يتم التحميل...

كرامةُ الشهداءِ

ربيع الثاني

لقد كتبَ اللهُ عزَّ وجلَّ على الخلقِ الموتَ والانتقالَ من هذهِ الدنيا، ولكن خَصَّ موتَ الشهادةِ؛ أيِ القتلَ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، بأعظمِ الكرامةِ، وقد وردَ في الآياتِ والرواياتِ بياناتٌ واضحةٌ للمنازلِ الإلهيّةِ التي خصَّهُم اللهُ بها كرامةً ورفعةً، وفي الآيةِ المباركةِ بيانٌ لبعضِها.

عدد الزوار: 137

﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾[1].

لقد كتبَ اللهُ عزَّ وجلَّ على الخلقِ الموتَ والانتقالَ من هذهِ الدنيا، ولكن خَصَّ موتَ الشهادةِ؛ أيِ القتلَ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، بأعظمِ الكرامةِ، وقد وردَ في الآياتِ والرواياتِ بياناتٌ واضحةٌ للمنازلِ الإلهيّةِ التي خصَّهُم اللهُ بها كرامةً ورفعةً، وفي الآيةِ المباركةِ بيانٌ لبعضِها.

1. أنَّهُ تعالى سيحفظُ لهُم ثمرةَ جهادِهِم، على المستويَينِ الدنيويِّ والأخرويّ؛ لما لجهادِهِم وشهادتِهِم من أثرٍ في ما كانوا يؤمنونَ بهِ، ويقاتلونَ لأجلِهِ: ﴿فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.

2. أنَّهُ تعالى سيهديهِم إلى منازلِ السعادةِ والكرامةِ، والكمالاتِ الإنسانيّةِ، والمقاماتِ الساميةِ، والفوزِ العظيمِ، ورضوانِهِ.

3. أنَّهُ سيصلحُ حالَهُم بالمغفرةِ والعفوِ، فيصلحونَ لدخولِ الجنّةِ، ويُحييهِم حياةً يصلحونَ بها للحضورِ عندَ ربِّهِم بانكشافِ الغطاءِ، ويهبُهُم هدوءَ الروحِ، واطمئنانَ الخاطرِ، والنشاطَ المعنويَّ والروحيَّ.

4. أنَّهُ سيُدخلُهُم الجنّةَ التي وعدَهُم بها، وادّخرَها لهُم، والتي سبقَ أن عرّفَها لهُم؛ إمّا في الدنيا عن طريقِ الوحيِ والنبوّةِ، وإمّا بالبشرى عندَ ارتقاءِ أرواحِهِم إلى عالمِ الآخرةِ.

5. مقامُ النعمِ الإلهيّةِ ومرافقةُ الأصفياءِ منَ الخلقِ، قالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِك رَفِيقًا﴾[2].

6. مقامُ الشفاعةِ في الآخرةِ، وقد وردَ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «ثَلَاثَةٌ يَشْفَعُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُشَفَّعُونَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ»[3].

كما أنّ الآيةَ المباركةَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[4]، بيّنَت لهُم ثلاثَ منازلَ أخرى:
1. أنَّهُم يأتيهُم الرزقُ من ربِّهِم، فهُم أحياءٌ يُرزَقونَ.
2. أنَّهُم يعيشونَ الفرحَ بما يصِلُ إليهِم من عطاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
3. أنَّهُم يعيشونَ البشرى بالنصرِ المكتوبِ لمَن خلفَهُم، وبالأجرِ الذي يصِلُهُم.

يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه) مبيّناً عظمةَ تلكَ المنازلِ: «ما الذي بوسعِ إنسانٍ قاصرٍ مثلي أن يقولَ عنِ الشهداءِ الأعزّاءِ، الذينَ قالَ اللهُ تعالى في شأنِهِم تلكَ الكلمةَ العظيمةَ: ﴿أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾؟ وهل يمكنُ بالقلمِ والبيانِ والكلامِ التعبيرُ عنِ الالتحاقِ باللهِ واستضافةِ مقامِ الربوبيّةِ للشهداءِ؟ أليسَ هذا مقامَ: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[5] الذي رأى الحديث الشريفُ مصداقَهُ في سيّدِ الشهداءِ والمظلومين؟ وهل هذهِ الجنّةُ هيَ التي يدخلُها المؤمنونَ أم لطيفتُها الإلهيّة؟ هلِ الالتحاقُ والارتزاقُ عندَ ربِّ الأربابِ هوَ هذا المعنى البشريّ، أم أنَّهُ رمزٌ إلهيٌّ أسمى وفوقَ تصوّرِ البشرِ الترابيّ؟»[6].

ختاماً، نتوجّهُ بأسمى آياتِ التهنئةِ والعزاءِ لمولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ (دام ظلّه) ولعوائلِ الشهداءِ وللمجاهدين جميعاً، بالذكرى السنويّةِ الأولى لشهادةِ شهيدِنا الأسمى السيّدِ حسن نصر الله والشهيدِ الهاشميِّ السيّدِ هاشم صفيّ الدين وكافّةِ الشهداءِ الذينَ نالوا ذلكَ المقامَ الرفيع.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] سورة محمّد، الآيات 6 - 8.
[2] سورة النساء، الآية 69.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص156.
[4] سورة آل عمران، الآيات 169 - 171.
[5] سورة الفجر، الآيتان 29 - 30.
[6] الإمام الخمينيّ، صحيفة الإمام، ج17، ص116.

2025-09-24