يتم التحميل...

صور إشاعة الفاحشة

وردت كلمة الفحشاء في القرآن المجيد غالبًا للدلالة على العمل المخلّ بالعفّة والشرف، كالزنا واللواط ونحوهما. أمّا من الناحية اللغويّة، فقد ذكر الراغب الأصفهاني مفهومًا واسعًا لها، فقال: "هي ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال". "وإشاعة الفاحشة إمّا تكون بالفعل وإمّا بالقول، أمّا بالفعل فبأن ينتشر بين المؤمنين خبرٌ يتضمّن فحشاء، كأن يقال: فلان زان، أو لائط أو نحو ذلك. والإشاعة بهذا المعنى محرّمة بنصّ الكتاب من جهتين:

عدد الزوار: 24

إن الآية ١٩ في القرآن الكريم، في سورة النور لم تقل: (الّذين يشيعون الفاحشة)، بل قالت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ...﴾، ثمّ قرنت بالتذكير بسعة علمه تعالى. فهو "يعلم الّذين يبيّتون في قلوبهم حبّ هذا الذنب، ويعلم الّذين يمارسونه تحت واجهات خدّاعة، أمّا أنتم فلا تعلمون ذلك ولا تدركونه"[1].
 
فالإنسان - بمقتضى الآية - مسؤول ويحاسب على رغباته الداخليّة[2]، وإنّ العلاقة النفسيّة بالمعصية هي مقدّمة أساسيّة لارتكابها. لذا، في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينبغي النهي عن التعلّق بالمعصية ومحوها من النفس، لا النهي عن الفعل الخارجيّ فقط. فالتعلّق النفسيّ وحبّ بعض الذنوب يعدّ عند الله من الكبائر، من قبيل تسقيط المؤمنين، وحبّ إشاعة الفاحشة، وسوء الظنّ بالمؤمن، وما شابه ذلك.
 
وقد وردت كلمة الفحشاء في القرآن المجيد غالبًا للدلالة على العمل المخلّ بالعفّة والشرف، كالزنا واللواط ونحوهما. أمّا من الناحية اللغويّة، فقد ذكر الراغب الأصفهاني مفهومًا واسعًا لها، فقال: "هي ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال".
 
"وإشاعة الفاحشة إمّا تكون بالفعل وإمّا بالقول، أمّا بالفعل فبأن ينتشر بين المؤمنين خبرٌ يتضمّن فحشاء، كأن يقال: فلان زان، أو لائط أو نحو ذلك. والإشاعة بهذا المعنى محرّمة بنصّ الكتاب من جهتين:
الأولى: من جهة كونه قذفًا فيشمله قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[3] .
 
الثانية: من جهة كونه إشاعة للفحشاء فيشمله قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾. وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "من قال في مؤمن ما رأته عيناه وما سمعته أذناه، كان من الّذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾[4],[5].
 
وممّا يلزم ذكره أنّ لإشاعة الفحشاء صورًا عديدة. فتارة يكون من قبيل افتعال تهمة كاذبة ونقلها بين الناس، أو بإنشاء مراكز للفساد ونشر الفحشاء، أو بتوفير وسائل المعصية للنّاس، أو تشجيعهم على ارتكاب الذنوب، أو يرتكب الذنب في العلن دون ملاحظة الدين، ولا رعاية لقانون ولا التفات لآداب عامّة. وكلّ هذه مصاديق لإشاعة الفحشاء، فلهذا التعبير مفهومٌ واسعٌ يضمّ كلّ عمل يساعد في نشر الفحشاء والمنكر.
 
كما أنّ الّذين ينشرون الفاحشة بين الناس يعاقبهم النظام الإسلاميّ بعقوبات في الدنيا، كالتعزير الّذي يقوم به الحاكم. بيد أنّ بعض الذنوب لها آثار وضعيّة تكوينيّة تؤثّر على الإنسان، سواءٌ علم بذلك أم لم يعلم، ومن تلك الذنوب العظام هتك حرمة المؤمن واتّهامه بالفاحشة وما شابه ذلك.
 
* من كتاب: أسوار النور - دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الشيرازي، الأمثل، ج11، ص49.
[2] إنّ النيّة عند الإنسان يمكن تقسيمها إلى قسمين: نيّة يحاسب عليها وهي النيّة المقارنة للفعل، ونيّة لا يحاسب عليها وهي الخواطر التي تمرّ على ذهن الإنسان ولا يتمكّن الإنسان عادة من السيطرة عليها، ولكن هذا النوع من النيّة، حتّى لو كان معفوًّا عنه عند الله تعالى، ألّا أنّه يترك أثرًا على روح الإنسان وعليه، النيّة، من ناحية العفو وعدمه، على قسمين: نيّة معفوّ عنها، ونيّة غير معفوّ عنها. ولكن ليست كلّ نيّة معفوّ عنها عديمة الأثر. والبحث يحتاج إلى تفصيل أكثر.
[3] القرآن الكريم، سورة النور، الآية 23.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص357.
[5] الأنصاري، الشيخ محمد علي، الموسوعة الفقهية الميسرة، مجمع الفكر الإسلامي، إيران -قم، 1422هـ، ط1، ج3، ص302.

2025-12-16