وانحسار الحق والإسلام من كل مجالاتها..!
غير أن ما يفاد من النصوص في هذا المجال هو بقاء الإسلام مستمراً لدى طائفة من الأمة حتى ظهور الإمام المنتظر عليه السلام، كما سنقف عليه في المواضيع الآتية31، وكما يشير إليه أمثال الحديث الآتي:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم الدجال32.
(وفي رواية: عصابة من أمتي)33.
*في انتظار الإمام، الشيخ عبد الهادي الفضلي، دار الزهراء بيروت لبنان، ط3، سنة 1401هـ ـ1981م، ص22ـ44.
1- ص 107.
2- الآية 12 من سورة مريم.
3- الآيتان 29 و30 من سورة مريم.
4- محمد تقي الحكيم، الأصول العامة للفة المقارن ص 183.
5- يراجع: السيد محسن الأمين، ص 317.
6- الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 309 و310.
7- يقرأ: محمد أمين زين الدين، موضوع (المصلح المنتظر في أحاديث الأديان).
8- محمد تقي الحكيم، ص 177.
9- إسماعيل الصدر ص 150.
10- المصدر السابق.
11- نجم الدين الشريف العسكري: علي والوصية، ص 196.
12- صدر الدين الصدر، ص 232.
13- إسماعيل الصدر، ص 150.. ويراجع المصدر نفسه لمعرفة من يرويها من أكابر حفاظ أهل السنة.
14- لطف الله الصافي: منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام، ص359، 360.
15- المصدر السابق، ص 291.
16- ص 335.
17- السيد الأمين، ص 336.
18- ص 316.
19- محمد ناصر الدين الآلباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ص 93.
20- المصدر السابق.
21- المصدر السابق، ص 94.
22- المودودي، ص 161.
23- الآلباني، ص 93.
24- المصدر السابق.
25- المصدر السابق، ص 93، 94.
26- المصدر السابق.
27 المصدر السابق.
28- الشيخ المفيد، ص 332.
29- ص 115.
30- المصدر السابق، ص 333.
31- يقرأ: موضوع (انتظار الإمام) وموضوع (الدعوة إلى الدولة) من هذا الكتاب.
32- السيد صدر الدين الصدر، ص 191.
33- المصدر السابق.