يتم التحميل...

خَوْفُ الأَبْرَارِ

جمادى الثانية

قالَ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام): «إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً كَسَرَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ، فَاسْتَنْكَفُوا عَنِ الْمَنْطِقِ، وَإِنَّهُمْ لَفُصَحَاءُ بُلَغَاءُ أَلِبَّاءُ نُبَلَاءُ، يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْكَثِيرَ، وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ الْقَلِيلَ، يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ شِرَارٌ، وَإِنَّهُمُ الْأَكْيَاسُ الْأَبْرَارُ»

عدد الزوار: 10

قالَ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام): «إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً كَسَرَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ، فَاسْتَنْكَفُوا عَنِ الْمَنْطِقِ، وَإِنَّهُمْ لَفُصَحَاءُ بُلَغَاءُ أَلِبَّاءُ نُبَلَاءُ، يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْكَثِيرَ، وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ الْقَلِيلَ، يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ شِرَارٌ، وَإِنَّهُمُ الْأَكْيَاسُ الْأَبْرَارُ»[1].

إنَّ الخوفَ مِنَ اللهِ تعالى خضوعٌ وخشيةٌ أمامَ عظمتِهِ جلَّ شأنُه، وينبغي للمؤمنِ في الدنيا أن يُوازِنَ بينَ خَوْفَيْنِ: خوفٍ ممّا مضى مِنْ حياتِهِ، فهوَ لا يَدري أكانَ على خيرٍ أم لا؛ وخوفٍ ممّا هوَ آتٍ، إذْ لا يَعرِفُ ما خبَّأَتْهُ لهُ الأيّامُ القادمة.

وقد قالَ رسولُ اللهِ محمّدٌ (صلّى الله عليه وآله): «أَلَا إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْمَلُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ: بَيْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا اللَّهُ قَاضٍ فِيهِ؛ فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لآِخِرَتِهِ، وَفِي الشَّبِيبَةِ قَبْلَ الْكِبَرِ، وَفِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا بَعْدَ الدُّنْيَا مِنْ مُسْتَعْتَبٍ، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ دَارٍ إِلَّا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ»[2].

وعنِ الإمامِ جعفرٍ الصادقِ (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ اللَّهُ فِيهِ، وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ مِنَ الْمَهَالِكِ، فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً، وَلَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْخَوْفُ»[3].

وللخوفِ مِنَ اللهِ علاماتٌ عدّة، منها: انكسارُ القلوبِ وخشيتُها الدائمةُ منَ اللهِ تعالى، واتّهامُ النفسِ بالتقصيرِ، وقلّةُ الكلامِ، والمسارعةُ إلى أفضلِ الأعمالِ الصالحةِ، وعدمُ الرضا بالأعمالِ العاديّة، كما في وصفِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) لعبادِ اللهِ الذينَ كسرَتِ الخشيةُ قلوبَهُم.

كما أنَّ للخوفِ ثمراتٍ عدّة، تتلخّصُ في أمرَين:

1. ثَمَرةٌ في الآخرةِ: وهيَ الأمنُ فيها، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، فَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا آمَنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[4].

2. ثَمَرةٌ في الدنيا: وأبرزُها الوصولُ إلى مقامِ التوحيدِ في الخوفِ، بحيثُ لا يكونُ الخوفُ إلّا مِنَ اللهِ تعالى، وهوَ ما يورثُ الشجاعةَ والإقدامَ في مواجهةِ أعداءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد وردَ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ خَوْفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَوْفِ النَّاسِ»[5].

وإذا دقَّقْنا النظرَ في سببِ شجاعتِهِم، نجدُهُ عائداً إلى العلمِ والمعرفةِ الحَقّةِ باللهِ تعالى؛ فالمعرفةُ بصفاتِهِ القدسيّةِ وعظمتِهِ تُشعرُهُم بصِغَرِ الخَلْقِ وضعفِهِم، فلا يهابونَ أحداً ما داموا خائفينَ منَ اللهِ وحدَهُ، قالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.[6]

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] الكوفيّ الأهوازيّ، الزهد، ص5.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص70.

[3] المصدر نفسه، ج2، ص71.

[4] الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص79.

[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص169.

[6] سورة آل عمران، الآية 173.