يتم التحميل...

وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ

ربيع الثاني

من وصيّةِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) لولدِهِ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام): «وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ‏ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ»

عدد الزوار: 22

من وصيّةِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) لولدِهِ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام): «وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ‏ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ»[1].

منَ الصفاتِ المطلوبةِ في الإنسانِ المؤمنِ أن تتعدّى مسؤوليّتُهُ بناءَ ذاتِهِ إلى الإسهامِ في بناءِ مجتمعِهِ الذي يعيشُ فيهِ، ومن ذلكَ أن يتحمّلَ المسؤوليّةَ المرتبطةَ بما يحيطُ بهِ من أحداثٍ؛ لذا كانَت وصيّةُ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) هنا بأمورٍ ثلاثةٍ:

1. أن يبذلَ جهدَهُ في سبيلِ اللهِ، ويعطيَ الجهادَ حقَّهُ، وهيَ سنّةُ أئمّتِنا (صلواتُ اللهِ عليهِم)؛ ولذا نخاطبُهُم في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرةِ بقولِنا: «وَجَاهَدْتُمْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ‏»[2]. وكلُّ جهادٍ يكونُ معَ الإخلاصِ الكاملِ وبذلِ الجهدِ والصبرِ، من دونِ طمعٍ بالغنائمِ المادّيّةِ أو اعتناءٍ بالشهواتِ الدنيويّةِ، ومن دونِ وجودِ أيِّ دافعٍ غيرِ مشروعٍ يُغريهِ للاستمرارِ في جهادِهِ أو يُثنيهِ عنهُ، لا يُنظَرُ فيهِ إلى القلّةِ والكثرةِ، عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «قَلِيلُ الْحَقِّ يَدْفَعُ كَثِيرَ الْبَاطِلِ، كَمَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّارِ يُحْرِقُ كَثِيرَ الْحَطَبِ»[3].

وأن ينظرَ إلى الآخرةِ وما أعدَّهُ اللهُ لِمَن ينصرُ الحقَّ والمظلومَ، عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ مَشَى مَعَ مَظْلُومٍ يُعِينُهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ»[4]، وعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «اِلْزَمِ الْحَقَّ، يُنْزِلْكَ مَنَازِلَ أَهْلِ الْحَقِّ، يَوْمَ لَا يُقْضَى إِلَّا بِالْحَقِّ»[5].

2. أن لا يعتنيَ بلومِ مَن يلومُهُ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فالمجاهدُ الشجاعُ لا يخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ؛ لأنَّ الخوفَ منَ الملامةِ يُلحِقُ الضررَ بالمجاهدِ في سبيلِ اللهِ، وهذهِ الملامةُ تارةً تكونُ من شيطانٍ إنسيٍّ، وأخرى من إبليسٍ جنّيٍّ، قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[6].

فالمجاهدُ يفكّرُ في الخوفِ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ فقط، فعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ خَوْفُ اللَّهُ عَنْ خَوْفِ النَّاسِ»[7].

3. وأن يُلقيَ نفسَهُ في كلِّ الشدائدِ، إذا كانَ ذلكَ للحقِّ وحيثُ يكونُ الحقُّ، ويصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) مواقفَهُ الأولى في ميادينِ الجهادِ بينَ يدَي رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الألَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالآخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا، أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ»[8].

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص392، الكتاب 31.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص612.
[3] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص371.
[4] ابن أبي جمهور الأحسائيّ، عوالي اللئالي، ج‏1، ص377.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص84.
[6] سورة المائدة، الآية 54.
[7] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص30.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص91، الخطبة 56.

2025-10-08